“قصة حب وثنية” مجموعة مسرحيات مسبوكة بيد صانع ماهر – عواد علي #العراق

iraq 14

نصوص الكاتب المسرحي سعد هدابي تتسم بقصرها وأسلوبها الإيحائي والمجازي وأحداثها الجليلة وقلة شخصياتها المأزومة الطافحة بالصراع النفسي.

تراجع الجانب الأدبي في المسرح، وصار أكثر اعتمادا على الصورة والجسد والضوء وغير ذلك من العناصر التي تأخذ مساحة اللسان والكلام. لكن يبقى المسرح محافظا على جانبه الأدبي في النصوص التي يشتغل عليها، وهو ما نراه جليا إما في اقتباس مسرحيات عن روايات وقصص أو الاشتغال على نصوص مسرحية، هذه النصوص التي يمكنها أن توجه للقراءة أو الفرجة.

يقارب الكاتب المسرحي العراقي سعد هدابي، في نصوصه المسرحية السبعة التي ضمها كتاب واحد بعنوان “قصة حب وثنية”، قضايا إنسانية ذات أفق محلي وعربي وكوني في آن واحد.

تحمل المسرحيات، الصادرة حديثا عن دار نيبور للطباعة والنشر في الديوانية – بغداد، عناوين “قصة حب وثنية، أرواح جائحة، النبّاشة، صهيل، الوقاد، شرفات، نساء في عاصفة”، وهي تقوم على صراع درامي جوهره الإنسان أينما يكون، حيث الهموم والآلام والآمال المشتركة، حسب قراءة الكاتب عبدالعليم البناء.

من بين هذه النصوص قُدّم اثنان منها في المغرب وفلسطين، الأولى في مراكش وهي “نساء في عاصفة” إخراج عبدالعزيز أشنوك، وتمثيل رميساء أوشنوك وأميمة كزبر، والثانية في غزة وهي مونودراما “صهيل” للمخرج أسامة مبارك الخادي وتمثيل وليد أبوجياب.

أرواح تائهة

iraq1 114
صراع درامي جوهره الإنسان

تتناول مسرحية “قصة حب وثنية” حياة صفوان، الذي يعيش مختبئا مع فتاة خرساء بساق واحدة تدعى ياقوت في مشغل لصناعة الدمى بأحد المصانع، يشبه القبو، فيه أنواع من مشاريع لدمى هجينة لم تكتمل بعد، ووعاء ومهد خشبي وحبل يمتد إلى السقف، حيث الفتاة تصنع الدمى القماشية بماكينة حياكة.

وفي حوار جدلي عبثي يقص لها صفوان قصته العبثية، مثل قصة آدم على الأرض، قائلا إنه يشبه القرود، إلا أن اختلافه عنها كان سببا في مطاردته من طرف هذا الرجل أو الحاكم، الذي يسيطر عليها، وأنه ينتظر الاعتقال.

لكن صفوان يسعي أولا إلى أن يصنع عكازا للفتاة، ويثبت لها أنه يحبها، ويختلف عن هؤلاء المنافقين الذين باعوا أنفسهم، ولا يستطيعون الرجوع عما فعلوه أو استبداله.

تنتهي قصة الحب الوثنية بالهرب داخل وعاء كبير يشعل فيه صفوان عود كبريت للخلاص من رحلة العذاب والامتهان.

وتدور أحداث مسرحية “أرواح جائحة” حول شخصيتين عصفت بهما متغيرات الواقع، في ظل جائحة كورونا، وأكلت من جرفهما حتى صارا لا يعرفان بعضهما بعضا.

 بطلا المسرحية أخوان بيولوجيا، لكن من أنجبهما هو الواقع وليس رحم الأم، التي ما عادت تشكل رابطا إنسانيا في علاقتهما، فهما من دون جذر باعدت بينهما الظروف ثم جمعهما الحجر الإجباري.

وفي مسرحية “النبّاشة” يورق الرمز في ما كان راسبا في قاع البطلة رملة وهي تحلم بعودة زوجها من الحرب التي لا تنتهي في رأسها، وتنتظر اللحظة التي تعانقه فيها. تعيش مع ابنتها في أحد أطراف المدينة، وتواظب على نبش القمامة من أجل رغيف الخبز. وفي النهاية نكتشف أن زوجها يعود هاربا من المصح، وأن الحروب كانت تسكن رأسيهما.

تجسد مونودراما “صهيل” عذاب الإنسان المقهور في رحلة قدرية بعد أن طحنت الحروب والأزمات أيامه واستباحت وطنه، فما كان منه إلا أن يحمل معه كتبا عن تاريخ جذوره وانتمائه.

كان يبحث عن هدنة مع من حوله عسى أن يرمم ما تساقط من حياته وتاريخه وغده المثخن بالمجاهل، فيقوده العطش إلى بئر هو منفى يوسف هذا الزمان، يوسف الذي تخلى عنه إخوته، وتعمدوا قهره وضياعه ليجد أن هنالك أكثر من يوسف ينوء بقهره، حيث الجريمة ذاتها لا تزال تطارد من هو حقيقي يسعى إلى أن يعيش حرا معانقا السلام، فيصرخ صرخة كونية “لماذا في كل زمان ومكان هنالك يوسف، وقطيع من إخوة يقتفون أثره للإطاحة به؟”.

امرأتان في زنزانة

iraq3 29

أما مسرحية “نساء في عاصفة” فتحكي عن امرأتين حاملين في زنزانة، محكوم عليهما بالإعدام وهما تشرفان على الولادة، وتعيشان محنة الصراع بين القادم من الأحياء وإغلاق سجلهما عند المقصلة.

 تتمنى الثانية إيجاد وسيلة تخلصها من الجنين، الذي ترى أنه عفن يستوطن كيانها وليس من سبيل غير المرأة الأولى في ذلك المكان. إلا أن هذه ترفض الفكرة قائلة “مستحيل، لن يكون هذا، ما ذنبه؟”، فتجيبها الثانية “ذنبه أنه روح شيطاني.. لعنة أنبتتها نزوة اغتصاب لفاتح استباح بيتنا وأحرق كل شيء”.

ثم تعترف بأنها انتقمت من ذلك المغتصب بقتله. وحين تروي الأولى حكايتها يتضح أنها صحافية حُكم عليها بتهمة التجسس لأنها اخترقت الخطوط الحمراء للجيش، وفقأوا عيني زوجها أمامها في غرفة التعذيب.

وفي النهاية تلد المرأة الأولى ولدا تسميه يوسف، ونتفاجأ بأن الثانية ليست حاملا، بل تلف بطنا بلاستيكية تحت ثيابها، تقوم بانتزاعها ورميها على وجه المرأة الأولى، ومن ثم تسحب الطفل وتخرج من فتحة تُفتح في جدار الزنزانة. وحين تجري أم الطفل خلف تلك المرأة يُغلق الجدار، وتسقط على الأرض جثة هامدة.

أنتيغون جديدة

تعود مسرحية “الوقاد” إلى حكاية من حكايات الأمس في العراق إبان أحداث عام 1991، التي عمّت مدن الجنوب وبعض مدن الشمال، في أعقاب انسحاب الجيش العراقي من الكويت على نحو مذل ومهين.

 خلال تلك الأحداث تدور المسرحية حول قصة واقعية لفتاة أُعدم أخوها ودفن في منطقة الحفار، فما كان منها إلا أن تتنكر بملابس الحطابات وتذهب لجلب جثته ودفنها في حديقة بيتهم سرا. وتذكرنا شخصية الفتاة بشخصية أنتيغون في الأسطورة الإغريقية التي تتمرد على الحاكم المستبد خالها كريون، وتدفن جثة عدوه أخيها بولينيس لأن عدم دفن الموتى خطيئة تحرمها العقيدة اليونانية القديمة.

أما في مسرحية “شرفات” فيتناول الكاتب تأثير جائحة كورونا على الناس عبر شرفات المساكن، والحجر الصحي، مصورا إياهم دمى تتنفس التحجر، وتذوي علاقاتها الإنسانية، فلم تعد تشعر بوجودها الآدمي.

تتسم نصوص سعد هدابي هذه، وغيرها من النصوص، بقصرها، وأسلوبها الإيحائي والمجازي، وقلة شخصياتها المأزومة، الطافحة بالصراع النفسي، وأحداثها الجليلة، كما يقول الناقد باسم الأعسم، وتفصح عن خبرة مسرحي متمرس في إنتاج نصوص مسبوكة بيد صانع ماهر، فهو يكتبها للعرض، لا للقراءة فقط، وقد يتناص مع كتّاب آخرين، لكن بصماته الخاصة تطبعها دائما ويبلغ التكثيف فيها أقصى مداه على صعيد الحوار والأحداث والأفكار.

يُذكر أن الكاتب مخرج مسرحي وممثل أيضا، يقيم في مدينة الديوانية بالعراق، وسبق له أن أصدر مجموعة مسرحيات في كتاب بعنوان “أبصم بسم الله” عن دار الشؤون الثقافية العامة في بغداد ضمت أبصم بسم الله، بنيران صديقة، ذات دمار، كوليرا، العباءة، حدث غدا ورماد.

iraq2 70

                                                                                                                                  أعمال تعالج أزمات الإنسان المعاصر

alarab.co.uk
عواد علي

 

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …