دراما الطفل.. والبحث عن تجربة مسرح الاطفال في العراق – العراق

قبل عدة سنوات اطلعت على كتاب للباحث فاضل عباس الكعبي بعنوان (مسرح الملائكة) ,وكان كتاباً قيماً في مجال مسرح الطفل. لكني شخصت فيه قضية مهمة عن تجربة مسرح الطفل في العراق, حيث مر عليها الكتاب مروراً عابراً ، في حين ان هذه التجربة تعد الانضج من بين التجارب العربية . واذكر ان الكعبي قال ان هناك فصلاً خاصاً من تجربة العراق لم يظهرفي الكتاب .وها هو الكعبي يعود لنشر ذلك الفصل مع اضافات قيّمة تدخل في مجال المسح والنقد والتاريخ لتجربة مسرح الأطفال في العراق. وربما انها الدراسة الأوسع والاهم في هذا المجال لشموليتها الواسعة لكثير من تفاصيل هذا العالم .الكتاب الجديد يحمل عنوان (دراما الطفل- دراسة مسحية , فنية , نقدية,تاريخية ,لتجربة مسرح الاطفال في العراق). ويقع في 360 صفحة من القطع الكبير وصادر عن (دار الوضاح) للنشر في الاردن ومكتبة دجلة في بغداد.
والكاتب فاضل الكعبي من المهتمين في مجال ثقافة الطفل ويكاد يكون قد تفرغ تماماً لهذا العالم الأثير الى قلبه ,فهو شاعر وكاتب مسرحي للاطفال ,وقدم الكثير من القصائد والدراسات لعالم الطفل. وهو من مواليد 1955 بغداد وبدأ اهتمامه بالطفل قبل اكثر من 35 عاماً وعمل رئيساً لتحرير مجلة (اطفال المستقبل) وعضو لجنة مسرح الاطفال في دائرة السينما والمرح وعضو لجنة تحكيم لأكثر من مهرجان مسرحي للاطفال .حصل على درع مهرجان المسرح الثاني للطفل وكرمه بيت الحكمة ونال الجائزة الاولى عن شعر الاطفال من دار ثقافة الاطفال عام 2009 والاولى من وزارة الثقافة عن شعر الاطفال عام 2010 وجائزة عبد الحميد شومان في الاردن عام 2010 وصدرت له عدة كتب منها (الطفل بين التربية والثقافة) ,و(تنكنولوجيا الثقافة والعلم والخيال في ادب الاطفال) وفي شعرالاطفال (جنة عصفور) و(الشجرة التي ابتسمت) و(اجنحة الفراشات) و(اغنية القطار) و(هيا نتعلم ونغني) و(فخري والمصباح السحري) و(حسان والاميرة بان .)
اهمية هذه الدراسة في تركيزها وتأكيدها على ان مسرح الاطفال اصبح حاجة اساسية لا يمكن اهمالها او تجاهلها .لان الطفل بتفاعله مع المسرح , والاتصال بعروضه المتنوعة يكتسب الكثير من القيم والاتجاهات السلوكية الايجابية التي تضاف الى رصيد ثقافته الخاصة ,التي اكتسبها من خلال واقعه الاجتماعي ,واطار بيئته الثقافية . وهذا يجعل قدرات الطفل تنمو وتتطور بمرور الزمن.
وبعد دراسة مستفيضة ومعمقة لواقع ومفاصل مسرح في الطفل في العراق وصل الباحث الكعبي الى نتائج مهمة يعتقد انها كافية للنهوض بواقع هذا المفصل المهم.ابرز النتائج ان مسرح الطفل مسرح مهم وحقيقي وله قاعدة مهمة لتجربة هذا المسرح في العراق وان مسرح الطفل له ارث تاريخي كبير ومن خلاله يمكن النظر والدخول الى عمق التجربة العراقية في المسرح ,وان هذا المسرح ككيان فني ونظامي واداري له سمات مكانية شاخصة , لا وجود لها على الواقع , غير انه ككيان موضعي له وجود يذكر, ومعظم ماقدم من اعمال مسرح الطفل لم تكن موجهة توجهاً عمرياً دقيقاً لجمهورها , انما كانت مفتوحة على الجميع وهذا خلل ويشكل ارباكاً في الاتصال والتوصيل , ويفقد العرض الكثير من مؤثراته في فئة جمهوره.كما ان هناك وجودا لنظرة متدنية لمسرح الطفل من الآباء والامهات,وهذا يعكس غياب الوعي المجتمعي بمسرح الاطفال .ان مسرح الطفل مازال متلكئاً وفي طور النمو.كما ان هناك غياباً للتنوع واجترار الافكار والاساليب التقليدية ,وتكرار الموضوعات وتجاهل مسرح العرائس والمسرح الجوال او مسرح العربة.
كذلك وجد المؤلف الكعبي ان التجربة العراقية في مسرح الطفل على اهميتها تفتقر للتخطيط الصحيح بعيد المدى ,كما تفتقر للتخصص والتفرغ الكلي في عمليات التأليف والاخراج والتمثيل والسينوغرافيا.
وتفتقر كذلك الى الخطط المناسبة لحجم الانتاج الجيد والمتواصل .والافتقار للمسارح الخاصة بعروض مسرح الاطفال التي تتميزبشكلها وطبيعتها الهندسية والمعمارية والجمالية . كذلك تفتقر للتكنولوجيا الحديثة في تقنيات العرض ,وعدم وجود الدراسات والبحوث والتوثيق لعالم مسرح الطفل.ولمعالجة ذلك يقترح المؤلف تشكيل مؤسسة خاصة لمسرح الطفل تأخذ على عاتقها عملية التخطيط السليم والعمل كليا لمسرح الطفل,على ان تشكل بطريقة علمية مدروسة وليست عشوائية وادخال كوادرها في دورات دراسة وتوثيق نشاطات مسرح الطفل وتزويده بالدراسات الاساسية ,واجراء الاستطلاعات واعتماد اراء علماء النفس والاجتماع التربويين في تحليل النصوص واعمال الطفل للوصول الى غايات تربوية وثقافية واجتماعية تخدم عالم الطفل.
كتاب دراما الطفل قسم الى قسمين الاول يضم اربعة فصول الاول بعنوان(الاطار المنهجي للدراسة ) وتناول موضوع الدراسة واهميتها, واهدافها, واجراءاتها,في حين تضمن الفصل الثاني اربعة مباحث تمثل الاطار النظري ,تناول المبحث الاول خصائص الطفولة وخصائص مراحلها العمرية على وفق المنظور النفسي,ومنظور التطور في النمو, وعلى وفق المنظور المسرحي, الى جانب التعرض قبل ذلك الى ماهية الطفولة ومفهومها.اما المبحث الثاني فقد تناول موضوعة المؤثرات الثقافية وعلاقتها بمسرح الاطفال.ويتضمن مفهوم مسرح الاطفال ,مع القاء نظرة سريعة على جوانب مهمة من مسرح الطفل في العالم,مع عرض مركز من واقع تفكيره بمسرح الطفل.
اما الفصل الثالث فقد تناول بالتوثيق والعرض الموجز ,ماقدمته نشاطات التأليف والدراسات والبحوث والكتابات النقدية والاطاريح والرسائل الجامعية والترجمة في مجال مسرح الاطفال.
وخصص الفصل الرابع من الكتاب للاطار التاريخي للدراسة وتناول فيه الشاعر فاضل الكعبي بدايات مسرح الاطفال في العراق التي انطلقت في ذلك من قسمين اساسيين الاول في اطار المسرح المدرسي ,وتضمن سمات المسرح المدرسي ومفهومه واهميته والحاجه اليه.وفي القسم الثاني تناول البدايات الاولى لمسرح الطفل في العراق مؤكداً على تجربة الفنان الراحل قاسم محمد لاهميتها الكبيرة. بعدها تناول عمر التجربة وماقدمته خلال سنوات 1970 – 1980- 1990 – 2000 من اعمال ونشاطات وندوات وعطاءات فنية وابداعية وفكرية لمسرح الطفل.
وقد عانى المؤلف الكعبي في عملية التوثيق بسبب تشتت التجربة وتوسعها, لاسيما ان التوثيق والبحث رافقته وجهة نظر نقدية في اطار بحث علمي ,ويبدو من حجم الدراسة انه تمكن من النجاح في مسعاه بدليل انه قدم تجربة غاية في الاهمية في عالم مسرح الطفل في . وكتابه (دراما الطفل) يعد اضافة مهمة في مجال توثيق عروض مسرح الطفل ومناقشة هادئة لعروضه ولمعوقاته الى جانب طروحاته ومقترحاته لتجاوز الصعوبات .واقترح ان يصار الى اعتماد هذه الدراسة المهمة في معهد وكلية الفنون الجميلة كمنهج دراسي من اجل تطوير عالم مسرح الطفل في العراق.

—————————————————————————
المصدر : مجلة الفنون المسرحية – قحطان جاسم جواد – المدى

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *