(عين) بيت المدى يحتفي بأحد رموز المسرح العراقي محسن العزّاوي – العراق

سنوات طويلة وتأريخ كبير ترك خلاله أثرهُ على خشبات المسارح التي مرّ بها ، في زواياها ، وجدرانها ، فجميعها باتت تحمل شيئاً من صداه وبعضاً من روحيته ، ليرفض البعض أنّ نسمّيه رمزاً مسرحياً ، مُعدّينه قارة تحمل الكثير من أبواب المسرح ومدنه التي تحتاج منّا  مفتاحاً سحرياً ليفتتحها ، فكان منجزُ رائد المسرح العراقي المخرج والفنان محسن العزاوي  جديراً بإقامة جلسة للاحتفاء به في بيت المدى صباح يوم الجمعة .

رسم خارطة المسرح العراقي

وقد ذكر مقدّم الجلسة جبار محيبس أنه “في الوقت الذي يصنع العراقيون اليوم ملحمتهم نعمل نحن  في خندق الإبداع والجمال على قيادة إبداعنا  وثقافتنا من خلال هذه الجلسة الأسبوعية المنتظمة لبيت المدى  ، حيث تخصّص هذا الاسبوع برواد المسرح العراقي ، وعلى رأسهم الرائد المخرج والممثل محسن العزاوي وهو من قادة الحركة المسرحية ومؤسسيها ، بل إنّ المسرح في عصره مرّ بأوج عطائه .” مؤكداً أنه ” صاحب قيمة فنية كبيرة  في رسم خارطة المسرح العراقي.”

الأبرز في المسرح العراقي 

  اللقاء الأول ، الصدفة الاولى تلك التي تجمعنا بحب وتترك أثرها في أرواحنا أبداً ، فمهما مرّ عليها من غبار السنين ، ومهما أمطرت عليها سماء الهموم لن  تُمحى ، فنعود لاستذكار ذلك اللقاء بعد سنوات طوال ، وهذا ما ذكره المخرج المسرحي سامي عبد الحميد حين تحدث عن محسن العزاوي قائلا ” لقائي الاول بالعزاوي كان عام 1966 ، وقتها كنت رئيساً لقسم المسرح في دائرة السينما والمسرح ، وشاركني العزاوي مسرحية ” الحيوانات الزجاجية ” وقد جسّد شخصية رئيسية في المسرحية وكان تمثيله شفافاً ورقيقاً راقياً .” شهادةٌ يجد عبد الحميد أن من واجبه البوح بها بحق العزاوي كمخرج قائلاً ” إنّ محسن العزاوي مخرج رائع نجده قد تناول كل الاعمال المسرحية ، وخصوصاً في ما جسده وتناوله من مسرحية ” طنطل ” لطه سالم .” ويؤكد عبد الحميد قائلاً ” لابد أن نذكر أن العزاوي كما هو ناجح في الإخراج فهو ناجح جداً في إدارة الكادر والحدث والعمل المسرحي .” وعمّا قدمه العزاوي من مسرح كوميدي شعبي واستعراضي يذكر عبد الحميد ” أن أرقى كوميديا شعبية عراقية قُدمت كانت على يد العزاوي ، فلو نذكر مسرحية ” دعوة بريئة للحب ” نجد أنها كانت مثالاً للمسرحية المهذبة الرشيقة ،ولأول مرة مثل فيها الفنان عزيز خيون تمثيلاً لا مبالغة فيه ، وقد عُدّت بحق كوميديا راقية عكس كل ما يُقدّم اليوم من مسرح كوميدي مبتذل.” وأكد عبد الحميد قائلاً ” يجب أن نذكر أن الفرقة القومية والوطنية للمسرح العراقي مرّت بقمة تألقها وعطائها على يد محسن العزاوي ،لذلك علينا أن نطالب ببقاء العزاوي كمدير للفرقة القومية والوطنية للمسرح العراقي ،لأن هذه الفرقة يجب أن يقودها الشخص الابرز في المسرح العراقي .”   

التجربة الجيكيّة 

تعوّد المسرح العراقي على دراسة التجارب الانكليزية والامريكية ، وقد مارس التجارب البريطانية والامريكية والالمانية في المسرح ، ولكن ما فاجأ المسرحيين أن يمارسوا التجربة الجيكسلفاكيّة ، وهذا ما تحدث عنه الكاتب المسرحي د.عقيل مهدي عن التجربة التي جاء بها محسن العزاوي للعراق قائلاً  ”  إن العزاوي مثل طليعة من المسرحيين الكبار في العراق الذين اقترب عندهم التجريب بالمحلية بقضية المسرح الذي سميناه بـ “الاحتفالي” ، فهو جعل منه بوابة مهمة للمسرح العراقي التي تتعلق بالجانب الرأسمالي ، وفجاءنا بتجربة المسرح الجيكسلفاكي التي أهدتنا الكثيرين من كبار الادب والثقافة والفن العراقي أمثال فخري العقيدي ، عادل كوركيس ،سليم الجزائري بعد أن تعودنا على تجارب  مسرح لندن وأمريكا وألمانيا .”  وأضاف المهدي قائلاً ” وبما أن العزاوي وليد التجربة الجيكسلفاكية فنجده يجنح إلى الجانب الموسيقي بشكل منفتح ، ولم يكن يتعمق في شخصيات أبطاله بل حاول طرح الشخصيات بشكل تقديمي ملحمي.

المفتاح السحريّ والتصميم العماريّ 

قد تُشبّه التجارب المسرحية بالتصاميم المعمارية وبقاموس المخرج المسرحي صلاح القصب ، الذي استذكر المعمارية الراحلة زها حديد من خلال جلسة محسن العزاوي ، ذاكراً ” أن التجربة أو المحيط الذي تحرك به الفنان المصمم المعماري محسن العزاوي أشبه بما قدمته المعمارية زها حديد ، ففي الوقت الذي يتّبع جميع المعماريين قواعد منسوخة ومتشابهة من خلال هيمنة العمارة والخطوط المستقيمة السطوع واستخدام الموروث ، نجد أن زها حديد اخترقت هذه القواعد المستنسخة ، وهذا بالضبط ما ينطبق على المخرج المسرحي محسن العزاوي الذي نجده  قد اخترق القواعد المسرحية واقتحم موج التيار المسرحي الخطير، وهذا النوع  من المسرحيين مَن يبحث عنهم المسرح .” 

خفايا حياتي 

لم يشأ المحتفى به المخرج والممثل العراقي محسن العزاوي الحديث عن شأنه المسرحي ، وفضّل الحديث عن بعض من خفايا حياته الشخصية ذاكراً ” سمّيتُ محسن من خلال جارتنا اليهودية ، ودرست الابتدائية وفي هذه المرحلة لم تكن لي ميول مسرحية ، أو لم أكن مكتشفاً هذا الميل ، ولكن في هذه المرحلة خصّني الأستاذ عبد الرحمن والد الفنانة سناء عبد الرحمن بقراءة قصائد الرصافي وغيره من الشعراء في إحدى المسرحيات ، وبعدها جسدت دور المرأة في مسرحية خاصة بالمنفلوطي ، حيث كانت الحاجة ماسّة لمن يجسّد دور امرأة ، وقد استنجدوا بأخي عدنان الذي كان متفتحاً على الظواهر الثقافية والفنية وهنا جسدتُ هذا الدور “. وخلال مرحلة الابتدائية تعرف العزاوي على كبار الأدباء والمفكرين الاجانب أمثال دستوفيسكي وتولستوي وغيرهم من خلال إسناد مهمة تنسيق الكتب في المكتبة المركزية ذاكراً ” كنت أتناول طعامي وأنا منكبّ على هذه الكتب ، مهلي بقراءاتي .” المرحلة المتوسطة كانت بداية تنبه العزاوي لخطورة المسرح وجماله وحساسيته الفنية ، وهذا ما دفعه للمجيء إلى بغداد ودخول منافسة أمام لجنة مقيّمة له برئاسة الراحل حقي الشبلي ، ويذكر العزاوي ” نتيجة إدراكي مدى أهمية التمازج والتفاعل بين الفرد والمسرح اتجهت إلى بغداد حيث لم أكن أملك إمكانية ولا لباساً لائقاً بالمقابلة إلا إنني استلفتُ مالاً من أخي وبدلة من جاري وقدّمت عرضاً صغيراً أمام اللجنة وقد وافقوا على أدائي ، وشكلت هذه النتيجة فرحاً عظيماً وانتقالة كبيرة لي .” هنالك سرّ حول ميل العزاوي للاستعراض والموسيقى في عروضه المسرحية ، وهنا يذكر العزاوي كاشفاً هذا السر ” اهتممتُ جداً في الموسيقى بأعمالي ، ذلك أني كنت أدرس في معهد الفنون التذوّق الموسيقي ، فوجدته فعالاً ومهماً في العروض .”

مسرح العمال 

جلسة تضجّ بمداخلات الحاضرين الذين تميزوا بكونهم من نخبة المسرح العراقي ، فيذكر السينوغراف بشار طعمة قائلاً ” اكتشفني العزاوي من خلال اهتمامه بمسرح العمال ، حيث خرّج هذا النشاط عددا كبيرا من المسرحيين المميزين ، وقد اكتشف العزاوي موهبتي في السينوغراف والإضاءة ، كما أن الروائي حميد المختار كان واحداً من اكتشافات مسرح العمال .”  وأضاف طعمة ” بعد أن ولدت موهبتي على يد العزاوي وتطورت ، شاركته في الكثير من الاعمال المسرحية مثل ” البيتونة ” وأيضاً شاركنا في الكثير من المهرجانات في العراق ، منها مهرجان بغداد الدولي.”

البوّابة 

لم يكن بشار طعمة الوحيد الذي تأثر بفن العزاوي ، فهنالك من كان غافلاً عن المسرح ليكتشفه من خلال متابعة مسرحيات العزاوي أمثال الأستاذ والاكاديمي حسين علي هارف الذي ذكر ” تعلمتُ الكثير من مسرح العزاوي رغم أنه لم يدرسني في قاعات الدراسة ، إلا أنه كان مِن ممثلي العراق المفضلين لديّ ، لأنه شامل وديناميكي يحاول من خلال اعماله نحت أداء الممثلين ، كما أنه مولع بالموسيقى والحركة في عروضه .” ويضيف هارف ” لم أكن أفكر بميلي إلى المسرح ولكني مع بدء متابعاتي للعروض التي قدمها العزاوي وأخرجها أصبحت أفكر بهذا الفن العظيم الذي يحمل الكثير من العمق والذكاء والتميز.

الوسيط السينمائيّ

 في المسرح 

وعن دخول عالم المسرح ، وتواجد العزاوي في هذا العالم الكبير يذكر الفنان سعد عزيز عبد الصاحب أن ” الحديث عن العزاوي طويل ، فالعزاوي لم يأتِ فارغاً من مدينته ولا هاوياً كما لم يتبع مزاجه في عشق المسرح ، بل جاء محملاً بالكثير من الاعمال والافكار المسرحية التي أضافت إلى المسرح العراقي.” ويضيف عبد الصاحب ” تميز مسرح العزاوي بنصوصه وتقاناته وخيالاته العميقة ، كما أنه من الأوائل الذين اشتغلوا على الوسيط السينمائي في المسرح وهي اختراع واحتكار يحسب له ويسجل باسمه .”

 المسرح الكوميديّ

الكثير من المسرحيين العراقيين سواء أكانوا أكاديميين أو تدريسيين أو رواد المسرح من مخرجين وممثلين يعدون تجربة العزاوي هي الأكثر تميزاً في تأريخ المسرح العراقي ، حيث يؤكد المسرحي زهير البياتي ” أن تجربة العزاوي باتت من التجارب المهمة والمميزة في مجال المسرح العراقي ، وخصوصاً في مجال المسرح الكوميدي الذي بات اليوم يعاني من اهمال وابتذال ، في حين أن العزاوي – ويجب أن لا نغفل عن هذا – هو من أهم من قدم مسرحاً شعبياً كوميدياً .”

—————————————————————–

المصدر مجلة الفنون المسرحية – زينب المشاط – المدى

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *