قراءة نقدية في مسرحية “أبحر في العينين ” – وضاء الحمداني

خلاصة المسرحية :

المسرحية تحكي قصة رجل مسحوق يعمل في مهنة التمثيل لمدة تزيد عن ثلاثين عاماً ويبدو انه مل من الحياة ومل من مهنة التمثيل وهو يضطر لان يضحك الناس وأن يلهث مثل الكلب وأن يخلع ملابسه من أجل اسعاد الناس لكنه من الداخل حزين جداً ، ويقرر في يوم من الايام أن يذهب للمسرح وأن يعتزل العالم وأن ينام بهدوء ويسمع طرق الباب بشدة الذي يزداد قوة وضراوة كلما تقدمت بنا المسرحية وهو يرفض فتح الباب ، والمسرحية قالت أشياء وسكتت عن أشياء فالمسرحية لم تمس طرف ولم تصرح ولم تهدد ولم تشجب وانما ظلت تحكي معاناة هذا الشخص أي الممثل الذي يسعد الناس وهو في داخله حزين ويضطر الى أن يقضي بقية حياته في المسرح وهو موصد الابواب ولا يفتح الباب مهما طرق الباب ومن كان هو الطارق ، فيقابل المرأة التي أحبها بحضورها الى المسرح ، فشخصية الممثل متشائم ومتمرد ، وشخصية المرأة متفائلة ورافضة لواقع هذا الشخص ولا تريد أن تكون نسخة وصورة منه ، أما شخصية الحارس فأنه لحاله وهي شخصية قانعة في حياتها ولا تريد سوى أن تعيش بهدوء وسلام.ٍ

والمرأة تقول للممثل انه مجرد مضحك ومهرج وتابع ولا فائدة ترجو منه وفي هذه الاثناء يشرب ليحاول أن يقضي ليلته بهدوء وسعادة وفي هذه الاثناء يأتي الحارس ويزداد طرق الباب ويخبر الرجل أي الممثل أن يفتح الباب والممثل يرفض وأيضاً يشرح الممثل معاناته للحارس ويقول له الحارس انه ممثل محترف وأيضاً هو تابع فيخبره الممثل بأن هاملت لشكسبير في حواره الشهير الذي يقول فيه أكون أو لا أكون يرى انه كان عليه أن يقول لا أكون لأنه وصل في حالة يرثى لها ويستمر طرق الباب بشدة وهو يرفض فتح الباب مع شرب الخمر ويقدم الكأس للحارس فيرفض بالبداية لكنه يقبل بتناول الشراب في نهاية المطاف ويسكرا لكن يكتشف الحارس ان ما شربه هو الماء فقد سكرا في الماء وهذه هي المفارقة ثم يزداد الطرق بشدة والصدمة تحدث بأن يموت الممثل من الخوف ويسمه الحارس بعدها أصوات بشر وأصوات نباح كلاب وعربات نجدة واسعاف وسيارات مطافي وأصوات طائرات مروحية وتتصاعد الاصوات مع تعالي صوت الموسيقى وتنتهي المسرحية بهذه النهاية المأساوية. مسرحية (أبحر في العينين ) ل د.عواطف نعيم فكل شخصيات هذه المسرحية تريد أن تنعزل عن العالم وتريد النوم بهدوء لليلة واحدة واعادة التفكير في حياتها السابقة ومراجعة النفس والذات من أجل الاستمرار في الحياة.

تحليل المسرحية :

نلاحظ في المسرحية مزج بين الوهم والحقيقة من البداية وحتى النهاية فالمسرحية متخيلة وغير واقعية لكنها تحكي عن تمرد الرجل الرافض لوضعه وحالته ومهنته التي مل منها منذ البداية الى النهاية فيكتشف ان الذي قام به طوال سنوات من العمل مجرد عبث لا غير والحياة في نظره وفي نظر بعض الناس هي مجرد وهم وعبث لا غير ، ويبدو ان الرجل متمرد من الدرجة الاولى وتمرده يظهر على نفسه وعلى الناس مهما كانوا هؤلاء الناس فالمسرحية كلها تمرد وهذا يبدو من عناوين فصول المسرحية بالتمرد الاول والثاني والثالث والرابع والخامس والسادس والسابع والثامن وهذا يذكرنا بمسرح (كامو) في مرحلته الثانية لان مسرح (كامو) في مرحلته الاولى كان مسرح عبث وفي مرحلته الثانية تحول الى مسرح تمرد ، ونلاحظ استخدام المؤثرات الصوتية كما في صوت الطرق طرق الباب في كل أنحاء وأجزاء المسرحية مع استخدام صوت عربات النجدة والاسعاف والطائرات ومزجها مع صوت الموسيقى الذي يتصاعد في نهاية المسرحية.

وتظهر الروح التشاؤمية والطابع التشاؤمي من خلال الحوارات الآتية الرجل : (( لقد ألقيت من جيوبي كل ما تعلمته من الكتب كلام الكتب كثير ،وحكم الطيبين كثيرة جميلة لكنها ثقيلة وأنا أريد أن أصل الى آخر السلم ! لذا فقد جمعتها كلها ووضعتها تحت قدمي وقفزت الى أعلى ، لا كلمات ، ولا حكم ، ولا مثل ولا قيم)).

ونرى الرجل يكشف الحقيقة ويلمس الواقع حينما يقول الرجل : (( كان عليك يا صديقي شكسبير أن تقول لن أكون ولا أكون وتلك هي العلة !!)).

يبدو ان شخصية الحارس يكشف الحقيقة ويلمس الواقع 0الحارس : (( تلك النار غير هذه قد تكون هناك أوقات تستريح منه من عذاب النار أما هنا فهي موقدة طوال الوقت )).

ونرى ان الرجل يصيب الحقيقة نفسها حينما يقول الرجل : (( خسرتك أيها الانثى الرائعة كما خسرت هذه الخشبة ولم أكن سوى عاشق يفتعل العشق وممثل يفتعل التمثيل )) 

وحبيبته ترفض أن تكون صورة منه أي أن تكون ممثلة عبثية وهزأة ومهرجة متمردة ومتشائمة .

وقد بدا للباحث ان اعتماد المؤلف على تكرار بعض العبارات قد كان لتأكيد روح التشاؤم فضلاً عن الرموز التي بدت مهيمنة على المسرحية فعلى سبيل المثال لا الحصر تكررت عبارة (انتهت المسرحية). لأكثر من سبع مرات على لسان الحارس ، وأيضاً عبارة (هم ).لأكثر من سبع مرات ، وأيضاً عبارة( تابع ). لأكثر من سبع مرات على لسان الحارس ، وعبارة(اعتزل). أكثر من خمس مرات على لسان الرجل والحارس ، وأيضاً عبارة( في حدود المعقول ). لأكثر من سبع مرات وأيضاً على لسان الحارس.

كما تجلى استخدام الكوميديا السوداء في الحوار الآتي الحارس : (( أنت بحاجة اليهم ، والكل معجب بك . لأنك معروف ولامع الرجل : مثل رأس البصلة )).

الهوامش:

(*)د. عواطف نعيم ، مسرحية: أبحر في العينين ،ط1 ، (الشارقة : 2006) .

——————————————————— 

(مجلة الفنون المسرحية)

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …