عين على المسرح العربي – قراءات في المسرح المعاصر.. سبعة نصوص انموذجا في الشارع النقدي العراقي – العراق

في خضم تسارع تكنولوجيا التواصل المعرفي والاجتماعي الثقافي، وتطور سعة الكتابة الالكترونية وتزاحمها واتساعها، ينتابنا شعور بأن الكتاب المقروء، أصبح في دائرة النسيان، لكن الحقيقة، بقي الكتاب المطبوع، يشكل ثقلا وترسانة متماسكة في التواصل الثقافي والنقدي، بما يطور المعرفة البشرية.

على الرغم من أن الكتب النقدية –التطبيقية، لم تشكل حيزاً مؤثراً في الشارع الثقافي العراقي، واقتصارها على الندوات، والمناقشات والدراسات التي غالباً ما تنهض بها بعض الكليات بتخصصاتها المختلفة،إذ يتم التطرق الى نقد العروض المسرحية وتفكيكها واحياناً الى النصوص الدرامية، وعلى الرغم من غنى هذا الحقل وخصوبته، الا ان نطاق تأثيره محدود، ضمن دائرة ضيقة، وقلما تنشر الابحاث بصيغة كتاب ويتم الاكتفاء بنيل الدرجة العلمية للباحث حسب، وبالتالي لا يتم الترويج والتداول لتلك الابحاث التي تبقى داخل رفوف المكتبات، يعلوها الغبار.
ان مسيرة النقد العراقي، خجولة، فضلاً عن قلة نقاد المسرح، والاقل الكتب النقدية في هذا المضمار، الا ان ذلك لا يمنع من ظهور كتاب نقدي، بين الحين والآخر، يحمل في طياته طريقة التفكير النقدي، مجتهداً ايجاد ميسم محدد ضمن عمليات المد والجزر التي تنتاب الثقافة عامة والمسرح خاصة، واضافة الى طابع الاصطراع والتناحر الثقافي في بروز اسماء نقدية من جهة وأقصاء اسماء اخرى من جهة ثانية.
وفي ضوء ما تقدم، ينبغي الاشارة الى ان الجهد النقدي لبعض الاسماء وعلى مدى خمسين عاماً، وما أصاب الثقافة العراقية من متغيرات دامغة للانتكاس او للارتقاء، بقي اسهم الناقد العراقي (صباح هرمز) ثابتاً متجذراً متأصلاً في روح المسرح نصاً وعرضاً.
واذا كانت العروض، سببا للاشتباكات الصغيرة مع العاملين في حقل المسرح، فان النصوص تبتعد عن هذه الخاصية، وهذا سبب آخر لإنزواء النقد في الادب، فقد تتطاول الألسن لأبناء الشوارع حيناً، لتلوك العقل النقدي وتطحنه.
وفي ظل هكذا ظروف، استطاع (صباح هرمز) ان يقدم للشارع النقدي العراقي والكوردي الكتب الآتية: التقليدي واللا تقليدي في المسرح الكوردي عام 1993، بودابست، مدخل الى المسرح السرياني في العراق، عام 2001، ثلاثة عقود في المسرح الكوردي عام 2003.
قراءات أخرى في المسرح السرياني، عام 2005، وأخيراً كتابه الراقي قراءات في المسرح المعاصر (سبعة مؤلفين انموذجاً).
والجدير بالملاحظة، ان الناقد (صباح هرمز) أختط ستراتيجية نقدية، مشكلةً زاوية رؤيته للعالم –ومنها الى العالم الدرامي المتخيل، متغافلاً عن الاسماء الراسخة او المعروفة، وانما استند على وضع منظور لرؤياه وقراءاته النقدية، دونما تحنيط او تفريط او تحديد لكاتب دون آخر.
مستنداً على النص، والنص وحده يدافع عن نفسه، فظهر في الكتاب، مؤلفو دراما بقاماتهم الكبيرة مثل: تشيخوف، تنسي وليامز، اوجين أونيل، آرثر ميللر، برشت.
وأضافة لهذه الاسماء الكبيرة لا في العراق وانما في العالم اجمع، أصطفت الى جانبهم اسماء عراقية: جليل القيسي، محي الدين زنكنة.
ان المنظور النقدي، تسامى على العقدة الراسخة في الذات الجمعية للثقافة العراقية، وكشف عن اقتدار في مواجهة النص الدرامي المتخيل، والعقدة المنتقصة للمؤلف العراقي.
ان التفكير بهذه الطريقة، يعني التخلص من الافكار المتأصلة والمنتقصة لطابع الابداع الدرامي، وتجلى ذلك بوضوح كبير في تحليل نصوص المؤلفين الاجانب والمحليين، نراه، بذات الهمة والحرص والانكباب والحفر عن ثيمات النص، وأطره الشكلية والمضمونية، فالنقد لم يعد ارتجالياً، او استهلاكياً او انطباعياً، وانما هو عملية بحث دؤوبة، لاستخلاص الافكار واكتشاف مواطن الجمال، والحفر في اعماق النص الدرامي، وبذلك لم تعد عقدة (الخواجة) تشكل شيئاً في شارعه النقدي الثقافي ان الكشف عن المعنى والاجتهاد في التحليل والتفسير، شكلت كلها ثقل الكتابة ذاته، فقد تجاوز قشرة النص –الحكاية والاحداث، ومواصفات الابطال، والفكرة الاساس، وانما يحاول مجتهداً ان يقرن النص بما يدور ويفسره، انه يبحث في المنطقة الثانية في النص، وبذلك فان الناقد هاهنا، يجتهد في الايغال داخل ثنايا النص، باحثاً عن المغيب في المعنى الظاهر، مجتهداً في التوصل للمعنى الآخر، المرمز، او المطموس او المسكوت عنه.
ان طريقة التفكير النقدية، منحت الناقد قوة لانه يبحث عن سرية النص، وجماليته، ومرتكزات معانيه، وهذا الامر لا يختلف كثيراً عن النقد الاجنبي الذي نقرأه ونتعلم منه، ان ثقة الناقد بموسوعية معرفته، وتمرسه، ودقته، اتاحت له عمليات رصد النص، أياً كان، اجنبياً ام محلياً، من التوقف عند التكرارات الواردة داخل النص، تكرار لبعض الكلمات او ما يدل على المعنى ذاته في الكلمة او الجملة، كما في مسرحية (الشقيقات الثلاث) لمؤلفها تشيخوف، إذ يرصد (17) جملة في الفصلين الاول والثاني تمثل شدة التوتر النفسي، او يرصد المؤثرات الصوتية في النص ذاته ويحددها بـ(25) موزعة بين الصفير، العزف، الدق على الارض، والغناء.
ما تقدم، عينة في كيفية بلوغ المعنى، وبذلك فان الناقد، يسعى الكشف عن فهمه للنص، من خلال ايجاد وسائل لذلك الفهم، فلم تعد مزاجية الناقد، او موقفه من المؤلف، او طبيعة علاقته بالنص في مواجهة نص الناقد، كلاهما يقف على ارض صلبة، وكلاهما يخترق الآخر دونما حاجة لمؤثرات: ايديولوجية، قومية، نفسية، ان حرص الناقد والدقة التي يتوخاها، دفعته الى عدم الاكتفاء بنص واحد لمؤلفيه السبعة، بل تراوحت بين: نصين الى ثمانية نصوص، وهذا لوحده يشكل عمق الناقد وبحثه المستمر، لهذا ظهرت تنويعات في قراءة تلك النصوص، فتارة تتم محاوراتها عقلياً، واخرى من خلال فهم عدد التكرارات، بين الحالة النفسية، او الصوتية او المونتاجية، وما يجدر الانتباه اليه، وقوف ناقدنا في مواجهة مع ناقد عملاق هو (الاراديس نيكول) الذي عرفنا عنه موسوعيته الثقافية، وصرامته ومنهجيته التاريخية، يقف (صباح هرمز) مشاكساً لهذا العملاق، وهو يدحض رأي لـ(الاراديس) في مسرحية (ايفانوف) لمؤلفها (تشيخوف)، والمعروف ان (الاراديس نيكول) الذي يصف المسرحية: بالفاشلة، وضعف البطل بوقوعه في غرام جارة له.
ان هذا الرأي قد شاع في الشارع الثقافي العالمي، لهذا عندما يذكر (تشيخوف) تذكر مسرحياته الاربع، من غير الاشارة الى مسرحية (ايفانوف) وقد أخذ عنه الدارسون والباحثون والنقاد في العالم، فشيعت مسرحية (ايفانوف) اما الناقد صباح هرمز، لم يقف عند رأي (الاراديس نيكول) وانما وقف امام النص (ايفانوف) محللاً ومفسراً ومكتشفاً، طابع البنية الدرامية، والحقبة التاريخية، والزمن الذي كتبت فيه، وراح يفند رأي العالم الاجنبي، شيئاً فشيئاً، ليعيد الحياة من جديد بعد دفن النص عقود من الزمن.
ان ذلك تعبير عن خاصية النقد العراقي المتحرر من الخوف والمخاوف وما يمكن ان يترتب عليها.
ونحن في اطلاله الالفية الثالثة، نطمح ان يكون لنا تنظير نقدي متوازي بستراتيجيته مع النقد العالمي، فلا يكفي ان نكون مستهلكين للنظريات والافكار والاساليب، بل حاجتنا لايجاد طرائق اخرى في اكتشاف ذاتنا الجمعية، والميثولوجية والمستقبلية.
وبطبيعة الحال، ان التطرق للمثالب، والاشارة اليها، لا تعني ضعفاً وانما تقويماً علمياً لهكذا كتاب مهم، اذ خلا الكتاب من مقدمة، وانما ترك القارىء في مواجهة نصه النقدي، وهذا الامر يصعب تقبله في كتاب نقدي ثري فالمقدمة اختزال واشارة وتوضيح للافكار وتعضيد للناقد، وتعين القارىء على فهم اعمق لما يتم تداوله وبذلك تتسع دائرة التأثير والتأثر في تشكيل عالم النقد.
اما المسألة الاخرى، المتعلقة بالمنهج النقدي، الذي يجد طريقة في الامساك بالنص وتفكيكه والتوصل الى اطرافه واجزائه، وبالتالي التوصل الى المعنى، سواء أكان واضحاً ام متخفياً، ام زلقاً، ان تنوع المنهجية بين الاجتماعية في التحليل والتفسير، او الكمية فان ذلك لا يبلور استراتيجية نقدية مكتملة الاطراف، فالمنهج يسري او هكذا أرى في ثنايا الكتاب والعينة، ايّاً كانت، ستدخل المنهج وتحلل وتفسر وتؤول ضمنه، لهذا أرى ان تعددية المناهج قد لا يعطي النصوص الدرامية الفرصة نفسها في التحليل والتفسير.
لهذا فإننا بحاجة الى اتخاذ استراتيجية منهجية مكتملة، في مقدماتها وخصائصها وطرائقها التحليلة، بغية الوصول الى نتائج معمقة، وفي ضوئه، يمكن قول كلمة أخيرة، ان الكتاب النقدي الذي تم التطرق اليه، يمكن وصفه بحجر القي في بركة ماء الشارع الثقافي، وعلينا ترقب الدوائر المتشكلة بعدها، وعليه، سنترقب صدور كتب نقدية اخرى، لنقاد آخرين يحذون ذات الجدية والصرامة، بعد ان أختط (صباح هرمز) البداية.

——————————————

المصدر : مجلة الفنون المسرحية الموقع الثالث – د. منصور نعمان – الصوت الأخر

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *