ستربتيز.. مفتاحٌ تأويلي لقراءة أنفاس العرض المسرحي

اليوم بدأت حياتنا المسرحية تأخذ طابعا آخر ومنحى آخر لا يبتعد وربما لا يختلف عن فضاءاتنا اليومية، ونحن من يذهب الى المسرح كي يعثـر على الحياة بكل مفاهيم الحياة الكونية التي دائما ما تدلنا وتصيرنا على ان نكون داخل هذا المفهوم الحيا ــ  مسرحي بكل توهجاته الفكر جمالية.

وعلية لا بد من ان يكون هناك انتماء حقيقي لمنظومة الحياة ــ المسرحية بضجرها والمها وقبحها وجمالها وصورها وتكوينها كي تتسنى لنا معرفة وقراءة  منظومة العرض المسرحي بمختلف مستوياته الفكرية والجمالية والفلسفية ، وهذا يحتاج في نفس الوقت الى ان نكون مدججين بثقافة ووعي مسرحي يمكننا من قراءة وتفسير وتأويل ما يحدث امامنا من عرض مسرحي ، وبدون ذلك لا يمكن لنا ان نقرأ أو نستنطق جملة واحدة من العرض ، لذا أجدني اليوم قلقا ازاء الخطاب المسرحي الجديد … هذا الأخير الذي راح يبحث عن اصول ومفاهيم وأسس جديدة قد تبدو للمتلقي (العادي) غامضة ابتداءً من العنوان (ستربتيز) العنوان الذي يسميه “جاك دريدا” بـ (ثريا النص) الذي لم يأتِ من فراغ ، ولا يؤول الى فراغ  بقدر ما يحيلنا الى قصدية التعري كما هو في “ستربتيز” العرض المسرحي … التعري من الملابس بطريقة مثيرة للغرائز الجنسية ، وعادة ما يكون امام الجمهور ، والإثارة في ذلك تتم بتأخير خلع الملابس ، وهذا فيه من القصدية الكبيرة اذ يأخذ العنوان(ستربتيز)دلالة مفتوحة لقراءات مختلفة وربما متناهية كما يزعم (ايكو) اعتقادا منه ان العنوان يمثل جزءا حيويا من بنية النص الى جانب كونه مفتاحا تأويلياَ ، وعليه يحيلنا العنوان الستربتيزي الى الرقص حد التعري محاولا في ذلك استفزاز ذهن المتلقي الذي هيمن عليه العنوان ليكون مرتعا لذائقتنا وهي تشم رائحة التعري قبل وبعد العرض ، لكن ما شاهدناه في العرض المسرحي (ستربتيز) لم يكن بـ العُري الذي اشتهيناه بقدر ما كان عريٌ اخر بطراز اخر اكثرُ موضوعية ودلالة ،اذ نجد ما يسترو  العرض (علاء قحطان) قد بدأ عرضه المسرحي التجريبي مبكرا بعد ان لوح لنا من خلال العنوان وصورة الفولدر بجملة مهيمنات قد تبدو لنا مفتاحا لقراءة انفاس العرض المسرحي بكل ما يحمله من مفاهيم احتملت الجرأة والمغامرة والمغايرة في الطرح وهي تأخذ ستربتيز خطاباَ مسرحياَ جمالياَ جديداَ يعتمد او ينبئ عن عالم مكتظ من العلامات التي تتحول الى دوائر تدور حول بعضها مثيرا عددا غير قليل من الدلالات والتساؤلات والبنى الإيجابية معتمدا على تقنيات ومفاهيم جديدة تأخذ او ترتكز على حوارات وصور جمالية متحركة ومنتجة في نفس الوقت ـ وهذا ما جعلنا في حقيقة الأمر، وبعد انتهاء العرض المسرحي نطلق عياراتنا وأسئلتنا الثقيلة  القلقة تجاه العرض الستربتيزي الموشوم بالمغايرة والتغير ضمن جماليات وخصوصيات ليست بالنمطية بقدر ما هي متحركة بجملة حركات اضافت للعرض  وعياَ وجمالاَ  محسوبا ومبرمجا ضمن سيناريو العرض( الحركي/الصوري) الذي  بدأ يفلسف الأشياء بوعي مرتسم يعطي لكل حركه خصوصية منسجمة لشخصيتها، واحيانا يحيلنا هذا الوعي بحراكه المتلون الى خطوط مستقيمة( متقاطعة) في بعض الأحيان بحركة مستقيمة بطيئة كما هو واضح في حركة الأب “احمد شرجي” الممثل الباحث  الذي عرف كيف يتعامل مع هذه الشخصية على الرغم من ايقاعها البطيء المقصود الذي دائما ما يبحث عن معنى وجمال وحقيقة الحياة إزاء التصحر المخيف الذي راح يعري واقعنا بجملة حركات تبدأ من حركة رفع الجوازات والتلويح بها ، وتنتهي بحركة رقص فتاة العري حول بورية القضيب المنتصب هذا المصطلح (البوري) الشائع الذي دل على ضخامة ما نعانيه من فساد واكاذيب ونصب واحتيال وخديعة مثلت امامنا بمجموعة حركات متمثلة بحركة الانشقاق والصراع بين الأب والأبناء ـ وبين الأبناء ذاتهم وصولا الى حركة فقء العين (الرؤية بعين واحدة) ، والقضبان المنتصبة بذاكرة ايرو ــ ستربتيزية  مستفحلة بمفاهيم اعطت بعدا وجمالا آخر يضاف الى جماليات العرض (الحركة) وعلاقته بالعري واللون الأحمر … هذا الأخير المتوهج بجمال رمزي مشفر بزي الممثل الأحمر الذي يبدأ من الجاروب ،والحذاء ، والبنطلون، والتيشيرت ، وصولا الى ثوب الفتاة الأحمر ، وهذا الاستيقاظ الجمالي اللوني (الأحمر) وما يبثه  لنا من علاقة في زي الممثل يعطي صورة واضحة على ان الجريمة واقعة إنسانية ، ولولا ذلك لما جيء بهذا الزي واللون الذي اثار جدلاَ وتساؤلاَ منحنا في نفس الوقت ان نحاكي ونجالس ونرى العرض المسرحي لا بعين واحدة ، وانما بذائقة وعدسة عينية  استفزت من عنوان العرض حتى نهايته ، ولا أخفي جماليات(علي السوداني) السينوغرافية الماتعة التي اعطت هذه المرة وعياَ جديداَ مغايراَ لكل سينوغرافياته القديمة . وجدته حالما رومانسياَ يكتب الشعر ، واللون ، والضوء ،والموسيقى .

—————————————————————-

المصدر :مجلة الفنون المسرحية – خالد ايما –  المدى

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *