فسيفولد مايرهولد رجل المسرح الذي لم يتخلَّ عن حلمه أبداً – محمد سيف

 

 

 

 

أعطى لخياله نوعا من الحرية، جعلته لا يقلد الحياة

ولد فسيفولد مايرهولد في 28 يناير 1874 في مدينة بينزا الروسية، واعدم في فبراير 1940، بتهمة عدو الشعب، بعد محاكمة صورية. وقد رد له الاعتبار في عام 1955، فقط من الناحية القانونية، اما الفنية والجمالية، فأخذ وقتا طويلا بسبب هيمنة شبح الخوف آنذاك. ولم تعرف حقيقة موته إلا في عام 1988. انه رجل لم يتخل عن حلمه ابدا.ولد فسيفولد مايرهولد في 28 يناير 1874 في مدينة بينزا الروسية، واعدم في فبراير 1940، بتهمة عدو الشعب، بعد محاكمة صورية. وقد رد له الاعتبار في عام 1955، فقط من الناحية القانونية، اما الفنية والجمالية، فأخذ وقتا طويلا بسبب هيمنة شبح الخوف آنذاك. ولم تعرف حقيقة موته إلا في عام 1988. انه رجل لم يتخل عن حلمه ابدا.خلال ما يقارب الاربعين عاما وهو يجرب، وكلما أخرج عملا مسرحيا بهذا الاتجاه، يتبعه بعمل ثان باتجاه آخر، وفي كل مرة يثير قضايا الزمان والمكان والموسيقى، وربط بين كل انواع الفنون وفن الممثل بالسياقات السياسية. وقال عندما ردّ على منتقديه: كيف تريدونني ان اقوم بالنقد الذاتي ؟ وكل مساري الفني عبارة عن نقد ذاتي؟. وهذا مهم جدا للشباب الذين يريدون تكريس حياتهم اليوم للمسرح.لقد اعتبر الممثل والمخرج والمنظر الروسي والسوفييتي «فسيفولد مايرهولد» الطلائعي، والمصلح والمجرب، الأكثر جرأة في أوائل القرن العشرين، وإن منهجه البيوميكانيك قد اجتذب اكثر قدر من الاهتمام وأثر في المسرح بالعالم كله. وقد استوحاه العديد من المخرجين مثل: يوري لوبيموف في روسيا، تاديوز كانتور وجوزيف غروتفسكي في بولونيا، يوجين باربا في ايطاليا، اريان منوشكين في فرنسا، بينا باوش في المانيا، وبيتر بروك في انجلترا، مثلما اثر على تجارب اغلب المخرجين العرب المهمين على اختلاف مستويات فهمهم لمنهجه، الذي وصل الينا في البدء للأسف متعثرا، بسبب ترجمته الناقصة وتفسيره المرتبك، ان صح التعبير، بسبب التركيز فقط على البيوميكانيك، متناسين، الجوانب الاخرى المهمة من نظامه المسرحي الشامل. يمكن أن يُعرف النظام «البيوميكانيكي» لفسيفولد مايرهولد ليس كطريقة لتحضير وإعداد الممثل، وكنوع من التعبير المسرحي فقط، وإنما أيضا كنظام مسرحي شامل. وهذا ما يمكن استخلاصه من قراءة المجلدات الثلاثة (كتابات وآراء فسيفولد مايرهولد)(1)، الذي يطرح من خلالها العديد من الاسئلة التي يمكن اختصارها في: ما هي العلاقة التي يجب أن توجد بين الخشبة والصالة ؟. ما هي العلاقة التي علينا انشاؤها بين النصوص والشكل الدراماتورجيك؟. ما هو لعب الممثل؟. وما هو دور الموسيقى في المسرح؟، والى آخره من الاسئلة التي لازالت تعتبر بالنسبة للأوساط المسرحية العالمية معاصرة، وموضوع بحث دائم على الرغم من تقادم الزمن عليها. وفي هذا الخصوص، ينبغي للمرء عندما يريد الحديث عن النظام المسرحي لمايرهولد، أن يضع في الاعتبار، العلاقة بين الدراماتورجي، والخشبة، ولعب الممثل، والمشاهدين، وليس البيوميكانيك فقط مثلما اعتدنا ان نسمع ونقرأ عن مايرهولد في اوساطنا المسرحية العربية بل وأحيانا حتى الغربية. إن العناصر الاربعة الاساسية التي تعبر عن الملامح الرئيسية لإبداع مايرهولد، بما في ذلك النظام البيوميكانيكي في الحياة المسرحية هي: الفضاء المسرحي، الجمهور، لعب الممثل، والمادة الدراماتيكية، ويكملهم دور المخرج كعامل تسامٍ خلاق لما سبق ذكره.
المسرح لا يحتاج إلى  تقليد الحياةفمن بين الاشياء النظرية والتطبيقية الجديدة الأولى، التي ادخلها مايرهولد في كتاباته التي تتعلق بالإخراج، لا بد من ذكر عملية إعادة هيكلة المشهد، وتقسيم الفضاء المسرحي، ونبذ مسرح العلبة. وإن الاصلاحات التي اجراها على الخشبة، ابتدأت من منهج الاسلبة، الذي اعلن عنه طيلة فترة عمله في مسرح-الاستديو، وعارض فيه المذهب الطبيعي. وكعدو للواقعية غذى مايرهولد نفسه وسلحها بأفكار مختلف الشكلانين الطليعيين الروس، من اجل تحقيق عروض مسرحية حديثة، قاده خياله الى إعادة انتاجها وإبداعها، وبنائها، بل وحتى الى تدمير الواقع باسم «مسرح المسرحة». وخضع مبدأ الأسلبة لعملية التجانس الجسدي، والموسيقي، والتصويري، والشعري. وهذا ما أعطى لخياله نوعا من الحرية، التي جعلته لا يقلد الحياة، لأن المسرح، بموجبه، (لا يحتاج الى تقليد الحياة. إنه يقترح وسائله التعبيرية الخاصة التي هي مسرحية صرفة، لأن للمسرح، وبكل بساطة، لغته الخاصة وقدرته على فهم الجميع، وهذا ما يسمح له بمخاطبة الجمهور والتواصل معه)(2). وقد قاد هذا المنهج مايرهولد إلى حلول اخراجية انطلاقا من حل مشكلة الفضاء، فهو لم يعد مقتنعا بمسرح العلبة الكلاسيكي لعصر النهضة، لأن الهندسة المعمارية لهذا المسرح، بالنسبة إليه- بتقسيماته، وشرفاته، وبالكوناته- باتت قديمة ولا تتوافق مع روح مسرحه. لاسيما أن الجمهور فيه يكون بعيدا جدا عن التمثيل. ولهذا قام بإزالة الستارة، والكواليس، وألغى الرمب، وقلل من ارتفاع خشبة المسرح، وجعلها تقريبا بمستوى صالة المتفرجين وقريبة منه، وبنى ممرات ودرجات من الخشبة الى الصالة، وجعل الممثلين يتحركون في الطرقات بين الجمهور. لقد فتح مايرهولد المسرح على الحياة بدلا من اغلاقه عليهم بواسطة الجدار الرابع، وهكذا اصبح الايقاع بالنسبة اليه، عنصرا اساسيا في تدريباته، طالما هو أساس الالقاء واللعب البدني. وقام بكل هذا من اجل تقريب لعب الممثل من المتفرجين، وتقديم الممثل، باعتباره الوسيلة الرئيسية للتعبير المسرحي، في الاساس. بحيث وفر تقريب المسرح من الصالة اتصالا مباشرا مع الجمهور وجعله فعالا، وهذا ما قاد مايرهولد لفكرة «المبدع الخلاق الرابع». يقول في هذا الصدد: (في المسرح يجب أن يكون خيال المتفرج قادرا على أن يضيف الى ما تركه الكاتب دون قول، وأن ينجذب نحو المسرح مدفوعا برغبته في حل اللغز الذي يثيره العمل، أو فهم القضية التي يطرحها الكاتب)(3). ويستشهد برأي المؤلف والناقد الروسي فاليري بريوسف(4) ضمنيا في حديثه عن دور المتفرج في المسرح، قائلا:( لا بد أن يقدم المسرح أكبر قدر من الابداع، حتى يساعد المتفرج على ان يتخيل بسهولة، الديكورات والبيئة المحيطة بالعمل التي تتطلبها حبكة المسرحية). وفي النهاية، اعتبر مايرهولد الجمهور في وقت مبكر، من خلال مذهب الاسلبة، الخالق الرابع، بعد المؤلف والمخرج والممثل. إن مسرح مدرسة الأسلبة يخرج العمل المسرحي بطريقة تجبر المشاهد على استخدام خياله لكي يكمل التفاصيل التي يلمح إليها الحدث.هكذا بدأت عملية تفكيك الفضاء المسرحي، الموروث عن المسرح عصر النهضة القديم، الذي يروج، من بين اشياء اخرى، إلى مسرح العلبة. لقد ايقظ موضوع تفيكك الخشبة لدى مايرهولد طعم مذاق مسرح العهود التي سبقت عصر النهضة، وخاصة المسرح الاسباني(5) (le corral)، والكوميديا دي لارتي»، وبطبيعة الحال المسرح القديم: ( إذا كان المسرح الشرطي يطالب بتدمير الديكورات التزينية […] ولا يسمح بوجود الرمب […] أليس  صحيحا ان هذا ما يؤدي إلى انبعاث المسرح القديم؟، بالتأكيد. إن الهندسة المعمارية للمسرح القديم، تحتوي على كل ما هو مطلوب وضروري في المسرح اليوم: فهو خال من الديكورات، والمناظر الطبيعية، والفضاء فيه ثلاثي الابعاد، ويعتمد بالدرجة الاساس على مرونة اداء الممثل فقط، وسوف يحتاج هذا المسرح بطبيعة الحال، إلى تعديلات في نموذج التصميم. فالمسرح القديم لبساطته، بمقاعد الجمهور التي على هيئة حدوة حصان، والاوركسترا، هو المسرح الوحيد الذي يمكن أن يقبل الريبرتوار المتنوع من المسرحيات التي تتفاوت في ألوانها، وأجناسها ومدارسها الادبية مثل: «المعرض» لـ«بلوك»، و«حياة الانسان»، لأندرييف، وأعمال كوزمين، وريميزوف البوليسية، وتراجيديات ميترلنك»، وإلى آخره من الاعمال(6). إن فكرة تقسيم المسرح، قد بدأت عمليا مع عمل مسرح الاستديو، الذي تطرق له مايرهولد في مقاله «نحو تاريخ وتكنيك المسرح»، وقد بلغ ذروته بشكل كاف في حلول بناء وهيكلة عمل مسرحية «الديوث السخي»-وفقا للتسمية الفرنسية-، ومسرحية «موت تارلكين». حيث لن تعد خشبة المسرح في هذين العملين لا تشبه خشبة مسرح العلبة المسرحية لعصر النهضة فقط، وإنما بالإضافة إلى ذلك، عمل على تنشيطها للغاية وتفعيل العرض عليها، وتجريدها إلى اقصى حد ممكن، ولم يحتفظ منها إلا بالعناصر التي تعطي الامكانية للممثل بأن يعبر عن فنه فقط. كان الممثلون في هذا العرض مثل (لاعبي الاكروبات في ساحة رياضية، وقدموا بدل «الانفعال الصادق» عرضا منوعا لمختلف المهارات والحركات الرياضية (…) كانت نظرية مايرهولد تعتمد على حقيقة العلاقات الانسانية والسلوك الانساني اللتين يمكن التعبير عنهما بالحركات والايماءات والاتجاهات والخطوات اكثر مما يمكن التعبر عنهما بالكلمات(7). لأن اللغة الشفوية بالنسبة اليه، تختلف عن لغة الجسد، وأن (للجسد لغته البلاستيكية المسرحية الخاصة به، وأن الكلمات لا تتطابق مع ردود الفعل، والتعابير الجسدية)(8). لقد كان هذا الاكتشاف الجوهري، بالنسبة لمايرهولد مبكرا، مما جعله ينادي باستقلالية المخرج عن سلطة المؤلف، وبحقوق تأليفه للعرض كمخرج، من خلال سلسلة مناقشاته في مشاغله المسرحية في عام 1922، بما في ذلك حق تدخل المخرج في العمل المكتوب. وبموجب «بياتريس بيكون فالين»(9)، لم يتردد عن اختصار وتقطيع (عرض مدته ساعتين الى عشرين دقيقة). وهذا ما دفعه الى حذف مقاطع كاملة، ويكيف النص وفقا لرؤيته الاخراجية، وخاصة في مسرحية (الديوث السخي)، التي تتحدث قصتها، عن زوج وزوجة يعيشان مع بعضهم منذ فترة طويلة، تربطهما علاقة حب متبادلة. وفي يوم من الايام يلحظ الزوج «برينو» أن احدا قد نظرّ إلى مفاتن زوجته الشابة، نظرة لا تخلو من الرغبة والاشتهاء، زرعت في نفسه الشكوك وهيجت نار غيرة جهنمية جعلته يبحث طيلة المسرحية، عن شيء غير موجود ومستحيل عند زوجته. إن «برينو» رجل عاشق ومهوس بحب زوجته «ستيلا»،  إلى درجة قادته الى عدم الاعتقاد بوفاء وصدق زوجته له، وبعدم امكانيتها على إثارة للرجال الآخرين. هكذا يبدأ انهياره التراجيدي في المسرحية، خاصة عندما يرغم زوجته على كشف مفاتنها واسلحتها الانثوية امام «بيرو» ابن عمه وصديق طفولته. وفي بحثه المجنون عن الحب الحقيقي لزوجته له، يجبرها على مشاركة فراشها مع كل رجال القرية. ولكن «ستيلا» امرأة مخلصة الى ابعد الحدود، تضطر لتركه والهرب مع الراعي «بوفيه» الذي تطلب منه ان يسمح لها بأن تبقى امرأة مخلصة )(10). لقد نظرّ مايرهولد، الى هذه المسرحية باعتبارها قطعة قماش لوحة تشكيلية، ويعود الكلام هنا الى بياتريس بيكون فالين، التي تقول:  لا يمكن ان يتصور هذه المسرحية خارج إطار سيناريو مستمر من الافعال والأحداث، وقد هيكل تصميمه ومعالجته ورؤيته الاخراجية لها، بالاعتماد على النموذج المقترح من قبل المؤلف «فرناندو لكروميلنك»، وارشاداته المسرحية التي ضمنها نصه، مثل الصفعة التي يوجهها «برينو» الى شخصية «بيتروس» في الفصل الأول، وإلى وبعض الايماءات التي غالبا ما تكون عنيفة. وعلى مستوى المنظر المسرحي، نجد ان مايرهولد لم يكن غافلا عن اهمية التقنيات المسرحية. فقد ازال حدود الخشبة والستائر الامامية والخلفية. ونصب وسط المساحة المسرحية، بناء رأسيا يوحي بوجود طاحونة وأرجوحة وطرق منحدرة. بحيث صمم الديكور على هيئة (ماكينة-ادوات)، راح ينتج فوقها الممثلون لعبهم المسرحي. ونلاحظ من خلال هذه الصور المستخدمة لوصف هذا التكوين الميكانيكي، هناك جمع بين الصلابة والمرونة، وفي نفس الوقت، نجد فيه لقاء مثمرا لـ»لكوميديا دي لارتي» والإيديولوجيات الطليعية التي درسها مايرهولد طويلا، واشتعل عليهما منذ عام 1913. هذا بالإضافة ان الديكور لم يعد مكانا لكي تولد فيه الشخصيات، وإنما مكان لحركة الممثل، الذين لم يختفوا خلف المكياج، ولا أي ازياء او تفصيل يومي. وقد ارتدى الممثلون أزياء موحدة كالتي يرتديها الميكانيكيون، مع بعض الاكسسوارات لكسر الرتابة ولتوفير سمة مميزة قابلة للقراءة السهلة. وهكذا ظل مايرهولد يجرب، وكان كل عرض من عروضه يثير النقاش والجدل. وقد اعتبر تقديم كوميديا «الديوث السخي» للكاتب الفرنسي فرناندو لكروميلنك، حدثا تاريخيا في تاريخ المسرح الروسي, وهذا ما يؤكد بشكل من الأشكال، ما قاله المخرج «فاختنكوف» بشأن عروض مايرهولد: ( إن كل اخراج مسرحي لمايرهولد يؤسس عصرا، وحقبة زمنية كاملة(11).  وفي مسرحية «موت بتريلكين»، من تأليف ساخوفوكوبلين، (جعل مايرهولد، ممثليه في مواجهة ديكور ذي اشكال رياضية، يتأرجحون على الحبال، وينطون ويهرجون، ويتعاملون مع موضوعات تنفجر بين أيديهم وتتركهم وتقفز في الهواء!)(12). وهكذا استطاع مايرهولد أخيرا، في السنوات العشرين أن يحقق أحلامه التي كان يحلم بها عام 1912، عندما نشر دراسته المعنونة «نحو تاريخ وتكنيك المسرح»، ويقول في هذا الصدد: (إن المواد التي على خشبة المسرح لم تعد تمثل الاخراج، وإن ما يمثله وبكل بساطة، البنى الفوقية لأجساد وحركات الممثلين)(13). لدرجة أن أجنحة الطاحونة في مسرحية «الديوث السخي» لم تدر إلا في اوقات محددة بدقة، ومثلت السلالم امتدادا ثلاثي الابعاد لفضاء اللعب، وارتبط اللعب في الضوء مع مشكلة الفضاء المسرحي. ويعتبر مايرهولد واحدا من أوائل المخرجين الذين نقلوا مصادر الضوء من خشبة المسرح إلى ردهة المسرح. وما هو أكثر أهمية أيضا، اعطائه إلى اللعب بالضوء مكانة هامة على نحو اهمية الموسيقى والإيقاع في العرض المسرحي. (يجب أن يكون للضوء تأثير على المشاهدين بنفس تأثير الموسيقى عليه. وأن يأخذ مساحته الضوئية اللازمة. ويمكن أن يبنى تقسيمه أو توزيعه على اساس مبدأ السوناتا)(14). إن إلغاء وتحطيم خشبة مسرح العلبة من قبل النظام المسرحي، قد أعطى أولوية ايضا لعنصر هام مثل الجمهور. فبعملية القضاء على مسرح العلبة الايطالية لم يعد وجود للحائط الرابع الذي يفصل المسرح عن جمهوره. ليس فقط لان الممثلين لم يعودوا يلعبوا على المسرح  كما لو كانوا لوحدهم، وإنما على العكس من ذلك، صاروا يشعرون بردود افعال الجمهور، في اي لحظة من اللحظات، ولهذ يقول:( من ميزة ابداع الممثل أن العملية الابداعية تجري أمام أعين المتفرجين، على العكس من الدراماتورج، والمخرج أو غيرهم من الفنانين)(15). لذلك، هنالك علاقة خاصة ومميزة تُخلق بين الممثل والمشاهدين: فالممثل يضع المتفرج في حالة تجعله يتفاعل مع جميع الفوارق الدقيقة التي يصعب ادراكها في تعبيره الفني. والعكس بالعكس، بمتابعة ردود افعال الجمهور، يتفاعل الممثل على الفور من خلال وساطة الارتجال مع جميع المتطلبات التي تأتي من جهته. ومن خلال جميع الاشارات التي تأتي من جهة الجمهور، مثل: (الضوضاء، الحركات، السعال، الضحك) يجب على الممثل تحديد موقف الجمهور تجاه العرض، دون أي خطأ. وبهذه الطريقة، وفقا لمايرهولد، «سنبلغ الهدف، ونتحكم بالجمهور، وعدم ترك فرصة لشرود الذهن أو اللامبالاة لأي متفرج. لهذا يتوجب على المخرج في تصوره للعرض أن يفكر أيضا بطباع الجمهور وردود أفعالهم: ( إن المخرج الذي يستعد لتقديم عرض مسرحي، يرتكب أخطاء جسيمة إذا تجاهل الجمهور)(16). ولتحقيق هذا المطلب، يواصل مايرهولد: «انه من الضروري، قبل كل شيء، وضع المتفرجين بطريقة تجعل «ايقاع» العرض يخترقه. لهذا السبب قدمنا خشبة المسرح القديم « le prosceniu»، باعتبارها أفضل وسيلة لتحقيق هذا الهدف». بحيث اصبحت خشبة المسرح القديم، بالنسبة لمايرهولد، هي الجسر الذي يربط بين المسرح وجمهوره، والوسيلة التي من خلالها وضع الجمهور في العرض الذي يود تقديمه. إن عملية استخدام خشبة المسرح القديم أو بالاحرى تكيفها واعادة تأهيلها، لا تساهم فقط بإعطاء الجمهور دورا جديدا، وإنما أيضا، اصبحت الوسيلة الاكثر تدميرا لمسرح العلبة. لان الهندسة المعمارية لمسرح عصر النهضة، وفقا لمايرهولد، بتقسيمها للجمهور وفصله عن الخشبة، والشرفات، واللوج، لا تتوافق مع مسرحه، لأن المتفرج، وبكل بساطة، يجد نفسه في مثل هذه الحالة بعيدا عن العرض. ثم إن هذا التشرذم غير مناسب أيضا، من وجهة نظر الزوايا المختلفة التي من خلالها يتابع هذا الأخير، ما يجري على خشبة المسرح. ( للتذكير فقط أن  هذا الرأي، الذي أعرب عنه في عام 1934، يتوافق مع نظام المسارح المثلثة والمسارح المستقيمة التي تحدث عنها مايرهولد في عام 1912). إذ ليس من دون سبب يكون المتفرج في المسرح المثلث خارج المثلث. والمسرح المثلث مثلما يشرحه مايرهولد(17)، تكون قمتة تمثل المخرج، وزاويتي ضلعي المثلث يمثلان المؤلف والممثل. بحيث إن المتفرج يدرك ما يقدمانه الاثنان من خلال فن المخرج، ولهذا عندما يرسم مايرهولد مثلث هذه العلاقة الثلاثية الاضلاع ويوزع على زواياه الثلاث الاسماء يضع المتفرج في قمة المثلث ولكن خلف المخرج. اما فيما يتعلق بالمسرح المستقيم يكون المتفرج مندمجا مسبقا في نظام العرض. يقول: ( إن الخط المستقيم، تكون العناصر الاساسية للمسرح فيه ممثلة من خلال اربع نقاط من اليمين إلى اليسار: المؤلف، المخرج، الممثل، المتفرج.المؤلف ــــ> المخرج ــــ> الممثل ــــ>  <ـــــ المتفرج؛ وهذا هو النوع الثاني من المسرح» مسرح الخط المستقيم»، الذي يكشف فيه الممثل عن روحه بحرية امام الجمهور، بعد استيعابه لعمل المخرج الذي استوعب بدوره عمل المؤلف. إن قرار مايرهولد فيما يخص الخط المستقيم للمسرح كان نهائيا، لأنه يوفر فرصة للمخرج بأن يسلط الضوء على التوضيب كوسيلة طبيعية لفن المسرح. ولتجنب من جهة، عملية تقسيم الجمهور وفصله عن المسرح، وللسماح له، من جهة أخرى، بتسرب العرض إليه وإغراقه فيه، لهذا يقترح مايرهولد أولا، من اجل تحقيق ذلك، لابد من القيام بتدمير «مسرح العلبة». إن ( أول هجوم ضد مسرح العلبة قام به أولئك الذين مددوا مقدمة خشبة المسرح إلى عمق قاعة الجمهور[…]. في المسرح الجديد سوف لم تعد هناك خشبة مسرح على هيئة العلبة المسرحية؛ ولم يبق فيه سوى خشبة مسرح يجري عليها الحدث. ويسمى هذا المكان في المسرح القديم «أوركسترا». بحيث يمكن أن يأخذ (هذا الفضاء شكل الدائرة، والمربع، والمثلث، أو اي شكل من الأشكال، كل هذا ليس مهما. لان شكل الاوركسترا يتوافق مع الاهداف المنظمة التي يجب على المخرج تحقيقها كمؤلف للمشروع)(18). ولقد صدرت ردود افعال قوية وكثيرة من قبل معاصري مايرهولد حول تصوره للمواد الدراماوجية. وعلى الخصوص تلك التي تتعلق بالمواد الدراماتورجيك، وليس الدراماتورجي بالمفهوم الكلاسيكي التي تخص النص الدرامي للمؤلف، أي فيما يخص المادة التي سيقوم بتطويعها المخرج بالاعتماد على افكاره وحاجاته وفقا للعلاقة التي تنشأ، مع الهيكل المتخيل للعرض والتصور الجمالي المسرحي له. ويمكن ملاحظة، من خلال هذه النقطة مدى التنافر القوي في مواقف مايرهولد في سنواته الأولى، وبين فترة سنوات نضجه الفني. وخاصة عندما قال في عام 1912، «على المسرح الجديد أن ينمو من الأدب»، ولكنه في وقت لاحق وبالتحديد بعد عشر سنوات، يقوم بتفنيد هذا الرأي، بإدخاله روح جديدة على الاجسام القديمة، لأنه لم يعد لديه مزيد من الوقت لانتظار نص درامي يتناسب او يتلاءم مع مسرحه، فيأخذ على عاتقه بزمام المبادرة، وبمساعدة وسائله المسرحية. ان المسألة الأولية في علاقة النص والمسرح بالنسبة لمايرهولد، بكل بساطة لا وجود لها: لان كل شيء يخضع للتعبير المسرحي بشكل عام. ولهذا، فقد سمح لنفسه في عام 1924، ومن دون عقدة، بتقسم النص الكلاسيكي «الغابة» لمؤلفه اوستروفسكي، إلى 33 حلقة. وقد اتهم آنذاك، بعدم احترامه للدراماتورجية الكلاسيكية الروسية، ولكن على الرغم من هذا الاتهام حققت هذه المسرحية نجاحا غير عادي، عندما قدمت، خلال اربعة عشر عاما،  1338 مرة. وقد صعقت موسكو وصدمت عموم روسيا تقريبا، عندما غير في عام 1926 نص «المفتش العام»، لـ«غوغول» تغييرا تاما. لقد سمح لنفسه بأن يعدل النص ويغير الحبكة بإعادة صياغتها، عندما نقل احداث المسرحية من مدينة صغيرة إلى موسكو نفسها، وغير شخصية العمدة وجعل محلها جنرالا، وحذف مشاهد كاملة، وخلق من دمج شخصيتين شخصية واحدة، و( كان تصميم الخشبة في شكل شبه دائري، مثل جوف برميل، يضم خمسة عشر بابا(…) وفي المشهد الذي يصل فيه الرسميون كي يقدموا الرشوة سرا لخسلاكوف، قدم مايرهولد واحدا من أهم تأثيراته وأكثرها اثارة: فجأة تفتح كل الابواب في الجدار الدائري، وعلى كل باب يبدو مسؤول رسمي يقدم الرشوة. وفي النهاية، حين كان المفتش في ثياب المجانين محمولا على محفة، تنزل ستارة بيضاء، مكتوب عليها بحروف ذهبية خبر وصول المفتش العام الحقيقي، وحين ترتفع الستارة نرى بدل الممثلين الاحياء دمى مرسومة تمثل المشهد الاخير!)(19). بحيث كان حضور غوغول في العرض قليلا، وللإخراج حضور مضاعف. ولكي يشرح فسيفولد مايرهولد ذلك، يقول: (إن الصعوبات المحيطة بهذه المسرحية تأتي من حقيقة انها موجهة، مثلها مثل باقي الكوميديات الأخرى، إلى الممثل وليس إلى المخرج)(20). وهذا يعني وبشكل واضح تماما، ان مايرهولد كان يقوم بالتحكم كليا في التنظيم المعقد للمسرح. ولهذا السبب عندما يتدخل سيد العرض/المخرج بالنص نفسه ويجري عليه بعض التعديلات، يتوجب عليه، وفقا لمايرهولد، أن يخلق الاجواء التي من شأنها أن تساعد الممثل في لعب دوره دون صعوبات. وهذا النهج بحد ذاته يتيح للمخرج فرصة اعادة هيكلة النص وفقا لمبادئه الخاصة وانتماءاتها المسرحية. لذلك لم يعد عمل المخرج بالنسبة لمايرهولد، محددا من قبل القيم الدراماتورجيكية أو الادبية للنص. وها نحن قد وصلنا في النهاية الى العنصر الرابع والأساسي من نظام مايرهولد المسرحي: إلا وهو الممثل. ولكن قبل تلخيص مواقف فسيفولد مايرهولد المتعلقة بالممثل ولعبه، سوف نتوقف بشكل موجز عند العلاقة الخاصة بين الممثل والمخرج في تصور مايرهولد. ففي الكثير من الاوقات والأماكن المختلفة، يعتبر مايرهولد الممثل العنصر الاساسي والجوهري في العرض، خاصة عندما يقول: ( المسرح، هو فن الممثل بامتياز)(21). ولكن يبدو من الوهلة الاولى، أن هذا التعبير في تناقض مع الموقف المعلن لمسرح مايرهولد الذي يركز على مسرح المخرج، بحيث يبدو أن ما صرح به بأن المسرح هو فن الممثل، ليس سوى مظهر فقط، ذلك لأنه اذا كان الممثل بالنسبة لمايرهولد يمثل الشخصية المحورية للمسرح، فهو ليس إلا «الواسطة» التي تنقل الى الجمهور افكار المخرج، ولهذا السبب بالتحديد ينعت مايرهولد الممثلين بأنهم (المندوبون الأحياء لفكرة المخرج)(22).  وبالطبع، من اجل ان يحقق الممثل هذا النجاح في نقل الأفكار يتوجب عليه اولا وقبل كل شيء، ان يمتلك قدرة ابداعية عالية، لكي يتمكن من خلال مصفاته الخلاقة الخاصة، أن يمررّ تعليمات المخرج. إن هدف المخرج بموجب مايرهولد ( القيام بتمرير العناصر المحددة للعرض، وبعض الشخصيات، بل حتى كل جزء من الاجزاء، في اتحاد عضوي، وفي هارمونية مع بنات افكار العرض بشكل عام، في اعلى مستوى من المستويات)(23).  من ناحية اخرى، إن هدف الممثل يكمن في القبول بأفكار المخرج التي تتعلق بالشخصية التي يلعبها، بعد ذلك، يتوجب عليه تمريرها من خلال مصفاة العملية الابداعية الخاصة به، ثم احالتها الى الجمهور. والسؤال الجوهري لصاحب هذه العملية هو وسيلة تطوير هذا الإرسال أو بتعبير أدق، طريقة لعب الممثل، والاستعدادات لهذا اللعب.
البيوميكنيك  إن التصور البيوميكانيكي لفسيفولد مايرهولد، يكمن في عملية التدريب الحي للممثل وطريقة لعبه. الهدف الوحيد منه، هو تحقيق المسرح الشرطي، الذي تطرق له في عام 1905 في استوديو المسرح، ولم يتخل عنه إلا في سجنه عام 1939: مرونة الممثل، وقدرته على نقل ابداعه الخاص من خلال جسده (التحكم به بوعي) وحركاته. انه يعبر عن ابداع الممثل من خلال الحركات، و«العاطفة»، التي تجمع بين الومضة واللون والقوة التي تقوم بعدوى المتفرج. لأن البيوميكانيك ليس بنظام مسرحي، بموجب مايرهولد، (وليس هو بتمرينات خاصة، بقدر ما هو جزء من تدريبات في مجال الثقافة(24). ومع ذلك، تندمج هذه التمرينات تماما في نظام مايرهولد المسرحي، الذي يطالب الممثل فيه أن يكون آلة «أداة ميكانيكية» مثالية من اجل الاستفادة الكاملة من المواد التي تقدم الى الجمهور، وهذه المادة هي جسده: (المادة الفنية للممثل هي جسده، وهذا يعني، الجذع، الأطراف، الرأس، الصوت. وأثناء دراسة المواد الخاصة به، يجب ان لا يعتمد الممثل على التشريح، وإنما على قدرات جسده، كمعدات للعب المسرحي)(25). انطلقت الطريقة البيوميكانيكية لتدريب جسد الممثل من مبادئ «تايلور» للحركات. وتهتم نظرية تايلور «فريدريك ونيسلو» بكيفية القضاء على جميع الحركات غير الضرورية اثناء العمل، لتحقيق انتاجية عالية، والتقليل من مجهود القوة البدنية للعامل، وهذا ما يتوافق مع تجارب مايرهولد التي تتعلق بالمسرح، وتبحث كذلك، في وعن الممثل الذي يقبل بمثل هذه التجاربب. ( في عملية العمل، اننا لا نستطيع فقط ادخال فواصل منظمة للراحة، يقول مايرهولد في احدى محاضراته، وإنما من الضروري العثور على مثل هذه الحركات اثناء العمل، التي بواسطتها نكسب الحد الاقصى من وقت العمل […] وهذا يتعلق على حد سواء بالممثل والمسرح في المستقبل)(26). في الواقع، ان الجزء الذي شدد عليه في هذا التصريح هو تكرار لنظرية تايلور. ومع ذلك، لا يمكن لمايرهولد ان يختصر نفسه، في احتياجاته الابداعية، بالدافع البسيط عن اطروحة الانسان-الآلة، اثناء شعبية روسيا السوفياتية، وفي السنوات التي تلت ثورة اكتوبر. وعلى الرغم من اعتباره الممثل مثل الآلة أو الاداة الميكانيكية،عندما يقول، الجسد هو ماكينة، والعامل هو الذي يحركها، فإنه يسمح للممثل بالمحافظة على ابداعه الخاص من خلال اجراء التعديل او بالأحرى، التصحيح الذي يعتبر مهما جدا له. إن هذا الموقف المزدوج اتجاه الممثل، قد بدأ على وجه الخصوص، انطلاقا  من مواقف (كوكلين اني(27) «Coquelin ainé)، الذي يرى ان الممثل بالإضافة الى كونه مبدعا، فهو مادة أو مواد للخلق في ذات الوقت، حيث يدون مايرهولد الملاحظة التالية: ( إننا نشعر ان في كل ممثل يبدأ بالتحضير لدوره هناك اثنان: الأول الممثل الموجود بالفعل، كجسد يستعد لأداء (الدور الذي اسند اليه على الخشبة)، وهو A1، اما الثاني، والآخر، فهو لازال غير موجود، والذي على الممثل تقديمه على الخشبة كنموذج متكامل، وهو A2. إن A1 يتصرف امام A2 مثلما يتصرف نحو المواد التي عليه تشكيلها او تطويعها. ويجب اولا، وقبل كل شيء، على A1 أن يرى في الفضاء المسرحي  A2، لان من الواضح ان اداء الممثل يعتمد كثيرا على التخصص المسرحي، واشكاله، وما إلى ذلك… في هذا التصور المنظم بهذه الطريقة، والمبني على فن الممثل، مازال يربط نفسه بالحاجة إلى العاطفة العاكسة، المتمثلة بالممثل الذي لا غنى عنه. لا سيما أن العاطفة تمثل بالنسبة إلى مايرهولد، (القدرة عل نقل الواجب المفروض من الخارج، من خلال المشاعر، والحركات، والكلمات). إن المظاهر المنسقة للعاطفة العاكسة، تكمن في الحقيقة، في لعب الممثل. وباختصار، أن الممثل A1 ( في اصطلاح فسيفولد مايرهولد)، بمساعدة معرفته السابقة، ومهاراته وقدراته البدنية، يكون بكل وعي وادراك في وئام مع تصور المخرج، الذي يطوع، المواد التي يمتلكها، أولا، جسده. وهنا بالتحديد تنشأ الحاجة الى البيوميكانيك، كوسيلة لتدريب الممثل، وكمبدأ للعب المسرحي، في نفس الوقت. ولكن يجدر الاشارة الى ان هذا المبدأ لم يطبق في مجمله إلا في بعض المسرحيات، مثل :» الديوث السخي» و»موت تارلكين». ومن وجهة النظر هذه، تعتبر مسرحية «الديوث السخي» بالنسبة لمايرهولد، الأكثر تطرفا، كما يقول ذلك بنفسه،»إن مسرحية «الديوث السخي» يجب ان تقدم المبادئ التقنية الجديدة للعب، في المواقع المسرحية الجديدة»(28)، وهذا يعني، البرهنة على الافتراضات النظرية لمايرهولد ومساعديه، بدفع لعب الممثلين الى الحدود القصوى من التجارب. إن ابحاث فسيفولد مايرهولد المكثفة، حول أداء الممثل دفعته بشكل خاص إلى تعميق العلاقة بين فنون الأداء والحركة وتحديد مفهوم البيوميكانيك. وقد ظهر هذا المصطلح لأول مرة في عام 1918, وفي 12 يونيو 1922، في قاعة صغيرة في كونسرفتوار موسكو، أثناء القائه خطابا نشر في وقت لاحق تحت عنوان «ممثل المستقبل والبيوميكانيك»(29). بعد هذا الخطاب قدم طلبته سبعة تمارين، وهي عبارة عن سلسلة من التدريبات التي توفر للممثل معرفة عميقة بالقوانين التي تنظم الحركة، باستخدام مجموعة متنوعة من التخصصات، مثل الجمباز، فنون الدفاع، الرقص والايقاع. وتعتمد على مفهوم وليام جيمس، الذي يعطي «الاولوية للتفاعلات الجسدية على العاطفية»، وعلى «ردود الأفعال الشرطية» لبافلوف، وعلى نظرية تايلور (فريدريك وينسلو)، التي تتعلق بالقضاء على جميع الحركات غير الضرورية اثناء عملية العمل، لتحقيق انتاجية اكثر كفاءة، وعلى «اسلوب الإيقاع» لاميل جاك دلكروز»(30) d’Emile Jacques-Dalcroze «. إن ما يطلق عليه مايرهولد بالبيوميكانيك، هو عبارة عن تمارين على الحركة المسرحية، وقد وجدت في إعداد الممثل لدى مايرهولد وعمله مع العديد من التلاميذ، وهذا غالبا ما يُنسى ذكره، مثلما تقول بياتريس بيكون فالين. وتعتبر هذه التمارين مثل سلم موسيقي بالنسبة للممثل. إن عازف البيانو يمرن أصابع يديه، وعلى الممثلين أن يدربوا أجسادهم المسرحية. وهنا يمكن أيضا استحضار الرقص، لأن تمثيل الممثل مع استمرار التمرينات يصبح نوعا من الرقص حيث الكلام (…) ليس إلا رسومات على قماش لوحات الحركات(31). ولكن على الممثل المايرهولدي أيضا أن يمارس الرقص تحت تأثير مختلف تحولاته وتناسخاته، لأنه جزءا من تكنيكه. (أين هو إذن، الجسد الإنساني، الذي تكون مرونته في خدمة المسرح، وفي خدمة التعبيرية، وهل سيتوصل إلى أعلى مراحل نضجه؟ يتساءل مايرهولد ويجيب، في ذات الوقت: (في الرقص (…) وفي اللحظة التي يفقد فيها الكلام قوته التعبيرية تبدأ لغة الرقص)32). لهذا كانت ترافق تمارين البيوميكانيك، دائما الموسيقى، وهذا ما يشرح السبب الذي يجعلنا نعثر على قوانينها في تقاليد مسرحية ورقصية أخرى، مثل، (L’otkaz) (كلمة روسية تعني رفض)، استعملها مايرهولد كمبدأ بموجبه كل الأفعال الحركية التي تكون في اتجاه ما يجب أن تأخذ توجها معاكسا، وطريقة ديناميكية معارضة. إن هذا المبدأ يقود إلى نوع من التعقيد المرئي، عند رسمه للفعل المسرحي وانتقالاته وتحولاته البلاستيكية وليس التخطيطية. ولقد أكد مايرهولد في بداية السنوات العشرين للقرن الماضي: (إن كل فن من الفنون بمثابة تنظيم للمواد)، مثلما تحدث عن (أسرار الممثلين)، تلك الأسرار التي تصنع وتشير إلى ظاهرة الهوية، مثل: فقدان التوازن واسترجاعه شعوريا بتغير مركز ثقل الجسد، ودقة النظرة الخاطفة التي تسمح بحساب مضبوط للفضاء الذي يجب إدارته، ومعرفة الممثل لثقل جسده، وجسد الممثل الذي يرافقه، وهذا ما يسمح بالسيطرة على كل اللحظات. قد تبدو المبادئ متشابهة ولكن تكنيك بدء التنفيذ والتمارين تبقى مختلفة. لهذا فإن نقطة انطلاق الممثل المايرهولدي تكمن في استعداد وتطويع جسده بكامله وتنظيم شعوره لهذا التطوع والاستعداد. ويبدو أن البيوميكانيك كله يتأسس على قول مايرهولد هذا: (إذا كانت ارنبة الأنف في حالة عمل، فعلى جميع أجزاء الجسم أن  تعمل هي أيضا)(33). وبالتالي، يواصل مايرهولد تسليط الضوء على ضرورة « أن يرى الممثل نفسه عندما يكون فوق خشبة المسرح، أو أن دور الممثل يكمن في توحيد عملية الابداع  ومواد ابداعه. وهذه المواقف تحتاج لممثل يمتلك قدرة على تطوير معنى «التنسيق في الفضاء، وعلى خشبة المسرح، وكذلك قدرة على العثور على نفسه في سياق الكتلة، فضلا على ذلك، ان يكون لديه شعور للتمييز، ومعرفة بالمسافات ما بينه وبين  الممثلين على الخشبة. يعتبر توفر هذه الصفات جميعها لدى الممثل ضروري جدا لبناء هيكل العرض والسماح للمخرج للتخطيط، لكل صغيرة وكبيرة، في اخراج ومسار العرض، وذلك لاعتباره العامل المسئول عن ابداعات جميع المشاركين بالمسرح. لأنه ينبغي على هذا الأخير، ان يضع  بالاعتبار أيضا، جميع تصورات لعب الممثل. علما أن ادخال البيوميكانيك في المسرح، بالنسبة لمايرهولد، ليس إلا جهد مستمر نحو تحديد مثل هذا المسرح الذي يجعلنا نعود إلى جذور المسرحة، وتعزيز اللياقة البدنية الفطرية فيه، كمبدأ من مبادئ العمل. وبغض النظر عن كل ما قيل عن مكونات النظام المسرحي المايرهولدي، يمكن ان نلاحظ، ان عمل فسيفولد مايرهولد قد تم توجيهه خلال 40 عاما من العمل تقريبا، نحو هدف واحد، يمكن اختصاره في: ان ما يحدث في المسرح يجب ان لا يكون شبيها لما يحدث بالحياة. الهوامش1 – ?crits et propos de Vsevolod Meyerhold, Lausanne,  La Cité/L›?ge d›Homme, coll «Théâtre années  vingt», t.I, (1891-1917),1973,33 8p.:t.Il, (1917-1929),1975, 33 0 p.: t. Ill, (1930-1936),1980,33 0p. Préfaces, traduction du russe et notes de Béatrice  Picon-Vallin. ملاحظة: ان المجلدات التي صدرت عادة اربعة ولكن ماترجم منها حتى هذه اللحظة ثلاثة فقط. 2 – La Baraque de foir, 1914, article in Ecrits sur le théâtre. Op. Cit., p. 249. هذا المقال وجهه مايرهولد الى الممثلين3 – Vsevolod Meyerhold, Histoire et technique du théâtre (1907), Ecrits sur le théâtre, tome 1, 1891-1717, p.109.4 – Valéri Brioussov , né le 13 décembre (1er décembre) 1873 et mort le 9 octobre 1924 à Moscou, est un poète russe, dramaturge, traducteur, critique littéraire et historien de la littérature. C›est également l›un des fondateurs du symbolisme russ. Wikipédi.5 – le corral، في الاسبانيا هو مسرح يكون دائما في باحة بيت داخلية. وهذا النوع من الاماكن المسرحية ظهرت في أواخر القرن السادس عشر. وقد رافقوا النموا المذهل للعصر الذهبي للمسرح الاسباني. في نهاية القرن السادس عشر، لم يكن هناك مبان مخصصة تحديدا للمسرح في اسبانيا. وكلنت تقدم  الكوميديات الاسبانية في الباحات والفناءات المركزية للبيوت او في الخان. بحيث تبنى خشبة مسرحية مستطيلة الشكل في عمق الباحة، وتستخدم اطرافها الثلاتة كصالات للمهور الاكثر ثراء، في حين يظل باقي المتفرجون واقفون في الفناء المفتوح الى السماء.  ويكيبيديا6- Vsevolod Meyerhold, Histoire et technique du théâtre (1907), Ecrits sur le théâtre, tome 1, 1891-1717, p.123-124.- جيمس روس- ايفانز، المسرح التجريبي من ستانسلافسكي الى اليوم، ترجمة فاروق عبد القادر، دار الفكر المعاصر، يناير1979، صفحة 30.7 8  – مايرهولد، كتابات حول المسرح، نفس المصدر السابق، صفحة 117.9 –  Le Cocu magnifique », dans Les Voies de la création théâtrale, vol. VII, op.cit., pp. 23-24 ; et, pour l’étude de cette mise en scène, PICON-VALLIN (B.), Meyerhold, Les Voies de la création théâtrale, vol. 17. Paris, ?ditions du CNRS, 1990, pp. 100-140.10 – – Fernand Crommelynck, Le Cocu magnifique, Le texte de la pièce est publié aux ?ditions Labor, Collection Espace Nord, 1987.11 – Etude d’Alma H. LAW, , Le cocu Magnifique, Les voies de la création theatrale, 1979, P. 15.-  جيمس روس- ايفانز، المسرح التجريبي من ستانسلافسكي الى اليوم، ترجمة فاروق عبد القادر، دار الفكر المعاصر، يناير1979، صفحة 31. 12 13 – Vsevolod Meyerhold, Histoire et technique du théâtre (1907), Ecrits sur le théâtre, tome 1, 1891-1717, p116.14 – Vsevolod Meyerhold, Histoire et technique du théâtre (1907tome 1, 1891-1717, p.114.15 -15- Vsevolod Meyerhold, Histoire et technique du théâtre (1907), Ecrits sur le théâtre, tome 1, 1891-1717, p 112.16 – نفس المصدر السابق17- Vsevolod Meyerhold, Histoire et technique du théâtre (1907), Ecrits sur le théâtre, tome 1, 1891-1717, p.111.18- Vsevolod Meyerhold, Histoire et technique du théâtre (1907),نفس المصدر السابق .19 – جيمس روس-ايفانز، المسرح التجريبي من ستانسلافسكي الى اليوم، ترجمة فاروق عبد القادر، دار الفكر المعاصر، يناير1979، صفحة 31.20 – Le Revizor, Vsevolod Meyerhold, Histoire et technique du théâtre (1907, tome 2,1917-1929, P.195.21 – Vsevolod Meyerhold, Histoire et technique du théâtre (1907), Ecrits sur le théâtre, tome 1, 1891-1717.p.113.22 – Vsevolod Meyerhold, Histoire et technique du théâtre (1907) p.116.23 – نفس المصدر السابق24 – Vsevolod Meyerhold, Histoire et technique du théâtre (1907) p.118.25 –25- Vsevolod Meyerhold, Histoire et technique du théâtre (1907), Ecrits sur le théâtre, tome 1, 1891-1717, p 11526 – نفس المصدر السابق27 -كونستان كوكلين، ويلقبه المقربون منه بـ «كوكلين إني»، وهو ممثل فرنسي ولد في بولوني سور مير عام 1841 وتوفي في سان جيرمان حاليا عام 1909، دخل الكوميدي فرنسيز عام 1860، وقد اشتهر بابداعه لشخصية سيراو  عام 1897، للمؤلفها ادموند روستاند. وفي نهاية حياته اسس دار التقاعد للممثلين.28 – V. Meyerhold, Le Coco Magnifique, ?crits sur le théâtre, II, 1917-1929, p.97, traduction de B. Picon-Vallin, Lausanne, La Cité, L’Age d’Homm.] 29 – V. Meyerhold, L’acteur et la biomécanique, 1922, in ?crits sur le théâtre, II, 1975, p.78-80, traduction de B. Picon-Vallin, Lausanne, La Cité, L’Age d’Homme].30 – إميل جاك -دلكروز، من مواليد  6 يوليو 1865 في فيينا، وتوفي في 1 يوليو 1950 في جنيف، هو موسيقي وملحن، ومعلم ومغني سويسري. وخالق للأسلوب الإيقاع الذي يحمل اسمه.31 – Du theatre, in Ecrits sur le theatre, t. 1. Op.cit., p. 185.32 — Du theatre, in Ecrits sur le theatre, t. 1. Op.cit., p.129-130.33 -Meyerhold, Enoncés sur la biomécanique, in Exercices, op. cit. p. 215.


محمد سيف*

شاهد أيضاً

المسرح متعدد الثقافات، أم مسرح المهجر … مادة بحثية حـسن خـيون

المسرح متعدد الثقافات، أم مسرح المهجر … مادة بحثية  حـسن خـيون  المقدمة  في قراءة للتاريخ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *