عين(مسرح .. من عروض مهرجان المسرح العمالي المركزي..)سوريا

عين(مسرح .. من عروض مهرجان المسرح العمالي المركزي..)سوريا

«الضيوف وخارج السرب».. وحكاية وطن يدخله الغرباء على حين غفلة

ثقافة – التورة
الأحد 4-12-2016
علي الراعي

هي «الحكاية» ذاتها، تتكرر بذات التراجيديا، وبكامل الخسارة والخذلان، تمت صياغتها بعشرات القصص والروايات، وبمختلف أجناس الإبداع..

ولعل «بيت العنزات» الحكاية الأشهر على هذا الصعيد، عندما يتوسل الجمل العنزات اللواتي ينعمن بحظيرة جميلة؛ أن يضع لو قد واحد ليشعر بدفء الحظيرة، وعندما يوافقن على ذلك بعد طول توسل، يطلب أن يُدخل القدم الثانية، وما أن يوافقن حتى ينيخ الجمل بكامل هيكلة، ويُطفش العنزات بكل الاتجاهات.‏

الضيوف‏

هذه الحكاية التي كان لها ما يُماثلها في نص للبريطانيين: إدوارد بيرسي، وريجينالد دينهام؛ هذا النص الذي اقتبسه الناقد المسرحي السوري جوان جان، ليكون أول عروض مهرجان المسرح العمالي المركزي، الذي تحتفي اليوم خشبته بدمشق بستة عروض مسرحية من ست محافظات سورية، بعد توقفٍ دام ست سنوات؛ هي عمر المحنة السورية.‏

هذا الاقتباس؛ الذي سيختار له جوان جان عنوان «الضيوف» ويخرجه سيهل العقلة، ليكون أول عروض المهرجان لفرقة المسرح العمالي بدمشق، سيتم ترهينه، وتبييئه، ليتشابك مع اللحظة السورية الراهنة، وذلك بحشد الكثير من الرموز التي وسعت الكثير من دوائر التأمل، ومن ثم الخروج بالعرض من الحالة الواقعية للتعبيرية بكل جمالياتها.‏

وهو أيضاً ما أوحى لأبدية الفكرة وأزليتها واستمرارها، وهي حالة هذا الغدر لمن تفتح له بيتك، ومن ثم لا يكون منه سوى أن يعمل بكل ما توفر له من نكران للجميل؛ ليسدد طعنته الغادرة في الظهر.‏

ومن ثم كان على نص جوان جان أن يُفعم بالأفكار، وبالتالي، كان كل هذا الفيض من الحديث، الذي سيتخفف بالرؤية البصرية للمخرج عقلة بالرشاقة وإشغال الخشبة بحيث لم يسمح لـ «شيطان الملل» أن يقترب مهما كثرت التفاصيل.‏

بحجم وطن‏

الحكاية التي تبدو بسيطة، لكنها لهول ما ينتج عنها، تصير بحجم وطن، الحكاية هنا التي يأخذ شخصياتها أسماء سورية، تدور حول السيدة سعاد التي تنهشها الوحدة بفقدها لولدها، وهي على ضفاف شتاء العمر، ترى في زميلة الدارسة القديمة مايُبدد عتمة الوحدة في البيت الكبير الذي صارت تجده واسعاً عليها بشكلٍ يقترب من الرعب، لكن مأساتها؛ تكمن في طيبة القلب الزائدة التي أعمتها عن غدر صديقتها القديمة وابنتيها اللتين آوتهما بعدما ضاقت بهما الدنيا، ومن ثم كان أن طمعا بالبيت، وبدأ الجميع؛ يُخطط للمكيدة لقتلها، الأمر الذي سيفضحه طمع «الغزاة – الضيوف» عندما تنشب معركة بين الصديقة القديمة وابن زوجها الراحل على التقاتل والصراع على منزل الضحية.‏

هذه الحكاية التي ستتخلص من واقعيتها بإسقاطاتها الرمزية، عندما يتوسع البيت ليصبح بحجم وطن، وذلك سواء برمزية الحوار، أو حتى برمزية الديكور، الحوار الذي جاء رشيقاً، مع إضفاء حالة من المتعة، وهذه لابد منها كغاية لأي عمل إبداعي، ومن ثم الديكور الذي تمثل بأساس كلاسيكي وراسخ، ليدل على أزلية المكان الذي تتكرر عليه حكايا الغدر.‏

هذه الأزلية؛ التي سيُشير إليها العرض بتلك اللازمة التي ستكرر مرتين، في بداية العرض وخاتمته «دوم تك دوم تك» هذه المقدمة التي تأتي كمُحفز للمشاهد في البداية لما سوف سيُقدم، والتي توحي بالكثير من التأويلات كـ «خلاعة الراقصات» طوراً، وبالعبث أحياناً، لكن استخدامها في الخاتمة أيضاً، لتأكيد أزلية الحكاية ودهريتها واستمرارها.‏

داخل/خارج السرب‏

داخل/خارج السرب، تأليف: محمد الماغوط، إعداد وإخراج: سامر أبو ليلى، كان العرض المسرحي الثاني، الذي شهدته خشبة مسرح نقابة العمال بدمشق لفرقة اتحاد عمال حمص، والذي ينتمي لما عُرف ذات حين «بالمسرح داخل المسرح»، هذا النص الذي كتبه محمد الماغوط خلال القرن الماضي، وكان على حصان إعداد وإخراج سامر أبو ليلى أن يجر عربة نص الماغوط لجعله يشتبك هو الآخر مع اللحظة الراهنة، والجرح السوري النازف، فتتقاطع الكثير من الإسقاطات في هذا العرض مع العرض السابق – الضيوف – عندما يتم إسقاط المسرح على مساحة وطن، تحيك ضده دوائر العدوان الكونية لتغريبه وتهجير ناسه وسرقة تراثه.‏

تبدأ الحكاية – المسرحية من استعداد «فرقة النخبة» لعرض مسرحي لنص «روميو وجولييت» على مسرح النخبة، الكائن على هامش المدينة، حيث على أعضاء الفرقة أن يجتازوا عشرات الحواجز بما فيها الواقعية والنفسية والمجازية للوصول إلى مسرح نخبتهم المزعوم، الذي لم يكن أكثر من مطية لهم للوصول لغايات أبعد ما تكون عن المسرح الحقيقي – الوطن، هنا ثمة غاية مختلفة عند كل واحد من أعضاء الفرقة، المخرج الجاهل والعاشق للجوائز، والمنتج الذي همه أن يُبعد عناصر الفرقة عن الخوض في السياسة، وحتى جولييت التي لم تحسم خياراتها، إلا بعد طول تردد، وكما أن فقراء الوطن – كما دائماً – أن يحموا الوطن ويدافعوا عنه، أيضاً كان على فقراء المسرح هم من سيتشبث به والدفاع عنه أمام جرافات الخراب، والذي جسده العرض بمستخدم الصالة المسرحية – عاطف – «العنصر الاحتياط» في كل الأدوار. ومن ثم كان على الموسيقا المصاحبة وهي غالباً من الفلكلور السوري البدوي بالعزف على الرباب لتوضيح دلالات العرض ورموزه، التي يُداخلها التغريب في الكثير من التفاصل، كنوع من صراع موسيقي مُعادل لما يجري على الخشبة، واستغرب هنا كيف لم يجد المخرج مُعادلاً موسيقياً إلا بالفلكلور البدوي مع أن ثمة فلكلورا أهم من ذلك بكثير يمكن أن يخدم العرض اكثر من هذه الحالة البدوية التي ليست سورية فقط.!‏

ما‏

هذا العرض؛ الذي سبق للكثير من خشبات المسرح السوري أن احتفت به بغير رؤية بصرية، لعلّ أقربها إلى الذهن العرض الذي كان بصياغة الفنان جهاد سعد الإخراجية، ماكان على ابي ليلى الا أن يأخذ بهذه المغامرة بعين الاعتبار، ومن ثم لتكون الجرأة على هذا «النص الزئبقي» وتلمس الكثير من ملامحه بذلك الإعداد بتحويره والإحالة لمقاربة الواقع المعاش اليوم بكل مرارته أما رمزاً أو مباشرةً.‏

هذا الأمر الذي وجد فيه الناقد المسرحي السوري موسى أسود – أحد أعضاء لجنة التحكيم – مسلبة تمثلت بضياع الأسلوبية الواضحة للعرض وخلط الأساليب لدرجة التوهان، الأمر الذي أفقد العرض الكثير من ارتكازاته، ومن ثمّ كانت الجرأة على نص الماغوط كان فيها أيضاً الكثير من الفجاجة.‏

كنعان البني – سوريا

 

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *