عشية تنافس ثاني عرض مغربي بوهران “أسماء هوري خريف” انتصار للحياة / فيصل شيباني

قالت المخرجة المغربية “أسماء هوري”، إنّ مسرحية “خريف” التي ستعرض اليوم بمسرح وهران الجهوي، مستوحاة من قصص نساء يعانين من مرض السرطان، وتحكي علاقة المرأة بالرجل بعد اكتشاف هذا المرض وما يطرأ على هذه العلاقة، وتنتقل لملامسة راهنية هذا الجسد المريض في المجتمع.

عشية خوض ثاني عمل مغربي غمار المنافسة الرسمية في مهرجان المسرح العربي التاسع المتواصل بمدينة “وهران”، اعتبرت “هوري” في ندوة صحفية أنّ الحديث عن مرض السرطان ما يزال يُشار إليه بعبارة “المرض الخبيث”، ولحد الآن ما زال يُعتبر “طابو” في المغرب، ولا يتم الحديث عنه ونكتفي بالإشارة إليه بذلك الاسم.

وصرّحت المخرجة: “التطرق للموضوع هو كسر لهذا (الطابو)، كما لو أنه مثل كل الأمراض، فالمصابين بالسرطان يعيشون معنا ولهم الحق في الحياة بطريقة عادية”، وتساءلت “هوري”: “لماذا نتحدث عن هذا المرض كما لو أنه شيء ليس من المفروض التكلم عنه؟”، ومن هنا ذكرت “أسماء” جاءت فكرة الحديث عن المرض مسرحيا.

وأضافت المتحدثة أنّ الناس يعانون من هذا المرض، وطبيعة المجتمع الحديث تؤدي إلى هذا المرض، حيث لا توجد عائلة في المغرب إلا ويعاني فرد منها ويلات السرطان في صمت، وغالبا ما تستمر معاناة المريض لأشهر ولا يتحدث أحد عن مرضه.

نظرة دونية

تساءلت المخرجة: “هل من العيب أن يكون الإنسان مريضا بالسرطان خصوصا المرأة؟ وأردفت:” ليس لأني أريد الحديث عن المرأة لكوني من الجنس نفسه، فعندما تصاب المرأة بهذا المرض، فإنّ الجسد يتغير بشكل واضح، وفي المجتمعات نعطي صورة بأنّ الأنثى عبارة عن جسد ونتغنى بجمالها، والنساء اللائي يصبن بهذا المرض، يتم رميهن والنظر إليهن بنظرة دونية”، لذلك تضيف “أسماء” أنّ المسرحية تتحدث عن هذه الحالة والمسكوت عنه وعن المرض الحقيقي وهي نظرة الإنسان لنظيره المريض، فالمرض قد يعاني منه أي شخص وقد يتعايش معه، ولكن ما لا يمكن التعايش معه هي تلك النظرة القاسية التي تقهر، فقصة العرض بسيطة من خلال الحديث عن هذه المرأة، لكنها تتطرق إلى تفاصيل أعمق، فهي مسرحية – قالت هوري – “تحمل حالة استبطان إلى الركح ، بوح امرأة تكشف لنا يومياتها المحمومة والهشة، المكرّرة والمقتضبة، ولكن هذا العمل يمجّد الحياة ويسخر من الموت، ويقترح إعادة التفكير في الحياة للاحتفال بها على نحو أفضل”.

وذكرت “هوري” أنّ كاتبة النص هي شقيقتها الراحلة “فاطمة” ولكن ليس لهذا السبب اختارت النص، مضيفة أنها لو قرأته وكان لامرأة أخرى لتملكها الإحساس نفسه، والحالة وكانت ستختاره لأنّ النص مكتوب بطريقة مسرحية، وقال “أسماء” إنّها اكتشفت النص بعد موت شقيقتها، لتقوم بتجسيده ركحيا رفقة مجموعة من الفنانين فالتأليف الموسيقي لـ “رشيد البرومي”، “أسامة بورواين”، إضاءة “رضا العبدلاوي”، والجوقة: “ليتيسيا قرو”، “فاطمة حمدوش”، “فاطمة الزهراء لقريصة”، و”ياسمين بلماحي”.

المسكوت عنه

اعتبرت “أسماء” أنّ العمل تكريم لكل الناس الذين يعانون من هذا المرض في صمت، وتضيف أنها أرادت الحديث عن غير المعلن عنه وذلك عن طريق الركح، لأنّ المسرح يملك هذه الخاصية، فعن طريق أدوات المسرح وتوظيف كل عناصره مثل التعبير الجسدي، الموسيقى والإضاءة يمكن الحديث عن دلالات رمزية وعن الأشياء غير المعلن عنها بشكل فني يعطي للمتلقي الحرية في التفاعل، مضيفة أنّ الرهان هو مخاطبة المتلقي والمحاولة بقدر الإمكان التفاعل معه، وهو الشيء الجميل في المسرح من خلال التحدث عن المرض في كل مستوياته، وليس الحديث عن المرض بل علاقة المرض بالفرد وبالجسد وبالمجتمع، والحديث عن المرض يعني الحديث عن الحياة.

وذهب “رشيد برومي” رئيس جمعية “مسرح أنفاس” إلى توخي الطرح نفسه، حيث أيّد طرح الموضوع ركحيا، ما يعني كسره وبالتالي تسقط فكرة الطابو، فالحديث عن المواضيع المسكوت عنها، بشكل جماعي يكسر الطابو، والمسرح أحسن وسيلة لذلك.

ويضيف برومي أن النص لم يتحدث بشكل تحسيسي عن السرطان، بل طرحه بشكل رمزي، فالسرطان قد يكون مجتمعيا، وقد يطال رجلا، وقد يكون حالة فشل كلي واجتماعي، كما يمكن أن يعني السرطان الموت والاستشفاء وحياة جديدة، والمسرحية تنتصر فعلا لقيم الحياة وهذا هو رهانها.

من جهتها، قالت الممثلة “سليمة مومني” أنّ الكل معني بموضوع المسرحية نظرا لأهميته الكبيرة، لذلك يبقى العمل هاما والهدف ليس إبكاء الجمهور بل دفعه للتفكير، وأضافت أنّ هذه التجربة بدأت بلقاء مع المخرجة التي سبق لها رؤيتها في أعمال أخرى، وكانت في الأول مقترحة كراقصة تعبيرية، لكونها في الأصل كوريغرافية.

من جهتها، اعتبرت الممثلة “فريدة العزاوي” أنّ هذا العمل انتصار لقضية المرأة قبل انتصاره للمرض ومهم جدا طرح مثل هذه القضايا على مستوى المسرح، وتقول أنّ هذا أول عمل لها مع “مسرح أنفاس” وهي تجربة من نوع خاص حتى في تكوينها سيما وأنّ المخرجة تشتغل على مستوى الجسد والصوت.

“مسرح أنفاس” .. التزام بالقضية

يقول “رشيد البرومي” رئيس جمعية “مسرح أنفاس”: “الجمعية تشتغل في حقل المسرح وفي الثقافة بشكل عام، وتنتج مسرحيات، لكن تنشط في المجال الثقافي من خلال تنظيم أحداث ثقافية، كما أنها مهتمة بالمسرح والفنون الأخرى كالموسيقى وغيرها، وفي ظرف ست سنوات تمّ رسم خصوصية مسرحية تحمل فكرة الأنفاس، والجمعية لها تجربة رائدة في النضال الثقافي، وتأسست سنة 1966 بريادة مجموعة من المناضلين الذين رأوا في مزاوجة النضال السياسي والنشاط على مستوى اليسار والانتباه والاشتغال بالثقافة.

وأنتجت مجلة أنفاس مجموعة بحوث ذات مصداقية وأشياء كثيرة وكتبت عن المسرح، وأضاف رئيسها إنّ هذه التجربة تنتصر للثقافة كمحول اجتماعي وكخطوة ثانية للالتزام السياسي والإيديولوجي.

ويعتبر “البرومي” أنّ “أنفاس” جمعية تلتزم بقضايا محددة أساسا داخل المجتمع المغربي والمجتمعات بشكل هام، أي أنها اهتمت بـ “الطابوهات” وكيف يمكن للمسرح أن يتحدث عن قضايا مسكوت عنها عبر فضاء مفتوح ما بين مبدعيه ومتلقيه، وهذا ما كان رهانا ومحددا لطبيعة المواضيع التي اختارتها الجمعية مثل مسرحية “العذراء والموت” وهو عمل مقتبس عن نص للكاتب التشيلي “آرييل دورفمان”، وتحدثت عن كيفية طي ماضي سنوات الرصاص في المغرب وكيفية الإصلاح بالفن وليس بالأقوال السياسية، وإمكانية التقاء الجلاّد مع ضحيته.

وجاءت مسرحية “دموع بالكحول” التي لقيت نجاحا كبيرا، وعُرفت أكثر بـ “الفرقة” ونالت العديد من الجوائز وتحدثت عن قضية المرأة وعلاقتها بالرجل وحضورها السياسي، كما أنّ العمل الرابع للجمعية والموسوم بـ “الشتاء” حمل قضية حساسة، ثم العمل الخامس الذي شهد انفتاح الفرقة على العمل المشترك مع جمعية سويدية على مدار سنتين، قبل أن يتم إنتاج مسرحية “ميزان ما فوق الخشبة” التي انتصرت للمساواة بشكلها العام، ثم نهاية مسرحية “خريف”.

ويعتقد “البرومي” أنه في المغرب، مازال هناك مسرح بمرجعية احتفالية وهذا وضع صحي، والمسرح المغربي أخذ اتجاها في الفرق الجادة والتي أخذت البحث عن مسرح مغربي ذا فكر حداثي ينتصر للشكل دون إغفال الموضوع، ولكن النص بدأ يتقلص وهذا الحال بالنسبة لمسرحية “خريف” التي تؤخذ كعمل كلي دون تجزئته، والتجزئة استهتار بالنسبة للمسرحية ونية الاشتغال، فالعمل هو كلي وهناك سند متلاحم ومتراص، عناصر العرض تعطينا كلا مسرحيا.

المصدر/ محمد سامي مجلة الخشبة

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *