شكسبير وموليير وجها لوجه في عرض مسرحي بدمشق / نضال قوشحة

كاتبان يتصارعان لتأليف نص للملكة في مبارزة افتراضية، والمسرحية تتوج شكسبير ملكا دون مبرر.

من الثابت لدى جمهور المسرح في العالم، أن الكاتب المسرحي الإنكليزي الشهير وليم شكسبير هو أحد أهم صناع المسرح في تاريخ المسرح العالمي. وقد كرس قيمته تلك بعد سلسلة من المسرحيات التي خلدت اسمه. وما زالت مسرحياته تعرض على أهم منصات المسرح في العالم، لكن أن يكون شكسبير ذاته شخصية مسرحية فهذا ما يبدو رهانا صعبا.

دمشق – معروف أن وليم شكسبير ظهر في كتاباته بوجوه متعددة، فقد كتب في التراجيديا مسرحيات: الملك لير، هاملت، عطيل، يوليوس قيصر، ماكبث، انطونيو وكليو باترا وغيرها. كما قدم في التاريخ عدة مسرحيات منها: الملك جون، ريتشارد الثاني، هنري الرابع. أما في فن الكوميديا فقد كتب ما يزيد عن الخمس عشرة مسرحية، منها: ترويض النمرة، جعجعة بلا طحين، حلم ليلة صيف، الحب مجهود ضائع.

من هنا تبرز ندرة التوجه في العرض الذي قدم ضمن إنتاجات مديرية المسارح والموسيقى في وزارة الثقافة في سوريا، عن نص كتبه رضوان شبلي وأخرجه لؤي شانا بعنوان “شكسبير ملكا”. وقدم أساسا من خلال فرقة المسرح القومي في مدينة اللاذقية. وأحدث حراكا ثقافيا ومسرحيا كبيرا فيما قدمته المسرحية من أفكار حملت في تفاصيلها كسر تابوهات وأفكار فنية صارمة، تتجلى خاصة في إظهار شخصيتي شكسبير وموليير على المنصة ضمن أحداث المسرحية وليس الاكتفاء بمعالجة نصوصهما.

صراع كاتبين

كتب النص ونفذ عام 2011، وشارك ضمن النسخة الخامسة لمهرجان الكوميديا المسرحي الذي كان يقام هناك، وبعد سبع سنوات يقدم في دمشق وعلى خشبة أهم مسارحها. وبين العرضين، شارك في العام 2018 في أيام كربلاء المسرحية في العراق وحاز حينها على جائزتي أفضل إخراج لؤي شانا، وأفضل ممثل عبدالناصر مرقبي.

فكرة النص الأساسية تقوم على حدث افتراضي، بأن الملكة الإنكليزية إليزابيث الأولى، قد قررت أن يغير النمط الذي يكتب فيه شكسبير المسرح، بحيث يتم التخلي عن شكل التراجيديا ويكتب الكوميديا، رغبة منها في إسعاد الناس والترفيه عنهم، لذلك تأتي بمستشارها، وتطلب منه أن يفاتح وليم شكسبير، مسؤول الفرقة الملكية المسرحية، بأن يقوم بهذا التغيير. ويفعل المستشار ذلك، لكن شكسبير يرفض الأمر بشكل قاطع، إذ يفضل كتابة التراجيديا. وبسبب إصرار الملكة على أن يتحقق ذلك، يتم اللجوء إلى استقدام الكاتب المسرحي الفرنسي موليير المختص بكتابة الكوميديا لكي يكتب نصوصا تسعد الناس.

موليير يأتي لمواجهة شكسبير في مبارزة افتراضية مسرحية، ليجهزا معا عملا واحدا، فيبدأ كلاهما بالكتابة وتمرين ممثليه

يأتي موليير، ويتواجه الكاتبان في مبارزة افتراضية مسرحية، ليجهزا معا عملا واحدا، فيبدأ كلاهما بالكتابة وتمرين ممثليه، محاولا النيل من تجربة الآخر ووضع العراقيل في وجه إتمامه عمله. وهنا تكمن ذروة الحدث الدرامية التي أوجدها الكاتب رضوان شبلي، لكي يقدم من خلالها مآلات عوالم الصراع بين الشخصيتين وتجربتهما وصولا إلى نهاية العرض.

يقدم الكاتبان أفكارهما، ويبدآن العمل، وهنا يقدم العرض المسرحي مزيجا من الحالات الكوميدية والتراجيدية التي تعبر عن انزعاج كل منهما من وجود الآخر، إضافة إلى الأجواء التي أضافها وجود ملك فرنسا وزوجته، فضلا عن ملكة انكلترا، في تفاصيل العرض، فاعتمد العرض صياغة مجموعة من القفشات المضحكة التي تفاعل معها الجمهور الذي ملأ القاعة تماما، بعضها كان موفقا، وبعضها دخل في حالة الرتابة والتكرار، خاصة في مشهد دخول الممثلين من طرف المسرح باتجاه الآخر وهم يصيحون بحالات عصبية متوترة، وهو الأمر الذي تكرر وجوده على امتداد العرض، ويعتبر أسلوبا مسرحيا شاع في المسرح التجاري العربي منذ فترات بعيدة. وتسير الأمور على نسقها، وتحتدم المواجهة، التي تتحول في لحظات إلى مواجهة سيوف في حالة درامية غير مبررة. ثم تنتهي الأحداث في المسرحية بوجود الكاتبين على المنصة وتتويج شكسبير ملكا على منصة الكتابة المسرحية.

شكسبير ملكا

ما يثير الانتباه في نهاية المسرحية، هو حالة البتر التي أوجدها، فهو لم يبرر دراميا سبب الوصول إلى هذا الحكم، خاصة أننا لم نسمع رأي الملكة في التجربة وتقييمها لها بعد إنجازها، فانتقلنا فورا من حالة الصراع الإبداعي المسرحي وما يحيط بها من عوالم شخصية، إلى مرحلة إطلاق حكم القيمة بتنصيب شكسبير ملكا.

ولعل اعتماد اسم “شكسبير ملكا” قد ألغى وجود عنصر التشويق والدهشة عند المتلقي، كونه عرف منذ اللحظات الأولى في العرض بسياقاته الدرامية أن الغلبة ستكون لشكسبير وأنه سيتوج ملكا على فن الكتابة للمسرح. كون عنوان المسرحية قد كشف الأمر. في العرض مسألة قد تسبب له تحفظ جمهور المسرح التقليدي، خاصة عشاق المسرحي شكسبير، كونه شخصه بشكل كوميدي خرج عن إطار الرصانة الذي غالبا ما يعرف عن هذا الكاتب، فظهر وهو يقوم بالعديد من الأفعال الكوميدية التي لا يقدم عليها عادة كتاب المآسي. كذلك كان الأمر مع شخصية الكاتب موليير الذي قدم
شخصا مضحكا وليس شخصا يقدم أفكارا مضحكة.

يحسب للعرض، أنه اعتمد على طاقات شابة غير محترفة في مدينة صغيرة كما اللاذقية، التي تهتم بالمسرح بشكل ملحوظ، وفيها جمهور يتابع العروض المسرحية باهتمام . كما يحسب له، تفاعل الجمهور معه على امتداد يومين، 3 و4 فبراير الجاري، حيث امتلأت صالة الحمراء على آخرها بالجمهور، وهي حالة صحية جديدة على حالة المسرح السوري بعد طول غياب، تبشر بعودة الدفء بين الفن المسرحي وجمهوره . ولا شك أن الجهد الكبير الذي قدمه بطل العمل عبدالناصر مرقبي، وظهوره بشكل متغير في حالاته الانفعالية بين الألم والسخرية، وإجادته تمرير بعض الجمل التي تحمل إسقاطات على حياتنا المعاصرة، كان له دور هام في تقبل الجمهور للمسرحية بشكل إيجابي.

ونذكر بأن العرض المسرحي “شكسبير ملكا” من إنتاج وزارة الثقافة ومديرية المسارح والموسيقى، وهو من تأليف رضوان شبلي، إخراج لؤي شانا، وتمثيل كل من عبدالناصر مرقبي، نبيل مريش، أليسار صقور، فايز صبوح، لمى غريب، محمد أبوطه، سارة عيسى، أحمد سليمان، إيليا صقور، ليليا نصقور، علي صقر، علي فياض عصام تفاحة، أشرف خضور.

_______________

المصدر / العرب

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *