دلالات الرمز المسرحي في الخطاب  البصري – الدكتور حسين التكمه جي

 

 

 

دلالات الرمز المسرحي

في

الخطاب  البصري

 

الأستاذ الدكتور

حسين التكمه جي

 

تقديم :

شكل الرمز منذ الأزل مداخل عديدة ودلالية ضمن التفضيلات الإنسانية بوصفه وسيلة لحفظ تجاربهم الحسية البسيطة والمعقدة منها  , والتي تأتي حينما تفرضها الخبرة الإنسانية بشحنات شعورية تنطوي على فهم جمعي متوارث للفن والثقافة والدين , وقد تتفرد عند أشخاص معينين مهتمين بدلالاته , فالرمز حاضرا منذ الأزل والى يومنا هذا,ولعل تقادم الحضارات وتفاعل التجارب والتطور الثقافي فرض استخدامات وتشكلات للرمز بحيث تعددت دلالاته وتنوعت شفراته , لحين ظهور الحركة الرمزية , فوظف الرمز توظيفا فنيا فعالا على مستوى الأدب والشعر والمسرح .

ومنحته سمات وأبعاد فكرية وسياسية ودينية واجتماعية شتى , , حتى سمت به نحو الرواية والفن التشكيلي وباقي مداخل الإبداع .

وقد تفرد المسرح بان يستند إلى الرمز كمفهوم معرفي وفكرة وإشارة فنية , ولعل هذا التوجه دفع الكثير من الفلاسفة والمهتمين بتناول أهمية الرمز في الحياة البشرية , أمثال هيجل ويونغ  وسوزان لا نجر , مما منح الرمز صفة الديمومة والبقاء والقدرة على التوظيف والتناول من خلال أنتاجه بعدة مستويات , بالخصوص في المجال البصري الذي يشكل بدوره رؤى المخرج الإبداعية , مما فتح المجال للمسرح الرمزي بالوثوب أمام التيارات التي سبقته أو عاصرته , ومازال التوظيف الرمزي قائما إلى يومنا هذا , ولعل من خواص المعرفة العلمية والأكاديمية إن ندرك أهمية تناوله وإنتاجه في العرض المسرحي بما يوافق الخصوصية الاتجاهية لإنتاج وإبداع الرمز في الحقل المسرحي , . ولذا قدم الباحث التساؤل التالي (هل أن العرض المسرحي وظف الرمز بصيغته العلمية , أم إن أنتاجه اعتمد على قدرات إبداعية فردية لم تحقق تداو ليته ) وعلى وفق ذلك حدد عنوان البحث بـ ( دلالات الرمز المسرحي في الصورة البصرية )
مبينا قدرة المخرج في توظيف الرمز في الجانب البصري بوصفه لغة متكاملة من المعنى .

 

يهدف هذا البحث على التعرف على خصوصيات الرمز وابتداعه في حقل المسرح البصري .

تحديدات الرمز

 

الرمز .. يعرفه قدامه جعفر بأنه ” الصوت الخفي الذي لا يكاد يفهم , وهذا ما جاء به القرآن الكريم بقوله عز وجل ( آيتك أن لا تكلم الناس ثلاثة أيام ألا رمزا ) . (1)

وتشير الآية الكريمة إلى أهمية استخدام الإشارات بدل الكلام.

 

الرمز “هو صورة معينة تدل على معنى أخر غير معناها الظاهر ألا انه معنى معين كذلك “. (2)

 

ويرى زكي نجيب أن الرمز : ” مصطلح أو اسم أو حتى صورة .. تكون مألوفة في الحياة , وتنطوي بداهة على شيء, مجهول أو مخفي عنا “(3)

 

ويذهب هيجل إلى أن الرمز ” وسيط تجريدي للإشارة إلى عالم الأشياء ” ” إبداع فني يرمي في آن واحد إلى عرض ذاته في خصوصية والى التعبير عن مدلول عام .ليس هو مدلول الموضوع وحده , وان كان لا يرتبط به (4)

 

في حين ترى نهاد صليحة بأن الرمز (symbol ) “علاقة أو أشارة , قد تكون صورة أو كلمة أو نغمة – لها دلالة معروفة أو معنى معين في مجال التجربة ألإنسانية المحسوسة والمتوارثة “(1)

وتشير كذلك على أنه ” وسيلة لتجسيد التجربة الفنية في صورة مكثفة ومركزة لها نفس الشحنة الشعورية التي تميز التجربة “(2)

 

ويرى الباحث في تعريفه الإجرائي على أن الرمز ” هو فكرة وصورة وشاخص وإشارة دالة معا , يتراكب من وجهين احدهما ظاهر, والأخر باطن يتصل بالخيال الإبداعي ويحمل تجربة إنسانية فكرية تفضي إلى معنى .

 

الصورة  : ( visible picture ) كل ما تقع عليه عين الفرد من صور بوصفها مدخلات , وكل ما تنتجه ذاكرة المتخيل من صور ضمن خصوصية التصور , وتتحدد الصورة أيضا من كونها ” توقف الزمن للحظة واحدة “(3)

 

المدخل الأول :  مفهوم الرمز

يرى هنري بير بأن استخدام الرمز” جاء تمردا على مظاهر التعبير مستبدلا تسمية الأشياء بمسمياتها , بوصفه صورة كبيرة تتفتح حول الفكرة “..(4).

وعلى الرغم من وجهة نظر هنري لأدبية , ألا أن الرمز يختلف عن الرمز في الصورة , ذلك أن الصورة الأدبية تقع ضمن مفهوم التخيل , في حين تقع الصورة ضمن مفهوم الخيال ,فضلا عن أن الأدب يعتمد اللغة الاصطلاحية وغموض مواضعه التي ما تلبث أن تزول بمجرد معرفة ما يدل عليه أو يشير إليه .

وتجدر الإشارة هنا إلى الرمز يأتي كلمة أو جملة بلغة الأدب , في حين يأتي كصورة أو شاخص أو شخصية بلغة المسرح البصرية , أو أسم يفترض المكان أو الزمان داخله على أكثر من دلالة  ويرتبط بهما قطبان رئيسيان , يتمثل احدهما بالبعد الظاهري للرمز , وهو ما تتلقاه الحواس مباشرة , ويحمل الثاني البعد الباطني المرمز والمستتر , وهو ذاته المراد إيصاله إلى المتلقي بوصفة حامل المعنى . ومن هنا يصبح للرمز عنصران متراكبان أولهما معروف ومدرك من قبل أكثر الناس , وثانيهما الباطن الذي ينبغي حل شفرته أو أدراك معناه والذي يقوم المخرج بخلقة . وعليه فإن هناك علاقة بين قطبي الرمز( ظاهره وباطنه ) , من حيث أنه ” صورة معينة تدل على معنى أخر غير معناه الظاهر , إلا انه معنى معين “(5)

ولما كان الرمز يسوق نفسه نزولا إلى عمق الحضارات , فهذا يعني أن هناك نزوع داخلي لدى الأفراد منذ الأزل لتوظيف الرمز , بوصفه وسيلة لتجسيد الصورة الفنية , فالصورة الرمزية تنطوي على تأويل من الأفكار والانفعالات والإيحاءات غير المباشرة بدلا من التعبير المباشر ,

ويرى (هيغل) بأن الرمز هو بداية الفن , معتبرا أن الشرق مبتكرا له ومبدعه , ويذهب إلى أن معناه ( حصر المعنى ) حينما يعرض ذاته في خصوصية التعبير عنها كمدلول .ومن هنا كان إنسان الحضارات الأولى يعبر عن كافة المظاهر وإشكال الحياة بصورة رمزية من خلال النحت أو الرسم أو الأواني الفخارية أو الطقوس الدينية والحروب وحتى اللون, معتبرا ذلك التعبير وجود حسي أو عياني  فهو صورة ومعنى معا , ..(6)

 

ولعل هذا المفهوم يسوقنا لاتجاهات عديدة لإشغالات الرمز, بل ويدفع بذاته نحو أشكال أخرى من التعبير الإنساني في الحكاية والمثل والحكمة واللغة والشعر والأمساخات واللغز والاستعارة والتشبيه والمجاز,,حتى ينتهي بالدراسات السيمائية بوصفه دال .كما أن التجربة المتوارثة قد تداولت الرمز كعلامة أو أشارة بوصفه ينطوي على إيحاء وتمثيل ومحاكاة , يقوم بها الوعي الإبداعي وقدرته على التجريد بالرغم من كونه يوظف موضوع من العالم المعلوم, يلج به إلى ما هو مجهول ويصبح المجهول معلوما ومعبرا عن حياة ومعنى ..

 

وعلى وفق ما تقدم يصبح الرمز دال نهتدي إلية أو نتقبله جميعا ( باتفاق ) من الكل ” باعتباره يحقق مقصدا معينا بطريقة صحيحة “(1) ……فالاتفاق عنصر مهم من عناصر فهم تراكب الفكرة الرمزية , كونه مرتبط بفهم المعنى فهو قصدي , ويتعين أثر ذلك أن عملية إنتاج الرمز ليست باليسيرة , إذ ينبغي للفنان صانع الرمز أن يعي تراكبية إنشاء الرمز بوجهيه الظاهر والباطن ,وأهمية أن يكون معروفا ومدركا من الجميع , فاختصار الرمز على فهم أحادي غير مشترك قد يؤدي بالضرورة إلى التشظي في فهم المعنى أو تعدد التأويل لذات الصورة المرمزة ,وهو ما يجعل المعنى غير واضح أو على أقل تقدير غير مستوفي للمعنى المراد أو يدل عليه ” فالرمز معنى أو إشارة مصطنعه لا ينبغي علينا أن نعرفه , إلا إذا عرفنا انه قد اتفق عليه “(2)….

وتذهب سوزان لانجر إلى اعتبار الفن رمزا ,والعمل الفني هو عبارة عن صورة رمزية بوصفها ” شكل قابل للإدراك الحسي , بحيث تكون معبرة عن الوجدان البشري ” (3).

.كما ترى إن الرمز مدرك يعرض العلاقات بين الأجزاء بهذا ( الكل ) وتذهب إلى أن الرمز (symbol) هي غير العلامة (sign) فالرمز أداة ذهنية أو مظهر من مظاهر العقل البشري . كما تشير بأن العلامة تعمل بمقتضاه أو وسيلة لخدمة العقل وان الرموز التمثيلية هي الرموز التي تفضل في الفن ..(4) .

فقد بات واضحا  أن الرمز تمثيل أو تمثل في الأشياء المرمزة في الفن بوصفها تحمل اكتناز في المعنى لما هو باطن ومقصود من وضعه على خشبة المسرح , فالمخرج هنا ينتج الرمز لتعضيد وتعزيز الفكرة المطروحة أو الدلالة  عليها . باعتبار أن الرمز الاستدلالي هو ما تتصف به اللغة بكل تراكيبها …. ولما كانت الرموز التمثيلية رموز صورية , فإنها بالضرورة تنطوي على معاني داله نحن بأمس الحاجة لها في العرض المسرحي , إذ أن الصورة البصرية المرمزة تقتضي أحيانا إلى إلغاء صفحات من النص الدرامي, مقابل توافر بديل في الرمز البصري يستوفي شرائط الفكرة والموضوع , بوصفه شكل فابل للإدراك الحسي والذهني معا سيما إذا كان يسير الفهم على المتلقي .

ولعل تعددية توظيف  الرمز بين الموضوعي والمقصود , فقد أدى إلى تعرض الرمز للخلط , ويعود ذلك بلا شك إلى ظروف متعددة بسبب تعدديته واستخدامه كمصطلح ومناطقية اشتغاله في العلوم والفنون والدين والأساطير وكافة مناحي الحياة , وفي الجانب الأخر هناك خلط بين الرمز والعلامة , أو هناك شبه تداخل بين الرمز كمفهوم عام وبين المذهب الرمزي أو الرمزية كمدرسة أدبية , بحيث يتجاوز دوره العلمي والأدبي إلى وظيفته الجمالية التي يتقبلها الفرد لبلوغه منطقية الحدس والخيال المبدع .وعلى وفق ما تقدم يمكن القول أن إثقال الرمز وصولا إلى درجات اللغز والغموض المغلق هو خروج عن معناه الآني السليم ووظيفته الجمالية , من حيث انه من عالم الوجود المادي بوصفه رمزا واصطلاحا عرفيا .

ويرى (عما نوئيل كانت) ,”بان الرمز تمثل من الخيال يستدعي الكثير من الفكر ..ولا تقدر اللغة قط أن تقف على مستواه أو تجعله في متناول الفهم ..فالرمز فكرة وصورة معا وهي ليست تلقائية بالخيال(1)…وعليه يمكن القول أن فهم الرمز ومعناه يرتبط بالجانب الحسي في حين أن أنتاجه يرتبط بالجانب الذهني والخيال الإبداعي معا ..وعليه ينبغي أن لا نفعل الرمزية المجردة باستخدامنا أشكالا لا علاقة لها بالموضوعات, كما لا يمكن توظيف الرمزية المحددة حينما تعتمد على رسم صورة مشيدة إثناء خيالات لا عقلية عندما نستخدم في إنتاج الرمز التجربة المريضة التي لا رابط بينها .

ويذهب ( يونغ ) إلى ذات الفهم من كون الرمز ” صورة تكون مألوفة في الحياة اليومية تحمل معاني أضافية خاصة إضافة إلى معناها التقليدي الواضح , إنها تنطوي على بداهة على شيء مبهم مجهول أو مخفي عنا ” (2) .ويستطرد بالقول بأن التحولات عبر عملية طويلة من التطور أصبحت عبارة عن صور جمعية تفعلها المجتمعات المتحضرة, ذلك إن الرمز لا بد أن يمتلك جذور متجذرة في الواقع من وجهه الأول أصبحت بذلك عرفا جمعيا يستوجب عرضه بصورة تحمل معنى مقصود وأخر مستتر .

في حين تستعرض ( أبيلا جانيه ) في ضوء قراءتها ليونغ ” بأن الكون كله رمز كامن “(3).
..حيث أن الإنسان بفطرته يميل لإنتاج الرمز حينما يعمد إلى تحويل المدركات أو الأشكال بلا وعي إلى رموز ويعبر عنها في دينه وفنه , ولعل هذا الأمر يخالف ما قدم له أكثر الباحثين في مجال الرمز , من كونه يقوم إنتاجا وإبداعا على فكرة ذهنية تفعل عن طريق الخيال , بوصفه يستدعي الكثير من التفكر في تراكيب مفهوم الرمز, ليشكل صورة أو شكلا ذو وجهين , وربما أن رأي ابيلا ينصب ضمن المفاهيم المثيولوجية  للرمز التي شكل الرمز الحيواني وفرة عالية غير محدودة ظهرت بوضوح في رسوماتهم أو نحتهم الحجري الفني القديم .

ما ينبغي أن نحدده هنا , هو أن الرمز ينتج ويقدم ويعرض , حينما تكون هناك حاجة للتعبير عما لا تستطيع اللغة أو  شيئا أخر أن يقدمه بطريقة أخرى .إذ أن الرمز يتمثل لكونه مفهوم جمعي أولا وصورة جمالية ثانيا , ودلالة معرفية ثالثا , بل أنه لغة تجريدية تستدعي المعنى بأبهى صوره , حينما يتم ضبط وحداته الجزئية في كل موحد . فهو إما أن يشير وإما أن يدل أو يتعرض لما ينبغي أن يقوله الذهن المتقد بالإبداع , حيث أن المخيلة هنا تنطلق في التفسير وتحتمل التأويل فهو أذن تمثيل للأفكار والانفعالات بالإيماء غير المباشر بدلا من التعبير المباشر . (4)

وتذهب الدراسات الانثروبولوجية لدى ( بانزل )* من أن العاطفة الجمالية تختلف عن أحساس اللذة …كونها تنبع من لذة الإبداع ولذة الإعجاب بالأشكال الجميلة ….في حين يرى ( شايل )* أن الفن استجابة عاطفية للرموز … والرموز هي التي تثير استجابة عاطفية …(5).

مما يعني أن الرمز مرتبط بتعاقب المجتمعات وان الفنان يعبر عن عواطفه وإحساساته حينما يترجم تلكم العواطف والأفكار والأحاسيس إلى “رموز تؤثر في المشاهدين وتمنحهم القدرة على التواصل مع الأعمال الفنية . “(6) …لتحقيق استجابة جمالية ,, ومن هنا يصبح الرمز حالة تواصلية تقوم وفق نظرية التلقي تستند على طرق العلاقة من خلال الإيحاء بالصورة أو الشاخص أو الحركة أحيانا بوصفها تتحمل قدرا عاليا من الإشارات الرمزية الصورية , والتي يمكن تحويلها من مفهوم أشاري طبيعي إلى صورة أشارية أو رمزية نحو معنى أخر غير المعنى المتعارف عليه مسبقا بين عامة الناس فيما بينهم كونه لغة تخاطب أشارية , فالدماغ البشري له القدرة على تفسير و تحليل وإعادة تركيب تلكم الإشارات الحركية حينما تتحول إلى رموز دلالية معرفية .

المدخل الثاني : الرمز المسرحي

لعل من المسلم به أن الرمزية ظهرت كثورة على ما قبلها كالواقعية والطبيعية في الأدب , وجرت محاولات لتوظيفها في المسرح , ولقد كانت محاولات الشاعر  ( ملارميه ) قد أثمرت وتبعه الكثيرون من الكتاب الدراميين في هذا المجال , حتى أصبحت الرمزية تيارا ومذهبا مهما في المسرح دعي ( بالمسرح الرمزي ) .. واتخذ لنفسه مدرسة جديدة مما وفر ظهور نماذج جديدة من ألأدب الرمزي المسرحي لكتاب أمثال (ابسن النرويجي ومترلنك وتنسي وليامز وغيرهم ).

ودعا أصحاب الرمزية إلى إلغاء وإقصاء كل ما هو واقعي وطبيعي على خشبة المسرح من الحيل المفتعلة والمفاجئات . وبذلك استحالت الرمزية إلى ضرب من التأثير وأتجه الكثير من المخرجين لأن يكونوا من دعاة الرمزية , والدفاع عنها وتقديم كل ما هو رمزي . بعد إقصاء مبدأ الإيهام الذي قدمت له الواقعية ,, وعد المثاليون الجدد أمثال ( كريج وابيا ومايرهولد ) من الذين وطدوا الاتجاه الرمزي, فقد عاد المخرج للاستعانة بمهام جديدة تؤكد الرمز واستخداماته كما تؤكد أهميته , بل أن هذا التوجه بدأ يبحث عن مقارنات مع الأساليب التقليدية التي سبقته في محاولة لإثبات قدرة الرمز في بناء العرض البصري , بل أن الرمزية أولت جل الاهتمام بالإخراج لتعويض الوصف بالإيحاء المعبر الذي يستعين به الشعراء في خلق الجو والرؤى ”  وكثيرا ما يحدد المؤلفون الرمزيين للمخرج طريقة الإخراج والإضاءة التي يحرصون على توافرها ,كي تجري مسرحياتهم بالجو الذي يريدون  “(1) .

لقد كانت التجارب الجديدة للمخرجين معظمها قد أنحسر بالموجة الرمزية وقدموا أعمالا مسرحية غاية في الروعة والإتقان وبناء صورة العرض البصرية التي حققت الدهشة والإعجاب ,حينما دعوا أكثرهم للتمسك بالرمزية , ويذهب ( ادورد كوردن كريج ) بقوله ” أحسب أنه ينبغي  ألا يكون ثمة من ينازع في أمر الرمزية ولا من يوجس منها خيفة ” (2).

ولعل هذا التوجه نحو تفعيل الرمز فتح أفاق جديدة لدخول علوم أضافية بعد ظهور النظريات الجمالية ( لـ  بوماجارتن ) وظهور علم الأشكال والنزعة الشكلية ( الفورمالزم ) ونظرية الفن للفن . … لقد أكد الرمزين أن الحقيقة لا يمكن أن تظهر صورتها الصادقة والأصيلة بظواهر الطبيعة والواقع , بل تظهر في أعماق الأشياء وليس تحت سطحها , فكانت وسيلتهم الرمز والإيحاء والتلميح . وليس الجهر والفضح والتصريح , ولعلها تترك في ذهن المتلقي  المتأمل صور تتعاون في مقدارها بما فيها من الجمال والمعاني والأهداف , وان لكل مشاهد منهم رؤيته وتخيلاته الخاصة … مما دفع المخرجين إلى البحث عن صيغ مبتكرة وتقنيات جديدة ورؤى إخراجية معبرة , معتبرين أن الصورة البصرية ما هي إلا شعر الفضاء الذي يكتنز باللون والضوء والموسيقى والإيقاع… عالم غريب من الإنشاء البصري الصوري , فعمد المخرجون الرمزين إلى تفعيل دور الإشارة والرقص والإيقاع والكلمات والخط والصمت والنغمة المنطوقة … فالصورة الظاهرة هي من عالم مجهول هو عالم الخيال , بل راح (أبيا ) إلى أن يربط الموسيقى بالضوء في سيمفونية واعتبر أن الضوء والظل متساويان في الأهمية بوصفهما يحققان التجسيم والبعد الثالث .فراح العديد منهم يبتدع أشكالا في الفضاء ,وأصبح العرض يجسد ثلاثية الأبعاد وقيم الفضاء المسرحي بالأبعاد والوسوع التكعيبي , وصارت هنالك موازنة بين الممثل والمنظر والضوء واللون , وراح المسرح يتلقف كل التقنيات الجديدة والمبتكرات التي تسهم في بناء الصورة البصرية المكتنزة بالدلالة والرمز والإيحاء , نحن أمام نقطة تحول أساسية في حلم أي مخرج في أمكانية الوصول لأي رؤية ومحاوله إيصالها إلى المتلقي , حتى أصبح المتلقي يهفو إلى الرؤية أكثر من السماع , إن المخرج المسرحي بات  ” ينتقل إلى عالم أخر , عالم الخيال , وهناك يصنع رموزا بعينها من شأنها عدم الكشف عن العاطفة المجردة ”  (3) .

كم أن الحركة على المسرح اتخذت طابع أخر حينما باتت تثور المعنى الرمزي ” وتكشف طابع الضرورة القصوى, عندما تمتزج الحركة باللغة الشعرية النقية, تكون قد حققت ما يمكن أن يسمى بمسرح ( الشعر الصامت ) “(1)

وهو ما دفع بعض المخرجين إلى البحث عن قصائد شعرية لتحويلها إلى عروض مسرحية لم يكن كاتبها أصلا قد وصل إلى ما ترمي إلية قصيدته, ذلك ما حدث مع (ابسن النرويجي) مع المخرجين الألمان (*) .

إن إغناء العرض المسرحي يتطلب من المخرج أن يتوغل في عوالمه النقية الشفيفة من خلال خياله الخصب مخاطبا المتلقي بأدوات وعناصر تساهم في أغناء الرؤية والفكرة والمعنى . بوساطة  “استخدام رموز تعبيرية مشكلة عن العاطفة,خصوصا إذا كان الهدف وراء تصوير هذه العواطف هو أفراغها من فرديتها ” (2)

.ويبدو هنا أن الرمزية تنحوا نحو العاطفة شأن الواقعية , إلا إنها بالمقابل لا تفعل دور العاطفة , أنما تحاول جاهدة إفراغها من محتواها الفردي حتى تبدو وكأنها عامة شاملة لكبح مبدأ الإيهام الشامل والتقمص في التمثيل . فكان سعي المخرجين يتجه نحو إبداع وابتداع عوالم ترتكز على الإبداع والضوء ولحظات الصمت والظلال الموحية في تجسيد المعاني الرمزي,فعمدوا على توظيف الرمز في العرض وأولوه أهمية بالغة استندت على التكوينات والمكودات المسرحية وشعر الفضاء الرمزي مما دفع الرمز لأن يختمر في ذهن المتلقي حينما عمدوا إلى تحويل العرض المسرحي من فعل خطابي إلى فعل صوري .أن الإخراج يقوم بتحويل الفراغ المسرحي بشقيه الأفقي والعمودي إلى عالم حسي تعبر فيه الحركة والإضاءة والموسيقى والعناصر الأخرى عن كافة المظاهر , فالرمز عند المخرجين الرمزين” لا يكشف عن الجمال الخارجي للعالم فحسب , بل الجمال الباطني للحياة ومعناها . ” (3) .

إلا أن ( موريس مترلنك ) هو من ثبت الرمزية في المسرح..كما حاول المخرج ( الروسي مايرهولد ) تثبيت مفهوم الرمز اللوني في العرض ,حيث أن ترميز الحياة بات مهمة الرمزيين الذين قدموا بيانهم عام 1886وثبتوفيه توجهاتهم بأنهم رمزيين. لكونهم يتبعون المدرسة
( البارانسية)* والتي مجدت بدورها نظرية الفن للفن , لذا أصبح الصفر رمزا رياضيا كما أصبحت بذلك كل الأرقام رموزا , وان هذه الرموز تتفاعل , والفن المسرحي لا يمكن أن يكون إلا رمزا كون الرمز كامن في عناصره كافة . باعتبار أن جمال العالم المحسوس هو انعكاس للجمال العلوي النوراني , فالعالم المحسوس هو غابة من الرموز. كل شيء فيه معنى رمزي يربطه بعالم الروح .

ولعل أهمية الرمز تكمن في الدراسات السيمائية في العلاقة بين الدال والمدلول, وقد تحدث هناك علاقة ( هيجليه) ضمن صيرورة ثنائية بين ضدين , لكن الرمز كما يرى الباحث لا ينتج ثالثا منفردا , بل يفضي إلى معنى تأويلي بحسب رأي الرمزيين ” إذ أن الدلالات التي يستخدمها الفن المسرحي تنتمي كلها إلى مجموعة الدلالات الاصطناعية لأنها ناتجة عن عملية إرادية, وكثيرا ما تخلق عمدا ( قصدي ) وهي تستهدف التواصل في اللحظة التي ترسل فيها “(4).

وعلى وفق ما تقدم فإن المخرج يخلق الرمز بشكل قصدي وليس اعتباطي كونه مقصود ومخطط له مسبقا يرغب من خلاله إلى إيصال الفكرة والمفهوم إلى المتلقي بصيغة رمزية .ومن خلال التتابع ألعلاماتي للعرض المسرحي ,يستطيع المتلقي ان يلاحظ ظهور الرمز في المجوعات كما يرى تتابع العلامات . “” وفي حالة وجود رموز من مادة التعبير مختلفة , فأن المخرج يضع صلة زمنية للفكرة أو الثيمة التي تظهر ي صور مختلفة “(1) .

… لقد رفضت الرمزية العقل , وعملت على ملكة الخيال ( الحس ) باعتبار أن الخيال هي الملكة الوحيدة التي تمكن الإنسان من أدراك الحقيقة في استنباط المعاني الرمزية الكامنة في الظواهر الحسية … كما تسعى إلى التأثير على أهمية ووحدة العمل الفني واستقلاليته, والإيحاء بدلا من الإشارة المباشرة, كما أنها قامت بمحاولة تقريب الشعر من الموسيقى وذهبت من الناحية الأدبية إلى لغة تعتمد المفارقة والتقابل والتضاد والاستعارات الغريبة وتداعي الأصوات والمعاني  (2).

أن الاداة المسرحية وظيفة خاصة على مستوى الرمز , بوصفها وحدة للمعنى ومن الصعب اعتبارها وحدة منفصلة , كون المتلقي يرى كل ما يوضع أو يستخدم على الخشبة مجال للفهم والتشويق , ” ويمكن أن تكون الأداة المسرحية رمزا لواقع مادي أو معنوي ..كان تكون خوذة أو علم , شريطة أن تكون الصلة بين الأداة وما ترمز إليه صلة نابعة من علاقة , كونها محددة بشكل مسبق ومشفرة بدقة “(3) .

 

ملخص البحث :

 

  • يعد الرمز صورة معينة تدل عل معنى غير معناها الظاهر, إلا انه معنى معين , والصورة الرمزية تنطوي على تأويل من الأفكار والإيحاءات بدلا من المباشرة في الطرح .
  • الرمز تمثيل لقوة الوعي الإبداعي وقدرته على التجريد بالرغم من كونه موضوع من العالم المعلوم يلمح به إلى ما هو مجهول .
  • يصبح الرمز دال نهتدي إليه ونتقبله جميعا ( باتفاق) باعتباره يحقق مقصدا صحيحا ويعرض العلاقات بين الأجزاء بصيغة الكل .
  • يعد الرمز شكل قابل للإدراك الحسي والذهني معا , لكونه يمتلك جذور متجذرة في الواقع أصبح فيما بعد عرفا يستوجب عرضها بصورة ذات معنى .
  • أن إثقال الرمز وصولا لدرجات اللغز والغموض المغلق , هو خروج المعنى الفني السليم والوظيفة الجمالية كونه من عالم الوجود المادي ,الرمز صورة وفكرة وهي ليست تلقائية بالخيال يرتبط بالجانب الحسي , في حين أن إنتاجه يرتبط بالجانب الذهني
  • يتمثل الرمز وفقا لثلاث محاور تستدعي المعنى فإما دلالة معرفية , أو صورة جمالية , أو مفهوم جمعي , لكونه لغة تجريدية تستدعي المعنى بأبهى صورة وجميع دلالاته اصطناعية .
  • الدماغ البشري له القدرة على تفسير وتحليل وإعادة تركيب الأشكال التي تتحول إلى رموز بصرية تقوم على الإيحاء والتلميح , وليس الجهر والفضح والتصريح .
  • عالم الخيال هو من ينتج رموزا شأنها أن تكشف عن العاطفة المجردة , بوصفها تثير استجابة عاطفية .
  • الصورة البصرية الرمزية لا تكشف عن عالم الجمال الخارجي فحسب , بل الجمال الباطني للحياة ومعناها , فجمال العالم المحسوس هو انعكاس للجمال العلوي النوراني , فالعالم المحسوس هو غابة من الرموز مرتبط بعالم الروح .
  • الرمزية جعلت من وحدتي الزمان والمكان متغيرة بين لحظة وأخرى حسب ما يرتئيه المخرج .

 

المصادر

 

1- القرآن الكريم و سورة الأعراف , الآية 41.

2- أينز,  كريستوف , المسرح الطليعي ,تر سامح فكري . القاهرة: مهرجان المسرح التجريبي ,1996 .

3- اسعد ,سامية احمد, الدلالة المسرحية , عالم الفكر , يناير ,1980, العدد 47,ص85.

4- إزينشتاين ,سيرجى م, الإحساس السينمائي , تعريب سهيل جيده , بيروت: دار الفارابي , 1975.

5- بيير ,هنري, الأدب الرمزي , تر هنري زغيب , ط1 , بيروت : منشورات عويدات , 1981 .

6- بنتلي اريك,نظرية المسرح الحديث , تر يوسف عبد المسيح ثروة , بغداد : وزارة الأعلام ,1975.

7-  بريت ,ر.ل. , التصور والخيال , موسوعة المصطلح النقدي ,بغداد: وزارة الثقافة ,1977..

8- جعفر قدامه , نقد النثر , تحقيق طه حسين , القاهرة : دار الكتاب المصري , 1979

9- .خشبة , دريني , أشهر المذاهب المسرحية, القاهرة : وزارة الثقافة 1961,.

10- ديور ,أودين, فن التمثيل الأفاق والأعماق , ج2, تر مركز اللغات والترجمة ,القاهرة : مهرجان القاهرة التجريبي.1996

11- ريد , هرت, معنى الفن ,تر سمير علي ,ط1, أفاق عربية ,دار الشؤون الثقافية ,1976,

روبين جورج , مبادئ الفن , تر احمد مهدي محمود  القاهرة : مطبعة المعرفة  , ب ت ,.

 

12- صليحة, نهاد, التيارات المسرحية المعاصرة , الشارقة : مركز الشارقة للإبداع الفكري , 2001 .

13- عيسى, صلاح , البرناسية , القاهرة : دار الشروق , 2009.

14- كريج, ادورد كوردن, في الفن المسرحي , تر دريني خشبة , القاهرة : مكتبة الآداب ,1960.

15- مندور, محمد, الأدب ومذاهبه, القاهرة : دار النهضة , 1974.

16- نجيب زكي, فلسفة الفن , القاهرة: مكتبة الآنجلو المصرية , 1965.

17- هيجل , الفن الرمزي , تر جورج طرابيشي , ط1, بيروت , دار الطليعة , 1978.

18- سفيلد , آن أوبر, مدرسة المتفرج , تر سهير الجمل , القاهرة : المسرح التجريبي ,1981

19– يونغ ,كارل غوستاف, الإنسان ورموزه , تر سمير لين , بغداد , دار الشؤون الثقافية ,1984

20- – وهبه ,مجدي , معجم مصطلحات الأدب,بيروت : مكتبة لبنان , 1974

21- يونان, رمسيس , دراسات في الفن , القاهرة :مكتبة الأنجلو المصرية ,1969.

(1) قدامه جعفر , نقد النثر , تحقيق طه حسين , القاهرة : دار الكتاب المصري , 1979, ص 61.( سورة الأعراف الآية 41).

(2) رمسيس يونان , دراسات في الفن , القاهرة :مكتبة الأنجلو المصرية ,1969, ص 213.

(3) زكي نجيب , فلسفة الفن , القاهرة: مكتبة الآنجلو المصرية , 1965,ص 17 .

4) هيجل , الفن الرمزي , تر جورج طرابيشي , ط1, بيروت , دار الطليعة , 1978, ص 32 .

(1) نهاد صليحة , التيارات المسرحية المعاصرة  الشارقة , مركز الشارقة للإبداع الفكري , 2001,ص10 .

2) نفس المصدر أعلاه والصفحة .

(3) سيرجى م إزينشتاين , الإحساس السينمائي , تعريب سهيل جيده , بيروت: دار الفارابي , 1975 , ص 34 .

 

4) هنري بير , الأدب الرمزي , تر هنري زغيب , ط1 , بيروت : منشورات عويدات , 1981 , ص 59.

(5) نفس المصدر أعلاه والصفحة .

(6) لمزيد ينظر , هيجل , الفن الرمزي , مصدر سابق ,ص32.

(1) روبين جورج , مبادئ الفن , تر احمد مهدي محمود  القاهرة : مطبعة المعرفة  , ب ت ,ص 248.

(2) هرت ريد ,معنى الفن ,تر سمير علي ,ط1, افاق عربية ,دار الشؤون الثقافية ,1976, ص247.

(3)  للمزيد ينظر , راضي حكيم , فلسفة الفن عند سوزان لانجر , ص 12.

(4) نفس المصدر أعلاه والصفحة .

(1) ر.ل.بريت , التصور والخيال , موسوعة المصطلح النقدي ,ص 55.

(2) كارل غوستاف يونغ , الإنسان ورموزه , تر سمير لين , بغداد , دار الشؤون الثقافية ,1984. ص 17.

(3) نفس المصدر أعلاه , ص 245.

(4) للمزيد ينظر , مجدي وهبه , معجم مصطلحات الأدب,بيروت : مكتبة لبنان , 1974 , ص 554.

(5) عاطف وصفي , الأنثربولوجيا الثقافية , دمشق : دار علاء الدين , 2000, ص 145.

** بانزل وشايل , احد الباحثين في مجال انثربولوجيا الثقافة والفن .

(6) عاطف وصفي , نفس المصدر السابق , ص 146.

(1) محمد مندور , الأدب ومذاهبه, القاهرة : دار النهضة , 1974, ص 140.

(2) ادورد كوردن كريج , في الفن المسرحي , تر دريني خشبة , القاهرة : مكتبة الآداب ,1960,ص 269.

(3) أودين ديور , فن التمثيل الأفاق والأعماق , ج2, تر مركز اللغات والترجمة ,القاهرة : مهرجان القاهرة التجريبي ,1996.ص401.

(1) نهاد صليحة , التيارات المسرحية المعاصرة , ص 24.

(*) لمزيد ينظر , أشهر المذاهب المسرحية , ص 165.

(2) كريستوف أينز , المسرح الطليعي ,تر سامح فكري . القاهرة: مهرجان المسرح التجريبي ,1969,ص 157.

((3) أودين ديور , فن التمثيل الأفاق والأعماق , ج2, تر مركز اللغات والترجمة ,القاهرة : مهرجان القاهرة التجريبي ,1996.ص401.

4) للمزيد ينظر , اريك بنتلي ,نظرية المسرح الحديث , تر يوسف عبد المسيح ثروة , بغداد : وزارة الأعلام ,1975,ص 164.

*البارانسية , حركة أدبية ظهرت في فرنسا استمدت كل مقوماتها من نظرية الفن للفن .

(1) سامية احمد اسعد , الدلالة المسرحية , عالم الفكر , يناير ,1980, العدد 47,ص85.

(1) آن أوبر سفيلد , مدرسة المتفرج , تر سهير الجمل , القاهرة : المسرح التجريبي ,1981, ص 295.

(2) ينظر , صلاح عيسى , البرناسية , القاهرة : دار الشروق , 2009, ص 25.

(3) أن اوبر سفيلد , المصدر السابق أعلاه ,ص129.

شاهد أيضاً

المسرح متعدد الثقافات، أم مسرح المهجر … مادة بحثية حـسن خـيون

المسرح متعدد الثقافات، أم مسرح المهجر … مادة بحثية  حـسن خـيون  المقدمة  في قراءة للتاريخ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *