«رهين» الإنسان خلق ليكون حرا.. «سماء بيضاء» الجمهور شريك بالرحلة .. «الصبخة» يختزل دور سلطة الأب

عمان- حسام عطية
شهد رواد المسرح العربي في دورته الـ «12» والتي تقام حاليا في عمان من خلال ثلاثة مسارح هي المركز الثقافي الملكي، مركز الحسين الثقافي / رأس العين، مسرح الشمس/ العبدلي، مجموعة عروض مسرحية نالت اعجاب الحضور، فيما يعد مهرجان المسرح العربي الذي تأسس بالإمارات في 2009 من طرف الهيئة العربية للمسرح، أحد أهم مهرجانات الفن الرابع ببلدان العربية حيث يمنح منذ 2011 «جائزة القاسمي» لأحسن عرض مسرحي.
رهين»
وعرضت على مسرح الحسين الثقافي العرض المسرحي الجزائري «رهين» للمخرج شوقي بوزيد و تأليف محمد بويش وإنتاج المسرح الجهوي لباتنة، العمل يجسد لفكرة سياسية فلسفية تعبر عن وجهة نظر الفنان في راهنه السياسي بلغة عربية قوية تقترب من الشعر ورهين مسرحية لفافة وطن تجلي لصرخة الشعوب حين تسجن الحرية في لفافة تبغ معدة للاحتراق.. انه الصراع من أجل التواجد خارج قبو القهر والسير فوق خرائط الحرية المكتسبة للإنسان.. في المقاومة خارج الفرض وإنزال القيد فوق معصم لا يحتمل ، تكون صرخة رهين ليعيد الصدى معنى الإنسان الذي خلق ليكون حرا، و تفاعل الحضور الذين غصت بهم القاعة رغم الأجواء الباردة والأمطار مع شخصيات العرض المسرحي «رهين» الذي حاكى في مضمونه الواقع الذي تعيشه الجزائر منذ شهور من خلال تسليطه الضوء على حراك الشارع، وحملت المسرحية التي كتب نصها محمد بويش وأخرجها لمسرح باتنة الجهوي شوقي بوزيد الكثير من الرمزية التي عبرت عن حب الوطن والتمسك بالحرية رغم كل المحن، و لمس الحضور من خلال المشاهد المسرحية وتعاقب الشخصيات على الركح الأولوية التي أولاها المخرج للصورة والتعبير الجسدي على حساب الكلمة وهو ما أبرز أداء ومهارة الممثلين، ويعد العمل المسرحي «رهين» ثالث إنتاج للمسرح الجهوي لباتنة خلال سنة 2019 بعد مسرحيتي «وسخ كوم» للكبار و «أوهام الغابة» للصغار .
«سماء بيضاء»
وشهد الحضور العرض المسرحي التونسي «سماء بيضاء» من تأليف وإخراج وليد دغسني، وتمثيل منير العياري وأماني بلعاج، لفرقة (كلاندستينو)، وذلك ضمن العروض التي تنافس على جائزة الشيخ د.سلطان القاسمي لأفضل عرض مسرحي لعام 2019، وفي مستهل المسرحية تخاطب الممثلة الجمهور، مؤكدة له أنه شريك لها في هذه (الرحلة)، في سبيل الوصول إلى تلك الأوراق التي تحتوي (السر والحكاية والنهاية)، غير مبالية بمصيرها تالياً، إذ تقول للجمهور: «وإذا انتهينا أحرقها وأحرقني..»، في إشارة إلى ضرورة الوصول إلى أقصى الحدود في تلك (الرحلة)، التي جسدت معادلا موضوعياً للحياة ذاتها.
وتستحضر المسرحية تاليا مجموعة من الأساطير العالمية، قبل أن ينتهي الأمر بالرجل مسجى على المذبح الحجري، ليكون قرباناً للمرأة، مؤكداً أنه «فداءً للورود» لا بأس إن صار «عطراً لها»، وهنا يدرك أنه لم ينكسر كما انكسر اليوم، ولم ينتصر كما انتصر اليوم، فالتي كانت بعيدة أصبحت «بشارة»، و»خلاصاً للجسد وهديلا للروح»، وعلى الرغم من أن المسرحية قدمت بلغة فصيحة، وجزلة، ومتحركة في فضاءات أسطورية عالمية، غير أنها كانت قريبة من المتلقي، بحكم اقترابها من الموروث الإنساني، الأمر الذي ساعد في إيصال فكرة العمل الرئيسة للجمهور.
أداء الممثلين حمل العمل بكفاءة، بين التعبير بلغة الجسد تارة، وبين التماهي مع الكلمة المنطوقة تارة أخرى، ما يعكس تجانساً متبادلا بينهما.
وعلى غرار لغة العرض جاءت الموسيقى المصاحبة له، قلقة وحالمة مرّة، وصاخبة تارة أخرى، مجسدة القلق الداخلي لكلا الممثلين، الفرقة نفسها كانت تأسست عام 2011، وقدمت مجموعة من العروض، منها: «انفلات»، و»التفات»، و»الماكينة»، و»ثورة دونكيشوت»، و»شياطين أخرى»، الأمر الذي انعكس على انسجام فريق العرض من جهة الأداء.
«الصبخة»
وشاهد الحضور العرض المسرحي الكويتي « الصبحة» الذي يجسد إطلاق سراح الحب، من خلف القضبان ومحاولة فك بعض من شفرات الالم والحزن، وتجاوز سلطوية الاب وتوارث عقلية المجتمعات الذكورية وإزدواجية التعامل والنظرة الدونية للمرأة، كما يجسد عرض (الصبخة) لفرقة مسرح الخليج العربي الكويتية المجتمع الذكوري بتعقيداته والمعاناة التي يخلفها على شكل علاقات اجتماعية مشوهة لا أحد يريد الاعتراف بها وتتناقلها الأجيال من خلال مأساة رب اسرة (فهد) يحمل وزر قتل شقيقته ودفنها بالتآمر مع والده دفاعا عن الشرف.
وختزل العمل المسرحي الكويتي (الصبخة) الدور الاجتماعي لسلطة الابوة التي تنتج شخوصا مشوهة وبالتالي علاقات اجتماعية مشوهة، وعندما يصبح (فهد) رب اسرة يعيش مأساة بيته الفكرية المشوهة باحكام الضغط على ابنه وابنته وعزلهما وتقييد حريتهما ليدفع الثمن غاليا بأن ينال ابنه المضطرب نفسيا من شقيقته.
وتميز العرض بحدة اللون (الأسود) والاضاءة وجودة اخراج النص فنال استحسان الجمهور الذي صفق طويلا لفريق العمل.
واختار مؤلف ومخرج العمل عبدالله العابر اسم المسرحية (الصبخة) من اللهجة العامية الكويتية وهي الارض التي تبخر عنها ماء البحر وبقي عليها الملح ولا نبت فيها للدلالة على الواقع المر الخالي من الحياة الذي يعيشه شخوص المسرحية، فيما تشارك الكويت ايضا في هذا المهرجان بالعمل المسرحي (على قيد الحياة) لمؤلفه تغريد الداوود واخراج يوسف البغلي.

(الدستور)

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …