(عين) «الحلاج وحيداً».. قراءة عصرية في نص عبدالصبور الشعري برؤية مونودرامية

ندما كتب الشاعر المصري صلاح عبدالصبور المسرحية الشعرية «مأساة الحلاج» والتي تناول فيها شخصية المنصور بن حسين الحلاج المتصوف الذي عاش في منتصف القرن الثالث للهجرة، كان قد شرع الباب على مصراعيه أمام من يأتي من بعده ليستقي من هذه الرائعة بعض الأفكار ويصيغها بما يناسب الحقبة الزمنية التي يعيشها، وقد وجد الفنان الإماراتي عمر غباش ضالته في هذا العمل ليستوحي من روحه مسرحية «الحلاج وحيدا» التي قدمها ضمن أنشطة الكويت الدولي للمونودراما الثالث على مسرح الدسمة.

قدم غباش هذا العمل تحت راية مركز ديرة الثقافي بالتعاون مع مسرح دبي الأهلي ليعيد قراءة نص عبدالصبور ويجسده مسرحيا، في أولى أعماله بالمونودراما، في 4 مشاهد رئيسية، فالحلاج هو بطل، شاعر، متمرد وثائر على عصره ينزل للشارع يقول رأيه ويطرحه على المجتمع، يكره الطغيان وينشر العدل ويسعى لغد جديد يسعد فيه الجميع، هذا البطل الذي نتعاطف معه يرى أن الشر كل الشر يكمن في الفقر وكأن العالم إذا خلا من الفقر فسيخلو من الشر، كلمات وعبارات وجمل قالها الحلاج في المسرحية جاءت كلها معبرة عن الواقع الذي عاصره والصراع بين الفقهاء والصوفيين عندما تعارضوا مع أقواله وما يطالب به.

النص كونه ينتمي للمسرح الشعري فهو بالغ الصعوبة وفي طياته العديد من المفردات الثقيلة والقضايا المهمة، واختزل النص المعد فصول النص الأصلي ليقدمها على خشبة المسرح في 4 مشاهد فقط لا غير حتى يقدم عملا مونودراميا، لكن مع الأسف جاء الإعداد الذي قدمه عمر غباش على عكس توقعاته وتوقعات محبي هذا الفنان الذي عاد إلى المسرح بعد سنوات طويلة، فكان العرض عبارة عن دراما متقطعة ويتطلب من المتفرج التركيز حتى يتم الوصول إلى الفكرة الأساسية من العمل، فقد كان المعد الممثل يحوم حول نفسه في عبارات موضوعات مكررة، سرد ومونولوج ومناجاة لممثل عاش الصراع مع ذاته.

على صعيد السينوغرافيان فقد قدم غباش، الذي نفذ بنفسه السينوغرافيا، ديكورا ذا استخدامات عديدة عبارة عن حبال بيضاء علقها بالسقف ثم تحولت لمظلة، ومن بعدها لزنزانة، كما كانت المؤثرات الصوتية مستخدمة جيدا وأعطت إحساسا بالمكان الذي يجري فيه المشهد سواء في الطرقات أو استخدام الترانيم في بداية ونهاية المسرحية، وبالنسبة للأزياء فكانت مباشرة عبارة عن زي بسيط خلا من البهرجة وبدلالة مباشرة في استخدام «الخرقة» وهي رداء الصوفيين التي تعني القوة والعزم.

لا ننكر الدور الذي قام به غباش في هذا العمل والذي احتاج منه جهدا لتنفيذه، خصوصا انه يمتلك أدوات الممثل الناجح سواء في حركة الجسد، الصمت، الانفعال، الإشادات وحتى الإيماءات، لكن يبقى أن نقول إن مسرح المونودراما هو فن لا يستصيغه الكثيرون، هذا الفن الذي يعتمد على الممثل الواحد فما بالك أن قدم نصا شعريا دسما بثقل نصوص صلاح عبدالصبور على طريقة المونودراما، تبقى تجربة فريدة ذات اجتهادات نثني عليها ونشيد بعودة هذا الفنان الإماراتي. ويذكر أن مسرحية «الحلاج وحيدا» مستوحاة من نص «مأساة الحلاج» والذي يتكون من فصلين سماهما عبد الصبور أجزاء، الجزء الأول: «الكلمة» والجزء الثاني: «الموت». وتعد هذه المسرحية حتى الآن أروع مسرحية شعرية عرفها العالم العربي، وهي ذات أبعاد سياسية إذ تدرس العلاقة بين السلطة المتحالفة مع الدين والمعارضة، كما تطرقت لمحنة العقل وأدرجها النقاد في مدرسة المسرح الذهني ورغم ذلك لم يسقط صلاح عبدالصبور الجانب الشعري، فجاءت المسرحية مزدانة بالصور الشعرية ثرية بالموسيقى. وأهم ما ميز هذه المسرحية التي نشرت عام 1966 هي نبوءتها بهزيمة 67، إذ مثلت صوتا خارجا عن السرب في مرحلة كان فيها الأدب العربي يعيش أحلامه القومية مع المد الناصري وكانت الرموز السائدة هي تموز وأساطير البعث الفرعونية والفينيقية والبابلية، فكان عبدالصبور الوجه الآخر من هذه الموجة الثقافية من خلال شخصية الحلاج.

غباش: النص تجربتي الأولى في المونودراما

حظي العرض الإماراتي «الحلاج وحيدا»، من تأليف الكاتب الراحل صلاح عبدالصبور ومن إعداد واخراج وبطولة عمر غباش، باشادة من حضور مهرجان الكويت الدولي للمونودراما في دورته الثالثة، لاسيما خلال الندوة النقاشية التي أعقبت العرض، وشارك فيها غباش وأدارها منسق عام المهرجان عبدالله الرويشد وعقبت على المسرحية الزميلة هديل الفهد.

استهلت الفهد تعقيبها، بالقول: «يعتمد اي عمل مسرحي على 3 جوانب مهمة، النص والمؤلف والمخرج، فما بالكم اذا كان العرض يعتمد على شخص واحد يجمع بين يديه العناصر الثلاثة، فهل تفوق الممثل والمؤلف والمخرج عمر غباش في عرض «الحلاج وحيدا» على نفسه ام لا؟».

وأضافت: «النص هو العظمة الرئيسية لاي عمل، وقد استلهم المؤلف الشخصية من نص الكاتب المصري صلاح عبدالصبور «مأساة الحلاج» وهو من أهم الاعمال الشعرية التي قدمها عبدالصبور والتي تعتمد على شخصية الحلاج المثيرة للجدل، وهو بطل شاعر ثائر على عصره متمرد ينزل للشارع يدلي بآرائه ويوعي المجتمع، لم تعجب أقواله فقهاء عصره لأنه يسعى لغد جديد يسعد فيه الجميع، نحن كمشاهدين نتعاطف مع هذا المظلوم لأن حياته المشرقة أدت الى نهاية محرقة، دائما ما يقول الحلاج ان الشعر يكون في الفقه وإذا خلا العالم من هذا الفقه سوف يخلو من الشعر».

وتابعت الفهد: «الديكور كانت له استخدامات عدة، كان عبارة عن حبال بيضاء متدلية بشكل دائري من سقف المسرح الى ان كبل بها الحلاج نفسه في نهاية العرض وأصبح أقرب الى سجن، ونتابع كيف تتسع الدائرة ثم تضيق، وأعتقد ان المشهدين الثاني والرابع استغرق فيهما الممثل وقتا طويلا في استخدام هذه الحبال ما تسبب في تسلل الملل الى الحضور، ولو كان استخدم حوارات او سردا لما تسلل لنا هذا الشعور، اما الاضاءة فقد اوضحت عدة معان والأزياء كانت بسيطة وغير مبالغ فيها وتشير الى الصوفية».

وأردف: «على صعيد المؤثرات الصوتية كان هناك ترانيم وايضا مؤثرات الجلد والطرقات التي توحي بانعقاد المحكمة، لقد طرح غباش بعض الافكار في العرض باسلوب مباشر من خلال جمل مثل الارهاب، كما انه قلص العمل الى 4 مشاهد فقط كانت بالنسبة لي سردية بصورة أكبر أزعم ان غباش قتل نص صلاح عبدالصبور في هذا العمل، بينما غباش يمتلك أدواته فهو فنان قدير».

ومن ثم كان الحضور على موعد مع مجموعة من المداخلات التي اعتبرت ان عودة غباش للمسرح مكسب كبير، واشارالبعض الى ان النص صعب، كما اشاد آخرون بالموسيقى التصويرية، وقال مؤسس المهرجان ورئيسه الفنان جمال اللهو: «أشيد بحرص الفنان عمر غباش على تواجد الكويت، ضمن فعاليات المهرجان من خلال هذا العمل، وسعدت بهذه المبادرة الوطنية وأتمنى ألا يتوقف».

بدوره، قال بطل العمل الفنان عمر غباش: «اعتبر ما قدمته «بروفة جنرال»، حيث انني لم أعرضه من قبل وكانت هذه المرة الاولى، وسآخذ بجميع الملاحظات التي استمعت اليها»، مشيرا الى ان عمل المونودراما فيه إشكالية ان الممثل يتحمل مسؤولية إيصال الرسالة لأنه يبقى وحيدا على المسرح، وتابع: «هي التجربة الاولى لي في المونودراما، كنت مترددا في تقديم هذا العرض، إلا انني حسمت امري واشتغلت في سرية تامة، النص كان عندي من 6 سنوات، ولكن لم يخرج الى النور لأسباب إنتاجية».

مفرح الشمري

http://www.alanba.com.kw/

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *