رفيق علي أحمد… «حكواتي» منعزل ووحيد

الطقس ماطر، الطريق للوصول إلى المكان المقصود تملؤه المطبات والحفر. فنانون، ممثلون، إعلاميون، مثقفون ومهتمون، وصلوا إلى البيال في الموعد المحدّد. إلّا أنه لم يصل. يتحادثون، يلتقطون الصوَر ويتهامسون «هل من الممكن ألّا يأتي»؟! يصل ويدخل مع جميع الموجودين إلى قاعة المحاضرات لتمتلئ حنيناً وفرحاً ورقيّاً.

في إطار نشاطات معرض بيروت العربي الدولي للكتاب الـ59، نظّم النادي الثقافي العربي لقاء تكريمياً للفنان رفيق علي أحمد، شارك فيه الممثلة رولا حمادة، والناقد والشاعر عبده وازن، والشاعر والمسرحي غدي الرحباني، وأداره الشاعر والاعلامي زاهي وهبي، في حضور حشد من أهل الفن والثقافة والمهتمين.

رحلة حياة

افتُتح حفل التكريم بعرض شريط مصوّر يختصر مسيرة رفيق علي أحمد المهنية. الشاب «الجنوبي» الذي نزح إلى بيروت لينطلق منها، ويعيش فيها، فتسكن فيه. أعمال مسرحية وتلفزيونية كثيرة وكبيرة من ناحية تنوّعها وتميّزها وتفرّدها. يبرز بنرجسية واثقة على المسرح منفرداً مزهوّاً، حاملاً هموم الناس على أكتاف أعماله، وناقلاً أضداد الحياة وفلسفتها المجنونة من خلال عينيه.

مع المخرج يعقوب الشدراوي إلى المخرج روجيه عساف، من فرقة الحكواتي إلى مسرحيتي «جبران» و«القاعدة» و«ميخائيل نعيمة»، مروراً بحكايا «36» و«أيام الخيام»… وصولاً إلى مسرح منصور الرحباني وليس انتهاءً بمسرحه الخاص الفردي وتميّزه المتطرّف الهستيري في المونودراما. لعب رفيق علي أحمد أدواراً مسرحية عدة، كما لعب المسرح أدواراً مفصلية في حياته. على شاشة التلفزيون أطلّ أيضاً متميزاً، فارضاً حضوره بقوة متكلماً أو صامتاً.

الوجه الآخر

افتتح زاهي وهبي الكلام معتبراً أنّ «اليوم تكرّم بيروت واحداً من أبنائها المتميزين، وكأني بها قد قرأت جيداً مطور قلبه، هو الذي رفعها على خشبة العرض بأعمدة من عرق وقلق وعشق لا يضاهى…».

أما غدي الرحباني فقال إنه لا يريد إظهار وجه رفيق علي أحمد الجميل، كما يحصل عادة في التكريمات، فتُغدق على مسامع المُكرّم محاسن الكلام والصفات. فضّلَ الرحباني التكلم عن وجه «رفيق» الآخر، مختصراً سيئاته بعشر صفات.

يصل في الموعد المحدد إلى التدريبات ولوحده من دون مرافقة أو «ضجة»، فحضوره بحد ذاته «ضجة». عاش في بيروت لكنه بقي جنوبي الهوا والهوى. لم يُسمّ نفسه فناناً بل الناس أسمته. لا يحب الظهور والجلوس في الصفوف الأمامية. اسمه يعبر عنه من دون ألقاب وتسميات رنّانة فهو المصدر والنبع.

بقي كما هو لم يغيّر في شكله بل ترك السنين ترسم التجاعيد على جبينه التي هي خلود الطبيعة بحد ذاتها… لم يتعاط الادمان الغنائي. متواضع ولم يسكر بالمجد، يستقبل الناس ويجيب على الهاتف من دون مواعيد ولا يعاونه مدير أعمال أو «سكرتيرة». وختم الرحباني كلمته متوجهاً إلى رفيق علي أحمد «أنت نَحتت فنّك بإزميلك».

حالة بحدّ ذاته

بدوره، قال عبده وازن إنّ رفيق علي أحمد «عرف كيف يستوعب المناهج التي درسها في المعهد ليفرّق بينها وبين الواقع الفني الذي يجسده، لكنه في كل ما تعلم سيبقى الممثل القدير بالفطرة والموهبة. انه الممثل الذي يمثل، يلعب، يتصرف، ويرتجل، فيبدو أنه من الصعب ترويضه. انه الممثل بصوته وجسده وبأساليبه المتعددة. إنه حالة بحد ذاته».

أما رلى حمادة فتطرقت في كلمتها إلى علاقتها برفيق علي أحمد وتعرّفها إليه كمشاهدة أولاً ومن ثم كممثلة، وقالت: «اكتشفتُ الوجه الآخر لرفيق علي أحمد، الوجه المسؤول عن الممثل بداخله، الذي في كثير من الأوقات يلعب دوراً ضد رفيق الممثل لأنه لا يعرف المجاملة ويفضّل أن يخسر دوراً على أن يخسر كلمته الحرة».

وختمت بالقول: «في المسرح يكون نفسه، يدخل إلى صومعته الخاصة ويتكلّم عن وجعه الذي هو وجع الناس… يتعبه المسرح لأنه يعطيه كل روحه… يأخدنا في مشاوير على طرقاتنا الضيقة والمُعتمة التي تكشفنا وتعرّينا…».

«الحكواتي» يقبل التكريم

وفي الختام، قدّم رئيس النادي الثقافي العربي سميح البابا درعاً تكريمياً الى الممثل رفيق علي أحمد، بعد أن تكلّم الأخير قليلاً. كلامه بسيط لدرجة فلسفية، حين يتكلم عن سائق التاكسي أو عن رفضه تكريمات أخرى أو حين يسرد حكايا من قصص «حكواتي» عتيق أصيل.

متواضع بزهو. لهجته قرويّة محببة تتمايل على سلّم ثقافي عميق. هو الغارق في باطن الثقافة الحقيقية في «مقهى» في الحمرا أو أخرى في الروشة. المنعزل الوحيد دائماً. يقول رفيق علي أحمد: «المكان الوحيد الذي لا أشعر فيه بأني وحيد هو خشبة المسرح».

راكيل عتيِّق

http://beirutpress.net/

شاهد أيضاً

النشرة اليومية لمهرجان المسرح العربي الدورة 14 – بغداد – العدد الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *