صولو’.. بطل واحد يواجه تدهور فن المسرح : سارة محمد

المصدر : العرب : نشر محمد سامي موقع الخشبة

  • تقدم مجموعة من الفنانين عرضا مسرحيا فرديا في مصر، يقوم كل ممثل منفردا بتقديم مسرحية قصيرة من نصوص اجتماعية تغلفها روح الكوميديا، وتتناول سلبيات المجتمع بأشكالها المختلفة في إطار ساخر، ويحاول المشروع الجديد تقديم فن راق يواجه تدهور المسارح وتدني جودتها.

الجمع بين حرفية الأداء والانطلاق بخيال الفنان وروحه على خشبة المسرح ليس سهلا، فقليلا ما ينجح فنانون في الجمع بين هذه المعادلة الصعبة وإبرازها جليا وسط كم هائل من النجوم الذين يحضرون معا على مسرح واحد، لكن يأتي مشروع “صولو.. صوت المسرح”، الذي انطلق مؤخرا على مسرح الجامعة الأميركية بالقاهرة، ليقدم شكلا جديدا من المسرح الذي شهد تدهورا في مستوى التمثيل والإخراج والكتابة.

ويقترح المخرج إسلام إمام على المشاهد المصري والعربي عموما مشروعا جديدا ومختلفا يعتمد على ممثل واحد يقدم عملا مسرحيا قصيرا يناقش قضية مجتمعية ما.

أصل التجربة

بدأ المشروع بعرضين؛ أحدهما للفنان سامح حسين بعنوان “أنا في إجازة” وآخر للفنانة حنان مطاوع بعنوان “أنا مش هنا”، وهي تجربة أولى من المقرر أن تقدم في 13 عرضا يشارك فيها العديد من النجوم المصريين، منهم سوسن بدر وفتحي عبدالوهاب وبيومي فؤاد وعمرو عبدالجليل وآيتن عامر ومحمد ممدوح وآخرون، من خلال تقديم ثلاثة عروض متتالية كل شهر وتبلغ مدة عرض كل منهما 45 دقيقة.

و”الصولو” مصطلح موسيقي شهير يعني غناء الفنان بمفرده على المسرح بعيدا عن الكورال لإبراز قدراته الغنائية ومساحات صوته الفخيمة، هذه الكلمة اتخذ منها صناع مشروع “صولو.. صوت المسرح” هدفا وتحديا لنوعية المسرح الذي يقدمونه للجمهور.

وتعود فكرة التمثيل المنفرد مع نشأة المسرح الإغريقي ووجود الممثل الواحد على خشبة المسرح وتطورت مع مرور الزمن لتتخذ شكل “المونودراما”، وهي أحد أشكال المسرح التجريبي الذي تطور واتسعت رقعته خلال القرن العشرين، ويقوم على وجود ممثل واحد يسرد الأحداث جميعها، وهو ما اتخذته الكثير من المسارح الأجنبية تحت شعار “وان مان شو” أي عرض الشخص الواحد أو بمسماه عند الألمان “صولو بلاي”.

وربما كانت فكرة التمثيل الفردي أو “الصولو” مثارا جاذبا للجمهور المصري في السنوات الأخيرة والتي قدمت في عدد من البرامج التلفزيونية.

وفي العقد الأول من الألفية الجديدة ظهر ما يسمى بـ”ستاند آب كوميدي” أو كوميديا المواقف، وهي نفس الفكرة المقدمة من خلال وجود ممثل واحد على المسرح يعرض عددا من المواقف الكوميدية المرتجلة.

 

مواقف كوميدية مرتجلة

ولا يتمثل التحدي في هذا المشروع في فكرة إبراز القدرات التمثيلية فقط، لكنه يفصح عن القدرات الجسمانية للبطل واجتهاده في تطوير ذاته وتطويع أدواته بالجديد والمختلف بما في ذلك تدريبات الصوت والإلقاء وتقسيمات النفس، بالإضافة إلى اللياقة البدنية وليونة الجسم التي تظهر في بعض الحركات الراقصة أو الإيمائية، لأن الفنان هنا هو البطل الأوحد.

رابط مشترك

كشف العرضان اللذان افتتحت بهما “صولو.. صوت المسرح” عن مواهب مختلفة، وربما يكون ذلك متوقعا من فنان تعود خلفيات عمله إلى المسرح مثل سامح حسين، لكن المفاجأة الكبرى في هذا المشروع للفنانة حنان مطاوع التي تثبت اجتهادها في تطوير الأداء، وخير دليل على ذلك شخصية الفتاة الريفية متوسطة العمر التي قدمتها في عرض “أنا مش هنا” واستقبلها الجمهور بحفاوة كبيرة.

وقدمت حنان مزيجا بين الفتاة الريفية ببساطة حديثها والقاهرية (الحضرية) التي تتبع سلوكيات أهل المدينة وتفاعلها مع مواقع التواصل الاجتماعي وارتداء الملابس العصرية، وهي موظفة بسيطة في إحدى الهيئات الحكومية تكتشف في يوم إجازة للموظفين الفساد الذي يقوم به كل منهم بعد التفتيش في أدراجهم الخاصة، ما بين شهادات عمل مزورة، وآخرين يدعون الصلاح وقوام الخلق، مرورا بالعثور على ملف خدمتها الضائع والذي أطاح بها من فرصة الحصول على درجاتها الوظيفية.

وسط هذه الأحداث تنتقد مطاوع العديد من الأوضاع السلبية بالمجتمع بأسلوب كوميدي ساخر ممزوج بتغيرات في الأصوات التي تقدمها للشخصيات التي تسردها، مثل شخصية والدها “أجش الصوت” وغنائها ورقصها على المسرح.

أما سامح حسين في عرضه “أنا في إجازة”، فقدم فكرة الخوف الذي يسيطر عليه طوال مدة العرض وتجعله حبيسا بمنزله لفترة لمجرد خوفه من الذهاب إلى المحكمة الجنائية بحسب ورقة استدعاء يجدها أسفل باب منزله.

وسط هذا الحدث ينتقد سامح العديد من سلبيات المجتمع، وأبرزها أوضاع المواطن المصري المطحون وسط الغلاء الاقتصادي، ويظهر ذلك في المشهد الأول من العرض والذي كان يحمل فيه “صندوق بيض” ويغني له “30 بيضة في 30 يوم”، ويتمنى أكل اللحم في يوم ما.

ورغم أن الرابط المشترك في العرضين فكرة “الوحدة” التي يقضيها البطل في المنزل والبطلة بالشركة وانتقاد أوضاع مجتمعية، إلاّ أن المؤلف طارق رمضان كان حريصا على إبراز نقاط مختلفة للفكرة من وجهة نظر رجل وسيدة، كلاهما يعيش أوضاعا متعثرة ويعاني من العنوسة، فالأول سيطر عليه هاجس الخوف، أما الفتاة فكانت أكثر جرأة بالتفتيش في ملفات زملائها.

ولأن مشروع “صولو” يحمل اتجاها مختلفا عن مسارح الفضائيات، قرر صناعه تقديم عروضه بالمجان للتأكيد على قيمة الفكرة التي تقدم نموذجا مختلفا للمسرح وتخلد اسم الفنان من خلال ما يبذله من مجهود فردي، الأمر الذي شجع عددا كبيرا من الفنانين على ممارسة هذه التجربة، على الرغم من تفاوت الأجور بين عمل الفنان في المسرح مقارنة بالتلفزيون والسينما.

ولن يفصح “صولو.. صوت المسرح” عن قدرات تمثيلية للفنانين المشاركين به فقط، بل يمنح الفرصة لتقديم جيل جديد من الكتاب المسرحيين وسط فوضى العثور على نص جيد، في وقت أصبح الاستسهال في التأليف واللجوء إلى “الإيفاهات” الخارجة الشعار الذي يعمل تحته الكثير من صناع المسرح.

ومشروع “صولو” الذي بدأ التحضير له منذ عام ربما يكون تجربة مشجعة للعديد من المسرحيين، خصوصا المحافظين الذين أعربوا عن استيائهم من أوضاع المسرح الأخيرة، ما يجعلهم يفتشون عن نماذج مسرحية جديدة اختفت أو لم تقدم من قبل.

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *