“سماء أخرى” .. مسرحية مغربية تهتم بالإنسان.. #مهرجان_المسرح_العربي12

وائل بورشاشن – عمان : قال محمد الحرّ، مخرج وكاتب مسرحي مغربي، إنّه استلهم الفكرة الرئيسية لمشروعه المسرحي “سماء أخرى”، الذي سيُعرَض خلال الدورة الثانية عشرة من مهرجان المسرح العربي، من مسرحية “يرما” للشاعر والمسرحي فريديريكو غارثيا لوركا.

وأضاف الحرّ، الثلاثاء في ندوة صحافية نُظّمَت بأحد فنادق العاصمة الأردنية عمان، أنّ مسرحية “سماء أخرى” تحاول الابتعاد عن النصّ الأصليّ للوركا لتعود إليه في النّهاية، وزاد: “أخذنا فكرة تتجاوز ما قيل سابقا حول أنّ مسرحية لوركا هاته تتعلّق فقط بمعاناة امرأة وحيدة، تريد أن تنتج شيئا جديدا هو طفل، وتنتج الحياة. وانطلاقا من هذا الأساس حاولنا أن نشتغل على مجموعة من الشّخوص لها نفس الهمّ، ونفس الصّراع، فوجدنا في النّهاية أنّنا كلّنا يرما؛ فكلّنا فنّانون يحاولون إبداع شيء، لكننا نصطدم دائما بجدران المجتمع وحدود السياسة، وحدود البرامج السياسية التي تحدّ من أحلام الفنانين”.

ويرى محمد الحرّ أنّ هذه المسرحية في عمقها الأكبر “مسرحية كونية تتحدّث عن كلّ المواطنين والنّاس الذين يعيشون أزمات فردية الآن، داخل مجتمع يوهمنا بأنّنا أصبحنا عائلة كبيرة، في حين أنّه يُعَمِّقُ الفجوة بيننا، ويعمّق شعورنا بالوحدة وبالإحباط”، مردفا: “ومن هذا المنطلق حاولنا أن نقارب هذا الموضوع الحسّاس والسّوداوي جدا”.

مقاربة هذا الموضوع، وفق المخرج، تمّت بنفَس لوركا الأصليّ، “أي بنفَس شاعريّ”، وتابع: “جاء النصّ مغربيا بلغة دارجة مغربيّة، ولغة منقّحة مبحوث فيها تحاول أن تبتعد عن الكلام اليوميّ، لنجد كلاما شاعريا مكثّفا ومختزلا”.

وفي تفاعل مع أسئلة الحاضرين حول لغة المسرحية قال الحر: “حان الوقت لنعيد التفكير في هذا التمييز بين الفصحى والدارجة أو العامّيّة التي نراها أقلّ شعريا وفكريا من الفصحى”، وزاد شارحا: “في رأيي المتواضع هناك نقاش في الموضوع، وما يجمعنا هو العامية؛ التي نفكّر بها في المغرب أوَّلا لا بالفصحى. ومشكل الدارجة أنّ وسائل الإعلام التي تناولتها من قبل جعلتها لغة للشّعب فقط، لا لغة للنّخبة؛ في حين أن دولا أوروبية في بحثها اللغوي تجاوزت هذا في الإيطالية (…) إلا في العالم العربي”.

ويرى المتحدّث أنّ المسرح المغربي “عانى التقسيم بين مسرح النّخبة ومسرح الجمهور العريض”، وأضاف: “هناك فرق شابة تريد العودة إلى مسرح يجمع جميع الناس، وفيه مستويات من الفُرجَة. وفي هذه المسرحية بحث جدّي ومسؤول، ولا نقصد منه أن تكون مسرحية نخبوية، بل أن تكون وازنة وتخاطب النّاس بلغة تحترم ذكاءهم، لنمّسهم، ونتقاسم معهم رأيا وفكرة؛ ولهذا نضطرّ للتعامل مع خلفيتهم ومعتقداتهم وتفكيرهم”.

وذكر المخرج المغربي أنّه حاول في إدارته للممثِّلين أن ينحو نحو أشكال أخرى بعيدة عن المسرح الكلامي أو المسرح المنطوق، وأن يذهب نحو البساطة وتناول الجسد والصّورة بشكل مسرحي، وحاول أن يجد بدائل لشخصيّة “يرما” في مغرب اليوم.
واسترسل المخرج موضّحا: “أوّل سؤال واجهنا هو كيف نقارب بين شخصيّتها وشخصيّة الفنّان المغربي اليوم (…) فوجدنا أن الأقرب والأسلم هو الفنّ الفوتوغرافي الذي يتراوح بين الموت والحياة؛ فالصورة الفوتوغرافية جسد بارد، ميّت، لكنّه طامح دائما، في موته وبروده، إلى أن يشغل ويفتح حيّزا من الحياة”.

وبيّن الحر أنّه وجد أن الأسلم لشخصيّة زوج “يرما” في مغرب اليوم أن يكون مهندسا معماريا، بعدما وجد تعريفا لأحد المهندسين الروس يقول فيه إنّ مهمّة المهندس المعماري ليست خلق منازل أو بيوت تسكن فيها عائلات، بل خلق فضاءات للحياة؛ ثم استدرك: “فكيف برجل مهمّته الأولى خلق فضاءات للحياة وهو يقتل الحياة داخل بيته؟”.

وأكّد مخرج “سماء أخرى” أنّه وجد من غير المُجدي في نهاية المطاف أثناء التّداريب وإعادة كتابة النصّ مرّات عديدة تبنّي موقف واحد كما يحدث في المسرح الكلاسيكي، فحاول أن يمتلئ بروح شكسبير وتشيخوف، وألا يكون في صفّ شخصية ضدّ شخصيّة أخرى؛ واسترسل شارحا: “من هنا جاء منطق الحجاج بين الشّخصيّات، وصارت عندنا أربع شخصيّات لكلّ منها منطقه وأفكاره وأحلامه الخاصّة، ودوافعه التي حاولنا البحث فيها. وفتحنا باب الحجاج الفلسفي ما بين أربع شخصيّات تلتقي كلّها في نهاية المطاف، وتعيش نفس الإحباط الذي يجعلها تسعى إلى الخروج من بلد يحدّ من حريّاتها وطموحاتها لتبحث عن فضاء حلمها داخل سماء أخرى، أو تستسلم للجنون والعزلة، والقتل والجريمة في النّهاية”.

وائل بورشاشن

(هيسبريس)

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد العاشر