رؤى بصرية لسينوغرافيا أوبرا بارسيفالParsifal لروبرت ويلسون

الأوبرا للموسيقار الالماني “فاجنر”Wagner ، وأُلفت في القرن الثاني عشر، وتحكى عن” بارسيفال Parsifal “ابن فارس شهير، قُُتل أبوه وعماه في عدد من المبارزات،وربته أمه في أعماق الغابة بعيداً عن الناس،ابتغاء أن تُبعد عنه حياة الفروسية وواجباتها،لكنه لم يكد يبلغ الشباب حتى يلتقى في الغابة بخمسة فرسان مسلحين يركبون أفراساً وأنبأوه بحقيقة شأنهم، وبثوا في نفسه الرغبة في التجوال في الدنيا،فترك أمه التى زودته بالسلاح وهي تبكي، ومضى إلى بلاد الملك آرثر وجرب أول تجربة في المبارزة فقتل الفارس القرمزي-العدو الشخصي اللدود للملك العجوز آرثر- وكان خصماً عنيداً لم يستطع قهره أحد من قبل.
وأخذه أحد النبلاء إلى قصره وتمم تربيته، ومن هناك ذهب لتخليص الأميرة المسكينة الملقبة بالزهرة البيضاء، والتى كان يحاصرها في قصرها جيش من الأعداء،ثم تعرف إلى الملك بشيور (أو الصياد) عمه، والذى كان يملك الكأس المقدس والرمح الذي تقطر سنه دماً باستمرار، وكان محاصراً فأنقذه بسيفه، وبعد موت الملك عُرفت صلة القرابة بينه وبين بارسيفال فصار وريثه.
ويُنصبه الملك آرثر في قصره بكل مظاهر الحفاوة، ويصبح مالك الكأس المقدس والرمح العجيب والتى تمتلك قوه خارقة، ويمل برسيفال بعد سنوات من مظاهر الحياة الدنيوية فيترهب، وعند موته يرتفع الكأس المقدس والرمح العجيب إلى السماء بمعجزة. [1]
أوبرا بارسيفالParsifal للمخرج “روبرت ويلسون Robert Wilson” [2] ،وتصميم “استيفان انجلنStephanie Engeln “،ومصمم الاضاءة Stephanie Engeln،عُرضت لأول مرة عام 1991م فى هامبورج، وأعيد عرضها عام 2005م فى مسرح لوس انجلوس.
رسم المخرج “روبرت ويلسون “وهو مصمم داخلى ورسام ومخرج امريكى ومصمم حركى ونحات اخرج عروض مثل” Einstein on the Beach ” و Faust وغيرها من العروض وله رؤيه بصرية تختلف عن المخرجين الاخرين فهو يقول ” إننى أفكر فى إعدادى للصور والتصميمات والرسوم لكن ليس الهدف من الصور تصوير النص “.
يحكى العرض عن بارسيفال ورحلته الطويلة حتى الحصول على الكأس المقدس، استعاض ويلسون عن المشهد الطبيعى بمستطيل ابيض يشكل شاشة للعرض الفيلمى من اللون الابيض واللعب بالاضاءة ، والعنصر المسيطر على المشهد هو الماء ، ,اثناء العرض يظهر الكأس المقدسة هابطاً من السماء على هيئة قرص ابيض يحيط بشكل كرستالى يعبر عن كنيسة العهد الجديد [3]، وبجوار القرص الابيض ذوالأضاءة الخافتة يظهر بارسيفال بمفرده على المسرح شاخصاً للفضاء ، و يلتقي القرص والجبل عند قول”جورنيماز Gurnemanz” “الزمن يصبح فضاء” “Time becomes space”، فيبدأ الجبل فى الأرتفاع عبر القرص الدائرى،ثم يظهر الملك “امفورتاس Amfortas ” على القرص ، وأخيراً يخرج الكأس المقدس من الجبل الثلجى ويُفتح.
استخدم ويلسون الإضاءة للتعبيرعن الحالات النفسية والشعورية كما ركز على حركات الشخصيات فى العرض،ويحدث تحول فى الإيماءات والإضاءة الدرامتيكية فى السماء فعند ظهور “امفورتاس Amfortas” لإول مرة بالاضاءة الخلفية كسيلويت وعندما يبدأ فى الغناء يبدأ فى الظهور بالتدريج ،ويشاهد بارسيفال تلك الاحداث كشاهد عليها كالجمهور ثم يبدأ فى الحركة ببطء بشكل لولبى ودائرى.
فى الفصل الثاني الأكثر درامية، يبدأ بظهور قلعة “كلنجسور” Klingsor ، ويرتفع برج” Klingsor “خارج البحيرة، فى مشهد ليلي قمرى اشبه بالعمود الاسود يبزغ من الماء مزود بباب يفتح ليشع ضوء فلورسنتى على المنصة، ليظهر الشريركلنجسور بالمكياج البانتوميم والعين المشوهه ،ويتحرك فى ايماءات تجعله اشبه بملك الليل[4] ،وتقف”كندرىKundry “على حافة البحيرة ، ثمّ يتحول المشهد لأسفل الماء ،وتظهر نساء يرتدين اللون الابيض ويحملن زهور ، ويدور الحوار بين” كندرى Kundry “و”بارسيفال” و يتحدثان على صخرة فوق سطح البحيرة، وتحمل” Kundry ” عصا و تستخدمها كرمح أو كعصا سحرية، وتحملها وتمررها على ذراع بارسيفال ، و يتحول الرمح الى شعاع ضوئى يعبر المنصة فى الفضاء ، ثم تظلم الصخرة وتضاء بإضاءة خلفية لتتحول لسيلويت ويتحول كلنجسور بزيه الاسود الى جزء من الصخرة .
المشهد الثالث مشابهه للأول ، وفيه يدخل “جارنيماز Gurnemanz” وبارسيفال على المنصة ويتحول بارسيفال الى الفارس الأسود ويظهر القرص باللون الاسود وعندما يغنى بارسيفال يبدا الكأس المقدس فى الغناء ويتحول بالتدريج القرص للون الابيض كما يظهر الفرسان بزيهم الاسود كالرماح ليشكلوا حائط طويل على المنصة ، قبل النهاية تظهر النيران فى منتصف القرص بدلامن جبل الثلج. [5]
رسُمت كل حركة للممثلين بدقة،والرقص فى العرض أشبه برسم الخطوط فى الفضاء،وتم التركيز على الحركات الصغيرة أكثر من الحركات الكبيرة ، والماكياج أكثر شرقية ولازمانى .
حقق ويلسون من خلال عرضه الإقلالي الأبعاد الشكلية التى تشكل الصور الذهنية فى عقل المتلقى،واستخدم الحركة البطيئة لممثليه كما اعتمد ويلسون على حركة الاضاءة والستائر لاعطاء العمق لخشبة العرض، وتصميمه أقرب للونين الابيض والأسود.كما ترجمت السينوغرافيا التركيز على معانى العرض من الرموز والدلالات،وحققت التفاعل بين تراكيب ويلسون المجردة،واحدثت الحركة المتكررة ذات الصياغات المتعددة لفرسان الكأس المقدس من مناسك لحماية الكأس المقدس، وكذلك مراسم الساحر المظلمة العديد من الاشارات الرمزية الروحانية. فالحركة تمثل لويلسون شكل من أشكال النحت الحى ،أو برسم الخطوط فى الفراغ ففى عرضه بارسيفال ركز على الحركات الصغيرة بدلاً من الكبيرة إستناداً على أن هناك دائماً حركة فى عرضه. [6]

الهوامش :
[1]1- الكأس أو الجرال اسم أطلق على الإناء المقدس الذي تزعم الأسطورة أن يوسف الرامي، أحد تلاميذ المسيح، قد التقط فيه دم المسيح وهو على الصليب. وهو نفس الإناء الذي شرب منه يسوع المسيح وهو في العشاء الأخير.

[2] – روبرت ويلسون ( 1941-) مصمم داخلى ورسام ومخرج امريكى ومصمم حركى ونحات وغيرها من العروض (http://en.wikipedia.org/wiki/Robert_Wilson_(director)

[3]-http://www.nytimes.com/1992/02/20/arts/review-opera-robert-wilson-stages-his-vision-of-parsifal-in-houston.html?pagewanted=all&src=pm -[3] [4]- http://www.nytimes.com/1992/02/20/arts/review-opera-robert-wilson-stages-his-vision-of-parsifal-in-houston.html?pagewanted=all&src=pm

[5]- http://www.wagneroperas.com/indexwilsonparsifal.html
[6]- http://search.laopera.com/learn_more/article_detail.asp?productionid=194&articleid=134

————————————————–

المصدر : مجلة الفنون المسرحية – د.راندا طه 

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *