عزلة المسرح في زمن كورونا (41) زمن الحجر قد يمنح المسرح وصناعه مساحات تفكير أوسع.. – ياسين أحجام (المغرب)

عزلة المسرح في زمن كورونا (41)

المسرح فن جماعي، وطبيعة جسد الفرجة المسرحية لا يتحقق جوهرها الا بالجماعة وفي الجماعة.. سواء على مستوى التشكل الابداعي من خلال التداريب والتحضير أو على مستوى التلقي والتفاعل الجماهيري الحي.

فماذا عن “عزلة المسرح في زمن كورونا”؟ وهل ما عرفته المنصات الوسائطية الالكترونية من مبادرات واسهامات “مسرحية الكترونية” قدم لهذا الفن الجماعي الحي والعابر، ما كسر شيئا من عزلته وانكماش فعله وفاعليته وتفاعله؟ هل تلبى رغبة الفرجة الحية بكبسولات فيديو ؟ وما تأثير الافكار المبتكرة الكترونيا على الفرجة المسرحية؟ المسرح وعاء ابداعي يحتضن الفنون جميعها.. فما تاثيرها على قواعده الثابتة والمتغيرة ؟ وما الفواصل بين التأثير الحقيقي والتاثير المزيف الزائل؟

ملف تشارك فيه مجموعة من الأسماء المسرحية العربية لإبداء الراي ومناقشة حاضر المسرح في الزمن المرتبط باكراهات الظروف المعطاة التي فرضتها الجائحة على الجميع… وما طبيعة النشاط المسرحي الإلكتروني الذي عرفه الظرف “الكروني”…

إعداد: عبد الجبار خمران 

زمن الحجر قد يمنح المسرح وصناعه مساحات تفكير أوسع..

ياسين أحجام (المغرب)

المسرح في ظل الوباء و الموت الشامل…

العرض المسرحي هو لحظة حية منفلتة يعيشها المبدع مع المتلقي في عملية تواطئ زمني و مكاني لا وساطة فيه لأي حامل تلفزيوني أو إلكتروني. وأية محاولة لإنقاذ هذا المعطى المسرحي كظاهرة فنية باعتماد التكنولوجيات الحديثة سيمثل قراءة بصرية ثانية مغايرة للابداع الاصلي.

و يمكن لنا أن نرصد عددا كبيرا من التجارب المسرحية التي تم “تشويهها” عبربثها على التلفزيون بخلق علاقة جديدة مع المتلقي مختلفة تماما عن شروط التلقي المسرحي الحي الذي يتيح في الكثير من الأحيان فرصة الجمهور كي يبادل الممثل إحساسه و تنفسه وحركته على الركح، لذلك فإن الظاهرة المسرحية تكتسي مقوماتها بعيدا عن الفنون التسجيلية التي تتدخل فيها العملية التقنية بشكل حاسم، و هنا يتجلى الفرق الكبير بين أداء الممثل أمام الكاميرا و أداؤه على الخشبة، فكأنك تقارن بين لعبة التنس و لعبة كرة الطاولة ، فالأولى تقتضي امتدادا أكبر في مساحة اللعب و الثانية تقتضي اقتصادا في مساحة الحركة  ، تماما كالمقارنة بين  مساحة إطار الكاميرا و مساحة الخشبة .

و اذا عدنا إلى التركيز على الفن المسرحي كطقس اجتماعي نبيل في مساعيه والذي يشكل وعاءا حرا للنقاش وإثارة قضايا المجتمع وإعادة قراءة بديهياته ومساءلة أفكاره في إطار جمالي فني يستدعي التفاعل المباشر مع الجمهور الذي يشكل عنصرا مشاركا في الفرجة المسرحية.. كل ذلك يعطينا صورة عن مدى الورطة التي تعيشها المؤسسات المسرحية عربيا و دوليا في ظل أزمة كورونا التي أتت على الاخضر و اليابس في مجال العروض الحية.

إن عملية إنجاز عرض مسرحي هو في حد ذاته يمثل رحلة تفكير إنسانية، تعبر عن تلاقح أفكار مختلفة لأعضاء المجموعة المسرحية، بل أنه تصور قد يكون مختلفا للعالم وللوجود يعاد فيها طرح الأسئلة الجريئة والمتعبة أحيانا للعقل، بمعنى أن الإبداع المسرحي في حد ذاته هو رياضة عقلية يشارك فيها كل من يلج قاعة المسرح، إنه اتفاق ضمني على جدوى التفكير والبحث من خلال إنعاش خلايا الدماغ وتخليصها من رواسب المسلمات التي ترتكن إلى الكسل الفكري والجمود الثقافي الفني .

لذلك وعطفا على كل ما سبق فإن قطاع المسرح – كرهنا أم أحببنا – هو طقس حياة مفعم بالإرادة و التمسك بالبقاء والمضي قدما بالحضارة الإنسانية ..سواء في ظل الأوبئة أو الحروب أو الأزمات الإنسانية بكافة أنواعها، إنها حاجة ضرورية للمجتمع وبمثابة ضمير حي له، إنه الرئة الثقافية التي لا محيد عنها، و هذا يجعل دور الحكومات في العالم العربي وفي باقي دول المعمور ملزمة بإنعاش هاته الرئة الضرورية لتنفس الأمم ولإعطاء المعنى المناسب لتواجد البشر على الأرض، فالمسرح هو المختبر الانساني الاكثر إلحاحا لنقد الأفكار والسياسات والمناهج وهو السبيل لترسيخ ملكة النقد لدى الأجيال الجديدة حتى لا يتكلس فكر المجتمعات ويصير وعاءا للتسجيل والنقل و الاجترار.

ختاما يمكن القول إن المسرح و الفن عموما كما قال نيتشه هو الذي” يعكس إرادة الحياة لدى الشعوب “، وقد يكون من وجهة نظرنا أن  زمن الحجر قد يمنح للمسرح وإبداعاته أفقا آخر مغايرا و مفصلياً في مساحات تفكير مشتغليه و صناعه لاحقا .

ياسين أحجام مسرحي من المغرب

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …