كواليس المسرح الشعري وشعرية المسرح /سامي عبد الحميد الجزء 2

 

ومن ا لشعراء العراقيين الذين كتبوا مسرحيات شعرية نذكر كلاً من (عبد الوهاب البياتي) ومسرحية (محاكة في نيسابور) و(عبد الرزاق عبد الواحد) ومسرحية (الحر الرياحي) والتي عرضت على المسرح من قبل طلبة كلية الفنون الجميلة جامعة بابل واخرجها (كريم رشيد) أواخر التسعينيات من القرن الماضي. ونذكر أيضاً (محمد علي الخفاجي) ومسرحيته الشعرية المبتكرة (الحسين يجيئ ثانية) و(معد الجبوري) ومسرحيته (أدابا) ويحيى صاحب) ومسرحياته وفي مقدمتها (الحسين أبداً) والغريب ان أحداً من المخرجين العراقيين لم يقصد لإخراج إحدى مسرحيات الخفاجي او يحيى صاحب وربما حتى (مسرحيات الشعراء السابقين. إلا ان الملاحظ أن (عادل كاظم) الف مسرحيته بعنوان (الزمن المقتول في دير العاقول) اعتمدت بالدرجة الأولى على أشعار الشاعر العربي الكبير (ابو الطيب المتنبي) كما ان الراحل (احسان علي) اعد مسرحيتين عن قصيدتين للشاعر عدنان الصائع تحت عنوان (هذيانات) أخرجهما (غانم حميد) أواخر التسعينيات من القرن الماضي وتتعرض المسرحيتان لأحداث الحرب ومآسيها .
وبعد (المتنبي) و(الهذيانات) لم تظهر مسرحية شعرية على مسارح العراق وبالأخص مسارح العاصمة بغداد، وهنا نتساءل: لماذا غابت المسرحية الشعرية عن الوسط المسرحي العراقي هذه الأيام؟ والإجابة بسيطة هي ان المسرحية الشعرية تحتاج إلى تحليل دقيق للألفاظ والمعاني والى الصور التي تفرزها الأبيات الشعرية والى الشخصات التي قد تبتعد بشكل أو بآخر عن الواقع. وتحتاج إلى مهارة من قبل الممثلين لإلقاء الشعر وايصال معانيه وصوره إلى المتفرج والى عدم الوقوع في فخ الرتابة التي قد يفرضها الوزن الشعري والقافية . كل ذلك يقتضي وقتاً طويلاً للتمارين ودراية وافية بفن الشعر ودلالاته ومهارة عالية في إلقائه من قبل الممثلين، وفي اعتقادي أن جميع هذه المتطلبات لا تتوفر لدى البعض من مسرحيينا هذه الأيام إذ أن الاستسهال هو الديدن ونفاد الصبر هو المهيمن .
في محاضرة لي في اتحاد الادباء والكتاب العراقيين عن علاقة الشعر بالمسرح اخذ عليّّ بعض الحاضرين انني لم أتطرق الى (شعرية المسرح) ومع اني لم أفهم المقصود بهذا المصطلح فهو جديد عليّ على الأقل إلا أنني مع ذلك أشرت باقتضاب اللا  فحواه عندما استذكرت مقولة للمخرج المسرحي الفرنسي المشهور (جاك كوبو) نصها “ان وظيفة المخرج هي تحويل النص المكتوب إلى شعر المسرح” وكان يقصد من ذلك بلاغة الصور المسرحية المسموعة والمرئية كما هي بلاغة كلمات والفاظ القصيدة الشعرية فذلك من أولى خصائص فن الشعر وتأتي موسيقاه بالدرجة الثانية فايقاع الشعر بانواعه هو الذي يميزه عن النثر وهو من عناصر جمالياته . وهكذا فالمقصود بشعرية المسرح هو جمالياته.
والجماليات لا يمكن تحديد عناصرها فهي نسبية فما آراه جميلا قد لا تراه انت كذلك، وما كان جميلا في زمن ما قد لا يكون كذلك في زمن آخر، وما هو جميل في بلد ما قد لا يكون كذلك في بلد آخر ولكن يمكن القول أن شعرية المسرح أي جمالياته تسري على جميع العناصر السمعية والبصرية والحركية وهي موجودة في النص الشعري وفي النص النثري ايضاً إذا ما كان ذلك النص على مستوى عالٍ من الحرفية والابداعية ولا بدَّ من أن تتوفر تلك العناصر بجمالياتها في العرض المسرحي بحسن القاء الحوارات وتوافق تعبيرات الممثلين مع معانيها وفي تناسب طراز الأزياء مع مرتديها من الشخصيات الدرامية وفي جاذبية المناظر وملحقاتها وتوافقها مع رؤية المخرج بألوانها وبأشكالها وكتلها وملامسها وفوق هذا وذاك تحقيق الايقاع المناسب لكل مشهد من مشاهد المسرحية وللعرض المسرحي ككل. وأهم من هذا او ذاك البلاغة التي يفرزها العرض المسرحي وهي الجمال بعينه كما هو في الشعر كذلك يسري على المسرح واعني بالبلاغة هنا ما يفرزه العرض المسرحي من صور مؤثرة ومثيرة مثلما تؤثر وتثير الصور الشعرية والشعر الذي يخلو من رسم الصور لا يعتبر فناً على حدِّ علمي .

المصدر/ المدى

محمد سامي / موقع الخشبة

 

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *