شكسبير في المسرح العراقي سامي عبد الحميد

لا أعتقد أن مسرحاً في أي بلد من بلدان العالم لم يقدم مسرحية لشكسبير، سواءً بنصها الأصلي المترجم أم بإعداد عن النص الأصلي. وقد يتساءل القارئ لماذا شكسبير من دون كتّاب وشعراء المسرح الآخرين. الأسباب كثيرة ولكننا سنوجز اهمها فيما يأتي: أولاً- تحمل جميع مسرحيات شكسبير الاجتماعية منها والتاريخية التراجيديا والكوميديا ثيمات لها علاقة بأزمات الأنسان في كل زمان ومكان ولذلك تجد عروضها على خشبة المسرح صدى لدى الجمهور هنا أو هناك . فهناك الثأر والغيرة والحب والقتال والتضحية من اجل الآخرين والصراع على السلطة وغيرها .
ثانياً – تتحلى مسرحيات شكسبير بالحِرفية العالية في بناء الفعل الدرامي وبحبكاتها وتشخيصاتها للشخصيات الدرامية بكل أبعادها الجسمانية والاجتماعية والنفسانية وبتأجيج الصراع بين البروتاغونست والانتاغونست مما يدعو إلى تشويق المتفرج عند القراءة أو عند العرض لمعرفة النتائج والحلول .
ثالثاً – بلاغة حوار المسرحية الذي يرسم صوراً ودلالات تثير القارئ او المتفرج وتمتعه فهل هناك أبلغ من قول هاملت : “أكون أولا أكون ، تلك هي المسألة أي الحالين أمثل بالنفس اتحمل الرجم بالمقاليع وتلقي سهام الحظ الانكد ام النهوض لمقارعة المصائب ولو كانت بحراً عجاجاً وبعد جهد الصراع اقامة حد دونها، الموت الموت نوم ثم لا شيء …” في هذا المونولوغ يعبر (هاملت) عن حيرته تجاه ما وقع من خيانة عمه وامه واغتيالهما لابيه. وهل هناك أبلغ من قول (عطيل) وهو يقدم على خنق زوجته (دزدمونة) متوهماً انها خائنة “لست عازماً على تمزيف بشرتها النقية كالثلج الصقيلة كمرمر القبر ، غير أن موتها متحتم وإلا خانت رجالاً آخرين” . في هذه الصورة يجمع شكسبير بين نقاء دزدمونة وموتها جراء خيانتها. وهل هناك أبلغ من قول الليدي ماكبث بعد أن تلطخت يديها بدماء الملك (دنكن) الذي قتله زوجها (ماكبث) .”
رابعاً – تفرز مسرحيات شكسبير القيم الدرامية – الفكرية والعاطفية والجمالية بوضوح فهناك أفكار متنوعة ثبتها وهناك تعاطف مع شخصياتها سلباً او ايجاباً وهناك جمال مجرد تخلقه الصور المرئية . وهناك الطموح غير المشروع وهناك عقوق الابناء وهناك خيانة الاصدقاء ويتعاطف المتفرج مع روميو وجوليت ويقف ضد (ياغو) في (عطيل) ويقف ضد (ماكبث) وهو ينغمر في فعل القتل بتحريض من زوجته وتعاطف مع (اوفيليا) الرقيقة ومع (دزدمونة) البريئة .
قد يقول قارئ هذه بديهيات قد تكون في مسرحيات اخرى لمؤلفين آخرين وارد قائلاً نعم ولكن شكسبير قد صاغها بفنية عالية وحذق ومهارة وبتشويق وببساطة دالة.أما نحن المسرحيين العراقيين ومعنا العرب أيضاً فقد شغفنا بمسرحيات شكسبير لعدد من الأسباب : أولها توفر ترجمات عديدة لها قبل الكثير من مسرحيات كتاب المسرحية المشهورين في العالم . وثانيها لأننا وجدنا أن معظم مسرحيات شكسبير تحتوي على اشارات عن العرب وبلدانهم وعاداتهم وفولكلورهم . وان بعضها تظم شخصيات عربية مثل (عطيل) و(امير مراكش) في تاجر البندقية وهناك (هارون) العبد المراكشي في (تيتوس اندرونيكوس) ومن الملامح العربية هناك (العطور العربية) وهناك الشجرة العربية والمقصود بها (النخلة) وذكرت في مسرحية العاصفة وفي عطيل وهناك طائر (العنقاء) الذي يسميه شكسبير الطائر العربي ومن الفولكلور العربي هناك (رقصة الفرس) المذكورة في (هاملت) وفي (قصة شتاء) . وهناك ذكر لكثير من المدن العربية مثل (حلب) و(طرابلس) و(قرطاجة) و(دمشق).
بعد هذه المقدمة سأمر على المسرحيات الشكسبيرية التي انتجها العراقيون وقدمت في مسارحنا منذ القدم وحتى اليوم. ففي عام 1924 شاهد الجمهور العراقي أول مسرحية لشكسبير هي (تاجر البندقية) قدمتها (الجمعية الأدبية اليهودية) . وفي عام 1926 قدم طلبة مدرسة التفيض الأهلية مسرحية بعنوان (في سبيل الشعب) معدة عن مسرحية شكسبير (يوليويوس قيصر) . وكانت (فرقة جورج ابيض) المصرية التي زارت العراق عام 1921 قد قدمت (يوليويوس قيصر) ومثل فيها (حقي الشبلي) دور صبي . وفي عام 1929 قدمت مدرسة الاليانس اليهودية مسرحية (هاملت) ومثل فيها الرجال ادوار النساء . في عام 1935 قدمت (جمعية انصار التمثيل) مسرحية (يوليوس قيصر).

المصدر/ المدى

محمد سامي / مجلة الخشبة

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *