كلمة الأمين العام للهيئة العربية للمسرح الكاتب “اسماعيل عبدالله”..في افتتاح الدورة 12 من مهرجان المسرح العربي

 أصحاب المعالي والسعادة والعطوفة 

السيدات و السادة الحضور

أبناء السيد النبيل المسرح… نبلاء هذا الأوان.

مساؤكم مسرح و كل عام و أنتم بخير بمناسبة العاشر من يناير “اليوم العربي للمسرح”

بماء المحبة المنبجس من ثنايا صخور راحوب، نملأ زمزمية الأمل، و نتوضأ بزلاله، نرتدي عباءة الكرام من طاهر صعيد الأردن، نصعد نحو بلقاء العزة، نراهم شوامخ مثل سروها، خضرَ السرائر مثل أرضها،.. نراهم و نعرفهم، ها أنطوان الحيحي و فؤاد الشوملي، و روكس بن زائد العزيزي، و محمد المحيسن و عرار، و صلاح أبو زيد وها اسحق السردي و هاني صنوبر و ،ونديم صوالحة و يوسف أبو ريشة و وليد بركات و أمين شنار و ها أديب الحافظ و نبيل المشيني و سهيل إلياس وحسين أبو حمد و حسن إبراهيم و فارس مصطفى و يوسف يوسف و نادر عمران و عامر ماضي و بشير هواري و ها رشيدة الدجاني مارغو ملاتجليان.

و ها جيل آخر من الشباب يغذ الخطو نحو الذرى، من الصبايا والشباب الذين يخطون بالنور اسماءهم، و يشدون أزر خيول إبداعهم لتتابع المسير في الدرب الأصعب و الأجمل للوصول إلى الأنبيل المسرح. تعال يا روكس و بارك شباباً بدأوا بعدك بمئة عام و يسطرون بماء القلب سفر المسرح. تعال يا عرار و قل  لمبدعات كرسن حياتهن للمسرح : يا أردنيات إذا أوديت في المسرح، فانسجنها بأبي أنتن أكفاني.

بماء المحبة من راحوب نتوضأ و نصلي على تراب درج عليه رسولنا محمد، و تعمد في مائه رسول السلام المسيح، والوقوف على تربة هذه الأرض صلاة، و تنفس الهواء فيها دعاء، والخيل خير، والخير معقود بأكف مسرحييها المخلصين إلى ما شاء رب الخلق و الجمال.

نمشي إلى عتبات تايكي، نطمئنها أن المبدعات والمبدعين قد وصلوا عمونك سالمين، يبتغون وجه المسرح و يرفعون، للإنسانية السلام و الحرية، و يصلون، من أجل عدالة لا تهون، و من أجل أوطان حرة، و إنسان مكلل بالحق و المحبة، من أجل حرب على الظلامة و الجهالة بالنور و بالثقافة، بالمسرح، من أجل مقارعة البشاعة بالجمال، و من أجل مصارعة البلادة بالدهشة، من أجل محو الصمت بحلو المعاني، و محو الخوف بالأغاني، و محو العجز بأجساد بليغة التعبير و الكلام.

السيدات و السادة، شرفان يظللان هذا اليوم البهي، الرعاية الملكية السامية من لدن صاحب الجلالة الهاشمية الملك عبد الله ابن الحسين، و الرعاية و الدعم و التوجيه من لدن أخيه صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى لاتحاد الإمارات العربية المتحدة، حاكم الشارقة، الرئيس الأعلى للهيئة العربية للمسرح،  الذي حملني التحية و الاعتزاز بكم جميعاً، و هو الذي يتطلع بعين الفرح لما تنجزون و تبدعون، و يرقب بقلب المحب ما تنتجون و توصون، و يشرفني في هذه اللحظة أن أعلن امتناني لسموه الذي شرفنا بتكليف الهيئة العمل على تأسيس رابطة أهل المسرح و التي ستكون واحدة من مشاريع عمل الهيئة في خدمة المسرحيين على امتداد الوطن العربي، ، وفي هذا اليوم .. اليوم العربي للمسرح نعلن عن انتقال الحلم إلى حقيقة، و الإرادة السامية إلى واقع، نعلن عن  إطلاق رابطة أهل المسرح من خلال تأسيس أول مراحل عملها وأقسامها “صندوق الرعاية الاجتماعية للمسرحيين”، رابطة تتطور بتطور وعينا و جهدنا،لتكون عوناً لكل أهل المسرح المؤمنين به خلاصاً و المخلصين له، رابطة تهدف إلى المساهمة في حفظ كرامة المسرحيين خلاصة العصر و الأوان. 

نحن هنا في عمان اللقاء و الأخوة و الإخاء، من أجل جسر الهوة، و كسر العزلة، من أجل اللحمة في زمن التشرذم و القطيعة، من أجل أن ننسج معاً شمسنا الطالعة لا بد، و لوحتنا الماتعة لا بد، من اجل أن نرفع للمسرح قبابه، و من أجل أن نفتح للمسرح و نشرع على المدى أبوابه، من أجل أن تعلو صوامعه، من أجل أن نعلن أننا معه

نعم معه، مع المسرح حيث لا مناص و لا خلاص بغير المسرح سنام الثقافة و محرابها، و لا خلاص بغير إعلاء ما يمثله من ديمقراطية، فهنا في المسرح تختلف المذاهب و يبقى المسرح جوهر الإجماع، هنا تختلف المشارب و يبقى المسرح سيد الإمتاع، هنا نختلف لكننا لا نفترق، هنا نتنوع  و لا نقصي، هنا نجتمع على غاية رغم اختلاف السبل.

و ها هو المسرح على أرض عمان يجمعنا، شعباً لا شعوباً، قوماً لا أقواماً، في زمن التشرذم و الشحناء و التناحر و التباعد، هنا في عمان الوفاق و الاتفاق، يوحدنا الألم فينبثق الإبداع و الأمل، أولسنا هنا في عمان على مقربة نبضة القلب من دمشق أبي خليل القباني؟ أو لسنا هنا في عمان على مقربة رفة الجفن من بغداد حقي الشبلي؟ أو لسنا هنا في عمان على مقربة شرارة الحب من فلسطين نصري الجوزي، أو لسنا هنا في عمان على مرمى قبلة من بيروت مارون النقاش، أو لسنا هنا في عمان التي ترخي جدائلها فوق الكتفين فتمسي في المغرب و تصبح في البحرين، يرتد الفجر يقبلها بين العينين، و يبارك الرب منازلها والاحبابا، عمان القلب العربي بامتياز  و حق.. أولا يحق لنا أن نفرح و نعتز و نأمل و نحلم و نعمل و نبدع و نرسم رغم كل المحن ورداً يزين مداخلنا باباً بابا.

هذا مهرجان المسرح العربي، مهرجانكم يدشن اليوم دورته الثانية عشرة، مهرجانكم  الذي تطور و يتغير بكم و معكم، مهرجانكم الذي تجعلون منه منصة للأجمل من إبداعاتكم، معا نرفع شأن الإبداع المسرحي و نحن معاً نحو مسرح جديد و متجدد، وهذا سعينا المتجدد و الذي ليس له حد، هنا نرفع في هذا العام شعار “المسرح معمل الأسئلة و مشغل التجديد” كل هؤلاء المبدعين  يقدمون عروضهم على مسارح المهرجان و يشاركون في المؤتمر الفكري بندواته ومسابقاته.

في مهرجانكم هذا، يرسم الفنان الأردني صورة جديدة من الإقدام لرفع اسم بلده و فنانه إلى الأعلى و يبدع في ميدان الإدارة و التجهيز كما يبدع في العروض فها هو المهرجان الذي يكرم عشرة من الفنانين الأردنيين، يكرم بجهود 200 من المبدعين الأردنيين يسهرون في كل المواقع رافعين شعاراً واحداً “نكون”.

15 مسرحية عربية من أجود نتاجات العا2019، مؤتمر فكري يحتفي بالمساءلة العلمية و العملية لتجارب فارقة لفرق و قامات عربية، تكريم عشرة من سيدات و سادة المسرح الأردني، تكريم تسعة شباب عرب فازوا في ثلاث مسابقات لتأليف النص المسرحي و البحث العلمي، ندوات فكرية أربع في إربد للقامات العربية، ورشة لفنون الدمى في الزرقاء، و ثلاثة كتب جديدة تصدرها الهيئة بمناسبة المهرجان، ومعرض منشورات الهيئة العربية للمسرح، و معرض لذاكرة المسرح الأردني، إضافة إلى تسع ندوات تطبيقية نقدية، ثلاثون مؤتمراً صحفياً، و ثمانية أعداد من مجلة يومية ترصد الفعاليات بواقع أربع  عشرين صفحة، هكذا يكون مهرجانكم في المستوى الذي يليق بإبداعاتكم، و إننا نعدكم بتطورات مفصلية في صياغة الدورات القادمة.

و إذا كان المهرجان محطة مهمة في أجندة المسرح العربي، و موعداً هاماً للمثاقفةو تحسس الطريق إلى الأمام، فإن عملًأ دؤوباً على مدار العام يسير بتواتر عالٍ في جهود متضافرة، فتسعة مهرجانات وطنية نظمتها الهيئة العربية للمسرح بالتعاون مع مؤسسات رسمية و مدنية في العام 2019، قدمت ما يزيد على 80 عرضا مسرحيا عربياً جديداً، وإنجاز استراتيجية تنمية و تطوير المسرح المدرسي في الوطن العربي لأهدافها في التدريب والتأهيل على امتداد الوطن العربي، و نجاحها في وضع اول منهاج متكامل للمسرح مطبق على أرض الواقع في كافة المدارس الحكومية بدولة الإمارات إضافة إلى النشر و التوثيق و تأسيس العمل على إنشاء مراكز للفنون الأدائية في أربع  دول عربية، كل هذا يدفع الجدار الذي كان أمامنا، ليسهل تجاوزه و بناء صروح للفن و الثقافة بدل بناء الحواجز التي تعيق الثقافة والفنون.

في هذا الزمن الصعب يظهر جوهر المسرحي المبدع الملتزم بإحياء الحياة في مواجهة الموت، في إيقاد نار المعرفة في مواجهة الظلامة، في هذا الزمن ما أحوجنا للمسرحي “المناضل” حامل المشعل، حامل الراية، المتقدم الصفوف بالفن، المبشر بالسلام حين يغوص القتلة في الدم ، فحين ينتعش تجار الموت يكون المسرحي رسولاً للحياة.

مسرحنا يحتاج اليوم إلى العمل، إلى السلام فيما بين بنيه و بناته، يحتاج إلى أن يقضي فرسانه الوقت في خلقه و ليس في خنقه، مسرحنا اليوم بحاجة أكثر إلى العلم، البحث، التحقيق، التوثيق، السجال المعرفي، يحتاج النأي عن تحويل التناقض إلى صراع، يحتاج النأي عن الصراعات الصغيرة التي تؤدي إلى تحجيمه و تتفيه دوره، بحاجة إلى قبول الآخر فكراً و إبداعاً و مغايرة، بحاجة إلى إقدام الشباب دون أن تحبطهم رغبات من شاخت قواهم الإبداعية، بحاجة إلى إقدام الشباب و نأيهم عن أن يتحولوا إلى عالة و طلاب رعوية المؤسسات التي تتحول في لحظات التغيير إلى الحاكم المتحكم.. المسرح صنو الحرية، و المسرح صنو الأخلاق بالمفهوم القادر على تنمية الحرية والثقافة في أوصال المجتمعات.

ما زالت أصوات أزاميل و فؤوس الأنباط تعطي للزمن أمثولة الجمال في بترا، و ما زالت صخور بصيرا ترفع قامات الأدوميين المدافعين عن الجمال، و ما زال عجلون يصلي في محرابه للرب آمنا بعد أن بنى أسامة قلعته على قمة الربض و أمنه صلاح الدين على صومعته التي بقيت محروسة في القلعة لتشرع التآخي و الأمان على أرض الأردن، وما زالت عين غزال تتدفق بالمعاني، و سهول حوران تنجب كل يوم مبدعاً و تتغنى بأسمر اللون حوراني، و عرار يربط بعقال إربد شعر الحرية وتآخي بين الناس ولا عبد ولا أمة ولا إرقاء في أزياء أحرار، و ما زال النشامى يرددون عن المسرح الوطن مع فتى غريسا حبيب الزيودي.

يا حاديَ العيسِ ذا شعبي وذا وطني ما ذاقتِ العينُ من أوجاعِه الوَسَنا

إنا فرشناه طْيباً غامراً و ندىً و قد ملأناه زهراً عابقاً و سَنى

عشتم مبدعين و عاش المسرح رايتكم

كلمة الأمين العام  للهيئة العربية للمسرح الكاتب اسماعيل عبدالله

في افتتاح الدورة 12 من مهرجان المسرح العربي

شاهد أيضاً

وادي الذئاب تعيد للمسرح الصومالي حياته بعد ثلاثة عقود من التوقف

        وادي الذئاب تعيد للمسرح الصومالي حياته بعد ثلاثة عقود من التوقف …