“فنتازيا الكاسر” ينثر بذور الأسئلة المتصلة بالوجود وعذابات الإنسان في مهرجان المسرح العماني السادس بنزوى

تواصلت أمس فعاليات مهرجان المسرح العماني في دورته السادسة الذي تنظمه وزارة التراث والثقافة بالمركز الثقافي بنزوى، ويستمر حتى الـ 15 من الشهر الجاري.
حيث أقيم صباح أمس ضمن فعاليات المهرجان مؤتمر صحفي للفنانين والضيوف المشاركين في المهرجان وهم: الدكتور محمد حسين حبيب، والدكتور عمرو دوارة، والدكتور عمر نقرش، والدكتورة ليلى بن عائشة، والباحثة المسرحية عزة القصابية، والدكتورة نوال بن إبراهيم، ورؤساء الجمعية الدولية لنقاد المسرح، مارجريت سورنسون وأمينها العام الدكتور ميشيل فايس، والكاتب والشاعر عبد الرزاق الربيعي، وخرج المؤتمر بعدد من التوصيات وأهمها تفعيل دور الشباب العماني المسرحي، وتكثيف حلقات العمل في مجالات المسرح المتعددة، والتركيز على ضرورة إقامة مسارح في مختلف المحافظات، لتقديم العروض المسرحية. كما أقيمت جلسة مسائية حوارية عن المسرح العربي والمرأة شارك فيها كل من: الدكتورة نوال بن ابراهيم والدكتورة ليلى بن عائشة والدكتورة كاملة الهنائية والدكتورة آمنة الربيع والباحثة عزة القصابية.

الروع الأكبر
واستمرت مساء أمس الأول عروض المهرجان التي تأتي ضمن المسابقة الرئيسية حيث قدمت فرقة الصحوة المسرحية ، عرضها المسرحي (فنتازيا الكاسر) للكاتب سمير العريمي ، وتتمثل المسرحية في مجموعة من الجان وهم (بابا درياه) جني البحر الذي اعتاد على اغراق السفن في البحر ، و(الروع) جني النار يتمتع بالقوة وهو أمير على ولايته ، و(صباح) جنية حبلى تعيسة حزينة تمزج الألم بالشعر والحكمة ، و(الغراب) جني الهواء ذو جناحين، حالم رومانسي مدمن وهائم في نبته يشتمها كل حين ، (أبو السلاسل) جني الأرض خائف مرعوب معادل موضوعي للإنسان المقهور الجائع مغلغل ومصفد في قيود ، و(مخيبيث الجن) جني قميء صاحب مقالب سخيف ساخر في تعليقاته، وجل هذه الأسماء تشكل مسرحية الأمس، حيث التقى هؤلاء جميعا في السجن بعد ان تم القبض عليهم ، فقرروا التفاوض مع سجانهم واقناعه بتخليصهم من الحبس الا انهم لم ينجحوا في ذلك حينها قرروا التمرد على خدمة البشر مما لم يترك للسجّان اي خيار آخر إلا استمرار سجنهم وعدم اطلاق سراحهم. في هذا العرض الذي تم الاشتغال عليه بحرفية عالية تفاعل الحضور وانسجمت مخيلاتهم وأفكارهم مع أحداثه، حيث الضوء والديكور والملابس مع المعالجة الفاعلة للأحداث الداخلية له، هذه التراكيب الصورية التي شكلها أحمد البلوشي في السينوغرافيا والإخراج سعود الخنجري، وقدمها للجمهور عدد من الممثلين وهم: الفنان خميس الرواحي والفنان مقبول العامري وموسى الهنائي وزكريا البطاشي ونعيمة البلوشية والفنان عبدالملك الغداني والفنان مبارك الحبسي والفنان زايد الغداني، وفي الجانب الإداري غريب الهطالي ومؤدي الراب العماني فيصل الشبلي الذي قدم المؤثرات الصوتية والموسيقى وزياد الشماخي في الإنتاج المسرحي ودرويش المبلسي في الادارة المسرحية، وفي المكياج عزيزة البلوشية وفي الإشراف التقني أحمد المسرحي، كما شارك في العمل كل من: علي العامري ويوسف البلوشي وفاطمة الخنجرية وخليل الهادي وأحمد المهيري ويوسف العلوي وعبدالعزيز الضبعوني ومحمد الفارسي.

خيال جامح
وحول فنتازيا الكاسر يقول الكاتب سمير العريمي: الوصول إلى السعادة غاية كل حي، لكن السعادة ضريبة لا بد من تحملها، فهل ندرك عمق الهاوية وهل نتذكر حالنا في السقوط، ونحن نعيش حياة قاسية مؤلمة وعبر فضاءات خيال جامح يتخذ من الميثولوجيا والفلكور العماني حول صراعات الجان ومعاناتهم حدثا أسطوريا، دعونا نغامر في متاهات لعلها تسقط ظلالا من أمل على واقع إنساني متأزم لنكون بحق، جميعنا أسرى فنتازيا الكاسر.
فيما قال الفنان أحمد بن سالم البلوشي المشرف العام رئيس فرقة الصحوة المسرحية في هذا الإطار: مهرجان المسرح العماني في صوته السادس يرسل في مضمون خطابه الثقافي (إننا ماضون نحو الأفضل)، لأننا ندرك جميعا دائما بأن هناك ما هو افضل ، فالسعي نحو الأفضل هو سر ديمومة البقاء في النور . المسرح العماني يفتخر بوجود هذا المهرجان الذي افرز العديد من المعطيات والمؤشرات على نجاح التجربة التي كانت يوما ما مجرد حلم، هذا الحلم الذي أصبح واقعا في فضاء المسرح وأضحى يشار اليه بأنه رمز من رموز الكفاح المسرحي الخليجي والعربي ، كفاح يرفد الساحة المسرحية بطاقات وكوادر مسرحية عمانية تضاهي تلك الأسماء التي شكلت اللبنة الأولى للمسرح العربي من حيث الإرادة والعمل الجاد وتضاهي الأسماء اللاحقة من حيث الابتكار والابداع والعطاء. وما يميز المهرجان في دوراته هو الترحال بين مدن وولايات السلطنة وهنا يعطي مكاسب ثقافية جمّه يتمثل في التعريف بمفردات هذا الوطن وتنوعه المعرفي والفني.
بعد ذلك قدمت الندوة التطبيقية التي جاءت بقراءة فاحصة لما قدمه فريق العمل المسرحي على خشبة المسرح، وشارك فيها الدكتور عمر نقراش والكاتب والشاعر عبدالرزاق الربيعي ، بحضور مؤلف المسرحية الكاتب سمير العريمي والمخرج سعود الخنجري ، فقد توقف عمر نقراش عند النص وتعدد الأفكار التي طرحتها، فتنازيا الكاسرحيث التحليق في عوالم المفارقة، التي أوجدتها “الفنتازيا الذهبية” المعنية بحلم الممكن لا الكائن، والقادرة على دمج العلائق بين الواقعي واللا واقعي، بين الحقيقة والحلم، وتجعلها في حالة من الاندماج المنسجم، الذي يشعر المتابع بالغرابة، ويقول نقراش: من المؤكد أنه سيتملكنا الشغف عالم من الدهشة يصنعه تقديم الأفكار المتمردة في تقنيات شكلية مميزة. أعقبه الكاتب عبدالرزاق الربيعي إذ قال” ينثر نص “فانتازيا الكاسر” لمؤلفه سمير العريمي ، الكثير من بذور الأسئلة الفلسفية المتصلة بالوجود، وعذابات الانسان التي أسقطها المؤلف على الجان ، من خلال فكرة ميثولوجية تقوم على سيطرة مخلوق على مخلوق آخر ليس من نفس النوع، والمادة، والعرض قائم على مجموعة من الثنائيات (الخير والشر، الظلام والنور، والحب والكره، الكاسر والرحماني ، الإنس والجن) والصراع الأزلي الدائر بين تلك الثنائيات، وعلى ظهر سيزيف تظل صخرة العذاب تتأرجح ، ففكرة الحبس داخل طبل تجعلنا نشعر كأنّ المؤلف شبّه الكون بطبل كبير حشرنا به جميعا بعد الخطيئة الأولى لتتناسل الخطايا، وجرى تأطير ذلك تأطيرا ميثولوجيا يمتزج فيه الخيال بالواقع ضمن اسقاطات انسانية، ورسائل تُبثّ من خلال نقلات فانتازية، وتعبير حركي، واشتغال على الإضاءة. وأضاف “ويمكن لمثل هذه البذورالتي نثرها المؤلف في ثنايا النص أن تنمو حين تجد أرضية صالحة للإنبات على خشبة المسرح ، تحرثها رؤية مخرج تجريبي يكشف أبعاد تلك الأسئلة ويجذّرها، موظفا كلّ عناصر العرض من أداء، وإضاءة، وموسيقى، وسينوغرافيا لتتعدّد القراءات، وتتمخض الأسئلة عن أسئلة جديدة تفتح أفقا معرفيا وجماليا ” وأشاد بجهود المخرج التي بذلها لتفسير النص وتقديم قراءة موازية لرموزه. أعقب الندوة الكثير من الآراء والانطباعات حول المسرحية والتي ذهبت في تفاصيلها وعمق طرحها.

 

نزوى ـ خميس السلطي:

http://www.gulf-24.com/

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *