علاقة الدراما المسرحية بالمجتمع – سعاد خليل

علاقة الدراما المسرحية بالمجتمع – سعاد خليل

كلمة دراما كما هو معرف بها في اللغة اليونانية تعني ببساطة حركة ، أي الدراما حركة محاكية ، حركة تقلد او تمثل سلوكا انسانيا .
عندما نقول الدراما تتداخل الوسائل في ايصال إدماج الدراما ببعضها فبالإمكان ان نحول المسرحية الي مسلسل او الي فيلم سينمائي عندما يكون الاعداد والسيناريو بشكل محبوك، وعندما نبحث عن اساس هذه الكلمة وهي الدراما التي منها نعد الاعمال التمثيلية والسينمائية عليها، ان نعي ان المسرحية هي اصل الدراما ولكن هناك فرق جوهري بين المسرح والفنون الدرامية المصورة التي تعتمد علي الصوت والصورة وهذا الفرق يتمثل في امكانية سيطرة المخرج علي وجه نظر المشاهد بالنسبة لفن الصورة لأنه قادر علي فرض النظر الي جزئية دون غيرها بالتركيز عليها سوأ كانت باللقطات القريبة او المتوسطة عكس العمل المسرحي الذي يكون المخرج غير قادر بحكم طبيعة المسرح الذي فضائه حرا للمشاهد في النظر من أي زاوية او أي شيء امامه علي الخشبة.

في كتاب تشريح الدراما لمارتن اسلن يعرف الدراما انها اكثر اشكال الفن قربا للمجتمع : انها بطبيعتها ابداع جمعي : يشمل الكاتب المسرح ، الممثلون ، مصمم الديكور ، صانع الأزياء، انه الملقن ومهندس الإضاءة كلهم يساهمون في انجاز العمل المشاهدين أي الجمهور ايضا له دوره في العمل مسرحيا ، هناك الجانب الادبي من الدراما السيناريو ثابت وتكوينه نهائي لكل اداء لكل عرض لذلك النص مختلف لان انفعال الممثلين يختلف والجمهور يختلف وطبعا كل ذلك يجري حسب تقلبات امزجتهم .يوضح مارتن اسلن الدراما وارتباطها بالممثل وببارعة الممثلين وحدها تكون قادرة علي انجاح العرض فمهما كان النص جيدا لن يكون ناجحا الا بقدرات الممثل البارعة في التشخيص والحركة والرشاقة والاداء الجيد .فمن اهم اسس الدراما هو حالة التوازي التي يفترض ان يهتم بها الكاتب فلا يكفي التركيز دراميا علي الهدف الوحيد من خلال التعرض لشخصية ما او التوجه بالدراما نحو هدف ما غالبا ما يكون ايجابيا والتغاضي عن الجوانب الأخرى المكملة لطبيعة الحياة والاحداث .كما يؤكد الكاتب في بعض من الاستشهادات والادلة التي تؤكد علاقة الدراما بالتغيير الاجتماعي كما اسهمت اعمال ابسن المسرحية في التغيرات التي تخص قضية المرأة في المجتمع الاوروبي كمسرحية بيت الدمية ومسرحية الاشباح ويذكر اعمال برناردشو التي تهتم بطرحها الاجتماعي والسياسي الموضوعي وليس الدعائي كمسرحية القديسة جان دارك التي من خلالها قدم وجهات النظر المتبادلة بين القديمة والادعاء بنفس القوة والتعاطف رغم مواقف الكاتب التحررية المؤيدة للعوامل الانسانية التي تناهض الغيبيات وتقف مع الواقع والمعرفة الطبيعية.

ونجد الكاتب المخرج بيرخت في مسرحية غاليليو عندما وقف مطالبا الممثلين بضرورة الاقتناع بموقف الكنيسة الدفاع عنها بحماس لان التصغير من شان الكنيسة يضعف الراي الاخر وهو الراي الذي يدعو الي البحث العلمي اغلب الكتاب والمخرجين المسرحيين قدموا للإذاعة والمسرح والسينما قدموا مسرحيات اذاعية ايضا ولكن يضل المسرح هو جوهر الدراما ولبها. فهو من أكثر الفنون تأثيراً في نفوس المتلقين على تباين أذواقهم ، وثقافاتهم ، وانحداراتهم الطبقية بوصفه يعتمد على الاتصال الحيوي المباشر اذن المسرح هو الاندماج في مركب ثابت ومن ابرز مزايا المسرح الحي والتي يتفوق بها علي نماذج الدراما الأخرى.

فالمسرح هو المؤسسة الثقافية الفكرية التي يمكن أن تصوغ وجدان الجماهير في أحلك اللحظات التاريخىة ، وتدفعها إلي الحركة الواعية علي طريق مقاومة كل أعداء المجتمع الإنساني في الداخل والخارج.
المسرح هو قضية حضارية هو بنا ويتطور في المدينة الحضارية وهذا ما حتمية تكاملية المجتمع المدني ، إن المسرح كما نعلم كان ومازال مرتبطا في المجتمعات القديمة ببعض الطقوس الدينية ولكنه مازال يعبر عن التصورات والأسس الفكرية والفلسفية والمشكلات الاجتماعية للإنسان .فباعتباره فعالية جماهيرية سيخلق دوما من وحدة الهدف لتحقيق مجتمع مدني حضاري لتتكامل العلاقة التبادلية بين تأثر مجتمع المدينة في تكوين فكر الفنان وبالتالي القدرة التأثيرية للمسرح في المدينة . لقد عالجت الدراما بشكل عام أهم الظواهر تعقيدا منذ عهد الإغريق وزمن الأساطير والطقوس في بحثه عن علاقة الإنسان بالإلهة ؟ لقد عبر الإنسان عن واقعه الاجتماعي وعن المشاكل التي كانت تقلقه .في مختلف العصور وبشتي أشكالها الواقعية والخيالية من خلال المسرح .

لقد كشف المسرح منذ البدايات العلاقة بينه وبين المدينة منذ العصر الإغريقي فكان مؤلف المسرح الإغريقي يكشف عن هيئة تغير ومعالجة الإنسان وكيف يتدخل في مصير المدينة وبالعكس المدينة تقرر مصيره فكان المسرح يعدل هذه التعقيدات عن طريق التصادم مع قانونية ومتطلبات الحياة وليس عن طريق المثيولوجيا او الأسطورة . لقد نوقشت كل المواضيع علي خشبة المسرح في الأزمنة ما بعد الإغريق في ا لعصر الشكسبيري بدا النقد الاجتماعي للحياة وتأثيرات المعادلة للشر والخير والصراع بينهما وفي القرن السابع والثامن عشر تميز المسرح بمعالجة المشكلات الاجتماعية بسخرية وهناك الكثير من الأعمال المسرحية التي ترفض الظلم الاجتماعي ، ثم تطور المسرح اكثر ليؤكد علي النهوض الثوري في كثير من أعمال المؤلفين العالمين وفي القرن الماضي شهد المسرح تطورا عظيما رغم تأثير الحروب المعلنة والمخفية علي وجود الإنسان لقد ارتبط المسرح بالتطور التكنولوجي وازداد تناميا للوعي الفلسفي والثوري في معالجته لشتي المشكلات الاجتماعية والثورية ضمن الواقع، وبعد الحرب العالمية الثانية وحسب الحالة التي خلقت الا توازن في النظام الطبقي والوعي الاجتماعي للمدينة ومن اجل خلق الوعي للإنسان الجديد بعد الحرب ارتبط المسرح بالفلسفات العبثية التي نشاءت من تأثير الحروب وتوزع الفكر المسرحي لتأثير فضح الانظمة وكشف الأسباب العدوانية للحروب والعمل علي بناء وعي جديد وكان علي راس هذا المنهج في تأثير الايدولوجيا في المسرح والمطالبة بأهمية احترام حرية الانسان وكذلك الفراغ الروحي للإنسان الخارج من الحرب لاستلاب في عالم غير حرا اساسا ومن هنا جاء مسرح اللامعقول ومسرح الصورة ومسرح الحداثة ومابعد الحداثة ومسرح انطونان ارطو الذي تميز بالوعي في معالجه اي ظاهرة لتأكيد شمولية الأنسان .

ثم بدأ التطور المسرحي من خلال المناهج الاخراجية لكل مخرج وفلسفته واسلوبه في الاخراج بعد ان قام ستانسلافسكي علي تعليم تقنيات الاداء المسرحي للممثل . وماير هولد وبيوماكانيك ، وجاك كوبوه ونظرية التعقل والاعتدال ، ثم ساكس ميننجن ودقته التاريخية ،وجردوفسكي ومسرحه الفقير ، وادولف ابيا ومنظوره للإضاءة ،وبسكاتور ،وبيتر بروك ، وغيرهم كثر من المخرجين الذي اثروا الحركة المسرحية بفلسفاتهم وإضفاء روؤي لشد المتلقي وجلبه إلي المسرح ، ولمعالجة القضايا التي تخص المجتمع ، إن المبدع المسرحي مسئوليته تتحكم في مستقبل المسرح فضروري ان يكون فاعلا ليوصل إلي ا لجمهور الوعي والقيمة الفنية لكينونة الإنسان لذلك من المهم جدا والضروري اكتشاف لغة ووسيلة مؤثرة في المسرح لكي نخلق الوعي الفكري والجماليات الفنية وهي أهمية قسوي لخلق الوعي أللاجتماعي وحوار الذات مع الأخر ولايمكن للمسرح ان يقوم بهذه المهمة ما لم يعد صياغة فضائه سميولوجيا حتى يخلق الحساسية المطلوبة في وعي المتفرج وإعادة بنائه والمساهمة في الوعي الاجتماعي للمدينة وعليه ان يغير المفاهيم الأساسية للغة العرض المسرحي فالجانب الجمالي والفكري ( النص المسرحي ) وفي الرؤيا الجمالية والمكونات واللغة التعبيرية اي وقت العرض فيكون لمفرداته وجود ديناميكي في الفضاء .

والممثل الفنان الذي ينشئ معنى معرفيا في الفضاء الإبداعي في مكان وزمان وظرف محدد، ويمتلك معرفة علمية وإبداعية بتكنيك لغته الفنية، و هو الذي يكوّن من جسده والوسائل التعبيرية الاخرى لغة سميولوجية لانتاج المعاني.
ويمتلك هذا الفنان عادة حساسيته الشعرية التي تكتنف علاقته بالأشياء والمواد الأخرى من اجل إعادة خلق الفضاء المسرحي المشحون بالمعنى الفني والدلالي والمعرفي من جديد،على غنى علاقة الممثل بالأشياء والمواد المحيطة به، فتتغير وظيفة هذه الأشياء عادة بتغير إيقاعها نتيجة لطبيعة تعامل الممثل معها أي العلاقة بين جسد وفكر الممثل وهمس الأشياء، فيصبح لها كيانها وجوهرها ورموزها من خلال مدلولاتها في الفضاء المسرحي. والشيء الذي يمتلك أهميته في المسرح أيضا هو ” اللحظة الإبداعية ” التي تعتبر رؤيا درامية ذات دلالات سميولوجية (ا لسيميولوجيا هي علم العلامات أو الإشارات أو الدول اللغوية أو الرمزية سواء أكانت طبيعية أم اصطناعية، ويعني هذا أن العلامات إما يضعها الإنسان اصطلاحا عن طريق اختراعها واصطناعها والاتفاق مع أخيه الإنسان على دلالاتها ومقاصدها ).. يتجلى بمفرداتها فكر المؤلف والمخرج، ويتجسد المعنى الذي ينتجه جسد الممثل وقدراته التعبيرية لتأليف لغة دلالية إشاراتية للمخاطبة والتأثير على الحواس البصرية والسمعية للمتفرج المتفاعل. وتتم عدوى التأثير بين حامل اللحظة الإبداعية(الفنان) والمتفاعل (الجمهور) فقط عبر اللغة الإبداعية المتفردة وغير المعادة، التي لا تؤثر على السمع فقط وانما على مجموع الحواس الأخرى.

ولا يغفر المسرح لكل مبدع لا يمتلك حساسية الوجد الفني هذه. الممثل المتمكن في فضائه المسرحي له القدرة على تحويل المادة الواقعية الى معرفة إبداعية جديدة تؤثر على الحواس سمعيا وبصريا وتخضع لقوانين الخلق الفني. وهذا الهدف يضع عمل الفنان عموما والممثل خاصة ضمن مفهوم الواقعية المطلقة التي تعني دائما بالكشف عن جوهر المادة الداخلي وتعطي أبعادا شعرية جديدة لعناصر الفضاء المسرحي، وذلك من خلال اكتشاف واعادة خلق الإيقاع الداخلي للمادة التي تكون حية وديناميكية فقط بارتباطها بحركتها الداخلية غير المرئية
وبهذا يمكن خلق ديناميكية فضاء الطقس المسرحي مما يدفعنا إلى التفكير بالمسرح كإيقاع حركي ديناميكي،(اي حركة نشاط و حيوية ) ولون له دلالته التعبيرية، وضوء من خلاله نسمع الصمت، وموسيقى لها وجودها البصري. وكل هذا له تأثيره على البصيرة أيضا، وعلى تلك الخفايا وأسرار الوجد في روح الإنسان.
لان المسرح هو الفعل ، هو المعرفة ، هو الادراك والتخيل ، ، المسرح هو امتزاج الشخصيات والافكار هو المشاعر والصور ن باختصار المسرح هو الوجود والتداخل الخصب بين الافعال والاداء والتلقي ..

———————————————————–
المصدر : رأي اليوم – مجلة الفنون المسرحية 

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش