‘دير مزية’ عرض مولييري كوميدي يوصي الناخبين المغاربة

_91782_d3

قدمت جمعية إسيل للمسرح والتنشيط الثقافي المغربية المسرحية الكوميدية “دير مزية” على مسرح محمد الخامس بالرباط مؤخرا، وهي من إخراج هشام الجباري، وتأليف عبدالكبير الشداتي. ومثل فيها كلّ من فضيلة بنموسى، بنعيسى الجيراري، سعيد آيت باجا، فتاح النكادي، فريد الركراكي، سندية بوتاج، أما السينوغرافيا فكانت لرشيد الخطابي، والموسيقى لفتاح النكادي.

وحققت المسرحية حضوراً لافتاً، لأنَّها نَقَدتْ المشهد السياسي المغربي، بتناولها “الانتخابات التشريعية” بالمغرب، وما يحدث فيها من اتِّباع البعض لوسائل غير نزيهة للحصول على أصوات الناخبين. وحظيت المسرحية بدعم من المبادرة الأميركية للشراكة الشرق أوسطية وشراكة مع وزارة الثقافة المغربية.

المؤلف يخاطب من خلال نص مسرحي كوميدي مولييري روح المواطنة لدى كل مغربي بضرورة المشاركة الواسعة في الانتخابات لإحداث التغيير المطلوب، لأن التغيير منطلقه الأول هو المواطن

مواقف هزلية

النص الكوميدي الذي اعتمده مؤلفها الشداتي، ممّا يصادفه الناس عادة في الجو الانتخابي المغربي من مفارقات، وما يدور حولها من حوارات بين البسطاء، أبناء العشوائيات والفقراء الذين يحلمون بالتغيير في حياتهم، من خلال انتخاب ممثلين حقيقيين لهم يتبنّون قضاياهم، ويضعون القوانين التي تجعل حياتهم أفضل عيشاً.

تنوعت شخصيات المسرحية كما في المسرح الكوميدي المولييري بين شخصيات خيّرة وأخرى شريرة. وحرص المخرج والمؤلف والممثلون على خلق مواقف هزليّة من خلال حركات الممثلين، وتناقض المواقف، وترديد الأمثال الشعبية الساخرة من الفاسدين. وعمد المخرج إلى تبني تقنية المسرح التقليدي، من خلال اتّباعه، المقدمة والتصاعد الدرامي للأحداث للوصول إلى الذُّروة، ويلي ذلك انفراج تدريجي.

واعتمد رشيد الخطابي سينوغرافيا معبرة عن الخواء الذي يعيشه أهل الحي، فلا شيء يظهر غير بسطة الضرير لبيع الحلوى وهيكل بيانو قديم، وقد أظهر الديكور ثلاث دور متجاورة، إحداها للحاج المكّي، والأخرى للقابلة صفيّة، والثالثة للسي عبدالصبور الضرير.

الانتهازي

تحكي المسرحية قصة حب بين رقيّة ابنة الحاج المكي، وعلال العاطل عن العمل، الذي لم يكمل تعليمه، ولكن بالرغم من هذا فرقية تحبّه وتأمل بالاقتران به. وهو ابن جارتهم صفيّة الأرملة، التي تعمل قابلة. هذا الحب بينهما يصير محل تجاذبات الحاج المكي الأب وأمّ علال، فالحاج من مرشحي الانتخابات، الذين يفوزون بطرق ملتوية.

ويعتمد في هذا الفوز على مساعد له يدير دعايته، بطريقة عمل ولائم الطعام للناخبين، وحفلات ترفيه لسكان العشوائيات، ويتحمل التكاليف المالية لاِستحمام شباب الحي في الحمام الشعبي، ويشرف على حملات خِتان الأطفال، ويستخدم المتسولين ومدمني المخدرات للدعاية له في المقاهي والأسواق.

الحاج المكي يعمل بعقلية قديمة نجحت أساليبها بشراء ذمم الناخبين في انتخابات سابقة، بالعام 1997 و2002 و2007 وفاز بمقعد بالبرلمانات السابقة، كما جاء في حوارات المسرحية، لكنها صارت وسائل قديمة، ولن تنفع مع الناخب المغربي في العام 2016، وهذا ما تحاول المسرحية تأكيده من خلال شخصية الأعمى بائع الحلوى “سي عبدالصبور” الذي كان بالدورات الانتخابية السابقة يقاطع الانتخابات، لكونها بلا جدوى ولا تأتي بجديد.

وتأخذ الأحداث بالتصاعد ويزداد الوقع الكوميدي، حين تقرر القابلة صفيّة خِطْبة رقيّة ابنة الحاج المكي جارهم لابنها، لكنها حالما تصطدم بشخصية الحاج الاِنتهازي، وسعيه للحصول على أصوات الناخبين بكل الوسائل الممكنة، وسعيه لتوظيف خطوبة ابنته لصالح حملته الانتخابية، تقرر أن تترشح في الانتخابات كندٍّ له، لخدمة حيّها ورفع معاناة أبنائه.

لا تفعلوا هذا

ويقع علال في حَيْصَ بَيْصَ، فلا يدري مع من يقف مع أمه التي قررت أن تتصدى للحاج في الانتخابات وتُفشل مساعيه للوصول إلى البرلمان، أم مع أب حبيبته الذي وعده بتزويجه بابنته؟ حالما يقف معه في حملته، ويساهم بالتشهير بأمه مستغلاً حادثة قديمة رواها علال لرقيّة وقعت لأمه.

اسم المسرحية “دير مزية” بالدارجة يعني “من الأحسن لكم ألا تفعلوا هذا” ولذلك بقي الجمهور يريد معرفة، ما هو هذا الشيء الذي من الأحسن عدم فعله؟

ويرضخ علال تحت تأثير إغراءات مساعد الحاج لما يُطلب منه، وينغمس مع المدمنين في الترويج للحاج، بينما يعمد سي عبدالصبور بائع الحلوى في الحيّ إلى جعل رقيّة تقف إلى جانب صفية القابلة، لتدير حملتها الانتخابية ضد أبيها، لأنَّ صفيّة تمثل الخير والأمل للناخبين للوقوف بوجه الحاج المكي.

اسم المسرحية “دير مزية” بالدارجة يعني “من الأحسن لكم ألاّ تفعلوا هذا” ولذلك بقي الجمهور يريد معرفة، ما هو هذا الشيء الذي من الأَحسن عدم فعله؟

وتنتهي المسرحية بمخاطبة الجمهور بشكل مباشر بضرورة المساهمة الفعالة بالانتخابات لأنَّها الحل وليس الحل بترك البلد، والهجرة إلى خارجه أو كما قال سي عبدالصبور الضرير ومثل دوره فتاح النكادي وهو يخاطب علال، ومثل دوره سعيد آيت باجا في أثناء البحث عن حلول لمشاكلهما “هروب مول الدار ماشي حل” (هروب صاحب الدار ليس حلاً). وهذا هو المعني باسم المسرحية “والطلب بعدم فعله” أي عدم الهجرة وترك الوطن لمثل الحاج المكي.

وبذلك فقد خاطب المؤلف من خلال نص مسرحي كوميدي مولييري روح المواطنة لدى كل مغربي بضرورة المشاركة الواسعة في مختلف الانتخابات لإِحداث التغيير المطلوب، لأنَّ التغيير منطلقه الأول هو المواطن.

كاتب من العراق

 

فيصل عبدالحسن

http://www.alarab.co.uk/

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *