في اختتام فعاليات مهرجان الـ«مونودراما» المسرحي الخامس بالحسكة … الأعمال أبدعت ولامست الوجع والمسرحيون لن يسدلوا الستارة!

المقولة التي لا يزال يرددها مسرحيو الحسكة، والتي اتخذوها شعاراً لهم بخاصية لها «دمغة» المخضرمين، من أجل خط إبداعهم الفني ورسم ملامحهم على الخشبة، بالقول والفعل مؤكدين ذلك ومصرين على أنه «لن تسدل الستارة»، وهذا ما صوره إبداعيو المسرح بالحسكة، في نهاية أعمال فعاليات مهرجان الحسكة المسرحي الخامس المخصص لمسرح «المونودراما» الذي رعته وزارة الثقافة..
فعاليات المهرجان التي تصدر المقدمة فيها العرض السينمائي الذي تناول الحركة المسرحية في محافظة الحسكة، والممتدة لمسيرة تصل إلى نحو مسافة الـ90 عاماً، إضافة إلى أهم العروض المسرحية التي تمت استضافتها وتقديمها في المهرجانات الأربعة السالفة، والمشاركات النخبوية المسرحية التي بصم فيها ثلة من رواد المسرح في المحافظة، كانت البصمة الأكبر والكلمة الأشمل فيه لمدير المسرح القومي بالحسكة، الكاتب والمخرج المسرحي الفنان إسماعيل خلف مدير المهرجان: الذي انطلق من الخصوصية التي تميزه كحالة فردية وجماعية نوعية في آن معاً، باعتباره واحداً من أهم علامات المسرح الوطني في القطر، وبيضة القبان في مسرح الحسكة اليوم: حين رأى وفق القراءات الإبداعية التي ينتمي إليها، أن هناك عناوين واضحة لعدة رسائل حملتها الأعمال المسرحية التي شاركت في المهرجان، يأتي في صلب تفاصيلها انتصار إرادة الحياة على الموت ودعاته، مشيراً إلى أن ستارة المسرح والحياة الثقافية والفنية في سورية ستبقى مرفوعة رغم كل منغصات وظروف الحرب الإرهابية التي تشن على الشعب السوري، وإن قوى الظلام والجهل والتخلف مصيرها الزوال لتبقى الكلمة التي شع نور أول حرف منها في سورية ومنها انطلق ووصل إلى العالم.
وأضاف الخلف: إن فعاليات المهرجان التي استضافتها واحتضنتها خشبتي المركزين الثقافيين في مدينتي الحسكة والقامشلي وقدمت خلالها عدة عروض مسرحية مخصصة للكبار وعرضان مسرحيان مخصصان للأطفال، عالجت جميعها القضايا والمواضيع الحياتية بأسلوب «المونودراما» الذي له حضوره وجمهوره ومتابعوه ومهتموه المنتمون إلى لغة وإفصاح الخشبة في محافظة الحسكة.
فعمل الـ(وجع جماعي) الذي لخص الحالة «البانورامية» للمهرجان بشكل مكثف للعروض الستة التي تناولتها أيام المهرجان المخصصة للكبار، وهذا العمل هو من تأليف وإخراج مدير المهرجان المسرحي إسماعيل خلف، حيث بين فيه ومن خلاله تقديم عدد من اللوحات المسرحية، تمكن من خلالها مخرج العمل من العثور على حالة ربط محكمة لشد المتلقي نحو العرض في عملية مزج احترافية لفن المسرح بالشعر بالغناء وحتى السينما، وبلوحة فنية واحدة شارك فيها مجموعة من الممثلين تنوعت مواضيعها ووجهة نظرها، ولكن خلاصتها في النهاية واحدة وهي تصوير لجوانب من المعاناة الحياتية الناتجة عن إفرازات الحرب الإرهابية اليوم، التي أرخت بظلالها على كل مواطن سوري متشبث بتراب أرضه ومستندات وطنه، قبل أن يكون ختامها مسكا عند المشهد اللافت والجذاب الذي جسده إسماعيل خلف نفسه، ولامس به قلوب ومشاعر الجمهور العريض الذي اكتظت به صالة العرض، حين صفق لما قدمه الخلف طويلاً.
أما العروض الستة التي حملت اسم المهرجان، فقد شكل كل منها عملية إسقاط مرادفة للواقع المحيط بكل من تأبط دور البطولة في كل عرض وبمفرده على الخشبة وإن تقلد أدواراً مركبة أحياناً، من خلال التعامل مع إرهاصات الحياة بمختلف مضامينها والسلوكيات المجتمعية المرافقة لها، والتي قلبت في النهاية موازين الواقع رأساً على عقب، وبشكل أثار معطيات قاربت مفاهيم ودوافع ونوازع الدهشة والاستغراب والفضول والانتقام والتهميش والكيدية والاحتقان لدرجة الوصول إلى الأنا لكي تتقمص الأنا نفسها، الأنانية أيضاً بمفاهيمها المختلفة وبمعناها المطلق، ومن ثم الرغبة المتوحشة قبل الوصول إلى الأنين والألم ومن ثم الصرخة، بغية الوصول أيضاً نحو الحلم والأمل باتجاه غد أجمل وحياة أفضل بطرق لونية متفاوتة التأثير والتأثر مرت في خط سيرها بين الألم والحزن والنكران والندم وحتى الضحك الذي جاءت بواعثه وتبعاته من واقع مرير كان قاتم اللون! عرف المشاكس إسماعيل خلف: كيف يوظف إمكانات أبطاله في العروض (باسل حريب وعبد الغني السلطان وعبد اللـه الزاهد) الذين عاشوا عقوداً مع الخشبة منذ نعومة أظفارهم، إضافة إلى الشاب المشروع المقبل غيث السلطان، فاستطاع الخلف وتمكن بطريقة احترافية من تقديم الوجبات الفنية الإخراجية السريعة الهضم لجمهوره، الذي انفعل مع دمعة العروض المؤلمة، وتفاعل مع سمو الرسائل الهادفة، التي وجد فيها إسماعيل خلف وقدم ما يريده المتلقي اليوم بأيسر الطرق المناسبة، بخط ورسم المحترفين والرواد!
كما تناولت عروض الأطفال منهجاً هادفا، تمكن النص ومخرج النص ومن جسد الدور في النص، من إيصال الفكرة إلى الجمهور بذهنية مباشرة تعكس الواقع وما يتطلبه هذا الواقع وما يريده من حلول من شأنها العمل على بلورة وتقديم بيئة نظيفة ونقية من الشوائب والتشويش، تحرض وتدعو إلى التربية والفضيلة والتمسك بأهداف وشذور القيم والأخلاق النبيلة بطرق سلسلة ومبسطة طريقها سهل المنال وقصير المسافة للوصول إلى لب وقلب الطفل من خلال عمليات إسقاط حياتية بطريقة الحكايا التي كان ولايزال لها الدور البالغ في الإسهام بنقل العرض ومغزاه إلى الطفل بعد الوصول إلى الحكمة المرجوة منه.
ولفت الممثل المسرحي المشارك بعرض «وجع جماعي» باسل حريب إلى أنه على الرغم من جميع الظروف القاسية الناتجة عن الحرب، إلا أن المهرجان مستمر للسنة الخامسة على التوالي في تقديم العروض المسرحية، ونتمنى في الدورة السادسة القادمة للمهرجان وجود مشاركات لفرق مسرحية من المحافظات الأخرى، بعد أن تتم إعادة الأمان إلى كل شبر من أرض الوطن سورية.
كما تم خلال المهرجان تكريم الفنان المسرحي عبد الغني السلطان، لدوره في إغناء الحراك الثقافي والحياة المسرحية في محافظة الحسكة، حيث أكد الفنان السلطان: أهمية التكريم ودوره المهم في الاستمرار في دفع عجلة الثقافة والمسرح وتقديم كل ما هو ممتع وهادف إلى جمهور المحافظة.
يشار إلى أن العروض التي تم تقديمها في المهرجان: (وحوش ضارية، والذي رأى كل شيء، ووجوه أحن لرؤيتها، ونجمة، والسيد صفر، وإيسوب) إضافة إلى تقديم عرضين مسرحيين للأطفال بعنوان: (القميص، والنساج والصياد الكسول.
 
———————————————————————
المصدر :  مجلة الفنون المسرحية – دحام السلطان- الوطن 

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *