علي حسن البياتي بين الدبخانة والكوميديا السوداء

 

فاتن حسين ناجي

تنعكس مجمل التحولات الاجتماعية والسياسية بما يصاحبها من تغيير في الوضع العام في المجتمع على الفرد  في كافة نواحي حياته الأسرية والنفسية والاقتصادية، وبذلك تكونت فجوة كبيرة بين المجتمع وبين الفرد، وهذه الفجوة تسرب من خلالها صور سلبية تشكلت حول تكوين الفرد العام وإن قوة التاثير الفكري والسياسي تصل الى اقصى درجاتها عندما تتحول الى وتيرة كاملة تنعكس كموجة راطمة في ذات الفرد الانسانية. وهذا ماتشكل في مسرحيات الراحل علي حسن البياتي، الذي ابحر في صلب الواقع ليخرج لنا بصورة مطابقة لما هو متجذر في الانعكاس الصادر عن المجتمع .
تعد مسرحيات البياتي من أهم المسرحيات التي قدمت من قبل فرقة 14 تموز برئاسة اسعد عبد الرزاق، حيث شكل مع المؤلف علي حسن البياتي ثنائياً فنياً، قدما الكثير من المسرحيات سوياً، لربما اهمها تلك المسرحية الشعبية البغدادية العراقية الأصيلة (الدبخانة) التي ظلت خالدة تحاكي الذاكرة العراقية على مدى أكثر من خمسة عقود وهي مسرحية اجتماعية ذات أهداف رصينة وخطاب متوازن تعبر عن روح الحقيقة في مجتمع يرزح تحت ظل عدم الاستقرار. الأعمال التي مازالت في ذاكرة الجمهور مسرحية «الدبخانة».وهي تحكي قصة المظاهر الخادعة والصراع العائلي .
وفي عام  1965 اعيد تشكيل فرقة 14 تموز، وفي ذلك الحين اتخذت من سرحيات علي حسن البياتي اساساً لانطلاقها بل وتعدّاه أن تعرض مسرحياته فقط طيلة سنوات عدّة، حيث كان يتعامل مع المسرحيات التي يكتبها سابقاً بصورة اكثر حدثية بما يضفيه لها من واقع الشعب العراقي آنذاك ولكن بصورة كوميدية، عام 1970 قدمت مسرحية ((جفجير البلد)) وهي مسرحية شعبية تحكي عن شخصية متطفل يتدخل في الأمور التي لاتعنيه ثم ينال عقابه عن ذلك التطفل. مشبهاً الشخصية بمغرفة الطعام ((جفجير)) في انها اينما توضع تتلائم مع الوضع وتتدخل في الأعماق .
ثم قدمت الفرقة ((ايدك بالدهن)) للبياتي ايضاً، تحكي عن قصة التي يتسلق على الاكتاف دون أن يمتلك اي مسوغات  لصعوده ولربما تتناسب هذه المسرحية مع وضعنا الحالي بصورة كبيرة ..اخرجها اسعد عبد الرزاق.
وفي عام 1966 قدمت الفرقة ((اللي يعوفه الحرامي ياخذه فتاح الفال)) اخرجها أيضاً اسعد عبد الرزاق، ومثل فيها قاسم الملاك ووجيه عبد الغني واقبال رشاد .ولنجاح هذه المسرحية ومقاربتها من الواقع، دام عرضها شهراً كاملاً، وحققت نجاحاً باهراً آنذاك، وعرضت على المسرح القومي . وأيضاً قدمت الفرقة عام 1968 ((عرس واوية)) اخرجها وجيه عبد الغني، اما مسرحية ((مفتح باللبن)) قدمتها فرقة الفنون المسرحية واخرجها كامل القيسي.
كما وقدمت  فرقة الفنون المسرحية ((هزي تمر يانخلة))  اخرجها منعم خطاوي.
وفي جامعة البصرة عام 1996 قدمت مسرحية ((جزة وخروف )) اخرجها محمد وهيب .
من خلال ماتقدم نجد أن الكاتب قد انتهج اسلوب المثل السائد، فأغلب عناوين مسرحياته كانت مأخوذة من امثال شعبية دارجة في حياة الفرد العراقي، فمثلاً جزة وخروف هو مثل عراقي يقول ((مارضه بجزه رضا بجزه وخروف)) اضافة الى
(( اللي يعوفه الحرامي ياخذه فتاح الفال)) متخذاً بذلك من المثل كأسلوب للكوميديا السوداء التي تعالج الواقع بصورة مغايرة عن المقارب لها بالصورة المسرحية المطروقة آنذاك. يبقى أن نقول أن الكاتب علي حسن البياتي، كاتب مسرحي مهم يستحق أن يقال عنه من مؤسسي المسرح العراقي الرصين.

https://www.almadapaper.net/

شاهد أيضاً

عروض القاهرة التجريبي 24..لغة المسرح الإنسانية والتكثيف الجمالي-القاهرة/ بشار عليوي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *