كواليس المسرح في العراق بين الأمس واليوم!

 سامي عبد الحميد

1- 2

لا أحد ينكر ان العراق شهد نهضة مسرحية واضحة منذ بداية الخمسينات من القرن الماضي. وأخذت تلك النهضة تتصاعد عبر الستينات والسبعينات ثم انتكست خلال الثمانينات أيام الحرب مع ايران وفي التسعينات أيام فرض الحصار. ورغم ان السلطة التي حكمت البلد بعد 8 شباط عام 1963 حاولت إيقاف النشاط المسرحي فألغت إجازات الفرق المسرحية الخاصة – الأهلية مخافة تقديمها مسرحيات تتعرض لتلك السلطة بشكل او بآخر، لكنها بعد حين شعرت بأنها بحاجة الى أعمال تلك الفرق المسرحية اولاً لكي تسد بها ساعات برامج التلفزيون، وثانياً لكي تظهر للعالم انها سلطة تقدمية لا رجعية. أقول مع ذلك فإن المسرحيين العراقيين الأصلاء ورغم تعرضهم للمضايقات والملاحقات استطاعوا ان يستمروا بنشاطهم وان يقدموا أعمالاً مسرحية متميزة بأفكارها وأشكالها. وهنا أذكر بعضاً منها مثل (البيك والسايق) اخراج إبراهيم جلال و(تموز يقرع الناقوس) لعادل كاظم وإخراج سامي عبد الحميد، و(عدو الشعب) اخراج بدري حسون فريد و(في انتظار غودو) اخراج سامي عبد الحميد، و(القرد الكثيف الشعر) اخراج سامي عبد الحميد، و(الرجل الذي صار كلباً) اخراج قاسم محمد وغيرها كثير في مرحلة الستينات فقط. تمثلت تلك النهضة المسرحية في الملامح الآتية:1- ظهور مؤلفين جدد للمسرحيات إضافة الى الرواد توفرت في كتاباتهم جميع عناصر الدراما الجيدة والمستحدثة، فكان هناك يوسف العاني في مسرحياته (صورة جديدة) و(المفتاح) و(الخرابة)، وعادل كاظم في مسرحياته (عقدة حمار) و(تموز يقرع الناقوس) و(الطوفان)، وطه سالم في مسرحياته (طنطل) و(الكورة) و(فوانيس)، ونور الدين فارس في مسرحياته (البيت الجديد) و(أشجار الطاعون)، ومحيي الدين زنكنه في مسرحياته (السؤال) و(انهضوا أيها العبيد) و(جدار الغضب). 2- ظهور مخرجين مقتدرين ومبتكرين درسوا فن المسرح في معاهد خارج البلاد، في أميركا وفي إنكلترا، وفي ألمانيا، وفي روسيا وفي دول أوروبا الشرقية وكلهم ساهموا في تجديد التقنيات المسرحية وتعرفوا على مختلف الأساليب الإخراجية وكلهم تطلعوا الى إنتاج مسرحيات متكاملة فنياً، ونذكر منهم كلاً من إبراهيم جلال الذي جاءنا للتعريف بمسرح بريخت الملحمي وجاسم العبودي الذي جاءنا ليعرفنا بطريقة ستانسلافسكي ، وقاسم محمد ليعرفنا بالمسرح الروسي وكذلك بدري حسون فريد وجعفر السعدي وبهنام ميخائيل وعوني كرومي وفاضل خليل وصلاح القصب وسعدون العبيدي ومحسن العزاوي وآخرين كثير. وكلهم قدموا أعمالا مسرحية مميزة تركوا عليها بصماتهم الخاصة. 3- بناء مسارح جديدة مجهزة تكنولوجياً إضافة الى مسرحي قاعة الشعب وقاعة الخلد ، فكان مسرح الرشيد الذي تهدم خلال مرحلة غزو العراق عام 2003، والمسرح الوطني الذي يصلح لتقديم العروض الاستعراضية والحفلات الموسيقية والغنائية اكثر مما يصلح لعروض الدراما. ونذكر ايضاً مسرح المنصور ومسرح الاحتفالات وهما الآن ضمن حدود المنطقة الخضراء حيث مواقع السلطة الحاكمة. كما تم تحويل سينما روكسي الى (مسرح النجاح) وتم تحويل مخزن للتبوغ الى “مسرح بغداد” وتحويل سينما الاعظمية الى مسرح وهناك أبنية مسرحية أخرى نذكر منها على وجه الخصوص (مسرح الستين كرسياً) وقد تم اشغال جميع تلك الأبنية المسرحية من قبل الفرق المسرحية.

4- ظهور عدد من الفرق الخاصة إضافة الى فرقة الدولة (الفرقة القومية للتمثيل) وكانت تلك الفرق أمثال فرقة المسرح الحديث وفرقة المسرح الشعبي وفرقة مسرح اليوم وفرقة اتحاد الفنانين تنافس في أعمالها أعمال الفرقة القومية ان لم تكن تفوقها. كما ظهرت فرق خاصة بالمنظمات المهنية والنقابات مثل فرقة المسرح العمالي وفرقة المسرح الفلاحي وفرقة الخنساء التابعة لاتحاد النساء.

5- ظهور أقسام للمسرح في معاهد للفنون الجميلة في عدد من المحافظات اضافة الى معهد بغداد، وظهور اقسام للمسرح في عدد من كليات الفنون الجميلة في عدد من الجامعات مثل جامعة بغداد وجامعة البصرة وجامعة الموصل وجامعة بابل، وكانت تلك الاقسام تقدم سنوياً عدداً من العروض المسرحية من اخراج اعضاء الهيئة التدريسية وطلبة الاختصاص.. وكانت الاعمال المسرحية التي تقدم آنذاك بمستوى عال فكرياً وفنياً وببرنامج يتفق مع المناهج الدراسية. 6- أقامت وزارة الثقافة مع دائرة السينما والمسرح مهرجانات مسرحية قطرية وعربية ابتداءً من عام 1985 وما بعده. وكان جميع من حضروا تلك المهرجانات قد اشادوا بتنظيمها وادارتها وبرامجها، هذا وقد شاركت الفرقة القومية للتمثيل وفرق مسرحية اخرى في مهرجانات مسرحية عربية ودولية وحصدت بعد العروض المسرحية العراقية جوائز كما حدث في مهرجان ايام قرطاج المسرحية في تونس وفي مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي في القاهرة. ومن المهرجانات الدولية التي شارك بها المسرح العراقي مهرجان (مسرح الرور) في المانيا.7- توسع رقعة المسرح التجاري ابتداءً من اوائل الثمانينات ووصولاً الى التسعينات بحيث رجحت كفته على المسرح الحقيقي والمسرح الملتزم والمسرح التجريبي ما دعا المسرحيين العراقيين الى الوقوف ضد ذلك التوسع. 

8- استجابة من وزارة الثقافة للدعوات للحد من نشاط المسرح التجاري الهابط تشكلت لجنة خاصة لدعم المسرح الأصيل سميت (لجنة المسرح العراقي) تولت الدعم المالي للفرق الخاصة – الأهلية لكي تستمر في نشاطها الفني، كما ان الوزارة دعمت (المركز العراقي للمسرح) التابع للمركز العالمي للمسرح (ITI) التابع لمنظمة اليونسكو، ومن خلال المركز العراقي تم دعم الفرقة الخاصة مالياً ايضاً. 9- توسعت رقعة الثقافة المسرحية عن طريق اصدار المجلات المتخصصة مثل (المسرح والسينما) ودوريات كليات الفنون الجميلة العراقية وكذلك توفر الاصدارات المسرحية من دور النشر المصرية والسورية واللبنانية والكويتية والاماراتية.10- رغم الرقابة الصارمة والقاسية التي فرضتها السلطات خلال الستينات والسبعينات والثمانينات والتسعينات من القرن الماضي إلا ان المسرحيين العراقيين في تلك المراحل استطاعوا ان يفلتوا من سوطها بوسائل ذكية. ومع هذا فقد تم منع عروض معينة من ان تظهر للجمهور كما حدث مع مسرحية (الجومة) لكاتبها يوسف العاني لفرقة المسرح الفني الحديث لكونها تتعرض الى الشاه. وكانت السلطة آنذاك قد تصالحت معه. وكما حدث مع مسرحية (دائرة الفحم البغدادية) التي اعدها (عادل كاظم) عن مسرحية (دائرة الطباشير القوفازية) لبرتولد بريخت وذلك لكونها تحمل افكاراً ماركسية. 

هذا ما كان بالأمس.. اما اليوم فحال المسرح في العراق هو كالآتي: 

1- لم يظهر الا عدد قليل من كتاب المسرحية الجدد امثال اولئك الذين ظهروا بالأمس وتميزوا بحرفية عالية في كتاباتهم ربما نشير الى “مثال غازي” و “علي عبد النبي”.2- لم يظهر مخرجون مقتدرون كأولئك الذين ظهروا بالأمس ممن تحلوا بخيال خصب وثقافة عامة وخامة تؤهلهم للاخراج المسرحي، فقد اعتمد المخرجون الجدد على خيالهم وعلى نزعتهم الفردية بالدرجة الأولى، وعند مقارنة اعمالهم المسرحية باعمال اولئك من حيث وضوح الرؤية واكتمال عناصر الانتاج نجد البون شاسعا، ورغم ادعاء المخرجين الجدد بأنهم مجددون وان من سبقوهم تقليديون إلا ان الواقع يثبت العكس تماماً. صحيح ان اعمالهم المسرحية تختلف في بنيتها وفي تقنيتها عن اعمال السابقين وانها قد تخرج عن المألوف، إلا أنها تفتقر الى وضوح الرؤية والى الشحة في الاكتمال، هذا اضافة الى عدم تميز احداها عن الأخرى وباختلاف مخرجيها، ولنأخذ مثلاً مخرجي ما يسمونه (الرقص الدرامي) فإن اعمالهم تكاد تتشابه في فحواها وفي تقنياتها والاستنساخ واضح فيها إلا في حالات نادرة، وأوكد ان العديد من المخرجين اليوم لم يتسلحوا جيداً.

——————————————

المصدر : مجاة الفنون المسرحية – المدى

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *