على من ينظر للمسرح أن يكثر من العمل ويقلل من الكلام … رضوان جاموس : تتشكل الفرق المسرحية من شغف الفن وتبعثرها الحياة وهمومها

 

خريج المعهد العالي للفنون المسرحية، عمل في الدراما لكن بقي المسرح عشقه الأزلي، تتالت أعماله المسرحية ضمن مدينته، في حياته تفاصيل تروي حكاية الحلم والسعي المستمر لإبقاء شعلة المسرح متقدة، الفنان رضوان جاموس كان ضيفاً على جريدة «الوطن»..

نبدأ من عملك الأخير مسرحية «عشق» التي قدمت في 27 آذار واستمرت أسبوعاً على خشبة المسرح القومي في طرطوس، ما الرسالة التي تريد إيصالها من خلال هذا العرض؟
تحمل (عشق) في قاعها وشخصياتها أكثر من رسالة في مضمونها، هي صور في البوم الصور وشغف حب في دفتر اليوميات، تقول الممثلة ونهضت عشتار كطائر الأسطورة مثخنة بالجراح داوت جراحها ونفضت عن ثيابها الغبار حملت فأسها ونادت الغراسين والزارعين وبدأت دورة الحياة، دورة عشق الحياة. عاشت الشخصيات وتعيش يومياتها التي تتنازعها الرغبات والأحلام والذكريات والوجه المظلم للحرب، تنهض الشخصيات كطائر الأسطورة وكما هي عشتار التي تتنقل بين البحر وحقول القمح، إنه العشق الخالد، ملح البحر الأبدي والبيض الأزلي.

ماذا عن بداياتك الفنية؟
بداياتي كانت من خلال الأنشطة المدرسية، كنت وقتها طالبا في المرحلة الثانوية، وكانت مدارسنا في ذلك الوقت وأنا أتحدث عن مطلع السبعينيات من القرن الماضي، تقيم حفلات السمر للطلاب والطالبات حيث كانت تقدم في تلك الأنشطة كل نتاج الطلاب والطالبات من شعر وقصة ومشاهد مسرحية وموسيقا وغناء وفن تشكيلي، هنا كانت البداية لكل بداية، الأنشطة المدرسية أنتجت مواهب كثيرة، فتشكلت فرق مسرحية هاوية، مسرح – موسيقا – غناء- كورال-، وقتها كانت انطلاقتي في مسرح الهواة أولاً إلى أن حصلت على الثانوية وانتقلت للدراسة الأكاديمية في المعهد العالي للفنون المسرحية، وكنت محظوظا بافتتاح المعهد حينها، الذي كان مقره في دمر وكنا الدفعة الأولى في طلاب وطالبات المعهد وبعد تخرجي في المعهد عملت في المؤسسة الأم مديرية المسارح والموسيقا وقد شاركت في أعمالها المسرحية كمسرحية الخدامة لمحمود خضور وقصة موت معلن لماركيز مانويل جيجي وسفرة بلا سفر وكوميديا السلام.

أسست فرقة «بيادر» أين هي الآن؟
في الحقيقة تبعثرت الفرقة بعد عشر سنوات من تأسيسها حيث كان معظم أعضاء الفرقة من الهواة والشغوفين والمتدفقين بحبهم للمسرح والسبب زواج البعض والظروف المادية والسفر لبعض والتحاق البعض بالمعهد لعالي للفنون المسرحية وكل هذا ساهم في تشتت أعضاء الفرقة، وبحثهم عن مورد رزقهم، فالمسرح كما هو معلوم لا يسد الجزء اليسير أو جزءاً من المعيشة.
أذكر بحب خاص كل العروض التي قدمتها الفرقة، وكانت تجربتي معهم تمثل مشروعاً مسرحياً مازلت فيه، التي استمرت في مسرح طرطوس القومي. الجدير ذكره أن فرقة بيادر شاركت في جميع المهرجانات المسرحية التي كانت تقام في كل المحافظات السورية بما فيها مشاركتها في المهرجانات العربية.

خريج المعهد العالي، وعملت في سينما مسرح تلفزيون، ما الذي جعلك تنجذب نحو المسرح أكثر؟
المسرح هو الفن الذي يتحرك أي لا سكون ولا تكرار، هو نافذة حية ومفتوحة من خلالها نطل على الجمهور مباشرة حيث نراهم مباشرة ويرانا، الجمهور الذي يأتي إلينا للمسرح، هو يأتي وليس معه ريمونت كونترول ليغير محطة أو قناة تلفزيونية، عملت أربعين عاماً في مشروعي المسرحي ومازلت أردد الجملة نفسها في مقدمة مسرحية حكايات والمشهد نفسه (شمعة واحدة تكفي للحب إنها تبدد العتمة انتظر يا صديقي المتفرج فبعد قليل سيتناثر الضوء على الخشبة وتكون أرواح الذين سبقونا قد دخلت فينا، هل تقولون إن شمعة واحدة لا تكفي لحب) إنه المسرح الحي إنه المسرح الذي يضيء بأنواره الكاشفة.

قراءاتك للمشهد المسرحي في المحافظات وخاصة طرطوس؟
الثراء والغنى والتنوع والابتكار هو ما يميز الكثير من عروض مسارح المحافظات، الثراء في النصوص، والغنى في عدد المواهب التي تقدم في كل عرض مسرحي، التنوع في الأشكال المسرحية وموضوعاتها وأنواعها، وابتكار حلول فنيه للتغلب على متطلبات العمل من ديكور وإضاءة وأزياء.، في طرطوس فرق مسرحية متعددة وهي تضيف للحركة الفنية في المحافظة تراكماً وتنوعاً، كما أن ورشات العمل التي يقيمها مسرح طرطوس القومي في مجال إعداد الممثل كانت خزاناً حقيقياً، للحركة المسرحية في المحافظات بل حتى للحركة المسرحية بشكل عام.

أهم كتاباتك المسرحية والقريبة لشخصك؟
صحيح أنني أكتب للمسرح، وكتبت عشرات النصوص وأخرجتها، وأنا لا أعتبر نفسي كاتباً مسرحياً. ببساطة النص الذي أكتبه هو مشروع لنص عرض مسرحي، لا يكتمل إلا من خلال البروفات، نعم كتبت نصوصا لعروض مثل (دولار في قميص-حكايات من دفتر اليوميات- غرفة على سطح- ضجيج- شهيق- زفير-عشق) وهي جميعها حديقتي التي أخرجتها.

لم نر حتى الآن عملاً عربياً مسرحياً وصل إلى العالمية؟ برأيك ما شروط الوصول إلى العالمية؟
من عتبة مسرحي أرى المسرح العالمي، من تفاصيل حركة المارة في الشارع، من رسائل الحب التي خطتها عاشقة على دفترها اليومي، أرى المسرح العالمي، لن يكون المسرح عالمياً إن لم يحسن قراءة مفردات شارعه، حيه، بيته، موسيقاه، أغانيه، أهازيجه.
العالمية بالنسبة لي ضرب من خيال، في هذا العالم الذي تتآكله المصانع والمنافع وبورصة المال وتصنعه بورصات الشركات الإعلامية الكبرى والهوليودية.
حسناً، سأسعى أن أكون عالمياً ولكن من سيعطيني صفة العالمية؟ العالمية صفة من صفات الإنسانية والفنان بهذا الفن العالمي.

كيف تصف لنا المشهد المسرحي في ظل ظروف معيشية وسياسية تزداد تعقيداً؟
يعكس الفن والمسرح صورة الحياة وحركيتها ويحلل ويركب المشهد الراهن عبر شخصيات تحمل تناقضات في الرؤى والرغبات والأفكار، شخصيات فرزتها الحرب، الوجه المظلم للحرب، أعتقد أن المشهد المسرحي قد سبق الفنون الأخرى خلال سنوات الأزمة، فأنتج المشهد عروضا مسرحية حاكت الراهن بكل تفاصيله واستشرفت المستقبل.
أنا على عكس من يظن أن فعالية المسرح في الأزمات تتوقف أو تتضاءل، نعم هناك تغيرات في عالمنا وتغيرات اقتصادية واجتماعية وسياسية والمشهد المسرحي واكب ويواكب ما يحدث.

ما الذي يشغل بال رضوان جاموس في كل عمل جديد؟
كل عمل جديد هو بالنسبة لي مخاض لولادة مشروع نص يحمل في تفاصيله شخصيات تشبه ناسنا وتشبهنا بأحلامنا وألمنا وأملنا، ما يشغلني ألا أكرر نفسي في نفسي بل أن أعمل كي أضيف شيئاً أكثر تجددا من حيث الشكل والعرض المسرحي، أن أتابع مشروعي المسرحي.

ما كلماتك التي كتبتها وتكتبها في مقدمة نصوصك الإخراجية؟
المسرح فعل، وكذلك الحب، ودائما تحت الأضواء الكاشفة يقف العاشق خلف نافذة المسرح، أصايص من ورد وشموع وعبق، هي نافذة المسرح، الدهشة أول المعرفة.

ما سر تعلق وعشق وشغف رجل المسرح بفضاءات المسرح؟
للمسرح رائحة خاصة، أنفاس الخشبة، الإضاءة، الديكور، المقاعد، كلها تعطي رائحة للمكان الذي يختزن رجالات المسرح، وربما كان سبب هذا العشق التجدد اليومي وانبعاث الشخصيات المكتوبة لنص مسرحي وانتشارها على الخشبة ككائن حي، إنها العلاقة اليومية مع نافذة الحياة وتجددها فكما للأمكنة ذاكرة كذلك لرجل المسرح ذاكرته عندما يتنفس المسرح في تنفسه فلا تدرك من الذي يتنفس؟

ما مواصفات الممثل المسرحي الناجح الذي يلفت انتباهك؟
اعتقد أنني أميل للممثل المجتهد المتجدد، الذي يضيف في كل بروفة شيئاً يعطي وهجا وقيمة مضاعفة لعمله، أحب الممثل الذي يُغني فرضيات المخرج في اليوم التالي، لا فرق إن كان هذا لحب الممثل الإنسان، الممثل كاهناً أم داعراً.

عملت من خلال المسرح القومي بطرطوس في ورشات لتدريب الهواة والمبتدئين في دورات لإعداد الممثل، كيف تعاملت معهم؟
العمل مع المبتدئين والهواة ممتع في كل الأحوال هناك اندفاع، وحب للعمل، والتعلم، والالتزام، والتناغم مع التدريبات الصوتية والفيزيولوجية وتدريبات الاسترخاء، والخيال، كنت أطلب منهم تزويدي بقصص عنهم وعن مشاهداتهم، وفي كل مرة كنت أجمع ما لديهم من قصص وحكايات ويوميات وأعيد صياغتها لمشهد مسرحي إلى أن يتم بناء عرض مسرحي بتفاصيل من نسيج حياتهم اليومية.
فعلى سبيل المثال قدمت نتاج ورشات وبالتعاون مع الصديق الصحفي محمد حسين والسيدة أمل كمال جاموس، مثل (حب وحرب، ألم وأمل، فلاشات) ومن قبل قدمت إحدى الورشات المسرحية في نهاية الورشة عملا مهما لبرتولد بريخت «ماهاجوني» وقد أدركت يومها أنهم أي الهواة والمبتدئين يمكن أن يكونوا طاقة باتجاهها الصحيح إذا ما استغلت تلك الطاقات بشكل جيد ودقيق.

هل حقا لدينا تقاليد مسرحية؟
أعتقد أن التقاليد المسرحية تحتاج إلى ثقافة معرفة، فمعرفة الثقافة لا تكفي، أتمنى أن نصل إلى ثقافة المعرفة لنصنع تقاليد في كل صنوف الإبداع والابتكار.

رسالة لمن توجهها وماذا تكتب فيها؟
لمنظّري المسرح الذين يكثرون من الكلام ولا يعملون شيئاً، أكثروا من العمل وقللوا من الكلام، للذين لم يطؤوا خشبة المسرح ويتحسروا على هجره لهم بل هجرهم له، للذين أغوتهم الطرق اليسيرة للثروة من ممثلين وممثلات، قليل من الوفاء للمسرح، إلى زوجتي وأولادي لقد أتعبتكم وأرهقتكم معي يا أحبتي.

 

 

هناء أبو أسعد

الرئيسية

 

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …