عين(مسرح سوري ينهل من العالمي والنصوص تتفوق على العروض)سوريا

عين(مسرح سوري ينهل من العالمي والنصوص تتفوق على العروض)سوريا

لمى طيارة

المصدر / العرب

المصدر: موقع الخشبة

العودة مرة أخرى للنهل من الأدب العالمي لم يأت بطريقة عبثية، لكنه قد يكون وسيلة للابتعاد عن النصوص المسرحية التي أنتجت مؤخرا وتدور حول الظرف الحالي الذي تعيشه سوريا.

رغم أن المسرح كمهنة فنية لا يعطي أكُله كما يقال، وخاصة في ظل الظروف الاقتصادية البائسة التي يعيشها بلد كسوريا، تبقى العروض المسرحية، في تزايد واستمرار، وبرعاية كل من وزارة الثقافة ومديرية المسارح والموسيقى، ليس هذا فحسب، بل إن معظم العروض يرتادها الجمهور بأجور رمزية وربما مجانا، ما يشكل حافزا إضافيا لحضور الجمهور بهذه الكثافة، لكن في ظل انعدام الإعلان الترويجي عن تلك العروض عبر وسائل الإعلام التقليدية، تبقى مسألة استمرارها رهينة فقط لسمعة العرض ونجاحه لا غير.

اليوم في دمشق، يستطيع عشاق المسرح من طلبة المعهد وأساتذته، وغيرهم من الممثلين وحتى الجمهور، مشاهدة مسرحيتين في يوم واحد، نظرا إلى التنسيق من حيث قرب المكان أو حتى زمن العرض.

النهل من الأدب

قدم مؤخرا في مسرح الحمرا عرض من نوع المونودراما بعنوان “امرأة وحيدة” مقتبس عن نص عالمي، ومن بطولة أمانة والي وإخراج نسرين فندي، كما قدم عرض آخر بعنوان “اعترافات زوجية” ويعرض على مسرح القباني، وهو أيضا مقتبس عن نص عالمي، ومن تمثيل رنا جمول ومالك محمد ومن إخراج مأمون الخطيب.

العودة مرة أخرى للنهل من الأدب العالمي في عرضين مسرحيين سوريين، لم يأت بطريقة عبثية، حتى وإن لم يصرح أصحاب العمل بذلك، لكنه حقيقة قد يكون وسيلة للابتعاد عن النصوص المسرحية التي أنتجت مؤخرا والتي كانت تدور حول الظرف الحالي الذي تعيشه سوريا، ومحاولة الغوص في النفس البشرية عبر نصوص إنسانية اجتماعية تنبض بالحياة في أي مكان وفي ظل أي ظروف، وتحمل إلى جانب ذلك مشاعر بشرية تم تناسيها أو التغاضي عنها بحجة أن ما تعيشه سوريا أكبر بكثير من تلك الترهات والتفاصيل اليومية.

حاولت نسرين فندي عبر مسرحية امرأة وحيدة، الدخول إلى عوالم امرأة بائسة في ظل غياب الرجل (الزوج، الابن)، لكنها وقعت في فخ اللغة العربية الفصحى حين أبقت عليها، رغم أن النص يحتمل كثيرا اللهجة المحلية، أما عرض “اعترافات زوجية” فقد كسر ذلك الحاجز حين جعل النص عامّيا بسيطا، بحيث اقترب كثيرا من ملامسة الجمهور السوري، رغم أنه نص مقتبس عن الفرنسية.

في كلا الحالتين، تفوق النص على العرض، والدليل على ذلك أن الجمهور يخرج من العرضين وقد ثبتت في ذهنه بعض العبارات والحوارات الإنسانية، بمعزل عن الإخراج أو السينوغرافيا، أو حتى أداء الممثل.

اعترافات زوجية

بالتوقف على مسرحية “اعترافات زوجية” فقد أخرجها مأمون الخطيب بينما قامت المخرجة آنا عكاش بعمل الدراماتورج لها، وتعرض يوميا على مسرح أبوخليل القباني، وسط إقبال جماهيري كبير. يدور العرض حول مصارحات بين زوجين، فجمال الساحلي (الذي يلعب دوره مالك محمد) العائد إلى بيته، مع زوجته (تلعب دورها الفنانة رنا جمول)، بعد رحلة غياب في المستشفى، كان يعاني فيها من مرض فقدان الذاكرة إثر حادثة وقعت له، لكن الزوج الذي تنتابه الشكوك منذ لحظة دخوله إلى المنزل، في حقيقة كونه زوج تلك السيدة وصاحب ذلك المنزل، يُقحم المشاهد في دوامة الشك تلك التي تنتهي وقد عرفنا أن كلا منهما يستغل جهل الآخر بوضعه النفسي، فينسج القصص والخيالات التي لا يمكن لأي من الطرفين تصديقها، إلى أن ينتهي العرض وقد كشف الزوج الأمر.

هناك مشاعر بشرية تم التغاضي عنها في الفن السوري، بحجة أن ما تعيشه البلاد  اليوم أهم من التفاصيل اليومية

استعاد الزوج ذاكرته وما كان ينقصه سوى اعتراف الزوجة بمحاولة قتله، وعبر 50 دقيقة من الأخذ والرد، نكتشف دواخل هؤلاء الزوجين، والتي بإمكانها أن تكون نموذجا شبيها بكل الأزواج، هذه الدواخل التي عبر عنها المخرج بشكل مادي، حين جعل بطلي العمل يخلعان بعضا من ملابسهما الخارجية كتعبير عن الارتياح التدريجي والتقرب، لأن الأحاسيس والمشاعر، قد تتفوق وتتعالى على الأخطاء والأوجاع والآلام التي قد سببها أحدهما للآخر، لكن الديكور المحيط بالممثلين والذي يحمل الكثير من التفاصيل التي استوجب وجودها النص ذاته، أدت إلى محدودية حركة الممثلين، ليصبح الحوار سيد العرض ومالكه، لكن هذا لا ينفي الحضور اللافت للممثلة رنا جمول، التي تؤكد يوما بعد يوم أنها مازالت عاشقة للمسرح، وأنها تمتلك حضورا مميزا، بهدوئها وقوتها، أما مالك محمد فرغم أنه قليل الحضور على المسرح، فقد أثبت هو الآخر إمكانيات مسرحية وحضورا فنيا لا يقل أهمية عن حضور وتوهج رنا جمول.

ورغم أن المسرحية مأخوذة عن نص مسرحي للكاتب الفرنسي إيريك إيمانويل شميث، عاشق الفلسفة كما يقال عنه، وتحمل نفس العنوان، فقد أجريت تعديلات بسيطة عليها من ضمنها تحويل العمل من نص أدبي باللغة الفصحى إلى نص باللهجة العامية، بشكل سلس وانسيابي، وبعض التعديلات غير الأساسية في الحوارات، قد لا يصدق المشاهد أنه نص مسرحي فرنسي، بقدر ما يعتقد أنه نص ابن بيئته، والسبب يعود بطبيعة الحال إلى انسيابية ذلك النص الذي يمكن إن تنطبق أحداثه ليس فقط في فرنسا بل في العالم كله، وليس فقط بين زوجين، بل بين أي اثنين تربط بينهما علاقة ما على مدى سنوات عدة من المعاشرة.

وإيريك سميث المولود عام 1960 كاتب المسرحية، واحد من أهم الكتاب الفرنسيين ليس هذا فحسب، بل أيضا هو مخرج وكاتب مقال وسيناريست، ترجمت مسرحيته “اعترافات زوجية” فقط في العام 2016، من قبل المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في الكويت، كاكتشاف متأخر، وهو من الكتّاب الذين تظهر الفلسفة في جل أعمالهم المسرحية، وبشكل خاص الفلسفة التي تشرح وتفسر الكون، وقد ذاعت شهرته منذ التسعينات وخاصة بعد عرض مسرحيته “ليلة فالوني” في فرنسا تحديدا في العام 1991، كما عرف بمسرحياته الأكثر شهره مثل “دون جوان” و”الزائر” وغيرهما.

كنعان البني – سوريا

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *