(عين) مسرح المقهي.. فضاء مفتوح على التجريب – مصر

يعد “مسرح المقهي” أحد الأشكال المسرحية التى تعتمد على التجريب، والفضاء المفتوح، والاقتراب من الجمهور وإشراكهم فى العرض، مما يحدث حالة من “التمسرح”، وقد تعددت أشكال هذا المسرح وتنوعت تجاربه فى مصر، وهناك محاولات لاستعادته مرة أخري.

من التجارب المهمة فى هذا النوع المسرحى تجربة فريدة تمت على يد المؤلف المسرحى الراحل ناجى جورج، والذى اختار لعروضه “مقهى المختلط” بالعتبة، بعد أن اتفق مع صاحبها رأفت خليل الذى كان يعمل مفتشا للتموين وخليل خليل شقيقه، اللذين وافقا على الفور بدون إيجار بل إن خليل قام بدور مدير خشبة المسرح فى العرض الثانى من عروض الفرقة، وتولى الفنان سمير سليمان أحد مخرجى الثقافة الجماهيرية وقتها عملية الإخراج، لكنه ترك الفرقة – بعد ذلك – لظروف خاصة، ثم أكمل المشوار من بعده المخرج التليفزيونى اللامع محمد فاضل.

وقد قدمت الفرقة عرضين الأول “مسرحية قهوة المعلم أبوالهول” فى يونيو ، والثانى مسرحية “إنى أعترض” 1971، وقد سجل التليفزيون المسرحية الأولى وعرضها وقد قام ببطولتها وفيق فهمى وفاروق فلوكس وعزيزة راشد وسيد عبدالكريم ومحيى الدين عبدالمحسن ومجدى وهبة وسعيد الدسوقى وقاسم شحاتة ومجدى يوسف.

وتدور أحداثها حول المعلم “أبوالهول” صاحب مقهى يهتم بالأحداث السياسية والاجتماعية من خلال أحاديث الزبائن الذين يشاركهم الأحاديث، لكنه عنيد أمام مصلحته، فكل ما يهمه هو سلامة أمواله التى يقاتل من أجلها، فهو نموذج للإنسان الجشع المحب للمال.

وهناك نماذج لفئات شعبية من العمال والموظفين البسطاء وغيرهم.

وقد استخدم محمد فاضل “المقهى كفضاء مسرحى للعرض مع إضافات سينوغرافية قليلة للغاية، فقد اعتمد على تقنيات المسرح الفقير عند “جروتوفسكي” وأذاب الحواجز بين المتفرج وممثلى العرض مما جعل الجميع فى حالة شعورية واحدة بعد أن اكتسبوا حالة التمسرح.

أما المسرحية الثانية التى قدمتها الفرقة فهى مسرحية “إنى أعترض” والتى قدمت على نفس المقهى عام 1976 من إخراج ليلى سعد، وقام ببطولتها الفنان عبدالرحمن أبوزهرة وسعيد الصالح وعبدالعزيز عيسى وخالد حمزة وفايق عزب وقد تعرضت المسرحية للرقابة والمصادرة منذ حاول “جورج” عرضها عام 1971، ثم تم التصريح لها بعد خمس سنوات من المنع.

تجربة عرنوس

عالم خاص من الفن والثقافة أضاء ليالى مقهى “استرا” فى منتصف الستينيات من القرن العشرين، امتزجت فيه روح الشعر بالغناء والموسيقى والمسرح وفن الحكى والواو والزجل وفن القافية والنكت والإنشاد الدينى وغيرها من الفنون التلقائية التى كانت تأتى وليدة اللحظة ومعبرة عن روح فنية وأدبية وثابة، استمر نشاطها لأكثر من عشر سنوات شارك فى إثراء هذه التجربة عدد كبير من الفنانين أمثال عبدالرحمن عرنوس و يونس شلبى ومحمد نوح وأحمد الشابورى وسامح الصريطى ويوسف عيد وحسن السبكى وإبراهيم رضوان والشاعر الراحل عصام عبدالله ولطفى لبيب ومحمود الجندي، بالإضافة الماكير “ميشو” الذى كان يجلس على المقهى يوميا ليحكى النوادر الخاصة والذكريات التى عاصرها مع كبار نجوم السينما المصرية والعربية.

بالإضافة إلى الفقرة التى كان يقدمها الشاعر عبدالرحمن الأبنودى بإلقائه المتميز ولكنته الصعيدية.

ومن أشهر الشخصيات التى شجعت على استمرار الأمسيات الثقافية شخصية “محمود حجازي” وهو أحد محبى الثقافة وقد ورث فيلا عن أهله بشارع منصور فى تقاطع شارع مجلس الشعب، وقد هدمت الآن – وكان الرجل – على حد تعبير “عبدالرحمن عرنوس” يغدق على جوعى القراءة والثقافة من أبناء المحافظات الذين كانوا يحضرون أمسية الخميس، فتارة يأخذهم يقلبون فى مكتبته الضخمة التى وضعها فى مبنى صغير فى حديقة فيلته، يدعى السلاملك ليطلع من يريد على أمهات الكتب فيها، ثم يذهب معهم فى اليوم التالى إلى مكتبة “خربوش” التراثية فى شارع بورسعيد ويشترى لغير القادر ما اختاره من كتب لم يقدر أن يدفع ثمنها، وبشرط أن يجهزوا منها ما يفيد الأمسية فى سهرة الخميس التالي، وهكذا كان الحال وهجا ثقافيا عند البعض، وترفيه لفنانين يعودون بعد سهراتهم أو أعمالهم المسائية.

وهذه الحالة التى يشير إليها “عرنوس” هى نموذج واضح على العلاقات الإنسانية التى كانت تسود بين رواد المقهى فى ذلك الزمان الجميل، حيث النقاشات الدائمة حول آخر الإصدارات من الأعمال الشعرية والروائية والفكرية والتى تعقد لها الندوات والأمسيات، فيتحول المقهى إلى صالون ثقافى يجمع بين تيارات مختلفة فكريا وثقافيا واجتماعيا يجمعها حب الثقافة والاطلاع واحترام الآخر حتى وإن اتسعت رقعة الخلاف الفكرى والسياسي.

آخر الشارع

على “مقهى القللي” بمدينة الفيوم، قدمت فرقة نادى المسرح بقصر ثقافة الفيوم العرض المسرحى “آخر الشارع” تأليف مؤمن عبده وإخراج عادل حسان وتمثيل بشرى مدنى ومصطفى الدوكى، وأشعار أحمد زيدان والعرض عبارة عن “مونودراما” خفيفة تجسد الصراع الإنسانى فى ظل التحولات الاجتماعية، خاصة شخصية الفنان الذى يحاول أن يؤكد القيمة العليا للفن رغم سطوة التسطيح – عبر المستويات المختلفة للحياة اجتماعيا وثقافيا وسياسيا.

وينتمى العرض إلى ما يمكن أن نسميه بـ “مسرح المفارقة” الذى يطرح القضية فى إطار تراجيدي، ثم يعبر عنه فى مشهد آخر فى إطار كوميدي، وقد استخدم المخرج فى ذلك نص “الأراجوز”، وملابس “البلياتشو” لأبطال العرض ،ووظف فى الخلفية إطارا موسيقيا تجسد فى أغنية “دارت الأيام” لكوكب الشرق أم كلثوم، وإن كنت أرى هذه الخلفية الموسيقية قد اقتحمت على العرض وأخذت من فنياته أكثر مما أعطت له، حتى وإن كان المقصود منها الوقوف على حالة الفوضى التى تسيطر على المجتمع.

شاهد أيضاً

الكتاب المسرحي العربي للمرة الأولى في جيبوتي. اسماعيل عبد الله: حضور منشورات الهيئة العربية للمسرح في معرض كتب جيبوتي حدث مفصلي في توطيد الثقافة العربية.

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *