في الفرق والتلازم بين الفلسفة والمسرح!/ هايل علي المذابي

في الفرق والتلازم بين الفلسفة والمسرح!

هايل علي المذابي

ارتبط تاريخ المسرح منذ بداياته الأولى في بلاد الإغريق بتاريخ الفلسفة التي كانت ملازمة له دائماً ربما لأن معظم الفلاسفة الإغريقيين امتهنوا المسرح والتأليف فيه فكان الفكر المسرحي في نشأته حالة من الفكر الفلسفي.

وقد كان إسخيلوس أول كاتب مسرحي يوناني فلسفي لمسرحيات ذات مضمون مأساوي والذي عُثر على جميع مسرحياته. كما يشتهر الفيلسوف سوفوكليس بمسرحياته المأساوية حول أوديب، وخاصة أوديب الملك وأنتيجون. ويشتهر أيضاً الفيلسوف يوربيديس بمسرحياته التي دفعت في كثير من الأحيان حدود هذا النوع المأساوي. وقد كتب الكاتب المسرحي الهزلي أريستوفان في هذا النوع من الكوميديا القديمة، في حين كان الكاتب المسرحي اللاحق ميناندر رائدًا مبكرًا للكوميديا الحديثة.

وقد ظل هذا التلازم بين الفلسفة والمسرح ردحاً غير قليل من الزمن، امتد من عصر الفلسفة الإغريقية إلى العصور الحديثة.

ولنا أن نتساءل عن الزمن الذي أنتج القطيعة بين الفلسفة والمسرح؟ وهنا يجب أن نعود إلى عصر مقولة “شباك التذاكر لا يكذب” التي استدل بها للدلالة على أن المزاج العام هو الذي يحدد ما يفترض أن يحمله النتاج المسرحي من افكار وبالتالي فقد تلاشت الفلسفة تماما حين ذهب المسرح إلى إنتاج التفاهة والسطحية عملا بمقولة شباك التذاكر لا يكذب..

ولعل الكثير من واضعي النظريات والمذاهب الفلسفية قد لجأوا إلى قالب التأليف المسرحي للتعبير عن رؤاهم خصوصا عندما رفضت الآراء الفلسفية للبعض منهم ومن ذلك الفلسفة الوجودية فالفرنسي صاحب الخطوط الفلسفية الثلاثية الحرية، المسئولية، الالتزام، جان بول سارتر مؤسس هذا المذهب الفلسفي قوبلت آرائه بالرفض فحول معظم أفكاره إلى أعمال مسرحية وأدبية ومنها الذباب، والأيادي القذرة والمومس الفاضلة، وغيرها من الأعمال وهناك ألبير كامو صاغ فلسفته الرفض والعدمية في قوالب مسرحية مثل سوء تفاهم وكاليجوالا وغيرها.

لكن ومع ذلك فقد وسمت الأعمال المسرحية ذات الأفكار الفلسفية بوسم النخبة وكان لها رواج واحتفاء في العوالم الاكاديمية وقد ظلت محتفظة بهذه المزايا حتى مع تقادم الزمن لكنها لم تبحث في أي يوم عن غاية ارضاء الجماهير فكانت مشبعة وغنية في تفاصيلها بالقيمة الإنسانية التي كانت الفلسفة تؤثث لها دائماً، وقد ظهر تيار فر من الفلسفة في المسرح وانتهج غاية ارضاء الجماهير فكانت اعماله خالية من القيمة واستشهد هذا التيار دائمًا بمقولة “شباك التذاكر لا يكذب” وارتبط هذا الصراع بين المسرح الفلسفي والمسرح الجماهيري الخالي من القيمة في العصر الحديث بمسألة اقتصاديات الثقافة   ويمكن التركيز على أهم النقاط فيه و هي:

– ان الركض وراء الثراء خلق الاسفاف في المنتج الذي سعى إلى إرضاء الجماهير على حساب القيمة التي يجب أن يحملها المنتج، و لعل المبدأ الذي يقول “شباك التذاكر لا يكذب” في المسرح يؤكد ذلك وكان ظهور هذا التيار اعتراضا على تيار القيمة و الفكر وهو تيار من سمي منتجهم بمنتج النخبة ويشمل المسرح الفلسفي.

– استبعاد المنتجات التي تسعى لإرضاء الجماهير عن حيز الدراسات الأكاديمية و استيعاب كامل لمنتجات النخبة. روايات المغامرات و الرعب نموذجا والمسرحيات الهابطة والجماهيرية.

ولعل خلاصة هذا المقال هي أنه:

لا يجب الفصل بين المسرح والفلسفة باعتبار ما كان أي باعتبار ارتباط المسرح بالوعي الفلسفي منذ أول وهلة حيث كان المسرح عند اليونانيين قالبا فلسفيا خالصا ولنا في مسرحيات الفلاسفة القديمة نموذجا ومثالا.

بالنسبة للفلاسفة الذين استخدموا المسرح للترويج لأفكارهم في العصور الحديثة من أمثال سارتر وكامو وغيرهم فهذا الاستخدام لم يكن من أجل الحب للمسرح في ذاته ولكن لأن أفكارهم الفلسفية قد رفضت فسارتر رفضت وجوديته وكامو رفضت عدميته وهنا استخدموا المسرح للترويج لأفكارهم الفلسفية المرفوضة لما للمسرح من حضور عند الجمهور..

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش