راهب المسرح والاب الروحي بهنام ميخائيل – العراق

الى الشمعة التي احترقت من اجل ان تنير لنا طريق الايمان الحقيقي بالخشبة المقدسة 

                                       بهنام ميخائيل

حينما تصادفه ولاول وهلة , لا تصدق بان هذا الانسان هو من الذين يهتمون بالفن ويعشقون مذاهبه العالمية , ولا سيما المذهب الواقعي , هذه المدرسة التي انغمس بها حتى اذنيه وبكل تفاصيلها , انه انسان بسيط بهيئته , وقيافته فيها شيئا من البساطة والاعتدال ,قصير القامة, اصلع الراس انما على جانبي راسه شعر يمتزج سواده مع بياضه , جبينه تستدل منه عن وجود خفايا واسرار ومشاريع وامنيات , انما لا يسستطيع تحقيقها لكونه غريب الاطوار , ويختلف بنظرته الى هذا المجتمع عن عاداته وتقاليده وافكاره , وحتى ارائه ونظرته للواقع الذي يعيشه من عادات وتقاليد بالية لا يعترف بها , انما هو متواضع ويجمع مابين الخجل والشجاعة الادبية مستمدا اياها من ايمانه العميق بما يفكر ويفعل .

انا سمعت عنه في باحة معهد الفنون الجميلة في الكسرة , الصغير والكبير كان يتكلم عنه وعن خوفهم منه وعن جدية العلاقة مابينه ومابين الطلبه , ودقة تعامله معهم , وهذا لم يعجب البعض من الطلبة الذين اخذوا يصبون له العداء , ويخططون للاعتداء عليه , وهذا ماحصل , بعد ان اتفق اثنين او ثلاثة من الطلبة المشاكسين , حينما حاولوا الاعتداء عليه وضربه على راسه مما ادى هذا الاعتداء بنزيف دماء في راسه  , الا ان هذا الاعتداء لم يثنيه عن تغيير مبادئه التربوية والاخلاقية , بقدر ماحاول مجابهتهم بالابتسامة اللطيفة والمسامحة الكريمة  , كان نتيجة ذالك ندمهم  واعتذارهم منه عما بدر منهم بحقه في الوقت الذي لم يكن في علمهم ان تشدده ماكان يصبو الا من اجل فائدتهم وتثقيفهم على المفاهيم والاخلاق الفنية المسرحية  الصحيحة, والتي اعترفوا بها فيما بعد تخرجهم واستذكارهم لهذا الاعتداء ومسحة الندم والالم ظاهرة على حال لسانهم , وهم يتكلمون عن سوء معاملتهم ومشاكستهم لهذا المربي الجليل , حينما اتفقوا ثلاثتهم على الاعتداء عليه .

هذا هو بهنام ميخائيل ؟؟؟

المربي الفاضل وراعي المواهب الفطرية وصقلها بعد قبولهم طلبة في الصفوف الاولى في معهد الفنون الجميلة , لم يكن يبخل مما عنده من ثقافة وخبرة وتجربة , كان يمنحهم معظم اوقاته, ولا سيما بعد انصرافهم الى بيوتهم او الى اقسامهم الداخلية , ومن ثم عودتهم الى المعهد لتكملة التمارين على المشاهد الصفية , يفاجئهم بوجوده منتظرا اياهم , بعد ان استغنى عن وجبة الغداء حرصا منه على ان لا يتاخر عليهم , وكان من طبيعته ان يبحث في حدائق المعهد عما يثير فضوله وهو يراقب من زاوية عينيه تحركات الطلبه , لياخذ عنهم صورة عن حقيقة مصداقيتهم في التمارين العملية  على المشاهد الصفية , او بالاحرى كان يعمل كالبوليس السري في تسجيل ملاحظاته عن كل طالب , ليجابههم بحقيقة واقع حالهم , مطبقا المثل والذي كان دائما يردده ( من لسانكم ادينكم ) .

هذا هو بهنام ميخائيل ؟؟؟

واتذكر في اليوم الاول للمقابلة , ولشدة مادفعني الفضول للتعرف عليه , و خوفي مما سمعت عنه زاد هلعي وقلقي على اني ساواجه عقبة صعبة في طريق تحقيق احلامي وقبولي في المعهد , واكاد لم اصدق حينما اشاروا عليه وقالوا لي , هو ذا بهنام ميخائيل , فهرعت اليه واقدامي تتسابق الواحدة بعد الاخرى بغية الوصول اليه , عندها احسست انني امام عملاق ينظر اليا من زاوية عينيه, وبالحقيقة انه  كان يرغب ان يتجاهلني , الا انني جعلته امام الامرالواقع بوقوفي امامه , ونظر اليا وقال لي , ( ها جوزيف شلونك ؟ ) ولاشد ما اثار استغرابي هو معرفته باسمي , في الوقت الذي لم اذكر انني التقيته او عرفته باسمي  !!!!!! الا انني علمت بعد ذالك بانه كان قد اطلع على اضابير الطلبة الجدد , ومنها حفظ اسمي ,فاذهلني بهذه المفاجئة , وتلعثمت قليلا , , وطارت الافكار من راسي , وجميع الجمل والكلام اللبق والذي كنت قد هيئته له من اجل ان ابرهن عن ثقافة اسلوبي في الحديث , وعن خلفيتي الثقافية , الا انني انشغلت بالبحث عن الجملة التي تليق بي وانا امام هذا العملاق وبالرغم من انه  قصير القامه , الا انه بادرني بقوله وهو لا ينظر الى عينايا وهذه عادته وقال لي : كيف حالك واستعدادك للمقابله ؟ فاجبته بثقة عالية , نحن لها يااستاذ , وانا من خلال المجاملة الفارغة سالته وقلت له : استاذ العفو , ماهي اسئلتك التي ستواجهنا بها عند المقابله ؟ فابتسم بلطف وقال : اسئلة عادية , مثلا عن ثقافتك وتجربتك وخبرتك , فقاطعته بسؤال اخر , الا انه انزعج مني وقال : تعلموا فنون الكلام والحديث , ان تبقى منصتا لي ومن دون مقاطعتي الا بعد الانتهاء من الحديث , عندها ساسمح لك بالسؤال , وعندها لم اكن اعلم ماافعل من شدة اسفي وندمي على مقاطعته وعلى هذا الموقف والذي لا احسد عليه , انما تعلمت من بهنام ميخائيل في هذه الحظة الحرجة الدرس الاول .

ان لكل انسان تجاربه الحياتية , والصدمات الغير المتوقعة لحياته من ابناء جلدته , اضافة الى هذا الاكتساب الثقافي نتيجة البحوث والدراسات المطلع عليها , تضيف له اكتمال ماكان ينقصه ضمن مرحلة يعبر فيها عن نضوج رشده ولا سيما التجارب الحياتية والخاصة به , والمستمد احداثها من واقع مجتمعه ,مما تدفعه على التغيير لهذا الواقع , وتقديم الافضل مما عنده من الاراء والتجارب والتي هي السبب في تالقه في الحياة , ونجاح مسيرته وفق مااملته عليه هذه التجارب , صحيح انه تاثر في سلوكيته ونظام حياته بوالده السيد ميخائيل , والذي كان عسكريا متشددا بنظام حياته , وهذا ماكان يسري على افراد عائلته ومنهم ولده بهنام , والذي ترعرع على هذه الاجواء واثرت في نظامه الحياتي , وحتى على حياته الزوجية , والتي كان مثار خلاف لهذا , كان بهنام ميخائيل انسانا صارما ومتشددا وغير مساوما على مبادئه والتي يؤمن بها اشد الايمان , ليطبقها على ابنائه الطلبة في حياتهم الدراسية في المسرح , بكل حرص وبادق الملاحظات , مما ساعد من خلالها ومنهجيته المؤمن بها على تنمية وصقل مواهبهم , ولهذا كان مهتما في تعويد طلبته على تقوية حالة الاسترخاء والتركيز , لانه مؤمن اشد الايمان بان الاسترخاء يجب على الممثل ان يكون في حالة الاسترخاء وهو في الحلقة الوسطى ماخلف الكواليس , وفي الحلقة الصغرى امام الجمهور, ليتسنى له تادية الحركة بانسيابية وفيها شيئا من الجمال , وبعيدة عن التشنج والذي كنا نسميه ( متخشب ) اما  قوة التركيز عند الطالب ستساعده على التركيزوالتوقيت  على الاضاءة والموسيقى وعلى الحركة في ان واحد , وعلى خلق العلاقة مابينه ومابين الممثل الاخر , اضافة الى ان قوة التركيز ستساعده على الحفاظ على علاقة الممثل بالسينوغرافيه المسرحية وهو على المسرح اثناء العرض المسرحي  , وعلى ذكر التركيز , اذكر ان الاستاذ بهنام ميخائيل كان يدربنا على بعض التمارين والتي تنمي وتقوي التركيز عند الطالب , كأن يضع اقلاما ومساحات واشياء مختلفة اخرى وعديدة ومختلفة الاشكال , ومن ثم يطلب منا بعد ان يحجبها عن  اعيننا ذكرها وبالتفصيل , او يفاجئك بالسؤال  عن عدد الاقلام المرسومة على قميصك ومن دون الالتفات اليها فان كانت اجابة الطالب فيها شيئا من الصحة فيعني هذا ان قوة تركيزه جيد جدا وهذه اشارة حسنة عند الاستاذ بهنام ميخائيل , ونحن الطلبة قد تعودنا على مثل هذه الاستفزازات والاسئلة الغريبة , والتيكان  يتعامل بها مع الطلبة الجدد في المقابلة الاولى , انه الاستاذ الوحيد الذي كان بنفرد بمثل هذا الاسلوب الاختباري , ولربما قد يعود هذا الى تجاربه الخاصة او الى ثقافته الاستانسلافسكية , او الى تربيته الفنية والطرق التربوية التعليمية والتي استفاد منها من دراسته الجامعية في معهد كودفان ذيتر في شيكاغو , والمتخصص في الفنون المسرحية ( الاخراج والتمثيل والدراسات النظرية والعملية ) والتي انفرد بها عن بقية زملائه من الاساتذة , ولشدة ماكان تاثير تربيته الفنية والدراسية في المسرح على طلبة الصفوف المبتدئة في المعهد , وتهيئتهم كادرا فنيا ذوي مهارة وحرفية في التمثيل استفاد منهم كبار الاساتذة من المخرجين في اعمالهم وعروضهم المسرحية جعلتهم يتذمرون اشد التذمر حينما علموا بنقل الاستاذ بهنام ميخائيل من التدريس في المعهد الى التدريس في الاكاديمية , وقد صرح بذالك وعلى مسامعنا الاستاذ ابراهيم جلال رحمه الله حينما قال :لقد خسرنا الكونترول وصانع النجوم بهنام ميخائيل , لانني اشبهه بذالك الفلاح الذي يزرع بذرة ويراعي شتلاتها ويعتني بها ويصقلها , الى ان تاخذ مجالها في العطاء , لاننا كنا نستلم من بهنام ميخائيل ممثلين متكاملين الحرفية ونجوما في التمثيل متكاملين المواصفات والمواهب المصقولة والمثقفة , انما الان خسرنا بهنام ميخائيل وخسرنا ترفيد نجوم جدد .

ويكفينا ان نعلم بان العديد من المواهب الاكاديمية من الاساتذة الكبار من حملة الشهادات للدراسات العليا قد تخرجوا على يديه , ومازالوا يذكرونه ويذكرون جهوده المخلصة ويصرحون بهذا في محافل اجتماعية ومؤتمرات فنية بان للاستاذ بهنام ميخائيل له الفضل في وصولهم الى هذا المستوى الاكاديمي والمركز المرموق . 

كان بهنام ميخائيل يصب جهده من اجل صقل المواهب ويعطيها من تجربته وثقافته , ويتابع الصغير والكبير ويخلص في ارشادهم وتوجيههم , وبالرغم من مكافئتهم له بشتى وسائل النقد والعداء , الا انهم بعد حصولهم على الشهادات العليا , يستذكرونه بالحسافة والندم على مابدر منهم بحقه , ويترحمون عليه , معترفين بانه كان المربي الفاضل والاب الروحي , ولولاه لما وصلوا الى هذا الحال من الرقي والثقافة التي كان اساسها المنهاج التربوي والاخلاقي في مسيرة الفن والفنانين التي ارساها الاستاذ المرحوم واصبحت تذكر على السنة المثقفين من الاكاديميين المسرحيين , وهم يؤكدون وفي عدة محافل فنية او لقاءات اذاعية او تلفزيونية او ريبورتاجات صحفية , بان التاريخ الفني والمسرحي بالذات , سوف لن ينجب استاذا مثل بهنام ميخائيل , ولا مثل نجوميته في تدريس الطلبة وتربيتهم التربية الاخلاقية الفنية في عالم المسرح العراقي , وان كان صارما بعض الشيىء في اسلوبه وعلاقته مع الطلبة , انما كان هذا يصب في صقل المواهب وتعويدهم على الاسلوب الصحيح والقاعدة الاساسية لاعدادهم اعدادا حرفيا في الاعتماد على انفسهم في تحليل الشخصيات وايجاد ابعادها وتسخيرها على خشبة المسرح المقدسه , وهذه هي ايقونة بهنام ميخائيل والتي كان يرسمها باسلوب تعليمي وعلمي من اجل تطوير وصقل المواهب الفطرية , وتعويدهم على ظرورة احترام العلاقات مابين الفنانين ومابين ما يحيطهم من الانسان والحيوان والجماد , لا تستغربوا من هذا انها الحقيقة التي كان يؤمن بها بهنام ميخائيل من خلال تقديس واحترام كل الكائنات الحية , ان كان حيوان او انسان او نبات اضافة الى جميع مكونات الحياة والتي لها علاقة مع حياة الانسان  .

لا تستغربوا اعزائي من ظاهرة بهنام ميخائيل , وسلوكيته في الحياة اليومية , وايمانه المطلق بمبادئه التي يؤمن بها , ففي احدى المحاضرات وهو يوصي بنقاوة الفنان وسلوكيته الايمانية باتجاه علاقاته الانسانية , وبافكاره التي يطرحها من على خشبة المسرح , حينما كان يؤكد على مسامعنا واكثر من مرة ,( بانه يجب على الممثل ان ينظف اذانه , ولسانه , وقلبه , واقدامه , ونواياه , قبل صعوده على خشبة المسرح , وان يؤمن كل الايمان بما يطرحه على مسامع الجمهور في العرض المسرحي , فلو انه كان لا يؤمن يما يطرحه على مسامع المتلقين , فكيف يطلب من جمهوره الايمان بما يطرحه هو ؟) , ومرة طلب منا الاعتذار من الحمار لكوننا نقسوا عليه بتعاملنا معه , ونطلب منه الاعتذار بقولنا ( اخي سامحنا ) لا تتعجبوا من هذا , لانه بعد ذالك شرح لنا اسباب هذه العلاقة التي يتعامل بها الممثل مع الحيوانات , لانه يجب على الممثل التاقلم مع الحيوانات والتعرف على غرائزها وتقريبها الى الشخصيات والمراد منها تجسيدها , مثال على ذالك , شخصية شايلوك في مسرحية تاجر البندقية , فان غريزته الحيوانية هي الثعلبية التي يجب ان يجسدها الممثل  في تمثيل هذه الشخصية  , وفي مسرحية عطيل , يجب على الممثل الذي يجسد شخصية عطيل ان تتجسد فيه معالم غريزة الثور الاحمق , وغريزة الثعلبية الماكره عند ياكو , هذا هو الغرض من هدف بهنام ميخائيل  .

ومرة طلب من احد زملائنا الطلبة حينما جاء لياخذ محله على  احدى الكراسي , سحبها بقوة بحيث سمعنا صوت سحبها من خلال احتكاك ارجلها بالارض فالتفت الاستاذ بهنام ميخائيل الى مصدر الصوت والقى نظرة اشمئزاز وعتاب على الطالب , وبعدها بادره بالقول :لماذا اعتديت على هذا الكرسي ياولدي الحبيب ؟ , لماذا لم تعامل هذا الكرسي بلطف واحسان وسحبه باعتناء وتاني وبرفق ؟ الم تسمع استغاثة هذا الكرسي ؟ , لانه تالم , فارجوك ان تطلب الاستئذان في بادىء الامر, و من ثم اطلب منه السماح بالجلوس عليه , طبعا وبعد موافقته , عندذاك يمكنك ان تجلس عليه , اثار ت هذه الملاحظات استغرابنا وتساؤلاتنا , وبالفعل اتم ماراد للاستاذ بهنام ميخائيل , ومن ثم اعقبها بتعليق عما حدث موضحا الاسباب التي تستوجب على الممثل الاعتذار من الكرسي , لانه يعتقد بان الفنان الحقيقي يجب ان يملك رقة الاحساس بتعامله مع من حوله , وحتى ان كان ذالك جمادا او حيوانا , ليستطيع اختزان هذا التعامل في ذاته , وان يسترجعه كاحساس ورد فعل , من خلال هذا الاختزان مستقبلا لشخصياته المستقبلية على المسرح .

ان بهنام ميخائيل بالرغم من تاثره بوالده العسكري , والتي اثرت على نمط حياته وسلوكيته الخاصة وعلاقاته بالمحيطين به الا انه يحمل في طيات ذاته , التواضع , والطيبة , وعفة النفس , هذه الصفات الانسانية القيمة اهلته للدخول الى كلية اللاهوت في اميركا , وحسب رغبة والده , انما عدل عن هذا الراي , وانخرط مع طلاب الدراما في شيكاغو , وعاد الى بغداد , وهو يحمل شهادة عليا في دراسة المسرح في سنة 1959 ليتعين استاذا في مادة التمثيل والاخراج المسرحي في معهد الفنون الجميلة , حيث كان علامة متميزة بين اقرانه من  الاساتذة الاجلاء  في التدريس , في ترسيخ مبادىء احترام المسرح وتقديس خشبته , ورسم مفاهيم جديدة للمسرح العراقي ,( وهو ان المسرح  , ليس غايته عرض الواقع وكشفه , وانما التحريض على تغييره , وتعرية السلبيات , وكشفها , وترسيخ مفاهيم القيم الانسانية والفكرية والعقائدية التي تحترم حرية الانسان , وتهدف ايضا الى تطوير حياته الاجتماعية والثقافية والفكرية  الى الافضل ,وقد يعود هذا الى ماكان يحمله من العقائد الايمانية , والتي اهلته لدراسة اللاهوت ليصبح رجل دين كنائسي , انما كانت الاقدار قد رسمت له غير ماكان مخططا لها   .

انتقل من معهد الفنون الجميلة الى الاكاديمية مدرسا فيها , اضافة الى كونه كان فاحصا للنصوص التمثيلية في الاذاعة والتلفزيون , ولكن مما يؤسف له تثمينا لجهوده ولمثابرته واخلاصه لمهنته التدريسية , فصل من معهد الفنون الجميلة , لتلفيق تهم باطلة بحقه , مما اظطرته الظروف الاقتصادية القاسية  ان يشتغل في احد المطاعم السياحية في متنزه الزوراء , الا ان العناية الالهية راعته واعادته الى وظيفة مدير المسرح القومي , ولحاجة معهد الفنون الجميلة لثقافته وخبرته , اعيد مرة ثانية استاذا فيه , اضافة الى التدريس في اكاديمية الفنون الجميلة  .

كان بهنام ميخائيل , يميل الى الواقعية , ويعتبرها مدرسة حقيقية , وفاعلة في عملية التغيير ,لاي واقع , فوجهة نظره هي , ان هذه المدرسة منبثقة عن واقع المجتمع والمختلف الثقافت والقوميات والاطياف , كان ستانسلافسكيا يميل الى مدرسة ستانسلافسكي بطريقته التدريسية النظرية والعملية , من خلال المحاضرات , والمستمدة من كتاب اعداد الممثلا وحياتي في الفن ( ستانسلافسكي ) .

بهنام ميخائيل وتغيير المفاهيم البالية :

لقد غير الاستاذ بهنام ميخائيل الكثيرمن المفاهيم البالية ومن نظرة المجتمع العراقي السيىء الصيت للمسرح , بعد ان كان يعتبره ملهى ليليا لقضاء متعة رخيصة وسويعات مزاجية ومليئة بالنزوات والشهوات الجسدية التي كان يقدمها ويعرضها بعض اصحابي النفوس الرخيصة والوضيعة من على المسارح الليلية , جاء ليساهم في تطهير المسرح من هذه النفوس الضعيفة والوضيعة ويغير نظرة المجتمع المتدنية  الى واقع  نظرة  تقديس واعجاب , واحترام الخشبة المسرحية , مبتدئا من طلبته قبل جمهوره , وارسائنا على بعض الاخلاق التربوية والاعراف المقدسة لاحترام الخشبة , وسماها الخشبة المقدسة , مما حدا به الى فرض تقبيلها قبل الصعود عليها  , وهكذا بدات عملية التغيير لنظرة واقع المسرح مبتدئا من طلبة الصفوف الاولى ,من الطالبات والطلاب , وتوصيل نظرتهم المقدسة  وواقع ايمانهم واحترامهم لهذه الخشبة وما يعرض عليها , الى ذويهم وعوائلهم من خلال دعوتهم لحضور عروض المسرح التجريبية في معهد الفنون الجميلة وتطهير افكاهم وغربلة نظرتهم المتدنية الى المسرح , مما خلقت جمهورا واعيا ومثقفا ومثمنا دور المسرح , كونه فعلا محركا للتغيير والتجديد نحوى الافضل , وتوطدت علاقة المجتمع بالعروض المسرحية , ومتابعاته المستمرة لهذه العروض ,وذالك يعود الى بناء القاعدة الاساسية في محاضرات الاستاذ بهنام ميخائيل في حث الطلبة على التعرف باخلاقية المسرح المقدسة , والعمل على صقل مواهب المتقدمين من هؤلاء الطلبة والراغبين في دراسة فنون المسرح , وباشرافه المباشر مما سهل الكثير على انتاج العروض المسرحية لاساتذتنا الكبار , من امثاال ابراهيم جلال , و جعفر السعدي , وجاسم العبودي , وجعفر علي , وبدري حسون فريد واخرين من اساتذتنا الكرام , في الاستعانة بطلبة بهنام ميخائيل في عروضهم المسرحية الناجحة والمتخرجين من مدرسة  هذا الاستاذ المربي , راهب المسرح , بهنام ميخائيل .

ليسى هناك دورا كبيرا  اودورا صغيرا , انما هناك ممثلا كبيرا اوممثلا صغيرا 

هذه المقولة لاستاذنا الكبير  ( ستانسلافسكي ) ترجمها الاستاذ بهنام ميخائيل في احد مقالات الاستاذ يوسف العاني في الحوار المتمدن قائلا 🙁 كان عبد الواحد طه يراس مجموعة من الممثلين وهم : يوسف العاني , وهو يذكر سامي الواحد , وانا اعتقد انه كان خطأ مطبعيا , لكونه كان يقصد الاستاذ سامي عبد الحميد , مجيد العزاوي و راسم القيسي , ناهدة الرماح , ازادوهي صاموئيل ) مع عدد كبيرا من الكومبارس يتقدمهم المخرج الراحل بهنام ميخائيل , والذي وافق على العمل في المسرحية بدور لا حوار فيه , وانما كانت شخصية لها حضورا مسرحيا  .

الصفعة الاولى في حياتي الفنية 

ان الذي يسوقه الفضول للتعرف على بهنام ميخائيل , من الضروري جدا ان يتعايش معه , وعلى الرغم من انها تحمل الكثير من المعوقات وتوتر الاعصاب , الا ان المرء يستفيد منها , لانها تجارب يختزنها لحياته , ويستفيد منها في المستقبل بعد التخرج , لان بهنام ميخائيل مدرسة واقعية ومثالية في نفس الوقت , قل نظيره من الاساتذة الذين زاملوه في الدراسة والتدريس , له فلسفته في حباته الاسروية , والمهنية , صحيح انه كان رب اسرة متكونة من زوجة وطفلته ( منى ) الا انه كان متفرغا للتدريس , انه العالم الذي يجنح اليه , ويستانس به مكرسا كل جهده وامكانياته التدريسية لطلبته في معهد الفنون الجميلة , هذا الاستاذ الذي يتوهم كل من يعتقد بانه يستطيع كسب صداقته , لانه لا يعير لها اهمية بقدر مايؤمن , ان صديقه هو الذي يحبه ويطبق توجيهاته وتعليماته في حياته الواقعية والفنية , من حيث ان يكون جديا, ومثقفا , ومبدعا , وان ينتزع اعجابه مصفقا له وبكلمته  المشهوره ( برافو ياولدي الحبيب ) .

الصفعة الاولى 

بعد قبولي طالبا في معهد الفنون الجميلة , تعلمت شيئا مالم اكن اعرفه عن واقع الفنان , الا من خلال الافلام العربية المصرية والاجنبية , كنت اعتبر ان الفنان ومع فنه هو قطعة من الاتيكيت بعلاقته مع الناس فقط وقيافة ملابس وتسريحة شعر وقناني من العطور الفرنسية .

ولهذا كنت اعتبرها قانونا ودستورا لشخصيتي وسمعتي الفنية , فاينما كنت اذهب واتجه , وجب عليا ان اكون متهيئا باحلى قيافة , لماذا ؟ لانني فنان وفي طريقي الى النجومية وسلالم الشهرة الفنية ,وسيكون لي معجبين والعشاق لفني من متابعي انتاجاتنا الفنية , كما هو الحال مع النجوم العربية من فناني السينما والمسرح ,وانا في وقتها كنت معجا بالفنانين المصريين امثال احمد رمزي وكمال الشناوي ورشدي اباظه واخرون من نجوم السينما العربية ,انما الاستاذ بهنام ميخائيل ايقظني من تلك الاحلام الخيالية , في محاضرة له في قاعة الاستاذ حقي الشبلي في معهد الفنون الجميله , وانا في كامل اناقتي وقيافتي , وعطري الفرنسي ( مارسيدس ) , واذا به يشير عليا باصبعه كي اتبعه , في حينها تصورت ان لاناقتي الجميلة لها صلة بهذه المشاركة مع الاستاذ بهنام ميخائيل , وانا لا اعلم ماهي نوعية هذه المشاركة والتي يرغب مني ان اقدمها لزملائي الطلبة ,  والذين كانوا معي في الصف الثاني ومنهم  الاخت فوزيه عارف , وهناء المشهداني , وحيدر المولى , وفي الصف الاول نزار السامرائي وكاظم الخالدي ونصير عوده وحميد الحساني , وكثيرون لا اتذكر اسمائهم , المهم , تبعت الاستاذ بهنام الى خارج القاعة وانا متبخترا بخطواتي امام زملائي الطلبه , وفي خارج القاعة اشار الى سطل مملوء من الماء وماسحة ارض , وطلب مني حملهما وادخالهما الى القاعة ,وكلفني بمسح ارض القاعة وامام الطلبة , فاصبحت في موقف حرج , واخبرني ان لم امتثل لطلبه فسيرتشف فنجان قهوة مرة , كما يرتشفونها في التعازي على ارواح الموتى , وما كان مني الا ان امتثل لطلبه في مسح ارضية القاعة وامام جميع الطلبة وانا اسمع قهقهاتهم وهم يستهزئون بي , وانا اداري حرجي وخجلي مابين الضحك ومابين تقطيب حواجبي مستاء من استهزائهم مني , وبعد ان انهيت طلبه , حمدت الله على انني انهيت مهمتي , واذا به يفاجئني بان اتبعه الى خارج القاعة مستصحبا معي الماسحة والسطلة المليئة بالماء الوسخ ,واضعها في الخارج , واحمل اريكة من الخشب على ظهري وانقلها الى داخل القاعة , وفعلت مثلما اراد  , وحين دخولي الى داخل القاعة واذا بالطلبة ينفجرون ضحكا على منظري وانا حامل الاريكة على ظهري يتقدمني الاستاذ بهنام ليرشدني على المنطقة التي اضع الاريكة عليها , وبعدها كنت منتظرا منه تكليفا اخر , فخلعت سترتي ( الجاكيت ) مع رباط العنق , وطويت اكمام قميصي , واذا بالاستاذ بهنام ميخائيل يصرخ باعلى صوته ( برافو ولدي الحبيب )وهو مصفقا لي بكلتا يديه واسارير الفرح على وجهه , وفاتحا ذراعيه ليظمني الى صدره بحمية ومعقبا بقوله : الان ياولدي دخلت عالم الفن من بابه الصحيح , وبعد جلوسي اخذت افكربالاستاذ بهنام ميخائيل وما فعله معي , فادركت حينها الرسالة التي اراد من خلالها بهنام ميخائيل توصيلها لي عن مفهوم الفن , وكيف يجب ان تكون علاقة الفنان مع حياته الفنية , وهو يهم بوضع اولى خطواته باتجاه ارتقاء سلم التالق والنجاح , وبعدها تركت لبس القاط في المعهد وتعودت على لبس البنطرون الخاكي والتيشيرت مشمرا عن ساعديا لاكون عاملا وفنانا ومبدعا في هذا العالم الصعب والجميل , وهذا ماكنت اتطلع اليه .

مدرسة بهنام ميخائيل 

ان المتطلع الى مدرسة بهنام ليكتشف انها مدرسة ستانسلافسكية , فهي مبنية على حرفية التمثيل ومهارة فن التمثيل (اعداد الممثل ,,,,, حياتي في الفن ) هاذين المؤلفين للاستاذ ستانسلافسكي , يستنبط منهم تعاليمه وافكاره التربوية في المسرح ,كانت تكمن في ذات بهنام ميخائيل قوة داخلية مخلصة ومتفانية ليهب كل ماعنده من خبرة وثقافة وتجربة حياتية وفنية , ليهبها ويعمل عليها مع اي ممثل يبحث عن الابداع والتالق , كان يهتم بالصوت والالقاء وبجسم الممثل وبمرونته على المسرح , لانهما وكما كان يؤكد انهما سلاح الممثل , اضافة الى هذا كان يصقل اية موهبة يجدها لدى اية طالبة وطالب من طلبته ويحثهم على الاجتهاد والسعي والمثابرة , وهذا مااكده الاستاذ المرحوم ابراهيم جلال وعلى مسامعنا حينما سمع بنقل خدمات بهنام ميخائيل من معهد الفنون الجميلة الى اكاديمية الفنون الجميلة وبالحرف الواحد قال : لقد خسرنا ركنا من اركان التعليم التربوي والاخلاقي والتي يجب ان يتزود بها طلاب صفوف المرحلة الاولى في معهد الفنون الجميله , بعملية نقل هذا الراهب من صومعته الى الاكاديمية , حيث كان ينمي الاخلاق التربوية في المسرح ومحاظراته كانت تشمل التمثيل النظري والعملي , اضافة الى اصول الفن وحرفية الممثل الجيد , ( كان يؤمن ايمانا مطلقا بان الانسان هو جسد وروح , فالجسد هو البعد الطبيعي , والخاص بالممثل , وهذا الجسد يمتثل الى ردود الافعال الانعكاسية الداخلية للممثل , حينما سيتكيف ومع الصوت , وعلى ضوء هذه الافعال الانعكاسية بواسطة وسائل التعبير المختلفه , كالصوت , وعضلات الوجه , والاطراف والجسم كله , ويرسم الصورة التعبيرية للشخصية المسخرة على خشبة المسرح من قبل الممثل , واما الروح , او الجوهر , وهذا هو الاساس , والذي يهتم به اشد الاهتمام في محاضراته  , ولربما يعود هذا الاهتمام , كونه كان مطلعا على علم اللاهوت في بداية توجهاته الدراسية للكهنوت , الا انه فضل تغيير دراسته للتمثيل والاخراج المسرحي , وهذه الخلفية الثقافية في علم اللاهوت اختزنها كتجربة مختزنه ومكتسبه لتوضيبها لتعليم الطالب حرفية التمثيل على خشبة المسرح , حينما يبدي اهتمامه بالجوهر الحقيقي للشخصية , للروح ,و للاحاسيس الداخلية , والتي كان يؤمن بها ايمانا مطلقا , بان الدافع الفوقي لكل شخصية, مبعثه الروح والاحاسيس الداخلية , والتي كانت تتجسد على شكل ردود افعال انعكاسية , لترسم الصورة التعبيرية للشخصية المراد تجسيدها على خشبة المسرح  . 

كان بهنام ميخائيل لا تنفك من فمه  العبارات التي كان يؤمن بها دائما ويتمثل بها ويوجهها لنا حينما كان يطلب منا ان نمثل ولا ان نتمثل , كان يؤكد على عدم التفكير بحركة الجسد ( من الاطراف وتعابير الوجه ) ويطلب من الممثل ان يترك ذالك للردود وللافعال الانعكاسية وللاحاسيس الحقيقية ان ترسم هذه المعالم التعبيرية ,لتخرج بتلقائية وعفوية وغير متكلفة .

كان بهنام ميخائيل يساعد الطالب ويهتم بكسر حاجز الخجل عنده , ويهتم برفع جرأته الادبية بشتى التمارين والذي كان يطبقها على الطلبة من اللذين يعتقد بانهم يحتاجون لمثل هذه التمارين , مثلا , كان يطلب من احد الممثلين ان يخلع قميصه واحذيته ويسير حافي القدمين في الشارع العام , وعلى مرأى من الناس , ويطلب من الطالب ان يقدم له تقريرا مفصلا عما كان بسمعه وان يحتفظ بردود افعاله واحاسيسه كتجربة مختزنة , كان يطلب من الطالب ان يتكلم مع الحيوانات ويراقبها , يطلب من الطالب الاستئذان من الباب حينما يروم فتحه ليدخل الى الداخل , ويستاذن من الكرسي للجلوس عليه , وان يسير في القاعة بكل هدوء وسكينة وعلى رؤؤس اصابع القدمين .

جميع هذه التمارين والتي ذكرتها , هي عبارة عن تمارين لضبط النفس وتقوية الارادة , بالسيطرة على ردود افعال الشخصية , واعتبارها تجربة مختزنة يستفيد منها في حرفيته كممثل , يسترجعها وقت الحاجة ليجسدها على معالم الشخصية والمسخرة على المسرح , ثم ان هذه التمارين هي التي تساعد على تربية روح الشخصية و اذا ماعلمنا بان الممثل الحرفي وجب عليه ان يفكر , بثلاث دوائر قبل الدخول الى الحدث في الدائرة الصغرى , وان يكون في حالة الاسترخاء والتامل في الدائرة المتوسطة , اي خلف الكواليس و مابعد الدائرة الكبرى والتي تعني بارتداء الملابس وعمل المكياج , وتتوضح اكثر في مقولة الاستاذ بهنام ميخائيل حينما يطلب من الممثل وهو في الدائرة الوسطى ان يسال نفسه ب , متى و ولماذا , واين , وكيف سادخل , وكذالك يطلب من الممثل ان لاينسى( لو او اذا السحرية) و لانه من خلالها سيتمكن من الاجابة على عدة تسائلات تساعد على اكتمال الشخصية بكامل مواصفاتها الطبيعية والداخلية , اضافة الى كل هذا فحينما يكون الممثل في الدائرة المتوسطة , اي ماخلف الكواليس وهو في حالة الاسترخاء والتامل ,عليه ان يسال نفسه , متى سادخل —-ولماذا سادخل —– وكيف سادخل ——واين سادخل , عندها سيكون متهيئا لاستحضار الشخصية الخارجية ( المعالم الطبيعية و والداخلية ) وعندها سيكون متهيئا وهو على اتم الاستعدادات لان يدخل الدائرة الصغرى ليواجه جمهوره .

بهنام ميخائيل , مخرج يهتم بحرفية الممثل   

في مسرحية الاب للكاتب سترنبرغ  , كلفني ان اكون مديرا للمسرح , وانا كلي خوف من شدة صرامته , وقلقي من انني سوف لا استطيع التعامل معه , وسوف اخفق في تدوين ملاحظاته , والالتزام بتوجيهاته , وحينها , حينما كنت اتابع رسم حركة الممثل وملاحظات الاستاذ بهنام كمخرج للمسرحية , كنت في حينها اركز على كيفية نعامله مع الممثل اثناء رسم الحركة على المسرح  .

مسرح بهنام ميخائيل , هو مسرح فيه حرفية ومهارة الممثل 

مسرح بهنام ميخائيل , هو مسرح تتجسد من خلاله حرفية ومهارة الممثل , من ابتكارات ذاتية وردود افعال حسية ,لذا كان حينما يرسم الحركة على المسرح قلما يحاول تحريك الممثل وحسب اهوائه كمخرج , انما كان يحاول توصيل معالم الشخصية وجوهرها ومضمونها للممثل , وياخذ منه مما عنده من الابداعات والاجتهادات الذاتية والمختزنة لديه , وعندما تستنفذ طاقة الممثل مما عنده من الخزين والمهارة الابداعية الذاتية عندها  يضيفمن عنده  بما يراه مناسبا , محاولا صقل موهبته واضافة لمساته الاخراجية على الممثل وعلى المشهد بنفس الوقت , كان دائما يوجه الممثلين , ويذكرهم بعدم التفكير بالحركة , وانما يهتموا بالتفاعل مع الفعل والاحساس النابع من داخل الشخصية , وعن طريق تحليل الشخصية وايجاد ابعادها , وعلى ضوء تجاربها الحياتية ( التجربة المكتسبه , والتجربة الذاتية , والتجربة المختزنه ) ومن خلال تحسسهم بها , فالممثل حينما كان يمثل وعلى ضوء رسم معالم الشخصية من قبل الاستاذ بهنام ميخائيل , تتمخض عن احاسيس واقعية , لها ردود افعال حقيقية , والتي حينما كان يجسدها الممثل على الخشبة المسرحية , كانت تبهر الاستاذ  , وتجعله يصرخ باعلى صوته كلمته المعهودة ( برافو ياابني الحبيب )  وهدفه من هذا دعم الممثل معنويا , انما كان في قرارة نفسه , ليس راضيا على الممثل وعلى مايبديه من طاقة من حرفية التمثيل , كان يطلب من الممثل ان يكون رقيبا ومراقبا لشخصيته اثناء التمثيل وان تتحرك الشخصية بايعاز من ذات الرقيب , اي الممثل بشخصيته الحقيقية , وبموجب مامرسوم لها من الحركة المسرحية .

الصفعة الثانية 

في احد المشاهد الصفية ل مسرحية العادلون لالبير كامو , اتذكر وانا امثل شخصية البطل كاليائيف ,والمشهد كان عبارة عن تحقيق معي من قبل المحقق ( سعدون سلمان )  وبعد عرضنا المشهد ولعدة مرات , لم تعجب الاستاذ بهنام , وبالرغم من انني كنت اقدم وزميلي الطالب سعدون سلمان كل ماعندنا من المهارة والحرفة الفنية , انما لم نكن نعلم مايرضي الاستاذ بهنام ميخائيل , الا بعد صعوده على خشبة المسرح ليشرح لنا كيف ان الشخصية وهي على المسرح بجب ان ترسم وتحدد علاقتها بالشخصيات الاخرى المشاركة لها في  المشهد الواحد , وان تحرك الواحدة للاخرى باتجاه خلق فعل وردفعل ينتج عنها الشغل الحرفي للممثل ( الاستيج بزنز ) ومن خلال رد فعل صادق , به من الاحساس والتعبير الفني ,ونحن بالحقيقة في وقتها لم نكن نعلم كيف نواجه هذه المعضلة والتي اسمها بهنام ميخائيل , الا بعد انتحاله لشخصية المحقق واخذ يقابلني بالتمثيل ويحاورني , وانا امثل دور السجين امامه واذا به يصفعني صفعة لم اكن انتظرها منه جعلتني افرك اثرها بكفي ,على مكان الصفعة , عندها صرخ باعلى صوته وقال , هذا هو الذي اريده , اي يجب على الممثل ان يحرك الشخصية التي تقابله على المسرح , عندها تعرفنا على شيىء اسمه , ( كيف تستطيع ان تحرك الممثل والذي يشاركك المشهد وان تخلق علاقة مع شخصيته ومعك في ان واحد ) ,وهذا لا تستطيع ان تجده مالم تجد العلاقة الاساسية مابينك كممثل ومابين الممثل الاخر , بحيث تسال نفسك عن ردود افعال الشخصية التي تشاركك التمثيل في المشهد , فمن دون افعال هذه الشخصية التي امامك , لا تستطيع تحرير ردود افعالك المعاكسة والتي مبعثها الدافع الفوقي لتساعدك على التعبير الصادق والاحساس الحقيقي لردود هذه الافعال .

كان مسرح بهنام ميخائيل , معتمدا على جمالية وعلاقة الممثل بالديكور وبالاثاث وبالاكسسوارات المسرحية حيث كانت تضفي شيئا من الجمال لحركة الممثل مع السينوغرافية المسرحية , ولهذا كنت تراه يفرح وينشرح حينما يشاهد الممثل وهو يتحرك بانسيابية وبتلقائية غير مفتعله  .

كان بهنام الفنان والمخرج يحاول انتزاع التجارب المختزنه والمكتسبه والانية من الممثل , ومن ثم يطلب منه مقاربة هذه التجارب وتطبيقها على الشخصية التي يمثلها , وان جاز التعبير , ان مدرسة بهنام ميخائيل في الاخراج , كان فيها شيئا من صعوبة الفهم والاستيعاب من قبل الممثل المبتدىءوالذي لا يعلم شيئا عن المدرسة الواقعية , ولا عن طريقة ستانسلافسكي في التمثيل .

كان بهنام ميخائيل يناجي الروح والجوهر للشخصية ,لترسم رد فعل معاكس من خلال احساس الشخصية مترجمة هذا الاحساس بلغة تعبيرية بواسطة وسائل التعبير الجسدية من الجسم والوجه , ولهذا كنت تشاهد الممثل في مسرح المخرج والاستاذ بهنام مليىء بهذه الاحاسيس والتي تلعب دورا في تنمية الصراع المتنامي باتجاه العقدة والذروة , ومن ثم الى الحل .

في يوم من الايام كانت لنا زيارة مع الدكتور عوني كرومي رحمه الله الى فرقة المسرح الشعبي , وهناك تعرفت على الاستاذ د. سامي عبد الحميد قبل انتقاله الى فرقة مسرح الفن الحديث ,وبعد ان عرفه د. عوني كرومي بنا على اننا طلبة جدد في معهد الفنون الجميلة , فاخذ يستفسر منا عن علاقتنا بالاستاذ بهنام ميخائيل , عندها تملكني نوع من الحرص عن شرح نوعية هذه العلاقة , معللا هذا ان لكل استاذ اسلوبه وطرق تعامله مع الطلبة , فبقيت ملتزما بصمت زادت من نظرات د.سامي عبد الحميد نحوي منتظرا الاجابة على سؤاله , 

انما انا بقيت بحيرة من امر الاجابة ,بماذا اجيبه ؟ ااقول ان بهنام ميخائيل مدرسة صعبة وثقيلة بنفس الوقت ؟ ففضلت بالصمت الا ان الفنان سامي عبد الحميد فاجأني بسؤال اخر 

مستفسرا مني عن السبب الذي يجعلني اسير على رؤوس اصابع قدمي , فاظطررت للاجابة قائلا : هذه هي تعليمات الاستاذ بهنام ميخائيل , فعقب على اجابتي قائلا : ولكنه ليس هنا ! فاجبته : استاذ رحمة بنا , دعنا وشاننا مع عالم ومدرسة بهنام ميخائيل , والا ستكون عواقب من لم يلتزم بتعليماته الفشل والرسوب ,فهنا ابتسم ابتسامة رضا ومحبة لاخلاصنا ووفائنا  للالتزام بتعليمات استاذنا متمنيا لنا الموفقية والنجاح مع مسيرتنا وعلاقتنا الامينة مع الاستاذ بهنام والتي تشوبها شيئا من الامانة والمصداقية معه ومع انفسنا نحن الطلبة , قد يكون هذا الجانب من الحرص مصدره الخوف من ان الاستاذ بهنام ميخائيل قد جند من زملائنا الطلبة لمراقبتنا خارج المعهد ليخبروه عن مدى التزامنا بتعليماته , وبعكس هذا ستكون كارثة لكل طالب تصل الاخبار عنه بانه لم يكن صادقا مع نفسه ومع الاستاذ بهنام , وكان الهدف من هذا التمرين تعويدنا على الالتزام بالتعليمات ومصداقية التعامل مع الاخرين  , معللا ذالك على ان الفنان يجب عليه ان يكون ملتزما وصادقا مع نفسه ومع الاخرين .

الاخلاق التربوية في مسرح بهنام ميخائيل 

في معهد الفنون الجميلة , وحينما كنا نسير على رؤوس اصابع اقدامنا , وتحت انظار الاستاذ بهنام ميخائيل , كان يقول : ( ترى مايعبر عليا شسي , الملتزم اني اعرفه , وكل تفاصيل حركاتكم توصلني بالدقة ) بهذا الاسلوب كان يستفزنا ويجعلنا ملتزمين بتعليماته , وبعد تخرجنا , توصلنا الى شيىء اسمه ( الاخلاق التربوية في مسرح بهنام ميخائيل ) اضافة الى هذا تعرفنا على مدى فائدة مدرسة واسلوبه في تكوين شخصية الممثل , وتطوير مهارته وصقلها والغرض من هذا خلق ممثل جاهزا حرفيا ومتكاملا على المسرح .

وكثيرة هي التفاصيل مع مدرسته , الا اننا مهما تعمقنا في هذه التفاصيل , لا يمكننا ان نصل الى ماكان يهدف اليه هذا المخرج الرائع  صانع الفنانين من الممثلين العراقيين , انه الفنان الرائد بهنام ميخائيل , رحمه الله واسكنه ملكوت السماوات في الحياة الابدية مع الابرار من الذين رحلوا في رحلة روحانية سمائية , ترك لنا تراثا وارثا , ومدرسة في التدريس والاخراج , لا يمكننا نسيانه .

اعماله المسرحية :

1 – افكار صبيانية 

2 – ماوراء الافق 

3 –الاشباح 

4 – مسمار جحا 

5 – مريض الوهم 

6 – مسرحية الاب , والتي لم يكتب لها الظهور على المسرح .

توفي سنة 1988 في بغداد بعد ان ترك بصمات تربوية اخلاقية في المسرح , وهذا مااكده كبار الاساتذة من الفنانين والمخرجين الرواد .

خلاصة مدرسة بهنام ميخائيل 

هذه الخلاصة تتضمن  , ان هذه المدرسة التي تعلمناها منه وتعودنا عليها واصبحنا لا نستطيع تمثيل اية شخصية , او تجسيدها بالصورة الصحيحة , مالم نتبع القاعدة والاسس الصحيحة والتي ارساها المخرج الاستاذ بهنام ميخائيل والتي كان يؤمن بها , وتتضمن , انه من الضروري جدا ان تعايش الشخصية باحاسيسك الداخلية , لانه يؤمن كل الايمان , بان الممثل يملك من القابلية الذاتية , والقدرة على الابداع , وتجسيد الاحاسيس , اذا كان يملك من الايمان المطلق , بقدرته على خلق الشخصية , ومن خلال هذا الايمان , سيتم والتعاطف والتعايش مع الدور , كان يوصي الطالب ويوجهه على ان يتبع القواعد الاساسية في تجسيد الدور المسرحي ومن دون اللجوء الى المبالغة , اضافة الى هذا , عليه ان يكون قياديا في خلق هذه الشخصية المسرحية , وان يعتمد على نفسه في بنائها من الداخل , باتباع الاساليب السايكولوجية في خلقها , والابتعاد عن المبالغة  اثناء تجسيدها من على خشبة المسرح , والابتعاد عن الحركات والايماءات البالية والمستهلكة والتي لا يمكنها من خلق عنصري التشويق والشد , كان يركز  على الطالب بمعايشته للدور وان يجسد من خلالها الغرائز الحيوانية مقربا  صفاتها من تصرفات الشخصية المسرحية , ويوصي بتجديد معالم الشخصية ويبتكر لها مهارات ابداعية , فيها شيئا من الجمال وصدق الاحاسيس و التعابير , وعلى ضوء هذا ستتجدد  شخصية الممثل وستتميز مابين عرض واخر .

كان يوصي و ويؤكد على  الممثل ان يحلل شخصيته , اي دوره في المسرحية , وان يجد ابعادها الطبيعية والنفسية والاجتماعية , كان يسأل الطالب , عن عمر الشخصية والتي يمثلها , وعن طولها ونحافتها او ضخامتها , عن مزاجها وعن حالتها النفسية والاجتماعية , متزوج ام اعزب , مثقف او امي , غني ام فقير , له علاقات اجتماعية ام انه منطويا على نفسه , ماهي العاهات الجسمانية التي يملكها ,ماهي طريقة كلامه وحديثه مع الاخرين  .

جميع هذه الاسئلة التي يتناولها الممثل والاجابة عليها  , بعد ان يغوص في اعماق الشخصية  , ستساعده على تجسيدها التجسيد الصحيح من على خشبة المسرح وان يؤمن بها الايمان المطلق , والا من دون ماسبق ذكره ستكون الشخصية كالطبل الاجوف , مجرد اصوات ومن دون احساس صادق مع نفسها ومع الاخرين , ولهذا , كيف يطلب من الجمهور ان يؤمن وان يصدق بما يعرض عليه , ان لم يكن هو مؤمن بما يؤديه من على خشبة المسرح !!!!!!!!! .

كان بهنام ميخائيل يطلب من الممثل ان يبحث ماخلف السطور , وان يكتشف معالم شخصيته , وان يجد المعاني المستتره , لتساعده على كيفية الالقاء والتلوين , لانه كان يؤمن بان لكل كلمة من حوار الممثل لها وقع خاص وفعل خاص والقاء وتلوين خاص , وبموجب ماتتطلبه عملية فن الالقاء , وعلى ضوء ردود افعال ودوافع الشخصبة , سيخرج الصوت مصبوغا بنبرات الحنجرة والمتفاعلة مع الاحاسيس الدخلية , والتي سيجسده الصوت , وسيتمثل لها الجسد وبموجب هاذا الالقاء والتلوين  .

فلو حاولنا اتباع وتطبيق هذه الاساسيات الانفة الذكر والتي كان يؤكد عليها استاذنا الراحل , عندها ستقودنا الى حرفية مسرحية ( ستيج بزنز ) حينها ستكتمل عند الممثل الصورة الحقيقية للشخصية , والمراد معايشتها على المسرح بعملية الاندماج والتقمص , فنكون بذالك قد توصلنا الى حالة من حالات الابداع والكمال , والتي كانت تبهر الاب الروحي وتستانسه  .

وفي الختام —- لم اذكر الا شيئا قليلا من بحر كبير لمدرسة  الاب الروحي   بهنام ميخائيل وهذا مااسعفتني به ذاكرتي من استحضار في هذا البحث المتواضع , اامل انني سأوفي بحقه في بحوث اخرى , انشاء الله , انما يبقى الاستاذ الراحل بهنام ميخائيل عمد من اعمدة التدريس التربوي في المسرح  ,قل نظيره في عالمنا التربوي , العالم المسرحي والذي ودعه الراحل بهنام ميخائيل . 

—————————————————————————-
المصدر : مجلة الفنون المسرحية – جوزيف الفارس – عينكاو دوت كوم

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *