عاقد قران التراث بالحداثة في المسرح الجزائري

نستأنس في هذا العدد في ركن “أسماء من الذاكرة” مع اسم شعاعه مضيء إلى حد اليوم في الركح الجزائري، أحد أعمدة الفن الرابع، وواحد من كان شاهدا على عقد قران الحداثة والتراث في هذا المجال، يعتبر من ألمع كتاب المسرح في الجزائر، ومن رواد الإخراج فيه، مازالت إلى حد اليوم الكثير من النصوص التي خطتها يمينه تتداول على خشبة الكثير من المسارح، فاستحق بكل جدارة واستحقاق جائزة “كاكي الذهبية”.

اسمه الحقيقي ولد عبد الرحمان عبد القادر، من مواليد الغرب الجزائري بمدينة “مستغانم” سنة 1934م في حي شعبي متشبع بالتقاليد والتراث والأصالة، وهذا ما كان له الأثر الواضح في حياته المهنية، حيث اهتم بكل ما هو تراث، انضم إلى إحدى الفرق الكشفية، وكان مولعا منذ صغره بحضور المدائح الدينية التي كان يؤديها الشيخ حمادة في الغرب الجزائري، كبر حبه للمسرح منذ نعومة أظافره حتى شب عليه، فأسّس لنفسه فرقة “القاراقوز” سنة 1958 وهي أول خطوة وضعها في التراث الشفوي للمسرح في الجزائر، كانت بمثابة نقطة انعطاف بينه وبين ما كان يقدم قبله في هذا المجال، ووجه اختلاف مع غيره، كما كانت بمثابة وضع حجر الأساس لاسمه في هذا العالم، كان التراث الثقافي للمجتمع مادته الخام في كتابة النصوص التي كان يؤلفها، والتي كانت مستمدة من أصالة المجتمع الجزائري، قطف من كل الفنون زهرة فزاد ثراءه المسرحي ونبغ فيه، حيث اهتم باللغة والإضاءة والديكور والتمثيل والكتابة والإخراج وكذلك الموسيقى. سمح له هذا الاجتهاد بأن يقدم للمسرح شيئا جديدا يعرف بالمداح أو الراوي خلال كل مسرحية يقدمها، فكانت بمثابة نقلة نوعية في عالم الركح ليس في الجزائر فحسب، بل في كل الوطن العربي.

إن ارتواءه بالتراث كدعامة يتكئ عليها في كل أعماله، بحكم الطبيعة التي عاش فيها وتشبعه بكل ما هو أصيل واهتمامه بكل ما هو حديث وعصري، سمح له بأن يمد الوصال بين هذين القطبين، واستطاع من خلالها أن يقدم أعمالا ذات شكل متفرد ومتميز يحسب له دون غيره، ويكفيه فضلا أنه لم يهتم فقط بكل ما هو أصيل في الجزائر، بل تعدى إلى أبعد من ذلك، وهو الاهتمام بكل تراث وتقاليد بلدان البحر المتوسط، بل اهتم كذلك بالمسرح الملحمي، وهذا ما ظهر في الكثير من أعماله التي مازالت خالدة إلى حد الساعة.

لقد كان سيلا غزيرا من حيث الأعمال، أعمال لا تحسب بالكم، لكن بالنوع والاجتهاد، ولعل مما خلده التاريخ لاسمه ولأعماله هي مسرحية “132 سنة” التي عرضت أول مرة سنة 1963، وكان شرف الحضور لها في الذكرى الأولى لاستقلال الجزائر القائد التحرري “شيغيفارا” الذي صفق لها طويلا، بالإضافة إلى “بني كلبون” ،”شعب الليل”، “القراب والصالحين”، “إفريقيا قبل سنة”، “الشيوخ”، “ديوان القارقوز”، “كل واحد وحكمه”.

لم تكن مشاركته في العديد من المهرجانات التي شارك فيها تمر من دون أن يحصد الكثير من الجوائز، على غرار الجائزة الكبرى بالمهرجان المغاربي سنة 1963 بتونس، الميدالية الذهبية بالمهرجان العربي الإفريقي بتونس كذلك سنة 1987، كذلك الميدالية الذهبية بمهرجان المسرح التجريبي في القاهرة سنة 1989.

حرصا من القائمين على الفن الرابع في الجزائر، وتكريما لشخصه وأعماله، فقد استحدثت جائزة “كاكي الذهبيه” اعترافا بما قدمه لعالم الركح في الجزائر، وحرصا منهم على أن يبقى طريقه مضاء أمام كل الشباب الذين يسعون إلى حذو حذوه، من أجل الوصول إلى نصوص مسرحية راقية، يستطيع من خلالها الفن الرابع في الجزائر استعادة بريقه بين كل الأقطار، فحين يكون المدرس “عبد الرحمن كاكي” فإن النجاح مضمون إلا لمن أبى ولا يأبى إلا كسول.

صفحة أخرى أردنا الوقوف عندها للذكرى، لا لنفض الغبار عليها فحاشى للغبار أن يحط عليها استحياءً منها، بالرغم من أنّ صاحبها قد هجرنا للأبد في سنة 1995، غير أنه مازال حيا بأعماله.

 

عزوز صالح

http://magazine.echoroukonline.com/

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *