عزلة المسرح في زمن كورونا (18) العزلة الإجتماعية الإجبارية فرضت إفرازات مسرحية لم يعهدها هذا الفن من قبل – عمار نعمه جابر

عزلة المسرح في زمن كورونا (18)

المسرح فن جماعي، وطبيعة جسد الفرجة المسرحية لا يتحقق جوهرها الا بالجماعة وفي الجماعة.. سواء على مستوى التشكل الابداعي من خلال التداريب والتحضير أو على مستوى التلقي والتفاعل الجماهيري الحي.

فماذا عن “عزلة المسرح في زمن كورونا”؟ وهل ما عرفته المنصات الوسائطية الالكترونية من مبادرات واسهامات “مسرحية الكترونية” قدم لهذا الفن الجماعي الحي والعابر، ما كسر شيئا من عزلته وانكماش فعله وفاعليته وتفاعله؟ هل تلبى رغبة الفرجة الحية بكبسولات فيديو ؟ وما تأثير الافكار المبتكرة الكترونيا على الفرجة المسرحية؟ المسرح وعاء ابداعي يحتضن الفنون جميعها.. فما تاثيرها على قواعده الثابتة والمتغيرة ؟ وما الفواصل بين التأثير الحقيقي والتاثير المزيف الزائل؟

ملف تشارك فيه مجموعة من الأسماء المسرحية العربية لإبداء الراي ومناقشة حاضر المسرح في الزمن المرتبط باكراهات الظروف المعطاة التي فرضتها الجائحة على الجميع… وما طبيعة النشاط المسرحي الإلكتروني الذي عرفه الظرف “الكروني”…

إعداد: عبد الجبار خمران

العزلة الإجتماعية الإجبارية فرضت إفرازات مسرحية لم يعهدها هذا الفن من قبل!

عمار نعمه جابر

التزام التصنيف..

بالعودة الى جذور المسرح، نستطيع أن نؤكد أنه نشاط تحكمه مجموعة من الشروط لتحققه، وهذه المقدمات تصنع منه طقسا محدد الملامح، بما يحمل الطقس من معنى، لقد كان الجميع في هذا الطقس المشكل، من ممثلين وجمهور يوقنون تماما، أنهم في حالة جذب روحي، تشبه الى حد ما حالة الصلاة. لقد كان جميع المتواجدين حينها في لحظة العرض المسرحي يدركون أنهم في حالة وجود استثنائي، يحكمه الإحساس الجمعي المتوحد. والذي يشبه ذلك الإحساس الذي ربما يشعره المصلين المسيح في الكنيسة يوم الاحد، أو ما يشعر به المسلمون في صلاة الجماعة والجمعة. هي حالة من التداخل والاندماج لدى المجموع، كي يتحول الى مزيج انساني واحد، تتسامى إشاراته ومدلولاته ككيان واحد لا يتجزأ أبدا.

هذا الطقس الراسخ في العرض المسرحي، منح للمسرح سحره الخاص، والذي يستشعره كل من منتج العرض والمتلقي على حد سواء، والذي يمكن من خلاله تمييز المسرح عن باقي الاجناس الفنية، فالمسرح حالة حضور جماعي في زمان ومكان محددين. وهي القاعدة الأساسية في تحديد ما إذا كان ما يحدث من فعل يمكن أن يكون مسرحا أو شيء آخر. ربما قد تكون الالفين وخمسمائة عام من عمر المسرح، قد منحته تشكلات متنوعة كثيرة، وأخذ ابعادا وابتكارات، ورضخ لرؤى واستحداثات كثيرة، غيرت الكثير في المسرح، وغيرت نظرتنا إليه، وطريقة فهمنا الخاص له، ولكن رغم كل ذلك، بقيت الطقسية والفعل الجماعي شرطان اساسيان لقيام.

ما جرى في زمن جائحة كورونا من عزلة اجتماعية اجبارية، رضخ لها سكان العالم لحماية انفسهم من هذا الوباء الفتاك. طرح أمامنا افرازات مسرحية لم يعهدها هذا الفن من قبل، حيث ظهرت أمام الجميع  من على شبكات التواصل الاجتماعي عروض فيديوية لمسرحيات عرضت سابقا، ثم دخلنا في تجارب تقديم عروض من داخل الحجر المنزلي، تنوعت واتسعت لتتحول سريعا الى مهرجانات تديرها أسماء مسرحية عربية بارزة، في ظاهرة أفرزت لنا تساؤلا ملحا وجوهريا : هل ما يقدم لنا على شبكات التواصل الاجتماعي من فيديوهات، وبث مباشر، يرقى ليحتسب نوعا مسرحيا تم استحداثه، أم أن ما يجري لا يتعدى كونه نشاط اثقافيا وفنيا على شبكات التواصل غايته مد الجسور مع المهتمين بهذا الفن، وتحقيق نوع من التواصل مع المسرح ؟

في السينما، وهو فن حديث وله تاريخ قصير نسبيا، نعرف أن هذا الفن صنع ليقدم بطقس خاص، هو الآخر . فالفيلم يصنع بكاميرات خاصة، وبلغة صورية محددة، وبايقاع سينمائي معروف، ثم يعرض على الجمهور المتلقي في قاعات مخصصة للعرض السينمائي، وبشاشات عملاقة في العادة. ولكن الفيلم السينمائي انتقل منذ وقت مبكر الى خارج دور السينما، فلقد قدم كثيرا على شاشات التلفاز، وخصصت له قنوات متخصصة في تقديمه. ويقدم اليوم على المنصات الالكترونية، في مواقع وقنوات الكترونية مخصصة لذلك. ولكن جميع ذلك وإن سمي مجازا بفيلم سينمائي، إلا أنه بمجرد عرضه في التلفاز أو على الشبكات الالكترونية، فقد تحول الى فيلم يعرض في التلفاز، أو فيلم يعرض الكترونيا، ولم يعد عرضا سينمائيا مستوفيا لشروط العرض، وهذا الفيلم له تأثيره الخاص وجمهوره واسلوبه وايقاعه وحيثياته. وهذا تماما ما يواجه المسرح الآن.

إن تقديم العرض المسرحي على شكل تسجيل فيديوي، ليس عرضا مسرحيا. إنه تسجيل فيديوي لعرض مسرحي سابق. وإن بث مباشر لمسرحية تنتج في الحجر المنزلي، ليست عرضا مسرحيا، بل هي بث مباشر لعرض مسرحي يقام في مكان آخر، رغم وجود وحدة الزمن. فما يجري أمام المتلقي على الشاشة، على المنصات الالكترونية، هو نشاط فني وثقافي الكتروني، يرضخ لكل الاشتراطات الالكترونية، من وجود شبكة انترنيت، ووجود جهاز عرض صالح، ووجود برنامج خاص قادر على تشغيل هذا العرض الالكتروني، وغيرها من الاشتراطات، والتي في النهاية حولت هذا الجنس الفني من جنس الى آخر.

نعم، لا يمكن أن نغفل عن مدى تأثير هذه الانشطة الفنية والثقافية الالكترونية في وسط الجمهور المتخصص والجمهور العام، ولكن يبقى التصنيف ملزما لنا، كوننا إزاء تغيير كامل في الشروط الفنية التي قام عليها هذا النتاج الفني والثقافي الجديد.

عمار نعمه جابر، مؤلف مسرح – العراق

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …