عين على المسرح-مهرجان البساط العربي للمسرح المحترف في دورته الثالثة بانتورا Special من الجزائر تصنع الفرجة وتعرّي الواقع المعيش بإسقاطات جريئة -بـقـلم : عباسيــة مــدوني-سـيـدي بـلـعبـاس- الـجزائــر

     

تتواصل فعاليات مهرجان البساط العربي للمسرح الاحترافي في دورته الثالثة تحت شعار

المسرح العربي بين الصمود والانهيار” ، حيث انفتح ركح دار الشباب بـ” بن سليمان” على عرض الوفد الجزائري ممثلا بعرض ” بانتورا special” لتعاونية تافيتكا ، ” بانتورا special” للمؤلف “بلال لعرابة ” والمخرج ” سفيان عطية” ، ومخرج منفذ وسينوغرافيا ” بوراس عاشور” .

العرض المسرحي انفتح على عديد التساؤلات والاستفهامات العالقة ضمن خط فعل درامي متواصل جمع ما بين الكوميديا والتراجيديا ، محققا بذلك الفرجة لمتلقّ شغوف وفي مسيس الحاجة للتعري أمام ذاته وتحقيق غائية التطهير .

الثنائي ” عاطف كرميش ” في دور عباس و” بلال شرفة ” في دور الوناس  ، عيّنة من مجتمع شخّص عاهة التواصل والكبت والحرمان على صعيد عاطفي ومهني وأخلاقي ، ثنائي اشتغل على تيمة  الدهان ” البانتورا” لتكون المفتاح السري والمنطلق للولوج إلى ذوات المتلقي والعمل على تحقيق الفرجة التي يستحق من منطلق واقع معيش ما يزال عتما في وجوه شبابه الطموح والذي يتماشى وتيار الجديد المعوّل عليه في ظل الوعي السائد والتمكن من الحوار في خضم كل الفوضى والشتات.

الكوميديا كانت حاضرة بالعرض وذلك هو ما تطلبه النص والإخراج والتنفيذ حتى تحقيق الإيقاع المطلوب الذي تساوق وتوافق مع الطرح الدرامي للمؤلف ورؤية المخرج دونما تنميق أو تضخيم للأداء أو الطرح ، فكان كل من ” عباس ” و” الوناس” ثنائية في مجرة عالم متصدع ، موبوء بالمصلحة والتبعية والاعتراف بالفراغ .

عرض ” بانتورا سبيسبال” وضعنا أمام الواقع الراهن بأسلوب تهكمي صارخ ، بلغة واضحة وحوار سلس واتّجاه واضح الآفاق والمعطيات بغية الوصول إلى الغاية التي يبحث ويناضل لأجلها كل مواطن الذي وجب أن يكون الأساس وجوهر التغيير المنشود ن حيث كان الإيقاع والصورة بل والصور المجسدة ركحيا أهمّ السبل نحو الفرجة المطلوبة تّجاه جمهور متعطش ، وهذا ضمن قوالب فكاهية محضة وبعد تراجيدي كان بمثابة تحقيق التوازن في طرح الأفكار وتعرية ما نعايشه في ظل سياسة مركّبة يسعى كل مواطن لتفكيكها حتى يحقق التكافؤ والعدالة وكثيرا من الطموحات في وطن نريده شامخا .

” بانتورا Special” اتّسم بأسلوب فريد وجاد في طرح الموضوعات التي تمّ سردها على لسان الممثلين ، لكن بواقعية وتشخيص متمكّن من أدوات العرض المسرحي التي تمّ الاشتغال عليها من حيث الفضاء وإدارة الممثل وتحقيق المعطيات المغيّبة بفعل فاعل ، فأي الأهداف نأمل الوصول إليها لاختراق جدار الصمت والتبعية والتمرد وحتى العبث في حيّز موضوعاتي وتواصلي محض .

كان ” عباس ” و” الوناس ” صوت حق وشرعية ، صوت الانعتاق من التبعية السياسية التي تعدّ الاخطر في ظل حراك سلمي وتعدّد الوزارات ، في لحظة حاسمة نحن في مسيس الحاجة لرؤية أوسع وأمل واعد دونما العرفان بالمصالح الذاتية ، فقد انعتق الثنائي من التضليل وتطهرا ركحيا ليوصل صوته بكل نزاهة وشفافية في زمن التعتيم والتضليل على أكثر من مستوى .

أتى العمل وفق رؤية فنية وصوغ جمالي من حيث الصورة التعبيرية ، اذ يعبر عنهما ويحيل اليهما بطريقة ايحائية تحفظ للمتلقي دور المشاركة في بناء الدلالات وتنعش قدرته التأويلية، ونظير ما تشهده الساحة اليوم من تطورات تكنولوجية ، فالمسرح بالجزائر عازم على مواكبة التطورات بكل تحدّ وعزيمة ، لمسايرة الركب الحضاري والميلتميديا ، لنتساءل : أي مسرح نريد ونحن نسعى لتحقيق التوافق بين النص والعرض ؟ فالانفتاح المسرحي يدفعنا إلى التميز والانعتاق والاطلاع على الجديد ونتجاوز المعنى ونحن نؤسس لعلاقات إنسانية تتخطى الحدود الجغرافية والإقليمية اكتسابا لرؤى مستقبلية وآفاق متجددة سواء على مستوى النص أو العرض .

والمسرح ظاهرة إبداعية تنبثق من الواقع المعيش على أكثر من صعيد ، وتقتات من اللاوعي الجماعي حتى نلامس مستجدات الآني ونتماشى وقوانين المجتمع ، فنؤثر ونتأثر وفق علاقة تفاعلية .

“بانتورا special ”  حققت تلكم العلاقة التفاعلية ، أشركت الجمهور في العملي الإبداعية الركحية ، استفزت شعور المتلقي ، حملته على الاندماج والتأثر ، فكانت بمثابة الأفيون ، فــ” عباس ” و” الوناس” قادا ركحيا عملية التعاطي مع النص والرؤية الإخراجية ، كشفا عن قدرات ذهنية واخرى جسدية ، حققا التناغم والانسجام في التعاطي مع جمهور ذواق ، حدّدا عل الركح خاصية الداء وتفننا في إيجاد بلسم له ، بلسم للاعدالة ، للتبعية ، للتعليم ، للإعلام ، للحقوق المهضومة ، لحرية لن يتونا أي فرد في المطالبة بها ما دام على ثقة وحب ووعي حضاري وسلمي في ظل حراك سيظل مستمرا وشاهقا ، كنضالنا نحو الحفاظ على أبي الفنون وتحقيق صموده وجوهر قضاياه التي وجب أن تكون من عمق الواقع المعيش ، من رحم المعاناة والقهر .

وعليه ، فإن عروض المنافسة تبقى متواصلة ضمن محطات مهرجان البساط العربي للمسرح المحترف في دورته الثالثة ، للانفتاح على عروض أخرى سنقف عند تفاصيلها ومميزاتها ، وما ستحققه من ذائقة جمالية وروحية للمتلقي في ظل تباين الطرح الدرامي والإبداع الركحي.

 

 

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …