عين على المسرح -مهرجان البساط العربي للمسرح المحترف في دورته الثالثة عـرض قــم يغرّد خارج السرب وعزف النــسا يحاكي واقع المرأة ….- بـقـلم : عباسيــة مــدوني-سـيـدي بـلـعبـاس- الـجزائــر

ضمن فعاليات مهرجان البساط العربي للمسرح المحترف في دورته الثالثة تحت شعار             ” المسرح العربي بين الصمود والانهيار” احتضن ركح دار الشباب بـ” بن سليمان” عرضين مسرحيين ضمن أجواء المنافسة ، تحت أعين لجنة التحكيم المكونة من السادة : الدكتور “عبد الفتاح ابطاني” ، الفنانة ” سهام ازطوطي” والفنان ” أحمد كارس ”             من المغرب ، والفنان  سالم المنصوري ” من قطر ، في حين نجد من الإمارات العربية المتحدة الدكتور “عبد الله الجابري.”

لجنة تحكيم مهمتها العمل على تمحيص وغربلة العروض المسرحية المتنافسة للوقوف عند قيمة كل عرض واستخلاص مميزاته ، سواء على مستوى النص أو الاخراج أو السينوغرافيا أو الأداء التمثيلي ، لتكون بذلك العين الفاحصة والعقل الناقد بكل موضوعية لسلسلة العروض المتنافسة ضمن فعاليات المهرجان في طبعته الثالثة العربية .

وكان عرض ” قــم “لمركز الفنون الركحية والدرامية بالكاف –تونس ، تأليف ودراماتورجيا “نور الدين الهمامي” و” عبد الرؤوف الهداوي” ومن إخراج ” محمد الطاهر خيرات ” ، وتشخيص كل من “عبد الرحمان الشيخاوي” ، ” منير خرزي” ، ” نور الدين الهمامي ”         و” سهام التليلي” .

العرض المسرحي التونسي حاول محاكاة الواقع التونسي ، مقاربة الثورة التونسية التي تأججت في ظل القمع والجبروت والتبعية ، ثورة ما تزال جذوتها مشتعلة وحامية ، فالانفجار الشعبي الذي أراد المخرج تصويره وتجسيده على الركح غابت عنه بعض الملامح ، حيث أن العرض  افتقر الى خط تواصلي درامي ، وغابت الحبكة التي تؤجج ذروة الصراع ، فرأينا نوعا من الكاريكاتير والأقنعة تجسدت من خلال سينوغرافيا الماكياج ، لكن التواصل والترابط بين الممثلين كان شبه مغيب ، ما عدا الممثلة ” سهام التليلي” التي أبدعت في بعض المشاهد وكانت صادقة الحضور والتشخيص إلى حدّ ما .

   ” قــم ”  محاكاة لثورة الياسمين التي ما تزال مستمرة بحكم البيروقراطية وقمع الحكومات التي تضرب بقوة من حديد على الطموح والاجتهاد والإبداع ، فكان لابدّ للشعب أن يستجيب لقدر المجابهة والانتفاضة في ظل التسيب والقهر المستمرين تحت نير استبداد الإدارة والاسلاميبن اليساريين والبطالة التي نهشت كل الطموح التونسي .

” قــم ” دعوة للانتفاضة ، لللتحرر ، للخروج من بؤرة التبعية والقمع ، دعوة صريحة لاكتساب الجرأة وقول كلمة ” لا ” ، ” قــم ” استجابة لإرادة الشعب في ظل تغييب العنصر الابداعي على الركح .

ثاني العروض المتنافسة كان موسوما بــ” عـزف النـسـا” لمنتدى أنفاس للثقافة والفن أولاد تايمة من المغرب ، تأليف وإخراج ” محمد السباعي” وتشخيص كل من ” زينب فيلاج” ،  ” حسناء الزروال” و” عبد العالي الزوهيري” .

العرض المسرحي ” عزف النسا” عزف على وتر حساس من رحم المجتمع بخاصة العربي منه ، حيث قدّم المخرج تصوره الاخراجي ببعد تجريبي محض ، عالج من خلاله عديد القضايا الإنسانية المضمرة ، لكن في مقدمتها كانت قضية سيدتين من سيدات المجتمع المغلوب على أمرهن ، واحدة ضحّت بالغالي والنفيس لتتقاسم الطموح مع زوجها إلى أن اشتد عوده ، وأخرى تبحث في عمق أعماقها عن الحب والاحتواء ليكون زوجها طوع إرادتها ورهن إشارتها ، قصة سيدتين لم يكن إضرابهما عن أعمال البيت سوى رمزيا ، فهو إضراب شرعي بغية ملامسة مكانة كل واحدة منهما في عالم الآخر ( الرجل) ، ذلكم الآخر الذي اعتاد الراحة والدلال باسم الرجل وشرعيته وأحقيته في كل شئ من حق الجنس إلى حق التمرّد ، الآخر الذي يرى في المرأة وسيلة وليس احتواء روحيا وسندا عاطفيا ، الآخر الذي حصد جرّاء دلاله اللامشروط على المرأة كل الجبروت والتسلط ، نقيضان غير متوازيان تماما في عالم موبوء يؤمن برجولة مغشوشة ، حيث الفرق شاسع بين الذكر والرجل ، كما هو شاهق بين الأنثى   والمرأة .

عزف النسا” عزف على الإحساس ، عزف على وتر حساس تتخبط فيه المرأة مهما كان انتمائها او اتجاهها أو مستوى تفكيرها ، إمرأة ترى في الرجل الأمان والاستقرار كما ترى فيه نوعا من المخاطرة ضمن عالمها المشحون بالعاطفة والخوف والحب    الجارف .

ضمن قالب فرجوي وفني هادف ، أبدع المخرج وتساوق تصوره الفني الإخراجي مع أداء الممثلين الذي كان ضمن خط درامي متصاعد ، جمع بين التراجيديا والكوميديا والصور الفنية الإبداعية سينوغرافيًا حيث كانت وظيفية بحتة ، من خلال تجسيد بعض لوحات العرض حيث تحولت تلكم السينوغرافيا إلى مجموعة من المشاهد والرسائل الضمنية الموجهة ، فـ” عزف النسا” مزج ما بين العديد من الاتجاهات الاخراجية ضمن قالب تجريبي محض ، حاول المبدع من خلاله طرح قضية اجتماعية لكنها في العمق لامست أكثر من قضية شاهقة يتميز بها هذا المجتمع وفق عديد التوجهات والترسبات العالقة  بذهنية الفرد رجلا كان أم إمرأة .

صفوة القول ، أن مهرجان البساط العربي للمسرح المحترف عرف تباينا في العروض المتنافسة من حيث التجارب المسرحية والتوجهات الاخراجية وقيمة النصوص المشتغل عليها ، ليكون بذلك المهرجان بابا مفتوحا نحو إبداعات واعدة من شأنها أن تثري هذا المحفل المسرحي في حلته العربية ، فلمن سيبتسم الحظ يا ترى ؟

 

 

شاهد أيضاً

الكتاب المسرحي العربي للمرة الأولى في جيبوتي. اسماعيل عبد الله: حضور منشورات الهيئة العربية للمسرح في معرض كتب جيبوتي حدث مفصلي في توطيد الثقافة العربية.