(عين) إعادة “مسرح الرشيد” إلى الحياة: بأي حال يُسترجع المسرح العراقي؟

لأكثر من عقد من الزمن، أُغلقت أبواب “مسرح الرشيد”، وسط العاصمة العراقية بغداد. بدأ ذلك بعد الغزو الأميركي للعراق عام 2003، إذ تضرّر المبنى وتحوّل جزء منه إلى هيكل متفحّم، في صورة تجسّد حالة الخراب المزدوج: العمراني والثقافي، التي عاشتها بلاد الرافدين والتي امتدت لسنوات. في الشهر الماضي، بدأت أعمال تطوّعية قصد إعادة “الرشيد” إلى الحياة، انتهت بإعادة افتتاحه بمناسبة “اليوم العالمي للمسرح” الذي يتزامن مع تاريخ 27 آذار/ مارس من كل عام. تضم قاعة المسرح 700 مقعد، وهي بذلك تُعدّ من أكبر قاعات العروض في العاصمة العراقية. افتتح “الرشيد” سنة 1981، وقد استمر المسرح منذ ذلك التاريخ في استقبال العروض حتى الغزو الأميركي، حيث طاوله القصف، وتوقّف عن النشاط إلى اليوم.
خلال هذه الفترة، طالب مسرحيون ومثقّفون، في مناسبات عديدة، الحكومات العراقية بترميم “الرشيد” وتأهيله لاحتضان العروض في وقت لم تعد المسارح المتوفّرة في بغداد تسمح باستيعاب الإنتاج المسرحي وعرضه على الجمهور، غير أن هذه المطالب لم تجد آذاناً صاغية، فما كان من المسرحيين الشباب إلا أن عزموا، هذا العام، على القيام بهذه المهمة بوسائلهم الذاتية.

أحد المساهمين في هذه الحركة، الفنان المسرحي العراقي عكاب حمدي، يقول لـ”العربي الجديد”، إن “مسرح الرشيد يُعدّ صرحاً ثقافياً عراقياً كبيراً. لكنه تضرّر بشكل كبير جرّاء القصف الأميركي الذي لم يتوان في استهدف الصروح الثقافية في العراق”، وهو يشير إلى أن “مسرح الرشيد كان مستهدفاً بشكل مقصود، فهذا المعلم شهد خلال ثمانينيات القرن الماضي مهرجانات وطنية وعربية وقُدّمت عليه عروض عراقية وعربية”.

يضيف “بقي هذا الصرح الثقافي مهملاً من قبل الحكومات المتعاقبة منذ الاحتلال وإلى حد الآن؛ لذا وبعد تعاقب السنوات والمماطلات، شمّر عدد من الشباب المسرحيين عن سواعدهم لإعادة تأهيل المسرح بإمكانياتهم البسيطة”.
لعل هذه المب
ادرة، ومحاولة إحياء قاعة مسرحية تكشف حجم اللامبالاة الرسمية في عراق اليوم، ما يشير إلى انشغال المسؤولين والسياسيين عن الثقافة ومشاغلها اليومية الحارقة بصراعاتهم السياسية. هنا، يقول حمدي “إن إعادة تأهيل “الرشيد” شارك فيها فنانون شباب بعد أن يئسوا من الدولة، فقد مضى على توقّفه أكثر من 13 عاماً، رغم أن ذلك يقع ضمن مسؤوليات وزارة الثقافة”.

من جهته، يقول الفنان علاوي حسين، لـ”العربي الجديد”، عن فكرة تأهيل المسرح: “جاءت فكرة المبادرة ضمن حملة “الحياة مسرح”، التي تشرف عليها مجموعة من الفنانين والشباب المتطوّعين والمتحمّسين لإعادة هذا الصرح الحيوي”.

يتابع “هدف الحملة هو إعادة الحياة لهذا الصرح الثقافي المسرحي. وقد بدأناها بحملة جمع توقيعات من رموز المسرح والثقافة العراقية في السابع من آذار/ مارس الماضي بدعم من منظّمات مدنية مثل “المركز الوطني للعمل التطوعي” و”فريق محبّي بغداد”. يضيف “قمنا بإزالة الأتربة والأنقاض التي تملأ المكان، ولا يزال العمل جارياً لاستكمال تهيئة المسرح”.

يرى حسين أن هدف الحملة لا يقف عند إعادة فتح المسرح، إذ “ينبغي أن يستأنف “الرشيد” دوره، وهو الذي احتضن على خشبته الكثير من العروض المسرحية العراقية والعربية اللافتة”، يذكر منها: “حفلة الناس” و”كلكامش” و”البغيّ الفاضلة” و”ألف رحلة ورحلة”، كما يذكر أعمالاً عالمية عُرضت فيه مثل “دائرة الطباشير القوقازية” و”كاسبر” و”سمفونية الخنفساء”.

لكن، ورغم أهمية الخطوة والتحمّس لها، هل يخفي ذلك ما في الحياة المسرحية العراقية اليوم من نقاط ضعف؟ هنا، يتمنّى الكاتب والإعلامي رائد العزاوي أن تكون عودة “مسرح الرشيد” إلى النشاط فرصة لتجاوز المسرح العراقي لظروفه، معتبراً أن المشكل لا يقتصر فقط على قلّة الفضاءات، موجّهاً انتقاداته إلى جزء من المسرحيات التي تُعرض حالياً في المسارح العراقية. يقول “يشهد المسرح العراقي تراجعاً في المضمون والأداء، ونأمل أن يأخذ الفنانون والمخرجون والكُتّاب بالاعتبار ملاحظات الجمهور والمتابعين للشأن المسرحي”. يشير العزاوي إلى نفور فئات من الجمهور العراقي ممّا يُقدَّم له، لافتاً إلى ظواهر تندرج في “المسرح التجاري” مثل “استعمال الإيحاءات الجنسية، أو حتى استعمال الكلام الفاحش في العروض، وهو ما لم يكن موجوداً في مسرحيات العقود المنصرمة، إضافة إلى الخروج المستمر عن النص، وغالباً ما يكون خروجاً غير ﻻئق”. من جانب آخر، يحدّثنا العزاوي عن ارتفاع أسعار تذاكر المسرحيات التي لا تتناسب مع الوضع الاقتصادي الذي يعيشه البلد، إذ إن بعض الأعمال تُقدَّم بـ25 ألف دينار عراقي (نحو 20 دولاراً)، وهو ما يجعل فئات من الجمهور ترى بأن المسرح العراقي أخذ اتجاهات تجارية، ما ينعكس على سمعة المسرح بالمطلق. من جميع هذه الملاحظات، نتساءل “ما معنى أن نعيد فتح المسارح، إذا كان الجمهور عازفاً عن المسرح؟”.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضاءات مهدّدة
لعل “مسرح الرشيد” نموذج من حالة المدّ والجزر التي تعيشها أمكنة الثقافة في البلاد العربية. إنه مشهد شبيه بظاهرة التصحّر الطبيعية، حيث إن التهاون في حماية الفضاء الأخضر سرعان ما يترتّب عنه غزو الرمال له وابتلاعه. المسارح مثلها مثل قاعات السينما والغاليريهات والمتاحف، كلها مهدّدة، سواء بالتدمير أو بالإهمال، وربما بسبب خيارات مادية. لكن تظل أماكن الثقافة قابلة للاسترجاع من مخالب التصحّر.
ميمونة الباسل
العربي الجديد

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *