عين على المسرح-مهرجان فرحات يامون للمسرح والندوة الفكرية الدولية المسرح والبعد العجائبي مقاربات نقدية وغوص في المصطلح-بــقــلم : عــبــاســية مــدونــي- ســيــدي بلعــباس- الجـــزائــر

 

تتواصل فعاليات مهرجان فرحات يامون للمسرح في دورته السابعة والعشرين الممتدة الى غاية 21 من شهر مارس من سنة 2018 ، وفي ظل البرامج المسطّرة والمحطات الثرية ضمن فعالياته ، وتثمينا للبعد الأكاديمي والفكري ، تمّ عقد ندوة فكرية في محور ” المسرح والبعد العجائبي” ، والتي كانت على مستوى فضاء المكتبة العمومية لحومة السوق ، بحضور أساتذة ووجوه فنية وطلبة مهتمين ، بخاصة وأن العجائبي ينفتح على أكثر من دلالة ومفهوم ، وأنه مجال ما يزال خصبا للدراسات ، والنحت في أبعاده ومصطلحه الذي ما يزال يعرف الكثير من وجهات النظر .

الندوة الفكرية والتي افتتح فعالياتها الدكتور ” زهير بن تردايت” مدير مهرجان فرحات يامون للمسرح ، أكّد مرة أخرى على أهمية هته الندوة وبخاصة أنها تحاول النحت في مفهوم العجائبي ومحاولة رصد شتى المقاربات التي من شأنها أن تقف عند المصطلح ومدى أهميته في الفعل المسرحي بشكل خاص ، هذا وعرفت الندوة جلستين علميتين ، الأولى ترأسها الدكتور   ” محمود الماجري” الذي أشار بدوره الى محور الندوة وما يكتسيه من أبعاد وآفاق ، وأن  ” العجائبي” في تساوقه مع أبي الفنون وشتى الآداب لابدّ أن نقف عند ما يميّزه ، عند ما يعكسه وما أهمية ما يضفيه على المجال المسرحي باعتبار الفن الرابع من بين الفنون الأكثر علاقة وارتباطا به في حقل الممارسة ، وكيف ينعكس توظيف العجائبي في المسرح ، بعدها قدّم الأساتذة المحاضرين في الجلسة الأولى ليفسح المجال لأول المحاضرين وهو الدكتور  ” رضا الأبيض” من تونس الذي قدّم ورقته حول ” العجائبي من المراجعة النقدية الى الابداع”  حيث استعرض من خلال ذلك مفهوم العجائبي ، وكيف أن كتاب تودوروف يعدّ مرجعا نقديا هامّا لصالح النقاد والدارسين المهتمين بمحور العجائبي ، وأن أصالته واهميته تكمن في الأساس في وجهة النظر التي قدمها ” تودوروف” في محاولته الكشف عن القوانين التي يعمل وفقها هذا النوع من الأدب وشتى الخصائص التي يتسم بها في محاولة ضبطه مفاهيم العجائبي .

وأن ” تودوروف” اعتمد المدونة السردية لمقاربة تلكم المفاهيم ، كما أكد الدكتور “الأبيض”  على الاضاءات التي قدّمها ” تودوروف” في سياقها النقدي الغربي ، فالعجائبي هو جزءٌ من بنية وعيٍ ومن رؤية للعالم تختلف لا شك تجسداتها النصية في الثقافة الأوروبية في القرن الثامن عشر عنها في الثقافة ذاتها في مراحل تاريخية أخرى ، وعنها في الثقافة العربية  وفي الثقافات الأخرى مستعرضا سلسلة من الاجتهادات التي قدّمها باحثون عرب في ضوء   ” العجائبي” في محاولتهم شرح المصطلح واستخلاص أساسياته على المستوى النظري والتطبيقي ، والعجائبي في الرواية العربية مستعرضا رواية ” فرانكشتاين في بغداد –أنموذجا-” .

بعدها قدّم الأستاذ ” أحمد مصباح الصويعي” مداخلته موسومة بـ” البعد العجائبي في برنامج التربية المسرحية ، بين استئناس المفردات المسرحية وتنمية الخيال” حيث استعرض من خلال ورقته مجموعة من المصطلحات والتعريفات حسب المعاجم العربية لكل ما هو عجيب وغريب ، ولكل ما هو خيال وتخييل ، محاولا رصد معاني وشروحات كل مصطلح ، ليصل الى أهمية توظيف العجائبي في الممارسة المسرحية على مستوى المنشآت التربوية إذا ما اعتبرنا أن العجائبي من أهمّ أساسياته الخيال ، اذ بناء على ذلك ركّز على أهمية الخيال في تنمية قدرات المتعلّم ، ومدى القدرات التي يضفيها على ذلك المتعلم اذا ما تمّ تلقينه الفن الرابع باعتماد الخيال كروح عجائبية من شأنها أن تخدمه ، وفي استعراضه برنامج التربية المسرحية في تونس ركّز على بعض الأساسيات في المسرح التي من شانها أن تسعى الى العلاج بالمسرح وتنمية الخيال ، بما في ذلك المبادرة بالإبداع وسعة الأفق والتخييل ، وكيفية جعل المادة التربية المتعلقة بالخيال بمثابة مختبر حيّ ومتجدّد تنفتح فيه ومن خلاله قريحة التلميذ وتجعله مساهما ضمن المجموعة .

آخر المتدخّلين بالجلسة العلمية الأولى تحت رئاسة الدكتور ” الماجري” كان الدكتور  ” أحمد خميس” من مصر ،  الذي أثار قضية “مسرح الدمى ، ثورة على المألوف” حيث أشار الى المهرجان التجريبي بالقاهرة وكيف احتضن في دورته الثالثة والعشرين بعض العروض من مسرح الدمى التي شدّت انتباه الجمهور باعتبار أنها اتّكأت على مواضيع حيّة من خلالها وعيها الناضج بالمتغير الجمالي الذي من أسسه تطوير طرق الصناعة والتحريك وذكر أمثلة في ضوء ذلك مثل عرض ” ففينوم هاملت” المكسيكي الذي منح أهمية قصوى للتراث الفلكلوري ، ومن جانب آخر استعرض تجربة عرض ” موليير” الذي جسد بوعي فارق أهمية أن تلعب بالدمي وأنت كاشف لتفاصيل تحريك الدمية إيمانا بقوة وجمالية التحريك الواعي المنتبه للتفاصيل الدقيقة سواء في حركة الرأس أو اليدين والقدمين وهي مسألة من الصعب جدا حيازتها إلا مع التدريب الشاق والجهد الفائق.

واستعرض تجربة  المخرج ” حسن المؤذن “في العاصفة” والذي أنتجه المركز الوطني التونسي لفن العرائس  بمناسبة مرور 25 سنة على إنشاءه ، ليعود لتقديم رؤية مختلفة لموضوع مسرحية “الملك لير” لوليم شكسبير تتبني كيفيات اللعب من خلال عرائس الطاولة مع موضوع كلاسيكي فالعرض وربما للمرة الأولي يقدم للكبار متخذا من فنون وتقنيات الدمي مركزا لتناول قضايا تخص الأن وهنا .

بين الجلسة العلمية الأولى والثانية ، تمّ تدشين جناح ” اصدارات الهيئة العربية للمسرح” بفضاء المكتبة العمومية حومة السوق جربة ، وهذا من طرف الأستاذ ” فائق الحميصي” من لبنان ممثلا عن الهيئة العربية للمسرح ، وقد استعرض الدكتور ” زهير” شتى الاصدارات من الدول العربية التي أثرت مكتبة حومة السوق ضمن أجنحتها .

الجلسة العلمية الثانية من فعاليات الندوة الفكرية ذات الطابع الدولي ، ترأسها الدكتور  ” محمد عبازة ” الذي بدوره أشاد بأهمية الندوة بخاصة في محور ” العجائبي” ، ليفسح المجال للمحاضرين لتقديم أوراقهم النقدية لملامسة هذا المصطلح وكيف تم توظيفه ضمن المدونة الفكرية العربية في شتى الميادين الادبية والفنية ، أول المحاضرين ضمن الجلسة الثانية كان الأستاذ ” عادل الغزال”  الذي قدّم ورقته تحت عنوان  الكرنفاليّ والعجائبيّ في عوالم رحلة الغفران للمعرّي” مركّزا على نص المعرّي الذي يتضمن بعض متطلبات العرض ، وهو الأمر الذي به صدعت بنت الشاطئ، عائشة عبد الرّحمان مثلا، في اعتبارها الغفران، نصّا مسرحيّا من القرن الخامس للهجرة.

وأشار الى أن ميخائيل باختين التفت  في عدد من فصول دراساته إلى العوالم الكرنفالية، فجعلها حفلا جامعا دونما انفصال بين من يشاهد تقبّلا، وبين من يمثّل تجسيدا، إذ الكرنفال في سنن هذا النّوع هو عالم يعاش عبر الامتثال لقوانينه وشروطه، التي تحوّل الواقع، على نحو خيالي آخر، تجسّده “حياة ضديدة مقلوبة”، بمعنى أنها مخالفة لمحظور الواقع وإكراهاته وتحديداته، وهاهنا يمكن لنا أن نتحدّث عن زمن كرنفالي وفضاء كرنفالي، فيهما تلغى الأنساق والأنظمة، لتحلّ محلّ ذلك عوالم لعب كرنفالي أهمّ قواعده، التلاقي المألوف، والشّذوذ، والتّدنيس.

ومحايثة لهذا العالم، ينتصب العجائبي في الظّاهرة الأدبيّة، قطبا جديرا بالسؤال بما يعنيه هذا العجائبي، من قطيعة مع النّظام المعرّف به، واقتحام قانونه اللاّمقبول، لصميم الشّعريّة اليوميّة التي لا تتبدّل، كما ألمح إلى ذلك تودوروف في “مدخل إلى الأدب العجائبيّ”.

حيث يحوّل العجائبيّ فكرة الأدب تحويلا جوهره، بناء خيال ومتخيّل، من كائنات تستلهم الغرابة، وتخالف أنساق العقل، فينشأ عبر كلّ ذلك ضرب من ضروب محاورة الممكن الأدبي ، حيث كانت عوالم الغفران شاخصة من خلال ورقته أين ركّز من خلالها على ثلاثة نقط أساس منها :

الكرنفالي،والعجائبيّ، بحث في هويّة المفهومين ، أفضية الكرنفالي والعجائبي، وآليات انعقادهما ، وظائف الكرنفالي والعجائبيّ.

ثاني المداخلات أثرتها الأستاذة ” سامية برمانة ” التي قدّمت ورقتها النقدية باستعراض تجربة من التجارب الجزائرية النادرة والمتجدّدة في عالم العجائبي ، وهذا من خلال محاضرتها الموسومة بـ :  “جماليات البعد العجائبي في الظاهرة المسرحية الاحتفالية الأمازيغية ” أيـراد” بالجزائـر” حيث أشارت الى ” أيـراد” هذا الحدث المسرحي ذا الطابع الاحتفالي والذي يعدّ من الطقوس الاحتفالية العديدة في الجزائـر مثل الوعدة والجذبة الطرقية ( كناوة) واحتفال بوغنجة ، واحتفال السبيبة ، و جميعها احتفالات ترتبط بالأساطير والمعتقدات الشعبية المتوارثة .

وهي ليست مجرد تظاهرات احتفالية وإنّما تنطوي على عناصر ما قبل المسرحية ، من خلال توظيف الأقنعة والملابس وشخصيات إنسانية أخرى حيوانية ، وأكسسوارات ،مع اختيار مكان لهذه الطقوس الاحتفالية كل ذلك يجعل منها حدثا مسرحيا يقصده الجمهور للمشاهدة .

وأشارت الى ما يميز ” أيراد “ عن غيره من الاحتفالات من حيث  اقترانه بقدوم سنة امازيغية جديدة من كل عام في الثاني عشر من شهر يناير ، والاحتفالات والطقوس المقامة في ظل هته الاحتفالية .

أين يحتفل كل سكان ” ثامازغا” أي سكان شمال افريقيا حاليا ( الجزائر ، المغرب ، تونس ، ليبيا ، مالي ، النيجر ، موريطانيا ، جزر الكناري …) بهذا الحدث التاريخي الذي يعود الى 2968 سنة ، حيث دارت معركة بين الملك الأمازيغي شاشناق والملك الفرعوني رمسيس الثالث ، وذلك لأجل تحرير أراضي أمازيغية متواجدة في مصر قناة سوى ، التي كانت مستغلة من طرف الملك الفرعوني رمسيس ، فحررها الملك الامازيغي وانتصاره كان بمثابة تأسيس لسنة أمازيغية .

كما استعرضت طقوس ” أيراد” أو ” آر…ايصغان…بمعناها الأسد أو الملك ، أو في بعض الديانات (الآراه) أو الصيد بمرور موكب المشاركين من بيت لآخر ، وهم جمع من الجمهور المتفرج الذي يرافق الممثلين الذين يلبسون أقنعة مختلفة وجلود حيوانات ( les peaux –les cornes –des masques d’agneaux) ويحملون أكسسوارات من عصي وقفف، والذي يتجاوز عددهم “09” ممثلين الى أكثر من ذلك ، مع قائد يمسك بعلم محاطا بالآخرين ، وفي مقدمة المركب يمر أيراد الأسد المكبل بسلسلة من طرف شخص كما يحمل البقية آلات موسيقية مثل الدف ، البندير .

إذا ، يمكن تقسيم زمان أيراد الى زمن عام مرتبط بالاحتفال بقدوم رأس السنة الأمازيغية ، وزمن خاص مرتبط بالليل مباشرة بعد صلاة العشاء ليستمر الى ساعات متأخرة من التاسعة ليلا حتى الثانية صباحا ، ويتطلب اضاءة غازية بالقرى وإضاءة عمومية بالمدن .

بالإضافة الى استعراض الصيغ الفنية للظاهرة من تمهيد ، دعاء وعرض ، مركّزة على جماليات البعد العجائبي في ظاهرة أيراد ، وأنه يستمر في حدود ما هو عجائبي في كونه يتأرجح بين الواقع والخيال ، وبتوظيف الامتساخ والتحويل والتشويه في لعبة المرئي واللامرئي ، عالم الحقيقة الحسية المجسّدة في المشاهد المؤداة وما تتبعه من صور مشهدية متخيلة في انتظار أفق توقع المتلقي.

كما ينعكس المعنى الجمالي العجائبي في عرض أيراد في استقطابه لكل ما يثير ويخلق الادهاش والحيرة في المألوف واللامألوف ، أي الفانتاستيكي FANTASTIQUE ، هذا المصطلح المعروف في النقد الغربي ، والذي يقابله العجائبي في المعاجم العربية حسب رأي الدكتورجميل حمداوي لكونه يحتوي على دلالات عدة كالروعة والعظمة ، والعجيب والاندهاش ، والخيالي والوهمي ، والخارق وغير الواقعي .

وجمالية التكثيف في الحدث الدرامي وجمالية المواجهة ، وتآلف الحركة والغناء ، وجمالية الفرجة وتجسيد البعد العجائبي وفق جدلية الخفاء والتجلي ، وتداخل المأساة بالملهاة ببلاغة ارتجالية ، استعراضية تكمن في مجموع الوسائل الفنية التي يبتكرها منظم العرض ، والتي تتيح للممثل المشارك استثمار جسده وموهبته في الأداء والارتجال ، كما تدفع الجمهور بشرائحه الى ممارسة قراءات متعددة الانجاز المسرحي والى الانشداد بمحطاته ومشاهده وهو في حالة استنارة فكرية ومتعة مشهدية بصرية ، فمنظومة العرض تحتوي على إيماءات وصفية وأخرى استعارية تحقق التواصل مع المتلقي والشخصية المسرحية ، إذا هو عرض حي لأنه يتعدى حدود التسلية المجانية ، وفي كل هذا أيضا استعرضت تجربتين لرائدين على مستوى الجزائر قاطبة بمن فيهم الفنان ” علي عبدون ” رائدا أولا لهذا النوع من بني سنوس من تلمسان ، والفنان ” سمير زموري ” من وهران رائدا ثانيا لهذا الطقس الاحتفالي .

آخر مداخلات الجلسة الثانية كانت للأستاذة ” عباسية مدوني ” من الجزائر ، والتي قدّمت ورقتها النقدية باستعراض ملامح العجائبي وابعاده وتجلياته في المسرح الجزائري ، حيث أتت مداخلتها موسومة بـ” تجليات البعد العجائبي في المسرح الجزائري ، الفكر الاسطوري –أنموذجا” في ضوء ذلك ركّزت على الموروث الحكائي الذي يعدّ أحد أهمّ الروافد التي تحفل بعوالم التخييل ، أين يجمع شتى الأساطير والحكايات ، وعديد المظاهر التي قد تتنافى والمنطق والمعقول .

كما يعتبر مسرح الفانطاستيك من أهمّ عوالم الفرجة الدرامية ، من خلال التوأمة بين العجيب والغريب ، والجمع بين المألوف واللامألوف ، والتماوج بين الواقعي والخيالي ، أين يتوافر ذلكم الموروث الحكائي على فنون إبداعية وأخرى فنية تختزل رصيدا معرفيا ينتمي الى عصر من العصور ، كالسّير ، فن الخطابة ، المقامات وغيرها وجميعها تعدّ نصوصا إبداعية .

تلكم النصوص الإبداعية ذات البعد التراثي تنتمي الى حقل كتابة إبداعية تسمى ” الأدب العجائبي” أو ” الأدب الخوارقي ” أو ” الخارق” ، أو ” أدب اللامعقول” أين يتجاوز المعقول والمنطق متّكئا على دعامة الخيال المبتكر الذي من شأنه اطلاق العنان لكتابة خارقة وغريبة .

كما أنّه يعتمد لغة تتخطى الواقع الى المتخيّل ، وهو ما يجعله يتخطى باقي الأجناس الأدبية ، ويضحى حسب ” تودورف” ذا خاصيتين هما : الغريب والعجيب ،فحسبه    ” العجائبي” يستند إلى تداخل الواقع والخيال ، وتجاوز السببية وتوظيف الامتساخ والتحويل والتشويه ، ولعبة المرئي واللامرئي ، مع التركيز على عنصر التردّد الذي يعدّه عنصرا محوريا ودعامة أساس في العجائبي ، حيث يجد المتلقي للعجائبي نفسه أمام صيغ عجائبية غير مألوفة ، الأمر الذي يعكس لديه حالة غير طبيعية ، في حالة التردد بين المتلقي والشخصية .

والبعد العجائبي له امتداداته في الفن الرابع ، لهذا تعدّ المسرحيات في هذا الاتجاه   ” مسرحيات عجائبية ” أين تطبعها خصائص العجيب ، الخارق ، إثراء للنص والعرض المسرحي على حدّ سواء ، إذ من مميزات وسمات الابداع المسرحي في هذا الحقل نلفي :

الواقعي ، الخيال ، الوهم والخارق ، التخييل ، التردد والشك ، الافتراض ، العقل الباطن ، المرئي واللامرئي ، مع مراعاة عناصر الادهاش والادهاش ، التخييل وشتى التحولات.

ولمّا كان التراث من بين أهمّ المرتكزات في الابداع المسرحي ، فإن المسرح الجزائري في عملية توظيفه للتراث الشعبي لمسة خاصة وصبغة متفرّدة ، لما للتراث من وظيفة في استقراء الرؤى المتعدّدة والأبعاد المختلفة ، ففي التراث القصصي والسير الشعبية زخم من الحكايات التي ظلّت نابضة عبر عصور مختلفة ، أين لابدّ لأي عرض مسرحي أن يتكئ على قصّة من شأنها أن تشدّ المتلقّي ضمن قالب مسرحي من شأنه أن يحقّق غائية العجائبي وفق عديد العناصر السالف ذكرها من تخييل ، ادهاش ، خوارق وخيال جامح ولمسة الغرابة واللامنطق .

والمدوّنة التراثية الجزائرية التي لا تنسلخ من المدونة التراثية العربية لها أبعادها وأساليبها في كيفية توظيف آليات ذلكم التراث على مستوى النص والعرض ، فللمسرح وظيفته الأساس في استنطاق الموروث الشعبي من حكايات وأساطير واحيائه  ضمن إطار تواصلي بين المبدع والمتلقي ، منطلقة من عدة اسئلة منها :

فكيف تمّ استلهام الموروث الشعبي في المسرح الجزائري في بعده العجائبي ؟

وهل خدم البعد العجائبي المسرح الجزائري في مزاوجته بين الموروث الحكائي الأسطوري والمقتضيات الفنية للمسرح ؟

وهل توصلنا فعلا الى استثمار تراثنا المحلي بمعايير فكرية وإنسانية ؟

وقامت باستعراض تجربة فرقة مسرحية من قسنطينة ، من الجزائر والتي قامت بمسرحة حكاية ” بقرة اليتامى ” ،  القصة التي تجسد الصراع الأبدي بين قوى الخير والشر ، تمّ مسرحتها في قالب درامي شيق أين صوّرت حياة الطفلين الصغيرين ، اليتيمين بعد فقدانهما والدتهما ، وقد تركت لهما بقرة حزنت هي الأخرى حتى جف الحليب من ضرعها .

 

الفرقة المسرحية عملت على نص الحكاية التي كتبتها مارغريت الطاوس عمروش  Marguerite-Taos Amrouche بالفرنسية ضمن مجموعة    Le grain magique   وهي عبارة عن ترجمة للأصل القبائلي لقصة بقرة اليتامى ،  أحسن ما كتب في ظل تناول الحكاية الشعبية  ؛ من حيث البساطة وسلامة اللغة ، وحرص الكاتبة على إضفاء المنطقية على تسلسل الأحداث فيها، وأخيرا نقلها لبعض المشاهد العجائبية الخارقة بشكل تكتسي فيه الحكاية الشعبية مسحة دينية، كما نرى في مشهد الغزال ، ومشهد البئر التي تسكنها جنية طيبة ، والمولود صاحب الشعر الفضي الذهبي وغيرها .

ومن خلال عديد المشاهد نلفي  أن القصة عند ) عمروش ( اكتسبت بعدا عجائبيا، امتزجت فيه الخرافة بالدين والسحر وهو ما لم نجده عند الآخرين؛ حيث أدخلت من خلال البئر عنصر الجن الطيب لمساعدة زوجة السلطان اليتيمة المظلومة،ولم تكتف الكاتبة بهذا وإنما أضفت على الأحداث الأخيرة مسحة دينية، حينما أشركت فيها إمام المسجد، وأعطته من القدرات ما لا يملكه الآخرون، وإن كانت قد خلطت في ذلك بين المقدس والخرافي ، وأن  ” بقرة اليتامى” وما تخللها من صراع ، كان كل حدث فيها جامعا  لعديد الخوارق وسلسلة من العقبات والخواطر ، إلى أن وصلت جميع الأحداث الى انفراج وحل .

في آخر الجلسات ، قدّمت الأستاذة ” عباسية مدوني” التقرير الختامي للندوة الفكرية ، منوهة بشتى الجهود المبذولة للقائمين على الندوة الفكرية العلمية في ضوء ” المسرح والبعد العجائبي” وعلى رأسهم  محافظة مهرجان  فرحات يامون الدولي للمسرح ،باعتبار أن المحور حمل الباحثين على النحت في المفهوم ومقاربة التجارب والخبرات الإنسانية ممّا صاغه السلف وتتوارثه الأجيال في رحاب عالم العجائبي ، وما يندرج تحته من مسؤوليات في مجال الحفظ ، الابداع وما يهدده مقارنة بالمدّ المعلوماتي ،   كما فوضت المنسق العام لرفع تكريم خاص للهيئة العربية للمسرح الراعية للندوة ، وفي الأخير تم استعراض سلسلة من التوصيات على الشكل التالي :

* الالتفات الى الموروث الحكائي  شفهيا وكتابة وأداء.

* الموازنة بين الرقمية والممارسات الطقوسية حفاظا على الارث العجائبي في ظل التهديد الذي يطال واقعنا الفني

     *  تلقين أبنائنا أبعاد الحكاية الشعبية

     *دعم البرامج الدراسية والبحث العلمي في حقل الظواهر الشعبية

     *جمع التراث الشفهي وتحقيقه مع العمل على توثيقه

         * تيسير اجراءات الدراسة والبحث للمهتمين بحقل الموروث الشعبي الحكائي

         توجيه الثقافة الشعبية وتسخيرها مع العولمة

*توفير قاعدة بيانات للمبدعين والباحثين المهتمين بالثقافة الشعبية

*الالتفاتة الجديّة الى المهتمين والمختصين بالتراث الثقافي

*تأسيس قاعدة بيانات تجمع جلّ المهتمين ، الباحثين والمبدعين

*ادراج الحكاية الشعبية والموروث الحكائي ضمن المناهج التعليمية

*العمل على اعادة احياء الموروث الثقافي الشفهي والمكتوب على مستوى السينما ، المسرح وشتى المجالات الابداعية

*توفير الامكانيات المادية والمعنوية لتوثيق الموروث الشعبي

*العمل على استلهام الموروث الحكائي ابداعيا .

  صفوة القول ، أن الندوة الفكرية ذات الطابع الدولي في محور ” المسرح والبعد العجائبي” تعدّ خطوة ثابتة نحو التأصيل لهذا المصطلح ضمن النقد العربي ، بخاصة في مجال الممارسة المسرحية ، للنحت في أصوله ومفاهيمه ، والعمل على توظيف ذلك توظيفا ايجابيا يخدم المدونة التراثية والفنية العربية .

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *