(عين) «مظفر النواب يفتح الأبواب» نصوص مسرحية لعباس لطيف – العراق

تحت هذا العنوان الذي يتماهى مع شاعرية وشعرية رمز العراق الكبير مظفر النواب، صدر للكاتب والناقد عباس لطيف كتاب جديد ضم سبعة نصوص مسرحية، ومن أولاها جاء هذا العنوان الذي إضافة إلى ما اكتنزه من روح شعرية، اكتنز سمته الدرامية التي أهلته ليتبوأ موقع الصدارة من بين هذه النصوص، التي لم تر النور على خشبة المسرح، كما هو الحال مع نص (مظفر النواب يفتح الأبواب).
فمظفر النواب – كما هو معروف – شاعر تنطوي سيرته الذاتية برمتها على حبكة وثيمة درامية غير تقليدية، لمثقف عانى الأمرين وشهد تحولات وصراعات متباينة، كانت انعكاسا دقيقا لواقع العراق السياسي والاجتماعي حتى هذه اللحظة، إذ تعرض للملاحقة وسجن وهرب من الاضطهاد والقمع والتنكيل الذي لازمه، الى عواصم عدة منها بيروت ودمشق ومدن أوروبية، بعد أن أمضى في سجنه الصحراوي (نقرة السلمان)، وراء القضبان مدة من الزمن ثم نقل إلى سجن (الحلة)، وفي الأخير قام النواب ومجموعة من السجناء بحفر نفق من الزنزانة يؤدي إلى خارج أسوار السجن، وبعد هروبه المثير من السجن توارى عن الأنظار في بغداد، وظل مختفيا فيها ثم توجه إلى الجنوب (الأهوار).
هذه السيرة الذاتية المحتدمة بكل إرهاصاتها وإنثيالاتها السياسية والاجتماعية لهذا المناضل والشاعر الكبير، أغرت الكاتب عباس لطيف ليقدمها في نص مسرحي عمل على إخراجه الفنان المبدع عماد محمد، بمعالجة إخراجية امتازت بالتجريبية والحداثوية مع استثمار لغة الجسد عبر مجاميع رقص تعبيري متناغم، وسينوغرافيا موحية ودالة من خلال تفكيك وإعادة صياغات عباس لطيف الدرامية.
وإذا كان نص (مظفر النواب يفتح الأبواب) يمثل ذروة النصوص السبعة، فإن النصوص الاخرى التي أضاءت جوانب مختلفة من اهتمامات واشتغالات عباس لطيف، جاء النص الثاني تحت عنوان (سوناتا الرماد) الذي استحضر فيها التاريخ بشخصياته، حاكما ووزراء وشعراء وجوار وبلاطا ومؤرخين وغيرهم، ليمزج الماضي بالحاضر بإسقاطات مباشرة وغير مباشرة، من دون أن يلوي عنق النص ليلج عبره الى عوالم الظلم والقهر والفجيعة الراهنة.
وهكذا نجد النص الثالث (قداس الأخطاء) الذي كتبه «تحت الاحساس بالواقع المأساوي والملتبس الذي يكتنفنا»، ليدلو بدلوه الإبداعي في تناول الواقع العراقي الراهن، بما يقترب من جعله مؤرخا حقيقيا وشاهد إثبات، لما يجري ويحتدم من صراع بين القيم مع المزاوجة بين الواقعي والفنطازي.
أما نص (فالس الخندق الأخير)، وهو نص تجريبي، فقد جاء بثلاث شخصيات الجندي والحبيبة والاسير، ويركز لطيف فيه على المزاوجة بين ثنائيات الفنطازيا والواقع، والخيال والحقيقة، والحرية والضرورة، والحياة والموت، والكابوس والحلم، لتثير توترا دراميا تترشح عنه الصور والرؤى والأفكار، بهدف كشف بشاعة وسريالية وعبثية الحروب، إذ تعمل على مسخ الصفاء الداخلي للوجود، فتهدف المسرحية إلى خلق ومضة للخلاص من الخوف الذي يهدد احلامنا المؤجلة دوما.
(ميراث المرايا الصاخبة) نص هو الآخر يكاد يتجه نحو التجريبية فضلا عن الغرائبية والرمزية، التي تدور في مضمارها الأحداث بين شخصيات أربع تمثل رجلا وثلاث نساء، إحداهما رمز لها بمجنونة الجسد، ليفكك ويبني جزئيات متناثرة من صراع أزلي بين الخير والشر، وبين النزوع الى الحرية ونقيضها.
لكنه في نص (صمت البحر) الذي جاء كتناص مع رواية لفيركور، يلاحظ عدم التزامه حرفيا بتفاصيل وحيثيات السرد الروائي، فخرج النص من مجال الإعداد إلى فضاء التأليف الموازي أو الرؤيوي. مشيرا إلى عدم جواز «استثمار النص أو الاشتغال عليه الا بموافقة المؤلف» وهو ما لم يشر إليه في نصوصه
الأخرى!وشكل النص الأخير (أرجوحة الجهات الأربع) فرادته وتميزه، لأنه كان «مونودراما» ارتكزت على مستويين، الأول فنتازي والثاني اليومي والمسكوت عنه، عبر رؤية تجريبية ومعاناة لشخصية نسائية اسمها (راوية)، مهنتها مدرسة تأريخ، حيث تتوالد الأحداث عبر صور مختلفة، لكنها لا تبتعد عن المعاناة والاضطهاد والقمع والتنكيل وتقييد حرية الرأي والتعبير ووأد الأحلام، والهروب من خسارات مزمنة الى خسارات عابرة.
هذه النصوص التي صدرت عن دار ومكتبة عدنان للطباعة والنشر والتوزيع، كرست عباس لطيف كاتبا مسرحيا أصيلا يتعامل مع نصه، بروح الناقد المتأصلة فيه.
——————–
المصدر : مجلة الفنون المسرحية الموقع الثالث – عبد العليم البنا – جريدة الصباح

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *