قراءة نقدية للعرض المسرحي ” شابكة “

بقلم الكاتب والناقد محمد أمين بنيوب – مجلة الفنون المسرحية 
 
 
النفس 219. أنا الموقع أعلاه وليس أدناه ..
شابكة في بني ملال لفرقة عطر الملوك أو زهر الأوركيد الأسطوري…
1.كتابة برشيد وثنائية الهوية والحرية..
كان ولازال المبدع عبد الكريم برشيد يدعو لمسرح نابع من جذور التاريخ ومستلهم لوقائعه ومتفاعل مع تحولاته المجتمعية وقضاياه المصيرية.
تقف منظومة الكتابة المسرحية البرشيدية عند سؤال جوهري وناظم لهذه الكتابة وموثق لتفاصيلها وتضاريسها الضاربة في الحضارة والثقافة والفرجة الكونية . إنه سؤال الإنسان الفاعل والمغير للكوكب البشري والثواق للحرية والصراع من أجل استمرار وجوده. وجود بثنائية مزدوجة ومركبة، الهوية والحرية. وحياة الدراما في تاريخ البشرية، عمقها الفكري والفلسفي، الدفاع عن هويات إنسانية وخطابها الثقافي والفني ترسيخ قيم الحرية والحوار المتمدن. 
إذن، ماهو هذا الكائن الجبار الذي يستوطن دواخلنا ويفرض علينا تأريخ هوياته ونحث شجرة أنسابه وتدوين ألقابه والتحدث باسمه ونقل مأساته وملهاته وسخرياته للعالم ؟؟؟
طبعا الدراما هي من تعالج الأوضاع السفلى للأجلاف والمستضعفين وتفضح أسرار الأوضاع العليا للمتسلطين على الأعناق والأرزاق.. 
فمرة عطيل ومرة كودو ومرة الحكواتي الأخير ومرة  كاليليو ومرة سيدي قدور العلمي ومرة كاهنة المطبخ ومرة المقامات واللائحة ممتدة في الزمان والفضاء والتاريخ. 
وفي آحايين كثيرة يجنى على نصوص تعد وتقتبس بدون وعي وتقدم بلاروح وبلاأفق معرفي وبلاحس جمالي، تحت ذريعة التجريب في الكتابة.
2.عرض شابكة ولعبة الأقنعة.
هذا مقال نقدي لمسرحية ترسم معالم هذه الثنائية، ثنائية الهوية الحربائية والحرية المقنعة والممنوحة عبر جرعات، كما طرحها خطاب نص على باب الوزير للكاتب عبد الكريم برشيد والذي تحولت مضامينه وأفكاره وقيمته الفنية إلى شابكة بفعل فاعل……..
هنا الفاعلون معلومون وليسوا بمجهولين. مادام الكاتب المسرحي منح لمبدعي العرض مساحات كبرى لكي يقوموا بتحويل بنيان النص وتنويع أحداثه ووضع هويات جديدة لشخوصة الماكرة والغارقة في السخرية، بغرض الاستجابة لأوضاع راهنية غارقة بدورها في المكر والخداع والتمويه وتغيير الأقنعة حسب الموقع .كل شخصية درامية يحدد مصيرها على الركح في مدى احتلالها لموقع السلطة. سواء سلط سياسية أو اقتصادية أو رمزية ومن لم يحدد مصيره في مستنقع اللعب الكرنفالي، فهو أقرب لحثالة آدمية معرضة على الدوام لكل أصناف التهجين ومآلها المحو من سجلات والتاريخ ورقائقه. 
في هذا الاتجاه. عمل شابكة يؤسس لذلك. عليك أن تحدد موقعك في سلطة اللعب.فأنت وسط رقعة اللعب المحددة والمرسومة سلفا، مجرد أداة طيعة وخاضعة لسلطة عليا تسحقك أو أنت فقط لعبة أطفال بخيسة يحسن استعمالها واستغلالها حسب الظروف أو على الأصح مجرد رماد يتم تبريد أو تسخين بنزينه حسب المحن والأزمات والفجوات.
في كلتا الحالتين، أنا وأنت والآخرون، كائنات للتعبئة والتهييج والترويض، أقرب لتجارب كلاب بافلوف أو مختبرات أعدت للتبليد والتنويم. دائما على مشارف الإنهيار والإنحدار. دوما نؤجل مأساتنا ونغلفها بالطقوس الكرنفالية ونلبسها ثياب الاحتفالات النصرية والملحمية.
في الحقيقة، وجودنا ثابت لا يتزحزح. نحن خارج قوانين التاريخ وأبنيته. (في كل مرة نشرف على الهاوية. ثم في آخر لحظة،نعثر فيها على حيلة ننقذ بها الموقف، فنطبل ونغيط ونظن أنفسنا كسبنا المعركة، في حين اشترينا مهلة، وهكذا تتوالى الأيام كلها أعياد كما تقول الأغاني.عبد الله العروي. خواطر الصباح) 
3. من عتبة باب الوزير إلى فوضى عالم موسيقي كرنفالي يدعى شابكة. 
ينهض النص الأصلي على باب الوزير للكاتب عبد الكريم برشيد على نفسين اثنين من سبعة عشرة لوحة باللغة العربية.
يتكون النفس الأول من إحدى عشرة لوحة .تقع أحداثه داخل منزل تقطنه عائلة عبد العالي. أقرب لكوخ مرمي في ضواحي المدينة.
أما النفس الثاني،فيضم ست لوحات. تجري وقائعها في إقامة الوزير الفاخرة.خدم ورفاهية. عائلة عبد العالي على باب وزير،عله يفتح لها باب الزمن المخملي. العائلة كلها مجروبة، باستثناء الزوجة صالحة.صالحة الروح والفكر والجمال والأصل.
عائلة عبد العالي تعرف جيدا ماضي الوزير البئيس وبخاتم سليمان اقتحم الوزير ببلادته ونواعيره الدوائر العليا. جدد هويته ووسع وعاء مصالحه ورمى شباك أخطبوطه الانتهازي في الوحل المجتمعي. قطع بصفة نهائية مع ماض يدعى الضواحي المعتوهة والمقرفة. حتى عائلة عبد العالي بالنسبة إليه باعوضة. شيء يجهله ولايرغب بمن يذكره بأيام البؤس والتيه والبلادة.
اعتمد مشروع نص شابكة، إعدادا وتصورا فنيا وإخراجا على النفس الأول فقط (أربع لوحات بالدارجة).
فالمبدع أمين ناسور،ركز بشكل جيد على عائلة عبد العالي وصراعاتها الداخلية.من جهة صراع الأم التي تقاوم من أجل البقاء والتحدي وعدم الاستكانة ومن جهة أخرى صراع الأب والابن من أجل الوصول نحو عالم علوي لايلائم مقاس بذلهما الغارقة بروائح الزلط ورطوبة هوامش المدن. يحضر جهاز المذياع بقوته التشخصية. يحتل مكانة أساسية في الحكي واللعب والحركة.بل يشكل روح العمل الفني وتم إظهاره كشخصية تقمصها بحرفية عادل أضريس. أحيانا متحكمة في الأوضاع وأحيانا أخرى ساخرة منها. فسينوغرافية العمل الذي وقعه المبدع طارق الربح، وضع الكل وسط مذياع رسمي. يبث خطابا توزيعيا مخدوما في رسائلة ورموزه ومعانيه( في دراسته حول الإذاعة. اعتبر برتولت بريشت الإذاعة أداة توزيع وليست أداة اتصال) .فالعائلة مسجونة داخل مذياع يوزع وجبات استهلاك وهضم المعلومات عبر أنماط توزيعية. ترقص العائلة المعتوهة على نغماته. تدجن بنشراته. تسجال أصواته المتنافرة. تسبح عبر موجاته المتقلبة.حتى من يعمل بداخله أصيب بالضجر ومل من نشر التمويه الاتصالي. في النهاية،تقرر شخصية المذياع الثورة على وظيفة التوزيع والبحث عن أمكنة صادقة للاتصال النبيل. 
أحسسنا ونحن وسط القاعة، أن ذبذبات المذياع أيقضت كل السخريات وشحنت كل العوالم بالضحكات البيضاء والصفراء والسوداء.طرح السؤال علي كمشاهد. 
هل كنا نسخر من عائلة عبد العالي؟؟ أم كنا نسخر من أحوالنا أم نسخر من شخصية صوت الراديو الذي قذفته الموجات الكهربائية اتجاهنا غاضبا حانقا ؟؟؟؟
هل قدم لنا عمل شابكة موقفا كرنفاليا من الذات والمحيط والعالم؟؟؟ 
ما دور الجوقة الموسيقية الجوالة؟؟ هل حدد في الربط؟؟ هل حدد في تكثيف حالات درامية دون أخرى؟؟؟؟ 
هل كانت الموسيقى الدرامية شاهدة ومؤرخة لحالة أسرة عبد العالي ومختزلة لحالتي البؤس و الطموح؟؟
هل كانت موثقة لصورة التسلط والقهر؟؟
لماذا تم استعمال الموسيقى الحية؟؟؟
لماذا زاوجت بين الثقافة الموسيقية الكلاسيكية وأنماط الثقافة الموسيقية المغربية؟؟؟ 
عبر هذه العوالم المتضاربة وأمواج الحياة المتلاطمة. انتصب ركح معبأ بالحكي الممزوج بالحركة والغناء والرقص بعمق غارق بالكوميديا وتوابعها الساخرة.
أدخلنا عمل شابكة في عوالم متشابكة. ضاع فيها صوت الحرية والهوية وتاه منطق الحق. وحدها صالحة جنحت لإسماع صوت حر لا يباع ولا يشترى وتقمصتها بحرفية كبيرة الممثلة حنان الخالدي.أما شخصية عبد العالي والتي جسدها الممثل الموهوب والمقتدر عبد الله شيشة، ظلت قابعة وموزعة وساخطة على وضع اجتماعي ومهني بئيس وطموح انتهازي للارتقاء في سلم اجتماعي يفوق شريحته المختلة.
وتبقى شخصية سلطان الابن الحربائي، ظاهريا يرتدي فكر المعطف الثوري وباطنيا ينخره فكر وصولي ونفعي. أجاد في لعب هذا الدور المركب نبيل بوستاوي.أما الجوقة الموسيقية الجوالة، لعبت دورا محوريا في ترابط الأحداث وتطورها بشكل درامي، حيث امتزجت لغات الغناء والعزف والصوت وقربت لنا كل العوالم المتنافرة بأنفاس ساخرة . فقد مثل الثلاتي الموسيقي عبد الكريم شبوبة و أنس عاذري وهند نياغو، لحظات قوية ومثقنة وجميلة ، حركة و صوتا وغناء وإيقاعا. 
إنهم جماعة فرقة زهر عطر الملوك الملالية . أوركيديون محترفون، أبدعوا في رسم عرض مسرحي يكنى شابكة، بأساليب كرنفالية وبمواقف كرنفالية. قررت في نهاية النفس المسرحي،أن تجتمع وتصيح بصوت واحد على إرث مجموعة لمشاهب الخالدة…
واحيدوه ..واحيدوه…واقاطعوه …واقاطعوه… واقاطعوه…………..
ترى لمن وجه الخطاب.؟؟؟؟

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *