رسائل وأطاريح الدراسات العليا في المسرح ومدى فائدتها

27

 

منذ أن افتتحت دراسات عليا للماجستير وللدكتوراه في قسم الفنون المسرحية بكلية الفنون الجميلة جامعة بغداد قبل اكثر من عشرين سنة ، أنجزت مئات من الرسائل والاطاريح لنيل شهادتي الماجستير والدكتوراه . ولكن الى اليوم لم نشهد من تلك الدراسات ما دخل حيز التطبيق في حقل الفن المسرحي بغية تطوير ما يلزم تطويره او تحسين ما يقتضي تحسينه فقد رُصفت جميعها على رفوف المكتبات فقط.نعرف ان الجامعات في انحاء العالم تهتم بالبحث العلمي وتخصص له ميزانيات مالية كافية وذلك من اجل الاستفادة من نتائجه وتطبيقها في الميدان العملي . ولكن الذي حدث في جامعاتنا ان الباحثين المسرحيين اهتموا فقط بالجوانب النظرية وعندما يحتج المراقب بان النظريات وحدها لا تكفي اذا لم تكن صالحة للتطبيق العملي يجيب الباحثون : اننا في بحوثنا التي انجزناها اضافات للنواحي العلمية. ولو دققت في الأطر النظرية لبحوثهم لوجدت ان اكثرها، إن لم تكن جميعها مقتبسة عن مصادر ومراجع لغيرهم وكل ما يفعلونه هو الاستنساخ والتكرار والاقتباس الفج. ولا ادري متى تنتبه ادارات اقسام الفنون المسرحية في جامعاتنا الى ذلك النقص الهائل والى ذلك التكرار الممل والى السفسطة البائسة؟وما يثير الأسى في هذا المجال ان جميع البحوث التي انجزت في مجال الفن المسرحي قد ارتبطت موضوعاتها في المسرح العراقي . ونظراً لكثرة اعداد الدارسين للماجستير والدكتوراه فقد استنفدت معظم الموضوعات الخاصة بمسرحنا واصبح التكرار هو الصفة الغالبة.اطلعت قبل أيام على بحث اعدته احدى طالبات الدراسات العليا يخص معالجة الاطفال المصابين بمرض التوحد عن طريق الاداء التمثيلي وكانت تقصد في الحقيقة عن طريق المحاكاة. وللعلم فان الاداء التمثيلي غير المحاكاة رغم ان المحاكاة جزء من اجزاء الاداء التمثيلي وهذا يقتضي ان يستند مثل هذا الاداء على المشهد الدرامي – الصراع بين شخصين: ( البروتاغونست) و(الانتاغونست) . مع هذا فقد فرحت بتصدي الباحثة لموضوعة نادرة بل ومفيدة جداً خاصة وقد خرجت بنتائج ايجابية حيث تمت معالجة عدد من الاطفال المرضى ، وقلت في نفسي اهكذا استسهلت الباحثة الأمر؟ واما كان المفروض بها ان تطلب مشرفاً علمياً مختصاً بالامراض النفسية لدى الاطفال، ولو صح ما فعلت وقامت بتطبيق نتائج بحثها على جميع الاطفال المصابين بمرض التوحد في العراق بل في العالم اجمع لما بقي طفل واحد مصاب بهذا المرض. لا تعتقدوا انني اسخر ولكني اقول كان يمكن ان يكون ذلك البحث مفيداً وسيستحق كل ثناء وتقدير لو كان قد تم تقييمه من قبل خبراء مختصين بالامراض النفسية واخرين مختصين بعلم الاجتماع واخرين مختصين بعلم البيئة. نعم عراقنا ومسرحنا يحتاجان الى بحوث علمية مفيدة او مبتكرة او اصلية ولكن بشرط أن لا يكون الاستسهال هو الفعل الطاغي.وبهذه المناسبة – مناسبة البحث العلمي في الفنون المسرحية فقد اعتادت الاقسام المختصة ان تتقبل بحوثاً في مجالات يغلب عليها الطابع المهني او الحرفي مثل (التمثيل والاخراج والمناظر والازياء والماكياج والاضاءة والمؤثرات الصوتية) وكلها تعتمد على الجانب العملي اكثر من الجانب النظري ويتساءل البعض هل لك اعتراض ؟اجيب بـ(نعم) فان اعتراضي على مثل تلك البحوث يتوجه نحو خلوها مما يغير عملياً في الميدان. وان مثل تلك التخصصات لا تحتاج الى دراسة فلسفية فقط لأن الفلسفة والنظريات لا تطور المختص فيها ولا تحسن ممارسته لها ولا مهارته فيها.ولذلك لا اعتقد ان جامعة في العالم تمنح شهادات دكتوراه في تلك الاختصاصات المهنية. الجامعات الامريكية وجدت حلاً لهذه الاشكالية فبدلاً من منح شهادة الدكتوراه وضعت تعليمات لمنح المتخرجين في تلك الاختصاصات الحرفية اعلى شهادة في الاختصاص سميت (ماجستير فنون جميلة) وهي معادلة لدرجة الدكتوراه ولكن بشرط لمن يحصل عليها ان يقدم مشروعاً تطبيقياً ويرفقه ببحث مصغر تتم مناقشته من قبل لجنة مختصة من اعضاء الهيئة التدريسية . هل سمعتم او عرفتم فناناً مختصاً بالماكياج يحمل شهادة الدكتوراه؟ او فناناً مختصاً بالاضاءة المسرحية يحمل شهادة الدكتوراه؟ او آخر مختصاً بتصميم المناظر يحمل مثل تلك الشهادة؟ لو دليتموني عليه فسأسحب اعتراضي واعترف بخطئي. الفنان المبدع في تلك الاختصاصات الحرفية لا يحتاج الى شهادة علمية عالية لأن موهبته وبراعته وابداعاته وتقييم المجتمع لأعماله هي الشهادة.

سامي عبد الحميد

 

http://www.almadapaper.net/

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *