دور مسرح الشباب في تأسيس المسرح العماني

تتناول هذه الورقة، دور فرقة مسرح الشباب في تأسيس الحركة المسرحية ونشأتها في عمان ، وذلك من خلال أربعة محاور ؛ المحور الأول مسرح الشباب وبدايات الحركة المسرحية ،حيث تطرقت في هذا المحور للصعوبات التي واجهتها الفرقة في عميلة بداية التأسيس، ويدور المحور الثاني حول المراحل التي مر بها تطور فرقة مسرح الشباب، وقد قسمت هذه المراحل إلى ثلاث مراحل ، وهي مرحلة النشأة والتأسيس ، ثم مرحلة التبلور والتشكيل المسرحي العماني ، وثالثا مرحلة الاحتراف المسرحي والانطلاقة الفعلية. وقدمت في المحور الثالث تحليل إحصائي ونوعي للمسرحيات التي قدمتها فرقة مسرح الشباب ، وفي المحور الرابع تناولت ابرز التأثيرات الفنية والثقافية التي أفرزتها تجربة مسرح الشباب طيلة مسيرة هذه الفرقة ، والعناصر الفنية التي ساهمت في بلورتها الفرقة في مسيرتها المسرحية ، وقد أنهيت الورقة ببعض الاقتراحات التي أتصور أنها سوف تساهم في تعزيز عمل فرقة مسرح الشباب .
المحور الأول :مسرح الشباب وبدايات الحركة المسرحية في عمان :
لقد بدأت فرقة مسرح الشباب في مرحلة التكوين الأولى عام 1980 على يد مجموعة من الممثلين الشباب الذين كانت لديهم هواية التمثيل وكانوا يمارسونه من خلال الأندية ، حيث كانوا يقومون بتمثيل بعض الاسكتشات البسيطة خلال حفلات العيد الوطني والمناسبات الوطنية الأخرى،وبعض المسرحيات الأخرى ذات الصبغة الكوميدية والاجتماعية، ولكن هذه المحاولات لم تكن كافية لتشكيل ملامح مسرح عماني جاد . وقد بدأت الخطوات الحقيقية لإنشاء فرقة مسرح الشباب ،عندما تلاقت رغبة هؤلاء الشباب مع رغبة وزارة الإعلام والشباب آنذاك في تنمية النشاط المسرحي ، حيث قامت الوزارة بتبني هؤلاء الشباب ، وتكوين أول فرقة مسرحية عمانية للشباب ، كما قامت باستقدام مخرجا عربيا من جمهورية مصر العربية وهو مصطفى حشيش ، فالتف حوله هؤلاء الفنانون “وتعاضدوا معا لتشكيل أول فرقة مسرحية عمانية من الهواة في العاصمة مسقط وهي فرقة ذات صبغة رسمية بحكم تبعيتها لوزارة رسمية “(1) ، وقد استقدمت الوزارة فيما بعد أيضا كاتبا مسرحيا وهو منصور مكاوي .
ويبدو أن تأسيس الفرقة بهذا الشكل كان مناسبا للطرفين ، فلقد كانت الوزارة المعينة في تلك الفترة بتنمية أنشطة الشباب الثقافية والفنية تضع في تصورها ، تشكيل وإقامة إطار فني لاستيعاب جهود الشباب الفنية ، وكان الممثلون الهواة يعانون من حالة جمود النشاط المسرحي في تلك الفترة ، وكانوا يبحثون عن مكان مناسب يمارسون من خلاله هواياتهم بعيدا عن الأندية ، ويحقق لهم الحد الأدنى من الشروط الفنية والمعنوية والمادية لتقديم مسرح عماني جاد ،ولذلك استطاع كل من الطرفين (الوزارة والممثلين) تحقيق رغبته من خلال تأسيس هذه الفرقة . ولا بد من الإشارة هنا أن تبني الوزارة لجهود هؤلاء الشباب قد أعطى الفرقة في بداية تأسيسها دفعة قوية ومناسبة ، للبدء في نشاط الفرقة بكل قوة وحماس ، حيث أن الراعي لهذه الفرقة كانت مؤسسة رسمية لها قوة مادية ومعنوية في التخطيط والتنفيذ ، ولذلك فإن هذا الدعم ربما لن تحظى به الفرقة لو تأسست على مستوى شعبي أو من خلال النوادي ذاتها التي تعاني من أزمات مادية وفنية ، ولهذا “كان الحماس هو الصفة الغالبة على معظم مؤسسي الفرقة من الشباب ، وبالحماس والمخرج العربي استطاعت الفرقة أن تجتاز كل العقبات في بداية تكونيها وأن تقدم أول عمل لها وهي مسرحية شكسبير الشهيرة (تاجر البندقية )”(1) .
ولقد كان تأسيس الفرقة نقطة تحول في مسيرة الحركة المسرحية في عمان وخطوة مناسبة لانبعاث حركة المسرح العماني وتفجير طاقات الممثلين الفنية والمبدعة ، ولكن الفرقة في تلك الفترة كانت تفتقر للكثير من الأسس الفنية التي يتطلبها تقديم مسرحية متكاملة، فبالإضافة إلى عدم وجود مؤلف متخصص وعدم وجود نصوص مسرحية محلية تصلح للتمثيل ، كانت هناك عدة عوائق وصعوبات تواجه عمل الفرقة .
ومن الصعوبات التي واجهها مسرح الشباب ، في بداية مسيرته :
1- عدم وجود مؤلف مسرحي :-
واجهت فرقة الشباب في بداية الحركة المسرحية لمسرح الشباب قلة النصوص المسرحية التي تناسب المجتمع العماني في تلك الفترة وقد لجأ بعض كتاب مسرح الشباب في هذه الفترة إلى تعريب المسرحيات العالمية وتعمين المسرحيات العربية فشاهدنا مثلا مسرحية تاجر البندقية لشكسبير ومسرحية عيال النوخذة المأخوذة عن مسرحية لنعمان عاشور ( عيلة الدغروي)، وكذلك مسرحيات أخرى لموليير وتوفيق الحكيم وغيرهم من رموز المسرح في العالم، وقد ظهرت الحاجة إلى المسرحية المؤلفة محليا، وكانت الدعوة إليها ملحة لشعور المهتمين بالمسرح أن المسرحية المعدة عن أصول أجنبية ربما تفقد تأثيرها ، كما تمت الاستعانة بعدد من الخبرات العربية في بداية تأسيس المسرح من كتاب النصوص وذلك لدعم مسيرة المسرح مثل منصور مكاوي وعبد الغفار مكاوي .
قلة الممثلين وخاصة من العنصر النسائي وكانت هذه إحدى الصعوبات التي واجهت فرقة مسرح الشباب ،” أما المشكلة الثانية ، فكانت في العنصر النسائي والتي تم التغلب عليها بانضمام ثلاث عضوات إلى قائمة مؤسسي مسرح الشباب ” ،”وفي العديد من الأعمال المسرحية التي قدمها مسرح الشباب كانت تبرز أمامه مشكلة العنصر النسائي ولم تواصل العمل المسرحي من مسرح الشباب سوى فنانة واحدة هي التي تربعت على عرش الإذاعة والتليفزيون … أما الأخريات فكن يعملن بمسرحية أو اثنتين ثم يختفين لظروف أغلبها اجتماعية الصبغة “(1) .
3- عدم وجود الكوادر الفنية المؤهلة للقيام بمثل هذا العمل الفني ، أو أن الممثلين الأساسيين كانت تنقصهم الخبرة الكافية للتمثيل في مسرحيات كبيرة ومميزة لأن أغلب الممثلين كانوا من الهواة “أما الصعوبة التي كانت تمثل أكبر الصعوبات جمعيا والتي استغرقت معالجتها ستة أشهر – هي فترة إعداد المسرحية لتعرض في العيد الوطني العاشر في 18 نوفمبر 1980م- فكانت في كوادر الممثلين أنفسهم .. فأغلب الممثلين كانوا في بداية تجاربهم الأولى على المسرح وكانت خبراتهم في العمل المسرحي قليلة وغير كافية لتقديم عمل عالمي مثل تاجر البندقية) لذلك كان لزاما على المخرج ، أن يقوم بدورة تدريبية تأهيلية للأعضاء على مبادئ التمثيل الأولية ، ومن ثم يقوم بإخراج العمل، وهذا بالفعل ما تم واستغرق ستة أشهر من التدريبات الشاقة ” (2)
4-عدم وجود صالات عرض أو مسارح معدة أو صالحة للعرض ، فلم تكن هناك صالات عرض معدة لتقديم مثل هذه الأعمال المسرحية ، “والصعوبة الأخرى كانت في إيجاد قاعة للتدريب وقد تم التغلب عليها بمعاونة الوزارة إذ تمت الاستعانة بصالة أحد الأندية للتدريب عليها .. وتم استئجار مسرح فندق الانتركونتنتال للعرض ” (3).
وهنا ينبغي التأكيد على أن حركة المسرح في عمان لم تكن فقط حديثة العهد في التجربة فقط، ولكن حتى ممثليها وكتابها حديثو السن ،وهم يمثلون في أغلبيتهم فنانين التزموا بهذا الشكل الفني الحديث، ولذا فهي تجربة حديثة ، وبالنظر إلى حداثة هذه التجربة المسرحية العمانية، نعاين كذلك حداثة كتابها وممثليها بكل ما تحمله لفظة (حداثة) من معنى ، وخاصة في بدايات فرقة مسرح الشباب الأولى، فلقد كان أغلب الفنانين الذين قاموا بإنشاء الفرقة ما يزالون في مرحلة الشباب الزمني والفني. وهذا الوضع المزدوج للحداثة في التجربة المسرحية العمانية لم يكن عاملا عائقا في تطور حركة المسرح في البداية ، بقدر ما كان عاملا مساعدا لفائدة تطور وتبلور الحركة المسرحية ، وقد تحول إلى عنصر مفيد من حيث التمسك بالأصول والتقاليد المسرحية والفنية والمثابرة على خلق حركة مسرحية جيدة وجيل مسرحي واع ، كما ساعد على وضع ضوابط مسرحية محددة ومتزنة ساهمت في بناء الحركة المسرحية في عمان في ضوء واقع التجربة المسرحية البسيطة والإمكانيات الفنية المبتدئة التي امتاز بها أعضاء الفرقة، وهذه الضوابط المسرحية لم تكن معينة بتلك الفترة فقط ، وإنما استمرت طيلة مسيرة حركة المسرح في عمان فيما بعد. “وهكذا نرى أن مسرح الشباب خلال مسيرته منذ أن تأسس عام 1980م وحتى اليوم لم يكن غزير العطاء بقدر ما كان متبصر العطاء ومتنوع التجربة … ربما كان وما زال يبحث لنفسه عن هوية فنية وربما كان وما زال يبحث عن نقطة بداية إلا أنه في كل الأحوال حقق محاولات مسرحية، اتسم كثير منها بالنجاح والفائدة على الأعضاء”(1) .
وعلى الرغم من حداثة هذه التجربة وتفاوت مستويات فنانيها إلا أنها أفرزت في السنوات القليلة الماضية العديد من المسرحيات الناجحة ، كما أن الأعمال المسرحية في تصاعد مستمر، حيث بلغ مجموع الأعمال المسرحية أكثر من خمسين عملا مسرحيا منذ بداية الثمانينيات .
المحور الثاني : المراحل التي مر بها تطور مسرح الشباب :
ويمكن تقسيم مراحل مسيرة فرقة مسرح الشباب إلى ثلاث مراحل رئيسية وهي :
أولا : مرحلة النشأة والتأسيس :
وهي مرحلة التأسيس وقد تميزت هذه المرحلة بعدة ملامح وهي :
موسمية الحدث المسرحي ، فلقد ظل مسرح الشباب يقدم عملا سنويا واحدا في مناسبة العيد الوطني ، ومع ما تمثله هذه الظاهرة من سلبية تم تفاديها لاحقا ، إلا أنها أرست تقاليد العمل المسرحي في عمان ، كما أنها جعلت من هذا العمل المسرحي ، مركز اهتمام وسائل الإعلام ، التي كانت تسلط الضوء على تلك المسرحيات وتهتم بها، وتثير في الوقت نفسه العديد من مظاهر النقاش بين المهتمين والمتابعين كونها العمل الثقافي الأبرز في تلك الفترة الزمنية ، وقد صب ذلك في مصلحة العمل المسرحي وأدى إلى تسليط الأضواء عليه وترقب المهتمين لهذا العمل ، والاهتمام الكلي به .
ويبدو أن هذه الظاهرة كانت موجودة في أغلب التجارب المسرحية الخليجية أيضا ، في بداية حركة المسرح ، فيقول عبد العزيز السريع في ورقة عن معوقات الحركة المسرحية في الخليج ” نعم لقد تسارع التقدم وتطور المسرح كثيرا في هذا الاتجاه ، فبينما كان المسرح في الكويت في أوائل الستينيات يقدم عملا مسرحيا واحدا في العام أو أثنين على أكثر تقدير .. فقد قدم هذا المسرح في عام 1988 تسعا وعشرين عملا مسرحيا”(1) .
وقد انتقد أكثر من متابع هذه الظاهرة وهي تقديم عمل مسرحي واحد في السنة ، يقول الأستاذ حفيظ الغساني “لكن ومع كل هذا فإن ظاهرة سلبية لا بد من الإشارة إليها وهي قضية الموسمية .. بمعنى ارتباط الإنتاج المسرحي بالمناسبات ليس من ناحية الجوهر والموضوع بل من ناحية الزمن ، فلا نشاهد المسرح إلا مرة واحدة كل عام بمناسبة احتفالات العيد الوطني .. ويقول المحرر الفني لمجلة نزوى في موضوع عن الحركة المسرحية في عمان ” وبعد ذلك ظهر واضحا أن مسرح الشباب يحاول الحفاظ على استمراريته بتقديمه عملا واحدا سنويا وهو الذي يعكس أيضا بطء العملية المسرحية وضعف حركتها بما لا يتناسب مع الكم الكبير الذي قدم خلال السنوات الأولى من عقد السبعينيات ، وحقيقة فإن فرقة مسرح الشباب وبما تتمتع به من دعم رسمي هي الفرقة الوحيدة التي حافظت على استمراريتها في تقديم العروض والاستمرار الفني ، كما أنها ومنذ عام 1986 م قد خرجت من إطار العمل السنوي الموسمي، واتجهت إلى التنويع وإلى تقديم أكثر من عمل موسمي فقدمت في الأعوام 86 ،87، 98 ، 2001 ثلاثة عروض في العام الواحد ،وفي العامين 90 ،94 قدمت أربعة عروض مما يشير إلى إزياد عدد العروض المسرحية في السنة، وخروجها عن دائرة العرض الموسمي . وأنا أتصور أن حجم وعدد العروض التي كانت تقدمها فرقة مسرح الشباب كانت تتم أو تسير حسب ظروف الوضع الفني للفرقة وحسب الإمكانيات الموجودة لدى الفرقة وحسب العرض والطلب ، فإذا ما توفرت الإمكانيات المادية والنصوص والممثلين والكادر الفني والتشجيع من قبل المسئولين فإن العروض تتوالى وخصوصا قرب مناسبة العيد الوطني أو اقتراب موعد المهرجانات الخليجية والعربية فإنه يتم المسارعة بتقديم وزيادة العروض المسرحية ، وإذا لم تكن تلك المناسبات موجودة فإن العروض المسرحية تكون حسب توفر العناصر الفنية والمادية السابقة ، ويتم الاكتفاء بتقديم عمل أو عملين سنويا حتى تكون الفرقة قد قامت بما هو مطلوب منها على الأقل محليا .
وهنا أود الإشارة إلى أنه حتى عندما تم تأسيس الفرق المسرحية الأهلية فأنها لم تستطع الخروج من دائرة العروض الموسمية السنوية ، والمناسباتية وخاصة في فترة العيد الوطني أو فترة المسابقات الرسمية التي تقيمها وزارة التراث والثقافة ، أو بلدية مسقط خلال مهرجان مسقط ، فأن أكثر هذه الفرق تكتفي بعمل واحد في السنة وبمناسبة العيد الوطني أو الاشتراك في المسابقات والمهرجانات المحلية ، وحتى فترة تقديم هذه العروض لم تتغير وظلت تراوح نفسها بين العرض الافتتاحي ، ثم ثلاثة أيام للجمهور فقط . ولهذا ينبغي توجيه كلمة حق وهي أن العروض المسرحية السنوية التي كانت تقدمها فرقة مسرح الشباب ورغم الظروف التي كانت تواجه الفرقة ومحاولة الاستمرار في تقديم هذه العروض بما يتناسب مع إمكانيات الفرق تستحق الشكر والثناء ، لأنها استطاعت أن تبدأ وأن تتواصل رغم المعوقات الكبيرة التي كانت تحيط بالفرقة في بدايات تأسيسها.
2- أن أغلب النصوص المسرحية كانت إما معربة من المسرحيات العالمية أو معمنة من المسرحيات العربية ،وذلك لعدم وجود نصوص مسرحية عمانية ، وكانت قلة النصوص المسرحية التي تناسب المجتمع العماني في تلك الفترة تمثل مشكلة كبيرة:”في بداية تشكيل خشبة المسرح في عمان .. كان لجوء مسرح الشباب إلى المسرحيات العالمية والعربية فشاهدنا مثلا مسرحية تاجر البندقية لشكسبير ومسرحية عيال النوخذة المأخوذة عن مسرحية لنعمان عاشور ( عيلة الدغروي) ، وكذلك موليير وتوفيق الحكيم وغيرهم من رموز المسرح في العالم”(1) ، ويرى د. سيد صادق أن بعض المؤلفين العمانيين كانوا يستسهلون في البداية عملية الإعداد ، ولا يحاولون تأليف مسرحيات محلية ، فيقول “بدأت الكتابة المسرحية العمانية معتمدة على الإعداد عن روائع المسرح العربي والأوربي، ذلك لأن بعض المؤلفين كانوا يستسهلون في البداية عملية الإعداد، ولا يحاولون تأليف مسرحيات محلية تعبر عن وجدان الشعب العماني واهتماماته ، لذا ظهرت الحاجة إلى المسرحية المؤلفة محليا ، وكانت الدعوة إليها ملحة لشعور المهتمين بالمسرح أن المسرحية المعدة عن أصول أجنبية تفقد تأثيرها بعد تعمينها وأن ما يصلح لمجتمع ما قد لا يناسب الذوق العماني “(2) ، وأنا حقيقة أرى إن إعداد مسرحيات عالمية وعربية لكتاب مثل توفيق الحكيم وشكسبير وموليير في بداية حركة مسرح الشباب قد جاء كنوع من التحدي للذات ، ويبدو أن اختيار مثل هذه الأعمال للتمثيل في بداية عمل فرقة مسرح الشباب جاء كنوع من التحدي الحقيقي لأعضاء الفرقة ، ومحاولة إثبات قدرة الممثلين والمخرج (الكادر الفني ككل) على تقديم عمل فني ذو إمكانيات فنية عالية ، والنجاح في تنفيذه ،وهو ما قد حصل ، فلقد نجح الكادر الفني في تقديم عمل فني حاز على مباركة وتشجيع الجميع .
3-عدم وجود وعي مسرحي وجمهور ملائم لمثل هذه العروض المسرحية ، وخاصة في بداية العروض المسرحية التي قدمتها فرقة مسرح الشباب ، التي كانت تعتمد على نصوص ومسرحيات عالمية ، وكان المشاهدين يتوقعون أعمالا مسرحية بسيطة أو كوميدية في بداية الأمر ، لكن عرض مثل تلك المسرحيات العالية في مضمونها ، ساعد بلا شك في توجيه المشاهدين ، والرقي بأذواقهم إلى المستوى المناسب .
4- من ملامح هذه المرحلة أيضا السعي إلى تبني بعض القضايا الاجتماعية ومسرحة الأحداث التاريخية العمانية ، وذلك في سعي من قبل المؤلفين للارتباط مع واقع المجتمع ، الذي كان يمر بفترة تحول اجتماعي ، وكان يرغب في ملامسة بعض قضاياه والبحث عن حلول لها من خلال الرؤية الفنية التي كان يطرحها كتاب المسرح في تلك الفترة .
ثانيا مرحلة التبلور والتشكيل المسرحي العماني:
لقد بدئت هذه المرحلة منذ عام 1987 وذلك عندما قام مسرح الشباب بتقديم ثلاث مسرحيات عمانية الكتابة والإخراج والتمثيل ، وهو ما يعد نقلة نوعية ومتطورة في تجربة مسرح الشباب ،فلقد كتب محمد بن سعيد الشنفري أول مسرحية عمانية ( مسرحية الفأر ) وتبعه عبد الكريم جواد بمسرحتين هما ( السفينة لا تزال واقفة ، ومسرحية مخبز الأمانة ) ،”وباستثناء المسرحيات التي ألفها منصور مكاوي الذي استقدمه مسرح الشباب العماني ، فإن الميلاد الحقيقي للمسرحية العمانية المؤلفة محليا ، قد بدأ عام 1987 ، عندما كتب محمد بن سعيد الشنفري مسرحية الفأر ، وعبد الكريم جواد مسرحية السفينة لا تزال واقفة “(1)
كما سجل مسرح الشباب أول مشاركة خارجية ، وذلك عندما شاركت الفرقة بمسرحية “السفينة لا تزال واقفة” في المسابقة الثانية لمسارح الشباب لدول مجلس التعاون –دولة الإمارات العربية المتحدة بالشارقة .
ويرى عبد الكريم جواد أن عام 1987 كان يمثل انطلاقة كبرى لمسرح الشباب ، فيقول: ” وهكذا كانت سنة 1987 انطلاقة كبرى لمسرح الشباب ،إذ شارك لأول مرة في المسابقة المسرحية الثانية لشباب مجلس التعاون لدول الخليج العربية التي عقدت في الشارقة في سبتمبر 1987م ، بمسرحية “السفينة ما تزال واقفة ” من تأليف وإخراج (كاتب البحث) ، وكان أول عمل مسرحي تشارك به السلطنة في الخارج ، كما تم عرضه في العاصمة وبعض مناطق السلطنة .. وكان عملا تغلب عليه صبغة العمل المسرحي الناقد ، وقد حظى العمل باهتمام من قبل فناني المسرح الخليجي ، وقد حصلت إحدى ممثلات العمل على جائزة أحسن ممثلة ، بينما حصل مهندس الديكور على جائزة أفضل مهندس ديكور”(2) .
وقد تبلورت خلال هذه الفترة من تجربة مسرح الشباب عدة أمور وعناصر منها :
ظهور كتاب نصوص ومخرجين عمانيين ، فلقد لاحظنا ظهور عدة أسماء عمانية في كتابة النصوص المسرحية ، وفي إخراجها أيضا ، وقد ظهرت في هذه المرحلة أول مسرحية عمانية ، وهي مسرحية الفار.
ظهور عدد من الممثلين الذين تبنوا التمثيل كمهنة وليس كهواية وذلك من خلال الدراسة الجامعية ،مما أدى إلى اتساع دائرة الممثلين لتشمل أسماء ممثلين وممثلات جدد على الساحة المسرحية .
ظهور عدة أعمال مسرحية في السنة ، ومحاولة التنويع في الأعمال المسرحية ، فلم تعد تقتصر الأعمال المسرحية على القضايا الاجتماعية ، والأعمال المسرحية للكبار،ولكن الفرقة قدمت عدد من الأعمال المسرحية للأطفال .
برزت في هذه الفترة أيضا ظاهرة الجمع بين التأليف والإخراج ، حيث قام أكثر من فنان عماني بالجمع بين الإخراج والتأليف المسرحي ، وكانت هذه الظاهرة ذات حدين؛ فهي من جهة ساهمت في تغطية النقص الحاد في كتاب ومؤلفي المسرحيات، لكنها أدت من جهة أخرى إلى تراجع عملية التخصص والاحتراف في الكتابة والإخراج المسرحي ، كما أدى بروز هذه الظاهرة إلى تحكم المؤلف/المخرج في عناصر العمل الفني وتمرير المؤلف لأفكاره التي يعتنقها من خلال التأليف ، وكذلك من خلال الإخراج المسرحي ، مما أدى إلى طغيان رؤية المؤلف على العملية الإخراجية . وقد تكرس هذا الأمر في الأعمال المسرحية اللاحقة لفرقة مسرح الشباب وأصبحت هذه الظاهرة من سمات الفرقة الفنية والمسرحية .
برز في هذه المرحلة مشاركات الفرقة الخارجية في مهرجانات دول الخليج، كما حصلت الفرقة على بعض الجوائز وشهادات التقدير للمسرحيات المشاركة في تلك المهرجانات ، منها للممثلين أو للنصوص المسرحية . وهذا في حد ذاته يشير إلى نجاح الأعمال المسرحية ليس على الصعيد المحلي وإنما على الصعيد العربي ، وتقدير هذه المسرحيات من قبل النقاد والمسرحيين الخليجيين والعرب .
ثالثا : مرحلة الاحتراف المسرحي والانطلاقة الفعلية :
ومن ملامح هذه المرحلة :
1- انتشار الفن المسرحي كنوع من الفنون المرافقة لعميلة التنمية الثقافية وليس فقط كفن موسمي وترفيهي ، وذلك من خلال تنوع الأعمال المسرحية وكثرتها ، حيث أصبح المسرح يقدم أكثر من عمل واحد في السنة ، وقد ظهرت عدة فرق فنية أهلية ، كما أدى انتشار مسارح الشباب في بقية مناطق السلطنة إلى ظهور نوع من المنافسة الفنية والعملية لفرقة مسرح الشباب، وقد أدى ذلك إلى محاولة كل فرقة مسرحية إلى تقديم أعمال ذات مستويات فنية عالية .
زيادة فعالية نشاط الفرقة المسرحي على الساحة الثقافية ، حيث قامت الفرقة بتقديم عدد من عروضها خارج منطقة مسقط .
أصبحت المشاركات في المهرجانات والملتقيات المسرحية الخليجية والعربية أكثر تطورا ، وحنكة ، فبالإضافة إلى المشاركة المتواصلة في مهرجان مسرح الشباب لدول مجلس التعاون ، بدأت الفرقة في المشاركة في عروض المسرح التجريبي في القاهرة . كما بدأت الفرقة في حصد عدد من الجوائز في مشاركتها الخارجية ، فلقد حصدت مسرحية “الشروط ” التي شاركت في مهرجان مسرح الشباب لدول مجلس التعاون بدولة قطر سبع جوائز ( التأليف، الديكور، الامتياز في الديكور ، الامتياز في الإضاءة ، أفضل ممثل ، أفضل ممثلة ، أفضل ممثلة دور ثاني ) ، وهذه الجوائز بلا شك تتدلل على المكانة التي وصلت إليها فرقة مسرح الشباب .
أصبحت الفرقة أكثر خبرة في تقديم العروض المسرحية من الناحية الفنية، وحاولت الخروج من نمط الصيغ التقليدية إلى الأشكال الأخرى نحو المسرح التجريبي ، والفنتازيا وتوظيف التراث الشعبي ، كما أصبحت الفرقة تقدم عروضها على أسس فكرية وفنية محددة تلقى القبول والترحيب من قبل الجمهور العماني والخليجي .
المحور الثالث :تحليل إحصائي ونوعي للمسرحيات التي قدمها مسرح الشباب :
للتعمق في المسرحيات التي قدمها مسرح الشباب وتحليل مضمون هذه المسرحيات ، قمنا بعمل الإحصائية الآتية :

نلاحظ على الإحصائية السابقة عدة أمور :-
تبادل الأدوار بين المخرجين وكتاب النصوص وحتى التمثيل ، فالمخرج في المسرحية الأولى ربما يكون ممثل في المسرحية اللاحقة أو كاتب نص ، ونلاحظ وجود عدد كبير من المسرحيات التي قائم بكتابتها وإخراجها وتمثيلها نفس الفنان .
مضمون المسرحيات التي قدمها مسرح الشباب كانت تحمل مضامين مختلفة منها ؛
ما هو اجتماعي ومنها ما هو تاريخي ومنها مسرحيات عالمية وأخرى تعالج قضايا تاريخية وإنسانية ولكن من الواضح أن هناك تقارب بين ما يثار من قضايا اجتماعية في واقع المجتمع العماني ، وبين ما يعرض من مسرحيات على مسرح الشباب .
قدم مسرح الشباب في مسيرته التي استمرت منذ عام 1980 ثمانية وأربعين عملا مسرحيا شارك في كتابة النصوص ثمانية كتاب عرب وثلاثة كتاب خليجيين وعشرة كتاب عمانيين ،وكاتبين عالميين هما وليم شكسبير وموليير ، وشارك في إخراج الأعمال المسرحية مخرجا عربيا واحدا وعشرة مخرجين عمانيين مما يدلل على اتساع دائرة المشاركة العمانية في التأليف والإخراج المسرحي .وإن فرقة مسرح الشباب قد بدأ في السنوات الأخيرة في الاعتماد على مخرجين وكتاب نصوص عمانيين ، كما نلاحظ التنويع في مضمون هذه النصوص واختلاف جنسيات كتابها.
مع اتساع دائرة المخرجين والمؤلفين العمانيين إلا أن عدد المسرحيات التي تقدم سنويا ظل يراوح مكانه بين العملين المسرحين في السنة والأربعة إعمال على أكثر تقدير ولم يتجاوز هذا الرقم مكانه على الرغم من تطور إمكانيات المسرح وكثرة المؤلفين والمخرجين والممثلين العمانيين . ولكن يبدو أن ليس العبرة في الكثرة ولكن العبرة تبقى في حجم ونوعية النشاط الذي تقوم به الفرقة وكادرها الفني ، ففي بدايات الفرقة كان عدد الفنانين قليلا ولكن حجم النشاط والعطاء كان أكبر وذلك ما تدل عليه الإحصائية السابقة .
وفي الجدول التالي نقارن عدد المسرحيات مقارنة مع أسماء المؤلفين والمخرجين
1- نلاحظ من خلال الإحصائية السابقة أن هناك بعض الأسماء التي كان لها نصيب الأسد في الإخراج والتأليف ومن هذه الأسماء عبد الكريم جواد حيث بلغت المسرحيات التي ألفها 15 مسرحية ما نسبته 31% من المسرحيات التي قدمها مسرح الشباب، وأخرج تسع مسرحيات ونسبتها 19%، وبلغت المسرحيات التي أخرجها سالم بن محمد الشنفري سبع مسرحيات ونسبتها 15%، وعدد المسرحيات التي ألفها احمد بن عبد الغفور البلوشي سبع مسرحيات ونسبتها 15% ، وتوزعت المسرحيات الباقية على عدد من المؤلفين والمخرجين الذين تكررت أسمائهم بعضهم في الإخراج والتأليف .
2- تكرار الأسماء التي جاءت من الصف الثاني من المؤلفين والمخرجين أيضا كانت لهم مساهمات متكررة في أكثر من عمل مسرحي ولكن قاعدة المخرجين والمؤلفين كانت أخذة في الاتساع .
3- أن المخرجين والمؤلفين من الجيل الثاني كانت له مساهمات في أكثر من مجال في التأليف والإخراج والتمثيل أيضا ، تماما كما كان دور الجيل الأول من المخرجين والمؤلفين العمانيين . ولكن التخصص في العملية الفنية بدأ أكثر وضوحا ، من حيث التخصص في مجال واحد (التأليف أو الإخراج) دون الجمع بينهما في عمل مسرحي واحد.
المحور الرابع : التأثيرات الفنية والثقافية التي أفرزتها تجربة مسرح الشباب :
لقد استطاعت فرقة مسرح الشباب تحقيق العديد من المكاسب والإنجازات طيلة مسيرتها الفنية ، كما أن هناك العديد من التأثيرات الفنية والثقافية التي أفرزتها تجربة مسرح الشباب ليس فقط على الساحة الفنية والثقافية الداخلية ولكن الخليجية ومن هذه التأثيرات والنتائج :
لقد أدى إنشاء فرقة مسرح الشباب إلى تأسيس وخلق حركة مسرحية جادة ونشطة وأدى إلى تأسيس حركة مسرحية نشيطة ومتميزة ، وما هذا النشاط المسرحي الحالي، إلا ثمرة من ثمار ونتيجة ايجابية من ثمرات تلك اللبنات الأولى التي وضعها وأسسها مسرح الشباب ، فلقد بدأ واضحا أن الهدف الرئيسي من تأسيس فرقة مسرح الشباب هو خلق حركة مسرحية فاعلة ، ويبدو أن المخططين الأوائل الذين وضعوا اللبنات الأولى لمسرح الشباب كانوا يدركون الهدف الأساسي من إنشاء هذه الفرقة المسرحية ، وكانوا يدركون أيضا مدى الصعوبات التي كانت تواجههم ، ولكنهم في الوقت نفسه كانوا يمتلكون العزيمة والتصميم على إنجاح هذا المشروع على المدى البعيد وكانوا متأكدين من القدرة على النجاح ومواصلة تلك المسيرة على الرغم من قلة الإمكانيات وضاءلت النصوص المسرحية في تلك الفترة .
وحقيقة فإن حركة المسرح في عمان تدين بالفضل لعدد من الفنانين المسرحيين العمانيين والعرب الذين وضعوا اللبنات الأولى لمسرح الشباب وبجهدهم نشأ وترعرع هذا الفن المسرحي ، وهم ؛ أثنين من المسرحيين العرب هما المخرج مصطفى حشيش والكاتب المسرحي منصور مكاوي، وأثنين من الشباب العمانيين اللذان عشقا الفن المسرحي المخرج محمد بن سعيد الشنفري وعبد الكريم جواد اللذان وضعا اللبنات الأولى للحركة المسرحية في عمان وبذلا كل جهد ممكن لتطوير هذا الفن المسرحي في عمان ، وكان بمعييتهما عدد من الممثلين الذين أسهموا بجهد وافر في تثبيت ركائز هذا الفن المسرحي في عمان ، وقد أثروا مسيرة الفرقة منذ بدايتها ، ولم يبخلوا عليها بأي جهد ، ونذكر هنا على سبيل المثال لا الحصر الفنانين : صالح زعل وفخرية بنت خميس ، والمرحوم جمعة الخصيبي، وسعود الدرمكي ومحمد بن نور ، معصومة الذهب ومحسن البلوشي وعبد الرزاق المحرمي وعبد الغفور أحمد .
2- من النتاج الإيجابي لمسرح الشباب هو رفد حركة الدراما العمانية في التليفزيون والإذاعة بعدد كبير من العناصر الشابة والمؤهلة والمدربة تدريبا فنيا وقادرة على التعامل مع الكاميرا والميكرفون ، فمن المعروف أن الممثل الذي يتعامل مع الجمهور على المسرح يكون أقل رهبة في التعامل مع الكاميرا .
ومما يلاحظ على الساحة الفنية أن أكثر الممثلين العمانيين كانت انطلاقتهم الأولى من خلال فرقة مسرح الشباب ، لقد دلت سجلات الفرقة على العدد الكبير الذين قدمهم مسرح الشباب من كتاب النصوص والمخرجين والممثلين للحركة الفنية في عمان والذين توالوا على التمثيل والإخراج قد بلغ العشرات . وهذا يشير إلى أن مسرح الشباب لم يكن فقط فرقة مسرحية تقدم العروض المسرحيية ، وإنما كانت مدرسة يتخرج منها الفنانون من ممثلين ومخرجين وكتاب نصوص وفنين .
أدت مشاركات فرقة مسرح الشباب في الأنشطة الخارجية ، إلى خلق نوع من التنافس الفني والمسرحي بين فرق مسرح الشباب الخليجية ، فلقد بدأت المشاركات من عام 1987 وذلك في مهرجان مسرح الشباب لدول مجلس التعاون ، ثم استمرت بعد ذلك ، بل انطلقت لكي تشارك في المهرجانات العربية ، وقد حصدت هذه المشاركات عدد من الجوائز وهذا يدلل على قدرة مسرح الشباب ليس فقط على المشاركة ولكن أيضا على الفوز بمراكز متقدمة . وقد أدت هذه المشاركات إلى تقدم العمل المسرحي في عمان، والى خلق نوع من التنافس بين فرقة مسرح الشباب وبين فرق المسرح الخليجية الأخرى ، في محاولة جادة لخلق حركة مسرحية خليجية . وهذا يعني إن مسرح الشباب قد ساهم بدون شك في خلق حركة مسرحية خليجية جادة ونشطة فيها الكثير من سمات المسرح الجاد والمتميز .
ساهم مسرح الشباب في مناقشة العديد من القضايا الاجتماعية والإنسانية والسياسية ، فلم يكن دوره دورا ترفيها فقط ، ولكنه كان له دور طليعي في خدمة قضايا المجتمع، وإن اتسمت بعض تناوله بالسطحية وعدم التعمق في القضايا المطروحة، وأحيانا بالمباشرة في الطرح ، ولكن القضايا التي أثيرت على المسرح كانت كفيلة بأن تدق ناقوس الخطر ، ومن هذه القضايا قضية الاعتماد على الوافدين ، وقضية غلاء المهور .”في عام 1987 قدم الفنان محمد الشنفري مسرحية الفار تأليفا وإخراجا ، وهي مسرحية يمكن إدراجها تحت ظل المسرح الاجتماعي ، إذ تتعرض لظاهرة الزواج الغير متكافئ والجشع والرغبة في التملك “(1)، ومن هذا المنطلق فلقد ناقش كتاب المسرح العماني الكثير من المشاكل الاجتماعية التي تؤرق فئات كثيرة من المجتمع وعلى رأسها المغالاة الشديدة في استقدام العمالة الماهرة والرخيصة الوافدة من دول شرق آسيا التي يعاني أغلبها من البطالة والكساد الاقتصادي . وتطرق مؤلفو المسرح العماني كذلك إلى قضايا أخرى كثيرة منها مشكلة الطلاق وأهم أسبابه الزواج غير المتكافئ ، وكذلك حرمان الفتاة من التعليم بحجة التعجيل بزواجها في سن مبكرة .
ولكن توجه مسرح الشباب لتنبي القضايا الاجتماعية وسم المسرح بنوع من الشكل الواقعي أو ما يسمى بالواقعية الاجتماعية ، مما أدى إلى بعده عن الأشكال المسرحية الأخرى نحو الكوميدية ، وقد أدى ذلك طغيان التوجه الواقعي ، حيث لا نرى الكثير من المسرحيات الكوميدية ، كما أن غلبة الشكل الاجتماعي الواقعي أدى إلى صبغة مسرح الشباب بالصبغة الواقعية وتأثره بالفكر الاجتماعي والسياسي السائد ، فأخذ يتبنى القضايا الاجتماعية التي تطرح البعد السياسي السائد في عمان ، ويتأثر به ، فعندما تثار قضية العاملة الأجنبية وتوطين الوظائف ، يسارع مؤلفو المسرحيات إلى طرح هذه القضايا ، وعندما تثار قضايا أخرى يتبنى المسرح تلك القضايا، وكأن المسرح أصبح يعبر عن رأي وفكر وسياسة الدولة لا فكر ورؤية المؤلفين أنفسهم أو الرأي العام الذي ربما كان يود أن يرى قضايا إنسانية أو عالمية ، كما أن الرؤية الرومانسية والعاطفية ومعالجة قضايا الشباب لم يكن لها وجود على خارطة المسرح .
5- حاولت فرقة مسرح الشباب تقديم بعض الأعمال المسرحية التاريخية ، أو ما يسمى بمسرحة التاريخ ، وقد ارتبط تقديم مثل هذه الأعمال بالمناسبات الوطنية وهي العيد الوطني ،حيث كانت تقوم الفرقة بتقديم نشاطها السنوي ، وقد لاحظنا أن الفرقة دأبت على تقديم بعض الأعمال التاريخية ذات الصبغة الوطنية في هذه المناسبة ، ولكن تلك الأعمال كانت تتطلب جهودا مضنية في سبيل تأليفها وإخراجها ،فمن حيث التأليف كان من المفترض أن يكون المؤلف على دراية واسعة بمجريات الأحداث التاريخية ، وأن يكون لديه قدرة على معالجة الحوادث التاريخية معالجة فنية ومسرحية ، كما أن الإخراج المسرحي ينبغي أن يكون في مستوى الحدث التاريخي ، بالإضافة إلى الديكورات والاكسسورات والملابس ، وكل ذلك كان يكلف الفرقة الكثير من الجهد والمال ، ولذلك فإن الفرقة قد توقفت عن تقديم هذا النوع من الأعمال المسرحية التاريخية منذ عام 1993، وكانت آخر مسرحية قدمت في هذا المجال هي مسرحية “رحلة السفينة سلطانة” . وقد ظلت هذه المسرحيات تتصف بالتناول المباشر للأحداث التاريخية، وبنقل الأحداث التاريخية كما هي دون معالجة فينة أو رؤية معاصرة للأحداث .
حاول مسرح الشباب التنويع في تقديم مسرحيات مختلفة ، وذلك من خلال تنويع عروضه المسرحية فهو لم يقتصر أعماله المسرحية على فئة سنية معينة إن كان للكبار أو للشباب أو للأطفال، وإنما حاول التنويع وتقديم مسرحيات للأطفال أيضا ، مثل مسرحيتي “القناع ، ونعم أقوياء” ،وقد ساهم هذا في خلق وعي مسرحي لدى الأطفال إن كان من خلال الحضور لمشاهدة الأعمال المسرحية أو المشاركة في تمثيل هذه الأعمال المسرحية وقد أدى ذلك إلى بروز الكثير من المواهب لدى الأطفال ،وقد قامت فرقة مسرح الشباب بتنمية هذه المواهب وزرع بذور الفن فيها ، حتى عندما تكبر تكون واعية لفن المسرح وتشارك في تنفيذ أعمال مسرحية ، أي أن مسرح الشباب قام بأداء دورا مزدوجا في تنمية الواهب وصقلها وفي إيجاد قاعدة مسرحية من الأطفال الذين يعول عليهم في تبني دراسة الفنون المسرحية مستقبلا . والارتباط بفن المستقبل فيما بعد من خلال الدراسة والموهبة .
حاول مسرح الشباب خلق وعي مسرحي عام من خلال عروضه المختلفة، فالجمهور الذي كان يحضر المسرحيات ، كان يتفهم دور المسرح ، وكان يناقش حول مختلف القضايا التي تطرحها المسرحيات ، كما أن النقاشات التي كانت تدور على صفحات الصحف والمجلات كانت تساهم في بلورة الرأي العام حول ما يعرضه مسرح الشباب ، وأذكر أنني كتبت أول مقالة حول فرقة مسرح الشباب في الصحافة العمانية عام 1985 ، وفي ذلك الوقت المبكر كان مسرح الشباب يمثل لنا نحن المثقفين نوع من القيمة الفنية في عروضه المسرحية وقد كتبت في تلك المقالة مطالبا مسرح الشباب بدور أكبر في الساحة الفنية والثقافية ، ” يظل هناك أمل جديد في خلق حركة مسرحية جادة في المستقبل بعد تكوين هذه الفرقة والتي اعتقد بأنها ستكون نواة مثمرة إذا وجهت التوجيه الصحيح ووجدت العناية المباشرة”(1) ، وقد استمر الاهتمام بفرقة مسرح الشباب في معظم الكتابات التي تناولت الحركة المسرحية في عمان ، يقول محمد علي البلوشي ، في مقالة نشرت في مارس 1996 في جريدة الوطن بعنوان إشارات حول المسرح في عمان ،”لقد أخذ الاهتمام بالجانب المسرحي يتزايد وتوج هذا الاهتمام بإنشاء مسرح الشباب ليكون الفوهة التي تنطلق منها الطاقات الإبداعية ، وها نحن نشهد ذلك ولا تختلف أهداف المسرح العماني فن أهداف أقرانه في العالم في نشر التوعية وتحقيق الفضيلة التي تسمو بالنفس الإنسانية ، ولا شك أن هناك عدة معوقات قد تقف في تطور المسرح العماني وارتقائه “(2).
كما شكلت مسرحيات الفرقة مادة إعلامية ، حيث دأب محرري الصحف الثقافية على إبراز أخبار الفرقة والمسرحيات التي تقدمها سنويا ، وكانت عروض الفرقة تحوز على كثير من الاهتمام الإعلامي ، فلقد كانت المسرحيات التي تقدمها فرقة مسرح الشباب مركز اهتمام وسائل الإعلام والمثقفين ، . وحتى الممثلون الجدد الذين بدأوا بالتمثيل في الفرقة ؛ كانوا يشكلون مادة إعلامية خصبة لهذه الملاحق الثقافية ، فكانت اللقاءات الصحفية معهم تملأ الصفحات الثقافية والفنية.
حاول مسرح الشباب في بعض عروضه الفنية الخروج عن الصيغة التقليدية لمفهوم المسرح التقليدي وذلك بتجريب صيغ وأشكال فنية جديدة نحو التجريب وتوظيف التراث الشعبي ، والفنتازيا ، وتوظيف الشخصيات الأسطورية ، والبعد عن الحبكة الدرامية المعروفة والتي تنتهي بنهايات محددة ، ويعد تجريب هذه العناصر الفنية كشكل من أشكال الخروج على البناء التقليدي للمسرح، ومحاولة تقديم وبناء شكل مسرحي مغاير وجديد .وهذا في حد ذاته يعد نقلة نوعية للمسرح ومحاولة للإلحاق بالتجارب المسرحية العالمية الجديدة.
من التأثيرات الإيجابية لمسرح الشباب أنه ساهم في رفع مستوى الأعمال المسرحية في السلطنة ، لأن الفرق المسرحية الأهلية ، حاولت في بداية تأسيسها منافسة فرقة مسرح الشباب ومجاراتها في تقديم النصوص المسرحية القوية ، ومحاولة إثبات الذات أمام فرقة مسرحية لها تاريخ طويل وتجربة متميزة ، وعلى الرغم من أن أكثر ممثلي هذه الفرق هم من خريجي فرقة مسرح الشباب ، إلا أنهم كانوا يحاولون تقديم مسرحيات ذات مضامين مختلفة ، وقد أدت هذه المنافسة إلى تقدم العمل المسرحي في عمان، والى خلق نوع من التنافس بين فرقة مسرح الشباب وبين فرق المسرح الأهلية الأخرى ، في محاولة جادة لخلق حركة مسرحية عمانية .
9- من التأثيرات الجيدة للمسرح الشباب هو خلق حالة نقدية مسرحية في الصحافة العمانية ، فلقد أدت عروض فرقة مسرح الشباب إلى ظهور نوع من النقد المسرحي المرتبط بعرض هذه المسرحيات ، وهي حالة نقدية مؤقتة تبرز في أوقات عرض المسرحيات وتستمر طلية فترة العرض ، ولكنها تختفي فيما بعد، وهذه الحالة لا تصل إلى مستوى الحركة النقدية في مفهومها الواسع ، كما أنها أحيانا لا ترتقي إلى مستوى العمل المسرحي . حيث تكون أكثر هذه الكتابات النقدية مجرد ملاحظات حول العمل المسرحي أو دور الممثلين وإن كان أدائهم المسرحي جيد أو لا ، وأحيانا يتم التطرق إلى مضمون المسرحية والقضايا التي أثيرت فيها ،ويقوم بهذا النقد نوعين من المهتمين إما الصحافيين أنفسهم الذين يشتغلون في الصحفية ذاتها ، أو بعض المهتمين والمتابعين للأعمال المسرحية وفي كلا الحالتين فإن النقد يكون قاصرا عن تفهم العمل المسرحي ولا يستوعب كل عناصره الفنية والموضوعية وغير متعمق في ركائز وأساسيات العمل المسرحي . ومنذ بدايات فرقة مسرح الشباب وهي تستأثر بمعظم النقاشات الثقافية والفنية على الساحة الثقافية والإعلامية، فعلى سبيل المثال لا الحصر ، عندما عرضت مسرحية الفأر -وكانت أول مسرحية عمانية تعرض على الساحة المحلية – أثارت العديد من النقاشات على صفحات الصحف المحلية ، فقدم مجدي العفيفي رؤية فنية بعنوان “مسرحية الفأر مالها وما عليها!” في الملحق الثقافي لجريدة الوطن عدد 24 ديسمبر 1987، وكتب أحمد السليماني مقالة بعنوان “رأي حول مسرحية الفأر” وقد نشرت في الملحق الثقافي لجريدة عمان عدد 7 يناير 1988، وتحدث المخرج والمؤلف محمد بن سعيد الشنفري في لقاء خاص مع جريدة عمان في عدد 14 يناير 1988 حول تجربته المسرحية الأولى ودافع عن وجهة نظره ورؤيته الفنية . كما استمرت النقاشات الفنية وإبداء الملاحظات من قبل الجمهور والمهتمين حيال كل عمل مسرحي كان يعرض من قبل فرقة مسرح الشباب .
وقد تنامت هذه الكتابات حول مسرحيات الفرقة في الفترة الأخيرة ، فلا يكاد تقدم الفرقة أي عمل مسرحي ، إلا ويثير العديد من النقاشات التي تصل إلى مستوى الحالة النقدية التي تعيشها الساحة الفنية نتيجة لما تعرضه الفرقة من مسرحيات اجتماعية وإنسانية(1) .
وهنا أود أن أتقدم بمجموعة من الاقتراحات التي أتمنى أن تساهم في تعزيز عمل فرقة مسرح الشباب ، وهي كالأتي :
المطالبة باستمرار عمل مسرح الشباب ، مع بذل كل الجهود الممكنة في دعم عمل الفرقة ، وتقديم كافة التسهيلات والتشجيع المادي والمعنوي والشخصي لهذه الفرقة والوصول بها إلى المستوى الذي كان يطمح بالوصول إليه المؤسسون الأوائل الذين وضعوا اللبنات الأولى لنشأة هذه الفرقة المسرحية ، والذين بذلوا جهودا مضنية ودؤبة في تأسيس الفرقة ومحاولة مواصلة مسيرتها رغم الصعوبات التي اعترضت طريقهم .
تأسيس مركز لتدريب العناصر الجديدة في الفرقة التي سوف تنظم إليها في المستقبل، ليس في مجال التمثيل فقط ولكن في مجال الإضاءة والصوت والتأليف والإخراج المسرحي ، على أن يكون هذا المركز تابع لإدارة فرقة مسرح الشباب ، ويمكن لهذا المركز أن ينظم دورات وورش عمل لأعضاء فرق مسارح الشباب في المناطق، والفرق الأهلية الأخرى ، ويمكن الاستفادة في هذا المجال من الخبرات العملية والعلمية التي يمتلكها أعضاء مسرح الشباب .
تأسيس قسم خاص لتوثيق المسرحيات التي قدمها مسرح الشباب خلال مسيرته الفنية، على أن يضم هذا القسم كل المعلومات التي تخص الفرقة وأشرطة الفيديو ، والتسجيلات الصوتية للفرقة ، والنصوص المسرحية التي قدمتها الفرقة ، والجوائز وشهادات التقدير التي حصلت عليها الفرقة ،وغيرها من المعلومات التي تهم الباحثين بحيث يكون الوصول إليها ممكنا وبسهولة .
العمل على نشر كتاب يحتوي على كل المعلومات التي تخص مسيرة وتاريخ الفرقة ومعلومات كاملة عن المسرحيات التي قدمتها الفرقة تشمل أسماء المؤلفين والمخرجين والممثلين ، ويضم مجمل المعلومات الفنية والمقالات الصحفية والدراسات الفنية التي نشرت .
إقامة معرض دائم يضم صور من المسرحيات التي قدمتها الفرقة وجانب من الديكورات والملابس والاكسسورات التي استخدمت في تلك المسرحيات ، بالإضافة إلى تقديم شرح مفصل للمسرحيات التي قدمتها الفرقة وأسماء الممثلين والمخرجين والمؤلفين وغيرها من المعلومات التي تهتم المهتمين والمتابعين لحركة مسرح الشباب، وذلك لربط الأجيال الحالية بالماضي والتذكير بما قدمه مسرح الشباب في الماضي
إقامة حفل تكريم لأعضاء الفرقة السابقين وذلك كنوع من التقدير لجهودهم الماضية في إبراز ودعم فرقة مسرح الشباب .
وأخيرا لقد أثبت مسرح الشباب من خلال عروضه المتميزة والجادة أن للمسرح رسالة رفيعة وقيمة وذات مستوى عال تخاطب العقل والفكر والأحاسيس بأسلوب راق وحضاري، وأن هدف المسرح الأول هو إثارة وإيصال القضايا الاجتماعية والثقافية لأكبر عدد من المتلقين ومحاولة تسليط الضوء على هذه القضايا وإبرازها من خلال النص المسرحي المكتوب بلغة هادئة وهادفة ، ولقد كان مؤلفي مسرحيات الشباب والممثلين وهم يقومون بتجسيد هذه القضايا من خلال مسرحياتهم يدركون تفاوت ثقافة المتلقين وتنوع مشاربهم ومستوياتهم العلمية والثقافية ، لذلك حاولوا تقديم المسرحيات بشكل متوازن وذلك من خلال إيجاد لغة سهلة وبسيطة وغير معقدة ،وتقديم مسرحيات هادفة تقوم على الارتقاء بفكر المتلقي والعمل على تقديم فن مسرحي هادف .
——————————————————————————————————————
المصدر :مجلة الفنون المسرحية –  د. شبر الموسوي – الموقع الرسمي للفرق الدائمة لمجلس التعاون الخليجي

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *