عرض مسرحي بحريني عن انطفاء الحب بين زوجين

المصدر / العرب / نشر محمد سامي موقع الخشبة

المخرج المسرحي البحريني عبدالله السعداوي يعرض مسرحية “منزل فوق غيمة” في الصالة الثقافية بالمنامة.

في سياق مشروعه المسرحي التجريبي، الذي بدأه منذ ما يزيد على عقدين، عرض المخرج المسرحي البحريني عبدالله السعداوي مسرحية “منزل فوق غيمة” في الصالة الثقافية بالمنامة، وهي من تكييف حسين عبد علي عن راوية بالعنوان نفسه للقاص والروائي البحريني محمد عبدالملك، الذي يصفه النقاد بـ”كافكا البحريني”، وتمثيل: خالد الرويعي، ريم ونوس، محمد بهلول، حسين الرفاعي، وحسين المبشر، ومن إنتاج “مسرح الصواري”.

يقتحم السعداوي في هذه التجربة المسرحية، من خلال علاقة زوجين انطفأت جذوة الحب بينهما بسبب ضغوط الحياة العصرية، عالما سرديا مونولوجيا مركبا، وموغلا في تفاصيل ودقائق الذات المثقلة، والمتورطة بأعباء الشك والهزيمة، والعزلة الفادحة، والقلق المأزوم بمتاهات هذه الذات، وخياراتها المتأرجحة على شفير الخيانة بمختلف تبايناتها ومستوياتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والإنسانية.

يبدأ العرض بدخول الممثلين مجتمعين على إيقاع الصرناي وكأنهم آتون من زمن آخر، وفي هذه الأثناء تنقل لنا شاشة ضخمة من عمق المسرح صورا متفرقة من الماضي بكل ما يحمله من بساطة.

الزوج إبراهيم، الذي يجسد شخصيته خالد الرويعي، رجل تقليدي من حزب اليسار يتكلم في السياسة، ويكتب الشعر، ويحب الموسيقى. شاعر جفّت قريحته بعد أن أصبح موظفا حكوميا يعمل بعد دوام الوزارة في شركة خاصة، وزوجته نوال (مثلت شخصيتها ريم ونوس) موظفة صغيرة في أحد المصارف تعاني من جفاف زوجها وإهماله لها بعد أن بلغ كلاهما منتصف العمر.

يستعرض السعداوي عبر هاتين الشخصيتين انهيار الركائز النبيلة التي يقوم عليها المجتمع المثالي، كالصدق والوفاء والنزاهة، وسط سطوة القالب الذي تفرضه أدوات الإمبريالية الجديدة، وعلى رأسها “السوق” التي لا يتهاون السعداوي في التحذير منها، لأنها تحوّل الإنسان إلى آلة كما جاء في قول الزوج “ننام، ننهض للعمل متعبين عند الفجر، نعمل لكي نعدّ أجسادنا لنوم طويل، ننام طويلا لكي نعمل طويلا، نفكر في العمل ونحن نائمون أيضا، نفكر في النوم لأننا لا نأخذ قسطنا الوافر منه، نحمل إفطارنا وأكواب الشاي إلى السيارة، يسبقنا الأولاد، نأكل في الطريق، نشرب أثناء السياقة شاي الصباح الأوّل”.

هذه الحياة الضاغطة هي التي تغرق الزوجين في الديون للوفاء بالتزامات الحياة العصرية وفواتيرها، التي قضت على حبهما، ودفعت كل منهما إلى البحث عن السعادة خارج إطار العلاقة الزوجية، بينما كانا يحلمان ببيت صغير يتفيآن في فنائه بظل شجرة الياسمين.

تصل أحداث المسرحية المحتدمة إلى ذروتها عندما يرتقى الزوج إلى وظيفة رئيس المشتريات في المؤسسة الحكومية التي يعمل بها، حيث تعرّضه هذه الترقية إلى مغريات هائلة بعد أن عرض عليه حيتان المال نسبة 10 بالمئة “كوميشن” (رشوة) أسبوعية من كل صفقة يرسيها عليهم، الأمر الذي يجعله يعيش صراعا مريرا بين قبول الرشوة وتجاوز الكثير من العراقيل التي تواجه حياته، وبين كسب نفسه وكرامته والاستقالة من الوظيفة.

وقد جسد السعداوي العلاقة الإنسانية المهشّمة بين الزوجين باقتدار من خلال أسلوبه الإخراجي الذي اعتمده، في الكثير من المشاهد، على فصل بعضهما عن بعض خلال حواراتهما في حالة أشبه بالحوار الداخلي.

لكن السعداوي كان يعود في بعض الأحيان إلى إحداث تماس مباشر بين الممثلين، كما يكسر في بعض اللحظات حاجز الإيهام، محولا الممثلين من مؤدين لشخصيات المسرحية إلى قارئين محايدين للرواية، واستعمل تقنيات مختلفة، منها تقنية الشاشة الضخمة في عمق المسرح التي مثلت كتلة موازية للممثلين داخل الخشبة، وكانت من بين وظائفها عكس ما يدور في العالم الخارجي من تحولات متوحشة.

لقد قامت الرؤية الإخراجية في العرض على خطوط متقاطعة متنافرة من شأنها أن تنأى بالمتلقي عن تحديد موقف متجانس من العرض بشكل عام ومن المؤدين فيه، وهي رؤية عميقة ومشاكسة تستغور العزلة الذاتية لشخصيات المسرحية، وتنطلق من فلسفة الما بعدية في قراءة زمن العرض بوصفه لوحة مسطحة مفتوحة غير محكومة بتفسيرات نمطية لتضاريسها المبهمة.

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *