عين على المسرح-الملتقى الوطني الأول حول ” السينما والمسرح حدود الائتلاف و الاختلاف” بقسم الفنون جامعة جيلالي ليابس بسيدي بلعباس يقف عند اشكاليات جادّة ويقترح حلولا وتحديات واعدة المتلــقي والإبداع هما الفاصل في تلكم الاشكاليات- بـقـلـم : عــبــاســيــة مــدونــي – ســيــدي بــلــعــبــاس – الــجــزائـــر

      رفع الستار عن فعاليات وأشغال الملتقى الوطني الأول حول “السينما والمسرح حدود الائتلاف والاختلاف ” على مستوى جامعة جيلالي ليابس ، بتنظيم من قسم الفنون وتحت ريادة رئيس الملتقى العلمي الدكتورة ” شرقي نورية ” ، الملتقى الوطني الذي عقدت فعالياته يومي 29 و30 من شهر نوفمبر سنة 2016 عرف توافد ثلّة من الأساتذة والدكاترة الأكاديميين من مختلف جامعات الوطن ، ليقفوا بمداخلاتهم عند عديد الاشكاليات التي تطرح نفسها بقوّة ، وليحاولوا ملامسة الخطوط الجوهرية التي تجمع كل من الفن الرابع والفن السابع ، مع الوقوف عند الحدود الفاصلة بينهما ، دونما اغفال الطّرح الجادّ والمقنع لعديد المواضيع التي تتوازى والمحاور المطروحة في لبّ اشكالية الملتقى والتي أوغلت الولوج في عالم الدراما والخطاب وتباين وسائل وطرائق التعبير ، مع معاينة واقع التأليف في كل من المسرح والسينما ، مشهدية الصورة ، الاخراج ، التلقي على مستوى العرض المسرحي والعرض السينمائي ، فنيات التسويق ، الاشهار والإعلام مع مساءلة كل من المسرح والسينما في أشكال التقارب والتضاد خدمة للعملية الابداعية التي تشبع لهفة وفضول المتلقّي .

اليوم الأول من فعاليات الملتقى كان على مستوى كلية الآداب ، اللغات والفنون وقد عرف رفع النشيد الوطني ، بعدها ألقت الدكتورة ” شرقي نورية ” كلمة رحّبت من خلالها بضيوف عاصمة المكرة الذين وفدوا إلى جامعة سيدي بلعباس ، الذين أبوا إلاّ أن يشاركوا طلبة قسم الفنون هذا الطرح الأكاديمي في ضوء المسرح والسينما ، في حين كان رئيس قسم الفنون الأستاذ ” خرواع توفيق” قد أوغل في اشكالية الملتقى كورقة تمهيدية أين أشار الى أن كلاّ من المسرح والسينما يتوافقان كرونولوجيا بغية صناعة العرض من نص ، كتابة ، تمثيل ، اخراج ، سينوغرافيا ومؤثرات سمعية ، بصرية ، وأنهما أكثر قربا رغم اختلاف وسائل وطرائق التنفيذ ، وأن كلاّ منهما تحكمه حدود خاصة بالإبداع ، الآنية والمعايشة  ، أمّا عميد كلية الآداب ، اللغات والفنون الدكتور ” عقاق قادة ” بدوره قد ركّز على العلاقات المتشابكة والمتوازية بين كل من المسرح والسينما ، وأن المسرح فن جامع لكل الفنون ، وأن السينما اعتمدت على الصورة ، وأن كلاّ منهما طوّر من خصائصه وتقنياته ، حتى بات التقارب واضحا ، والفارق يكمن في كيفية توظيف الدراما ، وما يمكن أن تحققه السينما بالموازاة مع المسرح من حيث التقنية والخيال لإبهار المتلقي ، ليحيل الكلمة بعدها الى نائب رئيس جامعة جيلالي ليابس ليعلن الافتتاح الرسمي بفعاليات الملتقى ، أين  ثمّن المجهودات المبذولة في سيبل انجاح كذا ملتقيات ، وأن مثل هته الملتقيات اثراء للأبحاث ولمجال الطلبة ، بهدف الوقوف عند اشكالية الملتقى وبالتالي فتح مجالات الحوار والنقاش البنّاء في ضوء كذا تظاهرات أكاديمية على أمل ضمان الاستمرارية ، وقد كانت الكلمة الافتتاحية للملتقى من تقديم الدكتور ” ادريس قرقوى” التي تحدث فيها عن ” فنون العرض ودورها في ترقية الذوق الفني لدى المتلقي ” حيث رأى أن المسرح قد سبق كل الفنون ، وأن السينما نتاج تطور المسرح ، وكل مبدع لابدّ أن يمرّ على حقل المسرح ليعانق الكاميرا بالسينما ، والبون بينهما يتّضح لدى المتلقي ، حيث أن هذا الأخير له امكانية الاختلاط والنقاش في مجال المسرح بمجرد انتهاء العرض اذ أن الفن الرابع ههنا يتّسم بالحياء والنّماء بحكم مناقشة الممثل ، المخرج وغيرهم من طاقم العمل ، عكس السينما التي تبقي المتلقي خارج نطاقها بمجرد انتهاء الفيلم السينمائي أين تعلن موتها ، مركّزا على نقطة جدّ هامة تتمحور حول ضرورة توافر الوعي لدى المبدع في كل من المسرح والسينما ، لملامسة قضايا المجتمع الراهنة ، مدركا لواقعه المعيش وبالتالي يغدو متمكّنا من الصنعة كما ذهب الى ذلك ” ابن خلدون ” في حديثه عن أهمية اتقان الصنعة ، كل ذلك سيمكّن كل من السينمائي والمسرحي أن يمتع المتلقي وبالتالي يتمكن من طرح اشكاليات جادة أهمها : ماذا أريد من هذا المنجز مسرحا كان أو سينما ؟ وهذا يتأتّى بتنمية العلاقات في المجالين تحقيقا للإبداع بمعناه الشامل .

   مساءلة السينما والمسرح من حيث النص ، الدراما ، التقنيات وأوجه التلاقي

فسح المجال لأولى جلسات الملتقى الوطني حيث ترأسها الدكتور “عزوز بن عمر ” من جامعة وهران ، وكان أول المتدخلين الدكتور ” شرقي محمد ” من جامعة وهران  في اشكالية ” السينما بين الدراما والسرد ” أين حاول الفصل بينهما ، اذ حاول مقاربة تحول الفيلم من جانبه السردي الروائي الى جانبه الدرامي ، وكيف تتحول الايقونة السردية الى لغة سينمائية ، وكيف يكون هذا التحول مرورا بالنص الوسيط ألا وهو ( السيناريو ) ، حيث أكّد على أن السينما هي من خدم الرواية ، وبين المشهدية البصرية والسرد السينمائي ثمة مشاهد يتجاوب حسب ذوقه وميولاته ، لتكون مداخلة ” النص بين المسرح والسينما –توافق ومغايرة ” من اثراء الدكتور ” مولاي أحمد ” من جامعة سعيدة ، قد لامست خاصية النص وكيفية توظيفه ابداعيا في كل من المسرح والسينما ، من حيث تحقيق التوافق والمغايرة بمعنى التباين ، وكيف يمكن أن يكون تلقي النص المسرحي على غرار النص السينمائي من حيث الاشتغال على التقنية والمؤثرات ، وكيف لتلكم التقنيات والمؤثرات أن تكون حائلا أمام تلقّف النص المسرحي بمستوى معيّن على غرار النص السينمائي ، وأن الاختلاف بينهما يكمن دائما في المشهدية الصورية ، فالقصة في السينما تترجم صورة وتحجب الكلمة أو القصة ، بينما الحكاية في المسرح تستند على الكلمة وتقدّم في شكل حوارات ، وأنّه ثمة ضوابط تحكم تأليف السيناريو بعكس التأليف في الفن الرابع ، وفي مساءلة تقنيات الكتابة حاضر الدكتور ” عزوزي بن عبد الله ” القادم من جامعة معسكر حول ” تقنيات الكتابة المشهدية والكتابة التصويرية بين المسرح والسينما  ” أين حاول التعمق في ذلك من حيث النص وكيفية توظيفه على مستوى المسرح مشهديا وعلى مستوى السينما تصويريا من زوايا التقنيات في التأليف ، وتقنيات الصناعة في كلا الفنيين ، جامعا في ذلك بين رؤية المخرج وقضية التلقي ، والمراحل التي تحكم الكتابتين من حيث التقطيع والمونتاج بالسينما ، ومن جانب اللوحات المشهدية بالسينما .

في الوقت الذي تكلّم الدكتور ” بلغالية أحمد” من جامعة سعيدة حول ” الطريقة بين التمثيل السينمائي و التمثيل المسرحي” أين استحضر تقنية ” ستانسلافسكي” في العملية الابداعية ، محاولا استعراض أساسيات التحضير للدور السينمائي أو المسرحي ، والخيط الرفيع بينهما ، مع أنه لا يوجد فارق فتقنيات الاسترخاء والتركيز متقاربة تماما وتتباين من شخص الى آخر سواء كان ممثلا مسرحيا أو سينمائيا ، والأمر برمّته متعلّق بمدى الاستعداد للدور ، والتكيّف مع ما يتعلق بالنص سينمائيا كان أم مسرحيا ، والصور السينمائية غير الأحداث  الواقعية في المسرح ، وكل هذا مرتبط بالفرجة وكيفية تحقيقها على المسرح أو من وراء الشاشة ، ناهيك عن  خاصيتي الطاقة والتركيز ، حيث تركيز الممثل المسرحي غير تركيز الممثل السينمائي ، وجاءت محاضرة ” “ السينما و المجاورة المسرحية” من تنشيط الدكتورة ” بومسلوك خديجة ” من جامعة مستغانم ، باعتبار السينما توأما للمسرح ، وخاضت في مجال السينما الصامتة ، وأن كل من الفن الرابع والفن السابع متقاربان ، والاختلاف الوحيد يكمن في الوسائل والطرائق ، وزمكنة العروض في حقل العرض ، اين يكون العرض المسرحي عرضا متجددا ، بينما الفيلم تسجن حياته على شريط ، وهنا مفارقة الفنية والمتعة التي تعدّ الرهان الذي نرفعه في كلا المجالين .

     المسرح والسينما : البعد الانساني في الاخراج ، الطفل قيد الممارسة ، الديكور والمعالجة الابداعية للنصوص

ثاني الجلسات أدارها الدكتور ” براهيمي سماعيل ”  ، حيث استدعى الدكتور ” لخضر منصوري” ليداخل في ضوء “الإخراج السينمائي و المسرحي دراسة مقارنة” أين شرح بالتفصيل التباين الطفيف الحاصل بين السينما والمسرح ، وأبان أنّه ثمة نقط تقارب ستكشف عن ذاتها بحكم البحث والتعمق ، كما فصّل في قضية المخرج المسرحي والمخرج السينمائي ،مع استعراض المهام المنوطة بكل منهما ، ليلخّص في الأخير أن الاخراج رؤية عامّة للعالم الذي يحيط بنا ويحكمنا ، والذي نعدّ به فاعلين ، على أن تكون مواقف كل مبدع انسانية بالدرجة الأولى ، فالإنسان هو نقطة الالتقاء الوحيدة بينهما بحكم لمسته وإبداعه وردود أفعاله تّجاه قضايا المجتمع والإنسان على حد سواء ، وأن كل من المخرج السينمائي أو المسرحي يعتمدان خاصية النص ، فن الأداء وملامسة المضامين الجوهرية ، وأن الزخم المعلوماتي قد أفقد الأداء التمثيلي تميّزه بحكم اكتساح الرقمية ، وكيف أن المخرج السينمائي متحكم في الصورة السينمائية عكس ما يجري في المسرح أنّى للمتلقي كامل الحريّة في المتعة والمشاهدة وتحديد زوايا واسعة لرؤيته .

 

  “توظيف شخصية الطفل تمثيل و احترافية في المسرح و السينما  دراسة مقاربة” كانت مداخلة من طرف الدكتور   “ بن عيسى نور الدين ” من جامعة معسكر التي أقحم من خلالها أنموذجا لممارسة الطفل للسينما ، والمسرح في ضوء فيلم ” أولاد نوفمبر “ للمخرج ” موسى حداد” محاولا الوقوف عند مدى تفاعل هذا الطفل في تشخيصه للدور المسرحي أو السينمائي ، مبرزا أن الطفل يملك قدرات هائلة في مجال العطاء والإبداع ، ولكن ما يطرح نفسه بقوّة لنا كمتابعين ومهتمين : ما مصير الطفل في ظل اللعبة الفنية مسرحية كانت أم سينمائية ؟ وبخاصة بالجزائر كيف انتهى مشوار كل طفل مارس المسرح أو عانق السينما؟ وهل من متابعة جديّة لذلك حتى نحافظ على نفسية ذلك الطفل وتطويقه بالعناية اللازمة ؟

    وكان للديكور نصيب من الدراسة ، أين أضاءت الدكتورة ” شرقي هاجر ” من جامعة مستغانم مسألة “الديكور بين السينما والمسرح ” أين أثارت الفرق بين توظيف الديكور في المسرح والسينما من حيث موقع المشاهد ، الوسيط الذي ينقل الينا كلّ فنّ عبر المشاهد ، فمشاهد العرض المسرحي حرّ في مجال رؤيته ، بينما في السينما فالمتتبع يرى أنّ الرؤية الخاصة به للديكور أو المشهد مفروضة ومحدّدة ، وكذلك من حيث خاصية توظيف الألوان والأبعاد  ، وهنا تكون رقابة المخرج على المشاهد وما يفرضه عليه بتحديد زوايا الشاشة أو ما يسمى بحجم الشاشة السينمائية  ، في الوقت الذي عرض علينا الدكتور ” الياس بوخموشة “ قارب محاضرته الموسومة بـ” دراسة مقارنة بين تقنيات المسرح والسينما” بعرض حي بعنوان ” وجبة ساخنة ” أنّى طرح على الحضور التجربة وقارب التقنيات ولخّص الفوارق بين المسرح والسينما من حيث التقنية ، واستعداد الممثل وحيّز المخاطرة والجرأة لتشخيص أي دور ، وأن الكاميرا هي الفاصل في كذا تجارب لنقل الواقع كما هو الى المشاهد ، والعرض كان توثيقيا ، تسجيليا لناس الخير وكانت الكاميرا شاهدا حيّا على أنشطتهم الخيرية وتمّ التنقل معهم الى شتى الأماكن في معاينة التجربة وتبيان حقائق من واقع المجتمع ، كما سعى المحاضر الى التفصيل في خاصية الفن الرابع والفن السابع ، وكانت مداخلة الدكتور ” غمشي بن عمر ” من جامعة وهران حول اشكالية كيف تستقل التقنيات السينمائية عن المسرح ؟ ” مبرزا الحدود الفاصلة من حيث توظيف التقنيات بكل من المسرح والسينما ، وما يحكم معمار بناء المسرحية ، وكل ما يتعلق بفضاء العرض في المسرح ، وما يرتبط بالفيلم في السينما ، وكيف للتقنيات الحديثة أن تنسجم مع ممثل المسرح ومع ممثل السينما ، وأن تلكم التقنيات مرتبطة برؤية المخرج مسرحيا كان أم سينمائيا ، وكيفية تفعيلها خدمة لإبداعه ، ناهيك عن اثارة خاصية التلقي في المسرح التي تختلف تماما عن خاصية التلقي في السينما ، ولتغذية الخيال دور في هذا ، والتقنيات متباينة حيث بالسينما الاضاءة غير الاضاءة بالمسرح ، وتقنيات الصوت بالمسرح غير تقنيات السينما ، حتى السيناريو في السينما غير النص المؤلف بالمسرح ، وآلة التصوير لها أساسياتها بالسينما ، غير الكاميرا التي تنقل لنا عرضا مسرحيا ، وآخر مداخلات الجلسة الثانية جاءت من اثراء الدكتور ” مراح مراد ” من جامعة شلف أين طرح موضوع  ”  هاملت من النص المسرحي إلى النص السينمائي” وكيف تحوّل النص الشعري مسرحيا الى لغة بصرية سينمائيا ، وكيف لقوة نص

شكسبير” مسرحيا أن تقف عاجزة أمام توظيف التقنيات ، وأن النص المسرحي حيوي وحافظ على تلكم الديمومة رغم توالي العصور ، وكيف لتلكم الخاصية من الحيوية والمعايشة أن تتعرض لبعض النقص اذا ما نقل النص الى عالم السينما ، وهنا تكمن حنكة المؤلف المسرحي وكاتب سيناريو الفيلم في كيفية معالجة النص دراميا بالحفاظ على قوالبه وترك البصمة الابداعية .

هذا وقد عرفت الجلسة الثالثة والأخيرة من حيثيات الملتقى الوطني الأول في يومه الأول التي ترأسها الدكتور ” دين الهناني أحمد ”  تداول  مواضيع شملت : الابداع ، المتلقي ، الآفاق والتحديات ، الكتابة ، المؤثرات المتبادلة وطبيعة الخطاب البصري ، حيث كانت أولى مداخلات آخر جلسة من الملتقى موسومة بــ” اعتماد الرسوم المتحركة في تلقين الدرس -تاريخ الجزائر أنموذجا-” من تنشيط الإعلامي “ وحيد جلال” من الجزائر العاصمة ، الذي أبان لنا دور السينما في حفظ الذاكرة الجماعية للمجتمعات ، وكيف للرسوم المتحركة كتجربة أولى بالجزائر في مجال التاريخ أن تلقن للأجيال تاريخهم ، وتلامس هويّتهم من خلال السينما ، ولو بأقل الامكانيات ، مع توافر السيناريو الجيد والتقنيات اللازمة ، وكيف لتلكم التجربة التي جمعت 52 حلقة بأقل الامكانيات أن تسهم في الترويج للإبداع من جانب وتحفظ ذاكرة شعب من جانب آخر .

ثاني المداخلات جاءت تحت مسمى ” الكتابة للسينما و المسرح بين الخصوصيات الفنية و إمكانية التقارب ” من تقديم الدكتور ” رحو قادة ” الذي لامس الخصائص الفنية لكل من المسرح والسينما ، وكيف لتلكم الخصائص أن تكون مجالا لتقارب الفنين ، معتمدا في طرحه على خاصية الابداع والتلقي وكيف للإبداع الراقي أن يصنع متلقيّا متمكّنا ، وحذقا ومتابعا مضمونا لصيرورة الحركة المسرحية أو السينمائية على حدّ سواء ، وأن الواقع هو جوهر العمل الابداعي ، مع معاينة عالم ما بعد الجمهور الذي يتصل بالقصدية الاتصالية وليس على الاتصالية ، وأن المتلقي عنصر نشط وحيوي ، وكيف لنا أن نستخلص معاني النص المسرحي أو السينمائي ويكون المركز هو الجمهور لتحقيق الانصهار ، مبرزا كذلك البون الشاسع بين المتلقي الرقمي والتقليدي من حيث التأويل ، الفهم والتحوير ، أنى لابدّ على مؤسسات خاصة أن توجه هذا المتلقي في ظل زخم معلوماتي ، من جانب آخر “المؤثرات المتبادلة بين المسرح والسينما” كانت موضع نقاش من اثراء الأستاذة “بورمانة سنية سامية” من جامعة سيدي بلعباس ، أين رأت أنه بالرغم من نقط التوافق بين الفن الرابع والفن السابع في بعض الخصائص ، إلا أن السينما تظل منافسا للمسرح ، منطلقة من اشكالية :

كيف يسعى كل من المسرح والسينما الى تطوير تقنياته وجذب المتلقي؟ وفي ظل ذلكم التنافس القائم تكهّن كثيرون بموت المسرح ، إلاّ أن هذا الأخير ما يزال يناضل لمزاحمة التقنية والصنعة الابداعية ليحافظ على كينونته ، ورغم كل التصدعات الحاصلة ، يبقى المسرح فنا أصيلا له أصوله ، خصائصه وميزاته ، وأنه قادر على صياغة الوقائع والأحداث التاريخية والاجتماعية وغيرها ، وقاد الفنون التشكيلية وبعض الفنون أن تكون مكمّلة له ، وأن البون من حيث الكلمة في المسرح والمشهدية الصورية في السينما ، تلكم الأخيرة التي تناضل بدورها الى تأصيل مجالها بكل ما يحمل من خصائص وجماليات وفلسفة  ، كما عرضت عديد التجارب التي سعت الى الموازنة بين كل من المسرح والسينما ، وان كل ذلك يكمن في تشخيص الأدوار ، التقنيات من حيث المؤثرات الصوتية والبصرية ، الاضاءة وحتى الديكور وغيرها من الخصائص ، وتظل العلاقة علاقة مدّ وجزر بغية اجتذاب المتلقي  ، وهذا ما يحيلنا الى رفع اشكالية “واقع السينما والمسرح في الجزائر أفق وتحديات” التي تناولها الدكتور ” بلحاج عباس” من جامعة الوادي الذي لامس أهمّ ما يهدّد المسرح والسينما في الجزائر ، مستعرضا سلسلة من الآفاق والتحديات التي من شأنها أن تعيد ترميم قاعدة أبو الفنون والفن السابع ، بغض النظر عن نقط الائتلاف والتباين بينهما ، حيث رأى أن الأهم مواكبة الواقع المعيش ، واستلهام ما يدور حولنا من حقائق ، وطرحه مسرحيا وسينمائيا حتى نحفظ هوية الابداع وبالتالي نضمن متلقيّا مهتما وعاشقا للمجالين ، وهذا ما ربطه بالعولمة وتهديداتها إن لم نواكبها لصالح ما يخدم فنّنا بالجزائر ، وقد استعرض المظاهر العامة للأزمة ، مناشدا المبدعين العودة الى التراث ، وربط العلاقة بين المبدع والمخرج لاثراء الابداع المسرحي والسينمائي ، مع اشكالية الجمهور الغائب، أمّا آخر مداخلات الملتقى في جانبه الأكاديمي كانت من القاء الأستاذ “بدير محمد ” من جامعة سيدي بلعباس ولامس فيها موضوع “المسرح والسينما بين سلطة التلقي وطبيعة الخطاب البصري” حيث تماشت مداخلته في حيّز التلقي وكيفية تحقيق الخطاب الذي يلامس هذا المتلقي ، وما هو الحد الفاصل بين الخطاب البصري ومستوى تلقي العرض ، منطلقا من اشكالية : هل يمكننا اعتبار أن النشاط الابداعي هو رهين متلقّيه ؟ ومن هنا كان التداخل والتشابه بيّنا ممّا لا يترك مجالا للشك ، وأنه مهما كانت نقط التقارب أو التباين ، فإن المخرج أو الرؤية الاخراجية هي من يفرض ذاته في عالم المسرح أو السينما ، دونما التغاضي عن الـأثير النفسي للصورة ، وثمة أبعاد واضحة تحكم ذلكم التوافق أو النشاز .

     الملتقى الوطني الأول حول ” السينما والمسرح ” حدود الائتلاف والاختلاف  ” في يومه الأول وبحجم المداخلات التي أثيرت في محاولة ملامسة نقط التقارب والاختلاف بين الفن الرابع والفن السابع ، استندت الى قضية جوهرية مفاذها الجمهور وضرورة البحث في اشكالية عزوفه عن المسرح وعن السينما على حدّ سواء ، بالرغم من توافر قاعات السينما ، وبالرغم من تواجد المسارح على مستوى كل التراب الوطني ، أنّى لابدّ أن نسأل أنفسنا كمبدعين ، مهتمين ومعنيين بالحقل الثقافي والفني :

ماذا يريد منا هذا الجمهور حتى نتمكن من استعادته ؟ الجمهور بمعناه العريض والواسع دونما اهمال شريحة الأطفال الذين يعدّون جمهور الغد ؟ ماذا عليّ أن أقدّم كمبدع سينمائي أو مسرحيّ لأجتذب هذا الجمهور ؟ ما الذي أغفلناه كمهتمين حتى بات الجمهور غير مهتمّ ؟ هل عايشت واقع وطموح وآمال وآفاق وآهات هذا المتلقي لأتمكّن من استرداده ؟ أين الخلل لأتمكن من صناعة مسرحية وسينمائية تواكب مستوى تطلعات هذا المتلقي ؟ بخاصة في ظل التسارع والزخم المعلوماتي ؟ في مجال بوتقة الرقمية والصورة والميديا التي لها أصولها للسيطرة على المتلقي ؟

     كل هته الأطروحات والإشكاليات فرضت ذاتها بقوّة ضمن حيثيات الملتقى الذي غاب عنه الطالب الباحث ، الذي وفد الى قاعة المحاضرات بشكل محتشم ، وتعدّ تلكم النقطة السوداء الوحيدة بالرغم من أهمية الملتقى وما يفتحه من آفاق وطموحات أمام الطالب ، والذي من شأنه أن يؤسس لمجال دراسيّ خصب نتاج كل ما طرح في ضوء الملتقى الوطني الأول الموسوم بــ” المسرح والسينما حدود الائتلاف والاختلاف ” ، كما أنّ الملتقى كان في حاجة لروح النقاش الجادّ والبنّاء لو تمّ حضور الطلبة بشكل مكثّف ، حتى يتمّ تبادل الآراء ومواكبة كل طرح ، بالإضافة الى امكانية مستقبلا لو تماشى الملتقى العلمي بجانب تطبيقي على شكل ورشات في لبّ الاشكاليات المطروحة ، وهذا ما ستكشف عن التوصيات ، وقد تواصلت أشغال الملتقى ليوم ثان على مستوى ركح المسرح الجهوي بسيدي بلعباس ، بعرض مسرحيّ شعري تركيبي معنون بــ ” كاتب ياسين حتى لا يُنْســى” للمخرج ” زموري سمير ” ورفع لتوصيات الملتقى من طرف رئيس الملتقى العلمي الدكتورة ” نورية شرقي” .

 

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *