فنون الدمى … تجارب قيد الضياع والضبابية — بقلم: د. زينب عبد الامير#العراق

كثيرة هي التجارب الفنية التي خاضها المختصون والمهتمون بفنون الدمى محلياً وعربياً وعالمياً منذ تاريخ اعتمادها والاعتراف بها بوصفها فنون جميلة فرجوية قائمة بذاتها تتسيدها الدمى المتحركة او العرائس بوصفها عنصراً اساسياً باثاً بشتى انواعها واشكالها واحجامها ،يغلب عليها طابع الفكاهة والامتاع والتشويق وموجهة لجميع المراحل العمرية من المتلقين وفقاً لمستوى مدركاتهم العقلية في التأليف والاخراج، يتنوع مضمون خطابها الجمالي ما بين ( الاجتماعي، والسياسي، والتربوي، والتعليمي، والديني…) بالاستعانة بمهارات المختصين من مؤلفين ومخرجين ومصممي الدمى ومصنعيها ومحركيها، ولو جئنا الى تحديد تاريخ الاعتراف بها بوصفها فنون جميلة، سنجد ان هذا التاريخ يتحدد بالمرحلة التي اعتمدت فيها هذه الفنون بوصفها فنون تؤدي وظيفتها الجمالية الى جانب وظيفتها النفعية التي بدأت ونشأت لأجلها منذ اقدم الحضارات قبل التاريخ، الا انني هنا اقف عند مقولة افلاطون التي اشارت اليها تحية كامل حسين في كتابها الرائع(مسرح العرائس) تلك المقولة التي “شبه فيها افلاطون الانسان بالدمية والحياة بالمسرح عندما قال (ان الانسان تتجاذبه قوى خفية كأنه مربوط الى قدره بخيوط كخيوط الدمية)”(تحية،1960، ص17)، هي مقولة فيها بعد جمالي فلسفي، بل ان هناك الكثير من الاشارات في الكتب المتخصصة التي افصح مؤلفيها الى استقلالية مسرح الدمى -بوصفه احد فنون الدمى- عن الدعاية والوظيفة الدينية منذ عصر الاغريق، وغيرها من الاشارات، لذا فان فنون الدمى في تسلسل تطورها الوظيفي عبر التاريخ يبقى متدرجاً ما بين الوظيفة النفعية، والجمالية، والنفعية الجمالية وهو بحث تم الخوض بتفاصيله بالاشتراك مع استاذي الدكتور حسين علي هارف.
ان بداية الاهتمام بهذه الفنون على مستوى البحوث والدراسات والكتب التي تدور في فلك تكريسها معرفياً على المستوى المهاري (النظري والعملي) فضلاً عن تكريس الامتداد التاريخي لها، اخذ بالتزايد بل افضى الى تأسيس العديد من المؤسسات الاكاديمية المختصة مناهجها بتدريس انواع هذه الفنون ومهاراتها في العديد من دول الغرب لاسيما روسيا وغيرها، الى جانب العديد من المحاولات التي بُذِلت لاعتمادها كمناهج ومقررات دراسية في كليات ومعاهد الفنون الجميلة في البلدان العربية بما فيها بلدي العراق، الا انها بقيت محاولات كونها اصطدمت بعراقيل عدَة من اهمها ضعف الوعي بأهمية هذه الفنون بوصفها فنون مستقلة بذاتها ومؤثرة شأنها شأن الفنون الاخرى التي حظيت باهتمام المختصين، الامر الذي قاد الى خلق ضعف كبير على مستوى الاداء المعرفي المهاري فضلاً عن الضبابية التي نشأت من ضياع اغلب التجارب والجهود الفنية التي قُدِّمت في مجال فنون الدمى عبر التاريخ لعدم او ضعف توثيقها وارشفتها بدقة، وهنا اقول عبر التاريخ اي التاريخ الحديث الذي ارتبط بأرشفة هذه التجارب في الدوائر والمؤسسات الرسمية المعنية ومنها المتاحف والمكتبات في الكليات والمعاهد والمراكز وغيرها، لاسيما في العراق إذ اخذ الارشيف فيه بشكل عام يأخذ طريقه الى الضياع نتيجة العديد من الظروف التي ارتبطت بالحروب وما خلفتها من تحولات سياسية واجتماعية واقتصادية جميعها ألقت بكاهلها على هذا الجانب وتحديداً منذ نهايات القرن المنصرم وبدايات القرن الحالي، حتى الارشيف التي حظينا بالمتبقي منه فهو غير دقيق نوعاً ما لعدم توافر الخبرة التخصصية في مجال فنون الدمى للعوامل التي ذكرناها اعلاه، ومن الامثلة على ذلك تصنيف عروض الدمى المسرحية التي قُدَمت في السابق على انها عروض مسرح الطفل علماً ان هنالك فروق عديدة بين هذين الوسيطين المسرحيين، كما اننا لا نمتلك ومنذ البدء ارشيفاً تخصصياً في فنون الدمى على مستوى المسرح، والسينما، والتلفزيون، الامر الذي ساهم في وقوع تجربة فنون الدمى في العراق اسيرةً للمبادرات والاجتهادات الشخصية هنا وهناك والتي افتقرت الى الموضوعية والمنهجية العلمية، فضلاً عن ضياع الجهود الفنية التي بُذِلت منذ بدأ اهتمام العراق بهذه الفنون، فالأرشيف التخصصي في هذا المجال يعد بمثابة الحلقة المفقودة التي نسعى الى ايجادها ـ بوصفها تاريخاً مشرقاً ضمن السياق العام لتاريخ العراق في مجال الفنون ـ من خلال ما سيصدر لنا قريباً من مؤلف يسلط الضوء على المسار التاريخي لفنون الدمى في العراق بدءاً من خمسينات القرن المنصرم وحتى يومنا هذا، كتاب بحثت فيه عن اهم التجارب الفنية في هذا المجال واتمنى ان اكون موفقة في توثيقها بأمانة ودقة كبيرة رغم الصعوبات التي لاقيتها والاقيها للأسباب الانفة الذكر، كما انني اود ان اتطرق في مقالي المتواضع هذا الى الدراسات والبحوث الاكاديمية التي قُدَمت في هذا التخصص من قبل الباحثين في معاهد وكليات الفنون الجميلة وغيرها من المؤسسات الرسمية المعنية ككليات التربية وغيرها داخل العراق، فهي بحوث ودراسات رغم قلتها الا ان بعضها يعاني من ضعف الدقة العلمية التي قد تصل الى التأثير على منهجيتها، وهنا اعني بالدراسات والبحوث التي تناولت في ثناياها سرد الجانب التاريخي لفنون الدمى محلياً وعربياً وعالمياً، إذ ان من اهم اسباب هذا الضعف يعود الى ندرة المصادر المتخصصة المحلية والعربية والمترجمة اولاً، والى ضعف الارشفة بشكل عام ثانياً، وثالثاً عدم لجوء الباحثين في اثناء اعدادهم لبحوثهم الى الخبراء المتخصصين في فنون الدمى، كل ذلك ادى نوعاً ما الى ضياع الجهود المبذولة في هذا المجال، فهناك من الدراسات التي اخفق فيها الباحثين ـ عن غير قصد ـ في محاولة الخوض في جرد الدراسات والبحوث الرصينة السابقة المقاربة لبحوثهم، ومنها دراسة الباحثة م.م. امل حسن ابراهيم الغزالي من جامعة الكوفة/ كلية التربية/ قسم التربية الفنية، والتي كانت بعنوان( القيم التربوية السائدة في نصوص مسرح الدمى) وهي دراسة منشورة /2016، إذ زعمت الباحثة في اهمية بحثها بأن دراستها هي الدراسة الاولى التي تسلط الضوء على مسرح الدمى رغم وجود العديد من الدراسات التي سبقتها في هذا المجال والتي لم تستعرضها ضمن حقل الدراسات السابقة ومنها :
1- دراسة هادي محسن عبود الصياد. تصميم وتجريب برنامج لتدريس صناعة الدمى في قسم التربية الفنية. جامعة بغداد، كلية الفنون الجميلة، قسم التربية الفنية، 1991.(دراسة غير منشورة).
2- دراسة إملي صادق ميخائيل. مسرح العرائس كأسلوب لإكساب أطفال الرياض بعض المفاهيم الاساسية لجان بياجيه. جامعة عين شمس، معهد الدراسات العليا للطفولة، 1996.(دراسة غير منشورة).
3- دراسة زينب عبد الامير احمد. برنامج تدريبي لإكساب معلمي المرحلة الابتدائية مهارات فن صناعة وتحريك الدمى. جامعة بغداد، كلية الفنون الجميلة، قسم التربية الفنية، 2010. (دراسة غير منشورة).
4- دراسة العزاوي، نذير عبد الغني محمد. مسرح الدمى عند طلال حسن من النص المكتوب الى الملفوض(دراسة فنية). جامعة الموصل، كلية الآداب، قسم اللغة العربية، 2013.(دراسة غير منشورة).
5- دراسة زينب عبد الامير احمد. مسرح الدمى ودلالاته التربوية وفقاً للمنهج السيميائي- المهرجان العالمي لمسرح العرائس انموذجاً. جامعة بغداد، كلية الفنون الجميلة، قسم التربية الفنية، 2015.(دراسة منشورة).
وهي دراسة منشورة، إذ تم نشرها على العديد من المواقع المسرحية الالكترونية المهمة ومنها موقع الهيئة العربية للمسرح، وموقع مجلة الفنون المسرحية وغيرها من المواقع التي تعنى بنشر البحوث، وللتاريخ هذه الجزئية من البحث الذي نتحدث بصدده، غير دقيقة علمياً ونرجو اتخاذ الاجراء اللازم.
اخيراً اختتم مقالي بتأكيدي على تفعيل دور كل من التوثيق والارشفة في مجال فنون الدمى من قبل الجهات والمؤسسات المعنية الرسمية منها وغير الرسمية من قبل المتخصصين في هذا المجال، لاسيما في وقتنا الراهن الذي اتاح لنا العديد من التقنيات الحديثة في حقل التوثيق والارشفة الالكترونية، فضلاً عن استيفاء شروط الدقة العلمية في الادبيات والدراسات المتخصصة في هذا المجال.
د. زينب عبد الامير
29 آذار 2020
المصادر:
تحية كامل حسين. مسرح العرائس. ط1، دار الكرنك للنشر والطبع والتوزيع، القاهرة، 1960.

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش