دراسة في “تمثلات المثاليـة في نصوص مثال غازي المسرحية “

تمثلات المثاليـة في نصوص مثال غازي المسرحية

اشكان حسين غالي   –  تمار ميثم

جامعة بابل/كلية الفنون الجميلة

الملخص 

يعنى هذا البحث بدراسة المثالية في نصوص الكاتب العراقي (مثال غازي) المسرحية ، حيث تمحور البحث الحالي في أربعة فصول . وتضمن الفصل الأول منها وهو الإطار المنهجي للبحث مشكلة البحث والتي حددت بالتساؤل الآتي:ما المثالية في نصوص مثال غازي المسرحية ؟ . بينما جاءت أهمية البحث بوصفه يدرس أحد أبرز كتاب المسرح العراقي،والكشف عن تجليات المثالية في نصوصه على مستوى (الشخصية و اللغة أو الحوار و الفكرة) ، وأفاد هذا البحث العاملين في مجال الأدب والمسرح وطلبة كليات الفنون الجميلة ومعاهدها ، بوصفه منجزاً معرفياً يسهم في تسليط الضوء على الثقافة المسرحية العراقية . وتحددت حدود البحث الزمنية والمكانية على النصوص التي كتبها مثال غازي في العراق بين 1998-2001 . وهدف البحث الذي تجلى في تعرف المثالية في نصوص غازي المسرحية .     

أما الفصل الثاني فهو الإطار النظري للبحث والذي احتوى على ثلاثة مباحث . عُني الأول منها بدراسة مفهوم المثالية لدى الفلاسفة بدءاً بما جاءت به مثالية افلاطون من وجود عالم أزلي مثالي خارج المحسوسات وهو عالم المثل،ثم بما جاءت به مثالية (كانت) التي عدت العقل هو الذي يوصل بأحكامه إلى المثالية ، ثم مثالية (هيغل) المطلقة والتي  تعترف بوجود عقل مطلق أو (إلهي) في الطبيعة وإن العقل الإلهي يباطن الطبيعة وإن تطور الطبيعة وحركتها خاضعان لهذا المطلق،ثم انتهى هذا المبحث بمثالية برغسون الحدسية والتي تعد الحدس وسيلة لأدراك حقائق الشعور الباطني وما شابهها من معرفة لا تهدف إلى العمل والمنفعة بل تتجه إلى ما هو مطلق وما لاتصل إليه تصورات العقل. بينما ضم المبحث الثاني المثالية في النص المسرحي العالمي والوقوف عند أبرز الكتاب الذين احتوت مسرحياتهم على مفاهيم مثالية وتجلى ذلك في مستوى (الشخصية،اللغة أو الحوار،الفكرة).أما المبحث الثالث والأخير فقد تضمن المرجعيات المعرفية للكاتب مثال غازي والتي لعبت دوراً في كتابة نصوصه المسرحية. وأُختُتِمَ الفصل بالمؤشرات التي أسفر عنها الإطار النظري والدراسات السابقة .

وكرس الفصل الثالث لإجراءات البحث التي شملت تحديد مجتمع البحث والذي ضم اربع مسرحيات ، وعينة البحث ومنهجه الذي اعتمد فيه الباحث على المنهج الوصفي (التحليلي)  كونه يلائم طبيعة البحث وهدفه ، وأداة البحث التي اعتمد فيها الباحث على المؤشرات التي أسفر عنها الإطار النظري بوصفها معايير تحليلية،وأخيراً تحليل عينة البحث. وانتهى البحث بالفصل الرابع بعدة نتائج منها : 

1- المثالية فلسفة تقرُ بوجود عالم آخر مطلق خالد مستقل عن الإنسان وهو من صناعة الله والذي يمكن استيعابه بالعقل.

وأستخلص الباحث جملة من الاستنتاجات كان منها الآتي :

1- العدل والخير والأخلاق هي السمات التي نميز بها مثالية الأشياء .

الكلمات المفتاحية: المثالية ، التمثلات ، فلسفة الوجود، مثال غازي.

Abstract

This means Find the perfect study in the texts of the Iraqi writer (Ghazi) Performing example, where current research focused in four chapters. The first chapter of which included a systematic framework of the research and the research problem identified by asking the following: What is the perfect example of Ghazi in the texts of the play? . While came the importance of research as studying one of the leading writers of the Iraqi theater, and the disclosure of the ideal manifestation of the texts at the level of (personal, language, dialogue, idea), as According to this research workers in the field of literature, theater, students of Fine Arts and institutes colleges, as accomplishing cognitive contribute to highlight the Iraqi theater culture. Find and defined the limits of time and space on texts by Ghazi example in Iraq between 1998-2001. The goal of the research was reflected in the know in the texts of the ideal gas play.

     The second chapter is the theoretical framework of the research, which contains three sections. Me first such study of the ideal concept of the philosophers start which brought him an ideal Plato of the existence of the eternal world of perfect outside Mahsusat a scientist goes, then the ideal of St. Augustine which held that God is the first example, then what brought him the ideal it was considered mind is that connects its provisions to the ideal, then the ideal of absolute Hegel, which recognizes the existence of absolute mind or (God) in nature and that the divine mind Abatn nature and that the evolution of nature and movement are subject to this absolute, then this topic is over idealism Bergson intuitive, which is the intuitive way to understand the realities of a sense of inner and similar knowledge It is not intended to work and tend to benefit, but what is the absolute and to contact the perceptions of the mind. While annexation second topic idealism in the global theatrical text and stand at the most prominent writers who included Msarhyatem the ideal concepts and demonstrated at the level of (personal, language, dialogue, idea). The third and final section has included references to the writer cognitive Ghazi example, which played a role in the writing of the play texts. The concluding chapter indicators resulting from the theoretical framework and previous studies.

      And devoted Chapter III of the research procedures, which included the identification of a society, which included four plays, and the research sample and method in which the researcher adopted the descriptive approach (analytical) being in line with the nature of the research and his goal, and search tool which the researcher relied on indicators resulting from the theoretical framework as an analytical standards and, finally, the research sample analysis.

The search is over fourth quarter in which the researcher has left a number of results, including:

1- idealistic philosophy recognizes the existence of another world absolute Khaled independently of a man of God and industry which can be absorbed through the mind.

Researcher concluded a number of conclusions, including the following:

2. Justice and goodness and morality are the features that distinguish from which to perfect things.

Keywords: ideal , representations, philosophy of existence, Ghazi mthale.

الفـصـل الأول / الإطار المـنهجي

أولا –  مشكلة البحث : 

    المسرح هو من الفنون التي أظهرت لنا ما قدمته الحضارات الإنسانية من منجز معرفي وفني ، معالجا وكاشفا لنا منذ نشأته عن الكثير من المواضيع التي اختلفت وتباينت بحسب الحقب التاريخية التي أنتجتها ، متبنياً في صياغتها أفكار إنسانية عبرت عن رؤى فلسفية معينة، لاسيما إن المثالية كانت احد الأفكار التي طرحها المسرح بآليات مختلفة عبر جسر فني جمالي ألا وهو (النص المسرحي) والذي يعد وسيلة اتصال ثقافية مهمة تبرز لنا التجارب الإنسانية العديدة للمجتمعات ، ولقد كان للمثالية نظرة كونية مختلفة في تفسير الأشياء حيث كان منطلقها رد كل شيء في الوجود إلى العالم الأسمى من العالم الواقعي وهو عالم المثال العالم الذي يحتوي على الحقائق الثابتة والمطلقة , وتجلت الأفكار التي طرحتها المثالية ( كالأخلاق و الفضيلة والعدل والشجاعة والحب ، … الخ ) في النص وعلى مختلف اتجاهاته سواء أكان كلاسيكياً أم رومانسياً أم رمزياً وعلى مستوى (الشخصية واللغة أو الحوار والفكرة) ، لذا نجد الشخصيات المسرحية ذات البعد الواقعي مثلاً قد حملت في طروحاتها أفكاراً مثالية كون أن الإنسان يجب أن يكون صورة من المثال ويقترب من صور الكمال وهذه أحد واجبات الديمومة لبقائه وإعطائه بعداً إنسانياً خلاقاً ومغيراً . 

    بعد انتهاء الحربين العالميتين وبسبب ما تعرض له العالم من هزات اجتماعية واقتصادية وسياسية ودينية ، نجد إن المجتمع العالمي بشكل عام بدأ يبتعد عن المادية وما أنتجته متجهاً نحو المثالية التي تدعو إلى قيم إنسانية بعيدة عن العنف.وقد اختلفت المثالية من مجتمع لآخر لكنها تشترك في القيم السامية نفسها ، لذا نجد إن الفكر المثالي في المجتمع العربي هو أحد الأبنية المكونة لهُ بسبب اقتراب الدين الرسمي من المثالية بمشتركات عديدة ، لذلك عالج كتاب المسرح العربي المثالية بطرق فنية مختلفة منطلقين في ذلك من الواقع المعاش وذلك بالتعبير عن المكبوت ومحاولة التركيز على شخصية البطل ولغته والفكرة المسرحية في صياغة المثالية في النص المسرحي العربي . ولم يكن العراق بمعزل عن هذه الأفكار لاسيما إن اغلب المؤلفين قد اطلعوا على الفكر المثالي فضلاً عن المقاربة الواضحة والمتشابكة مع بنية المجتمع العراقي المزاح نحو المثالية ، وقد كان من بين المؤلفين العراقيين الذين طرحوا أفكار المثالية الكاتب ( مثال غازي) كونه جزءاً من ذلك النسيج الاجتماعي المتباين والذي حاول توظيف تلك الأفكار في نصوصه وبمعالجة فنية مغايرة،واستناداً إلى ما تقدم يصوغ الباحثان مشكلته بالتساؤل الآتي : ما تمثـلات المثاليـة في نـصـوص مثال غازي الـمـسـرحـيـة ؟ 

ثانيا – أهمية البحث والحاجة إليه:تكمن أهمية البحث الحالي بوصفه يدرس أحد كتاب المسرح العراقي ألا وهو الكاتب (مثال غازي) ، والذي لم تكن هناك دراسة أكاديمية سابقة بحسب إطلاع الباحثين تناولت نصوصه المسرحية . 

    أما الحاجة إليه فتكمن في إنه أفاد العاملين في مجال الأدب والمسرح وطلبة كليات الفنون الجميلة ومعاهدها ، بوصفه منجزاً معرفياً يسهم في تسليط الضوء على الثقافة المسرحية العراقية .

ثالثا – هدف البحث: يهدف البحث الحالي إلى : تعرف المثالية في نصوص مثال غازي المسرحية .

رابعا –  حدود البحث: 

زمانياً : 1998 – 2001 

مكانياً : العراق .

موضوعياً : دراسة المثالية في نصوص مثال غازي المسرحية .

خامساً –  تحديد المصطلحات : 

المثالية:اصطلاحاً : المثالية:هي النزعة الفلسفية التي تقوم على رد كل وجود إلى الفكر بأوسع معانيه ، والتي  تقر بأن هناك وجوداً مستقلاً ، ولها صورتان الأولى : تريد أن ترد الوجود إلى الفكر الفردي وتسمى بالمثالية الشخصية (الذاتية) ، والثانية:تريد أن ترد الوجود إلى الفكر بوجه عام فردياً كان أو جماعياً أو كلياً:( ) .( كما عرفها عبد الرحمن بدوي) هي الفلسفة التي تقوم في رد الواقع إلى أفكار ، أو تقرر أن معرفتنا تنحصر في الأفكار دون الأشياء( ).

التعريف الإجرائي : يتبنى الباحثان تعريف عبد الرحمن بدوي كـتعـريف إجرائي وذلك لأنه يلائم طبيعة البحث .

الفصل الـثـاني/الـمبـحـث الأول

 مفهوم المثالية فلـسفياً : 

تعد المثالية من الفلسفات التي احتلت مكانة بين النظريات الفلسفية والتي تناولت الجوانب المهمة في حياة الإنسان ومواقفه الأخلاقية واتجاهاته الاجتماعية،اختلفت في نظرتها إلى مفاهيم الجمال والخير والفضيلة والأخلاق والعدالة ، ودعت هذه الفلسفة وعلى الدوام إلى عالم أسمى من الواقع المعاش ليسمو بها الإنسان إلى الرفعة ، ولابد من تناول مفهوم المثالية عند الفلاسفة كي نحدد وجهات النظر بينهم حول مفهوم الفلسفة المثالية . 

افلاطون* ( 427 – 347 ) ق . م : يعد افلاطون أول فيلسوف إغريقي قدم نسقاً فلسفياً متكاملاً شاملاً لنواحي الفكر وجوانب الحقيقة ، عرض فيه الوجود والمعرفة والأخلاق والإلوهية والسياسة والجمال ، وقد جمع افلاطون نسقه الفلسفي من مذاهب متفرقة ، فمن فيثاغورس استمد الاتجاه الديني والإيمان بالخلود والقول بحياة أخرى و وازنَ بين العقل والنظر الصوفي ، ومن هيراقليطس استقى المذهب الذي يقرر إن العالم المحسوس لا دوام فيه لشيء وإن المعرفة لا تستمد من الحواس بل من العقل ، ومن سقراط أخذ الاهتمام بالمسائل الخلقية وفكرة ( الخير )( ) ، لقد انطلق افلاطون وأسس لنظريته مما ما اطلع عليه وتأثر به من أفكار سابقيه . وجاءت نظرته إلى العالم نظرة سلبية كونه عالم متغير لا يحتوي على حقائق ثابتة ، وهذا ما جعله يفترض وجود عالم آخر يسمو على عالم المحسوسات ، عالم يحتوي على الحقائق الثابتة ، المطلقة ، أطلق عليه اسم (عالم المُثــُـل )( ) ، “حيث تقوم هذه الُمثُل في عقل إلهي عنده صور الصور أو أعلى المُثُل درجة واسماها مرتبة  وهي الصور الخالدة للأشياء ” ( ). والعالم الحسي ما هو إلا نتاج المثال ، والمثل خالدة تعلو على نطاق الأخلاق السماوية ، فهي لا تموت ولا تتوقف على الزمان والمكان ، أما (المحسوسات)  فهي نسبية زائلة تتوقف على الزمان والمكان ، كما إن هذه الأشياء في نظر افلاطون ما هي إلا نسخ ناقصة لمُثُل أزلية ، وان الطبيعة الحقة للشيء لا توجد في الظواهر التي تقدمها الحواس بل توجد في المثال ، وبذلك لايمكن معرفتها إلا عن طريق العقل وحده ( ). 

     ومن هذا التقسيم يرى افلاطون إن الجسم مجموعة من الظواهر الحسية الملموسة بعكس النفس التي تعبر عن جوهر عقلي يأتي من عالم المثل ، ويؤكد إن المعرفة العقلية نوع من المعرفة المجردة تجريدا كاملا من المحسوسات وهي تصعد من المحسوس إلى المعقول ، وتخضع المحسوس للمعقول( ).

    أما نظريته في المحاكاة فيرى افلاطون إن على الفنان أن يكون فنهُ محاكياً لعالم المثل ومبتعداً عن تقليد الطبيعة ” لأنها في حد ذاتها مجموعة من ظلال كاذبة للعالم المعقول ، وأصدر حكماً وهو إن الشكل وليس المضمون هو ما يجعل العمل الفني جميلاً ، وأكد على إن الجمال مستقل عن الحقيقة والنفع ” ( ).

إمانويل كانط* ( 1724 – 1804  م ) : نظر كانط إلى المثالية وإلى الدور الذي يقوم به العقل لتأدية النشاط المثالي رؤية جديدة . فالمثالية عنده ليست كالمثالية الأفلاطونية وليست كالمثالية الحسية للفلاسفة الإنجليز الذين سبقوه . بل هي المثالية الشجاعة التي هاجمت عالم المادة في عقر داره ، و إنها لا تكتفي بالتطلع إليه أو تحويله إلى صورة حسية متفرقة ، بل رأى كانط إن العقل لايمكن فصله عن التجربة وإن عالم التجربة ليس هو إلا العالم الخارجي مضافاً إليه القوانين والشروط العقلية ، وهنا لايمكن تصور (العقل ، عالم التجربة ) تصوراً إستاتيكياً بل علينا أن نتصورهما تصوراً ديناميكياً قائماً على سيطرة العقل على التجربة ( )، من هنا نجد ” إن الحقيقة عند كانط تنقسم إلى ميدانين هما : العالم التجريبي أو عالم الظواهر والذي يخضع كله تمام الخضوع لقوانين الميكانيكا ، وعالم الوجود في ذاته والذي لا قدرة لنا على معرفته معرفة عقلية “( )  . ونجد إن – المثال – عند كانط يتوسط بين الفكرة والحس ، والمثال برأيه هو رمز للخير ، فاللذة التي نشعر بها تجاه المثال ترتفع من المستوى الحسي أو التجريبي إلى المستوى الروحي الذي يجعل منه حقيقة متفقة مع عالم الغايات الأخلاقية أي إنها لذة تأملية خالصة تختلف عن اللذات الناتجة عن إرضاء أي حاجة بيولوجية أو تحقيق أي غاية عملية ، وهذا يعني أنها لذة الإحساس بالشكل بدون أي رغبة في امتلاك الشيء أو الانتفاع به ( )، ” لذا يؤكد كانط على إن الخير الأخلاقي يحمل معه أرفع المنافع ، لأن الخير هو موضوع الإرادة ، أي ملكة الرغبة المحددة عقلياً ، وإن الخير ينجذب من حيث ماهيته إلى الخارج إلى مادته الموضوعة ، وإن الوضع الذي يحدث ممراً بين ما نشعر به بأنه جميل وما نعرفه بأنه أخلاقي هو ( الخيال ) ” ( )، من هنا نجد إن – المثالي – عند كانط يتمثل بوصفه موضوع رضا كُلّي وهذا الرضا يجب أن يكون غير متعلق بأي غاية ذاتية أو موضوعية بمعنى إن – اللذة – هي نتاج العقل وهي مرتبطة بالذات ، لذا يؤكد كانط إن الفن الشعري هو أسمى الفنون لأنه يتيح للعقل أن يشعر بحرية وتلقائية ، لأن الشعر يطلق العنان في محتوى التصور المعطى ويسمو هذا التصور إلى فكرة ( ).أما بالنسبة للأخلاق ، فيؤكد كانط وبأهمية بالغة على مفهوم الأخلاق ويربطه بالجمال حيث يقول إن ( الجمال هو رمز الأخلاق ) ، ويؤكد قوله هذا بأربع نقاط هي ( ): 

1_ كلاهما يبعث المسرة وعلى نحو مباشر وليس من النتائج .

2_ كلاهما يشتمل على فكرة مضمونها امتثال طوعي للقانون .

3_ كلاهما مجرد . 

4_ كلاهما يُدرك على أساس إنهما يقومان على مبدأ عام .

وهنا يرى الباحثان إن كانط يربط الذائقة بالأخلاق اعتماداً على التهذيب لغرض الارتقاء وهذا ما يحقق العدالة في وجهة نظره .

      وطالب كانط الفنان بأن يعجب بالشيء الجميل، دون أن يلقي أهمية للغايات، فلا يحتفظ إلا بالشعور غير المحدد ، وبأن هناك غاية للجمال في الطبيعة دون مضمون محسوس لتلك الغاية ، وبذلك حصر كانط الجمال في الشكل وجعل الجمال ذاتياً في إدراكه( ).

رابعاً – جورج ويلهلم هيغل* ( 1770 – 1831  م ):هو صاحب النظرية الديالكتيكية أو الجدلية والتي أراد بها هيغل أن يقضي على المفارقة القائمة بين العقل النظري (السيد) والعقل العملي (العبد) . حيث أراد للإنسان أن ينفذ إلى روح الواقع من قراءة التاريخ البشري الذي جعل الطبيعة نفسها تحمله بين أعطافها ، والإنسان لا يستطيع أن ينفذ إلى الطبيعة والتاريخ إلا من التصور( )،وخلاصتها إن كل فكرة تولد فكرة متناقضة ، ومن تفاعل الفكرتين تنشأ فكرة جديدة تؤلف بينهما والتي دعاها هيغل (المركب) وقال عنها (المثالية المطلقة) ( ) ، وعليه ” لقد توسطت مثالية هيغل بين الفلسفة الطبيعية التي يقول فلاسفتها بأن الطبيعة مستقلة عن الذات ، وبين المثالية الذاتية التي قيدت وجود الطبيعة بالذات “( )  .

    أما بالنسبة للمطلق ومثالية هيغل فأن هيغل ينطلق في قوله ( إذا بدأت تعرف ذاتك وتسأل عن ماذا تكون وماذا تعرف فأنك تنقاد خطوة بخطوة إلى الاعتراف بوجود الذات المطلق ، حيث تعترف مثالية هيغل بوجود عقل مطلق أو (إلهي) في الطبيعة وإن العقل الإلهي يباطن الطبيعة وإن تطور الطبيعة وحركتها خاضعان لهذا المطلق الذي تختلط حركته بحركتها إلى حد تصبح فيه حركته مصدر حركة الطبيعة ، وبذلك تصبح الظواهر مظهر لحركة المطلق وتطوره “( ) . نجد إن حَمِل فلسفة هيغل لإسم (المثالية المطلقة) هو لان المحور الأساس في هذه الفلسفة هو (الروح المطلق) ، أي إن كل ما هو موجود في الوجود من مظاهر طبيعية أو مادية أو فكرية فهي مظهر من مظاهر تجليات الروح المطلق أي تحمل في ذاتها شيء من الروح الإلهي ، وإن قوام هذه التشكلات يكمن بالجدل ، لذا فالروح المطلق هو تركيب ناتج عن تناقض عنصرين هما الروح الذاتي والروح الموضوعي ، وإن الروح عند هيغل لا تقارب الذات بل هي ملازمة لها في تجلياتها لغرض الوصول إلى الروح الكلي( ). 

       ومما ما تقدم نجد إن مهمة الفن المثالي عند هيغل تكمن في ” التعبير عن الروح المطلق أو الحقيقة الإلهية ، وإن الحقيقة من وجهة نظره هي وجود ذهني غير حسي ” ( )، كما إن هيغل ربط الفن بالدين والفلسفة والأخلاق ويقول ” إن الدين والطبائع والأخلاق مواضيع موجودة من الأساس في ذاتها ” وكلما أسهم الفن في تشجيع الصبوات الدينية والميول الأخلاقية في تلطيف الطبائع ، يكون الهدف الذي أدركه على هذا النحو أكثر ارتفاعا وسموا ، وتلك هي المعايير المطلقة ، لذا نرى إن هيغل لا يرى مانعا بأن توجد الوصايا الأخلاقية في العمل الفني وبشكل ضمني بشرط أن لا تظهر فيه بصورة جلية ولا تقدم لنا كواجب ينبغي العمل به ( ). 

خامساً – هنري برغسون*( 1859 – 1941  م) :يعد الحدس ** هو المنهج الأساس للمثالية  البرغسونية ، ويشكل الزمان والذاكرة والاندفاع الحيوي الأطوار الكبرى لفلسفته المثالية ، وتنطلق فلسفة برغسون المثالية من الحدس كون (الحدس) عنده يشكل وسيلة لأدراك حقائق الشعور الباطني وما شابهها من معرفة لا تهدف إلى العمل والمنفعة بل تتجه إلى ما هو مطلق وما لاتصل إليه تصورات العقل ، فالعقل عدُّه برغسون ( جزئياً ) كونه يشكل أداة سيطرة الإنسان على البيئة،أما الحدس فهو  نوع من التعاطف العقلي الذي نستطيع به معرفة الأشياء من مكنونات الباطن لكشف ما هو فريد كون الحدس يتعامل مع المطلق وهو أداة الإدراك لذاتنا المستمرة في الزمان( ) ،  فالزمان لديه هو الديمومة *** الخالصة والاستمرارية ، وهو دائم متجدد ويحتوي على كل ما هو موجود ومعقول ، وما المادة والزمان والحركة إلا شكل من أشكال الديمومة ودفعة الحياة والوجود ، وعليه فالمعرفة الحقة هي التي تدرك بالحدس ، وكذلك يمنع نفسه من وصف الماضي في مادة ، ولكنه يصور الماضي والحاضر ، بمعنى ألا يكون الآخر سوى ظاهرة الماضي ، فجعل من الماضي جوهر الحاضر، وان الظواهر المتغيرة عن طريق الزمان لا يمكن للعقل أن يدركها، بل يتصور هذا التغيير على إنه فواصل زمنية (حالات سكونية) متعاقبة تمتد في سلسلة تراتبية من الأمكنة اللحظية ( ). فقد جعل برغسون الذاكرة هي الروح التي صورها على أنها زمان متصل مستمر، والزمان الذي يقصده هو تطور وحركة ونفوذ متبادل وصيرورة خالقة . وما الزمان في جوهره إلا ذاكرة ، وعي ، حرية ، وهو وعي وحرية لأنه ذاكرة قبل كل شيء . وإن هذا التماثل بين الزمان والذاكرة بالذات ، إنما يقدمه (برغسون) بطريقتين ، هما حفظ الماضي في الحاضر وتراكماتهِ فيه ، إذ لا يمكن إدراك أي شيء دون مساعدة الذاكرة ، أي نتذكر ما كنا نعرفه ذات يوم ( ).

أما الأخلاق فيقول برغسون إن جوهرها هو (الواجب) حيث يرد برغسون الواجب الأخلاقي هنا إلى الضغط الذي يمارسه المجتمع على الأفراد بعادات معينة ، وإن الفرد لا يشعر بهذا الضغط إلا عندما يحاول تجاوز تلك العادات أو عندما يحاول السير على طريق غير الطريق الذي رسمه له المجتمع ، فحينما يستشعر الفرد في ذاته نزوعاً شخصياً يميل معه إلى مقاومة ضغط (الأنا الاجتماعية) فأن غريزة الحياة سرعان ما تستيقظ في نفسه لكي تمد بالقوة اللازمة لأداء واجبه الاجتماعي ومقاومة سائر النزعات الباطنة ، ومن هنا يندفع الفرد إلى قهر (الأنا الفردية) التي قد تحفزه إلى إيثار مصلحته الذاتية على مصلحة الغير( ).   

الفصل الثـاني / المبحث الثاني

المثالية في النص المسرحي العالمي:

      لقد كان للأفكار والقيم التي طرحتها الفلسفة المثالية الأثر في رفد مسار الحركة الفنية لاسيما في فن المسرح ، وهي كبقية الفلسفات كان لها نظرتها وأسلوبها وتوجهاتها الخاصة وذلك لما جاءت به من مفاهيم أكدت فيها على موضوعات الخير والأخلاق والفضيلة والعدالة والنظام والاحتذاء بالنموذج الأعلى لخلق صور أرادت أن تصل بها إلى الكمال،ويسعى الباحثان في هذا المبحث أن يجد تأثيرات (المثالية) على نصوص بعض الكتاب المسرحين فيما ما وظفوه هؤلاء الكتاب من أفكار مثالية في سياقات النص المسرحي وعلى مستوى (الشخصية،اللغة أو الحوار،الفكرة ) . 

ففي عصر اليونان ، يعد الكاتب اليوناني (سوفوكليس) من الكتاب المسرحيين الذين كان لأطروحاتهم الأثر في حياة المجتمع اليوناني في ما قدمه في مسرحياته من أفكار حملت في مضمونها بعداً اجتماعياً خلاقاً ، ومثال ذلك مسرحيته (أوديب ملكاً ) ( )، والتي يصفها أرسطو بأنها مسرحية متكاملة ومثلت ما جاء به أرسطو من تنظيرات لاحقة في كتابه (فن الشعر) . وتدور أحداث هذه المسرحية في مدينة طيبة بعد أن تجمع أهلها جميعا أمام قصر الملك أوديب طالبين أن يجد لهم الحل في إيقاف مرض الطاعون الذي فتك بالكثير من سكان المنطقة والذين لا يعرفون سبب انتشاره وتستمر الأحداث إلى أن تصل الذروة في طرح ( نبوءة ابوللون) من قبل (يوكاستا) زوجة أوديب والتي تقول بأن والد أوديب وقبل ولادة أوديب جاءته نبوءة تقول إن المولود الجديد أي (أوديب) سيقتل أباه الملك ويتزوج أمه ، إلى أن تصل الأحداث نهايتها في ثبوت تحقق النبوءة وفقع أوديب لعينيه بعد علمه وتأكده من إن سبب انتشار الطاعون والبلاء في المنطقة كان بسببه هو .                             

فعلى مستوى الشخصية نجد المثالية كانت متجسدة في شخصية الملك أوديب وهروبه من الأسرة التي ربته في (كورينثة) كي لا تتحقق نبوءة ابوللون التي أشار بها إلى أوديب ،وهذه النبوة تظهر في الحوار الآتي 🙁 ) أوديب : لقد أشار ابوللون إليَّ بوضوح إلى مصائب فادحة أليمة وأنبأني بأنه قد مضى أن أتزوج أمي وأن أنجب أمام أعين الناس ذرية بغيضة وأن اقتل أبي الذي وهبني الحياة ، فلما سمعت بهذه النبوءات أخذت بعدئذ أسأل النجوم عن الطريق الذي اتبعه ونفيت نفسي من كورينثة إلى مكان اعتقدت إنني لن أرى فيه هذه النبوءات المخزية وقد تحققت, وسرت حتى بلغت ذلك المكان الذي تقولين أنتِ إن الملك لقي حتفه فيه .

مما ما تقدم يرى الباحثان إن هروب أوديب من كورينثة بعد تلقيه النبوءة هو في حد ذاته واجب وتوجه أخلاقي قام به أوديب بالرغم من إن الأحداث سارت على خلاف ما يبتغيه ، وهذا التوجه الأخلاقي هو أحد المفاهيم التي جاءت به مثالية افلاطون أو ما جاءت به مثالية برغسون في قمع (الأنا الفردية) في سبيل مصلحة الغير .أما على مستوى اللغة أو الحوار  فنجد المثالية متجسدة في حوار أوديب مع زوجته يوكاستا بعد أن أخبرته بالنبوءة : ( )

أوديب : ما أشد ما تثير هذه القصة في نفسي من شك واضطراب .

يوكاستا : ما هذا القلق الذي تشعر به بعد رجوعك إلى نفسك ؟

أوديب : أظنني سمعت منك أن لايوس قد قتل في طريق ذات ثلاث شعب .

يوكاستا : قيل ذلك وما يزال يقال …

أوديب : وفي أي مكانٍ وقعت هذه المصيبة .

يوكاستا : في الإقليم الذي يسمى فوكس حيث يفترق الطريقان المؤديان إلى دلفوي ودولس.

أوديب : وكم مضى من الزمن على هذه الأحداث ؟ 

يوكاستا : أعلنت أنباؤها في المدينة قبل أن يؤول إليك حكم هذا البلد بزمنٍ قصير .

أوديب : أي زيوس … ماذا قررت أن تصنع بي ؟ 

مما ما تقدم يرى الباحثان في جمل (ما أشد ما تثير،ما هذا القلق،أظنني سمعت) تجسيد للمثالية الحدسية التي جاء بها برغسون لاحقاً من ما أسماه (بالتماثل بين الزمان والذاكرة) حيث نجد حفظ أوديب لأحداث الماضي والرجوع إليها في الحاضر عبر الذاكرة دليلاً يمثل المثالية الحدسية،أما جملة (أي زيوس) فهي دليل ثبوت صحة الحدس والذي تحقق منه أوديب لاحقاً . 

أما على مستوى الفكرة والتي كان مغزاها (القَدَرْ) فيرى الباحثان إن المثالية متجسدة في قتل يوكاستا لنفسها بسبب تأنيب الضمير ومن أجل أن يعم الخير أهل طيبة وأن يعيشوا بسعادة ، وكذلك نجد المثالية في شخصية أوديب ، يجسدها الحوار التالي : ( )

أوديب : (بعد أن فقع عينيه). أيتها الطرق المثلثة ، أيها الوادي المطل ، يا غابة البلوط … أيها الممر الضيق بين المفارق الثلاثة أنتَ يا من شربت دمي ودم أبي الذي سفكته . أتذكرين الجرائم التي ارتكبتها ضدك ؟ والآثام التي اقترفتها بعد أن أتيت هنا ؟ أيها الزواج ، أيها الزواج … لقد وهبتني الحياة ، ثم أنبت البذر نفسه من جديد وجئت إلى النور بآباءٍ إخوة لأبنائهم ، وأبناء من الدم عينه ، وزوجات كن أمهات وزوجاتٍ لأزواجهن ، وكافة أنواع الإثم والعار التي توجد بين الناس . ولكن هيا فلا يليق بنا أن نذكر مالا يليق أن نصنع ، فأسرعوا ، بحق الآلهة ، وأخفونا بعيداً عن هنا … أقتلوني أو أرموني في البحر حيث لا تروني أبداً . تعالوا . تنازلوا والمسوا رجلاً بائساً ، صدقوني ولا تخافوا شيئاً . فليس بين الناس جميعاً من يستطيع أن يحتمل آلامي إلا أنا . 

ومن ما تقدم نجد المثالية عند أوديب في رضاهُ بالقدر وإقراره بالخطأ الذي ارتكبه ، وهذا ما يحقق الخير والفضيلة والأخلاق والتي سعت إليها الفلسفات المثالية .

أما في عصر الرومان،فتعد مسرحية (هرقل فوق جبل اويتا) للكاتب الروماني سنيكا ، من المسرحيات المهمة والتي تكمن أهميتها في تناولها لأسطورة هرقل ، تلك الشخصية ذات الشهرة والشعبية ليس فقط بين عامة الناس بل في عالم الأدب والشعر والفكر والفلسفة ، والتي يعد تناولها وسيلة مثمرة للغوص في لب الفكر (الإغريقي- الروماني) ( )، وهي مسرحية استطاع المؤلف فيها نسج أحداث أسطورة هرقل الإغريقية وبشكل مميز ، وتدور أحداث المسرحية حول مجيء هرقل من مدينة (يوبو يا) التي عبث بها هرقل ودمرها وقتل ملكها بسبب عدم أعطاء الملك ابنته لهرقل وجعلِها زوجة له ، حيث يأتي هرقل ببنت الملك (يولي) وهي أسيرة إلى مدينته ذاكرا انتصاراته التي حققها وما فعله على هذه الأرض ، وبعد أن علمت زوجته (ديانيرا) بذلك زاد غضبها وبكاؤها على ما فعله هرقل ، بعدها قامت ديانيرا بعمل خلطة سحرية من الدماء التي احتفظت بها من جرح الإله نيسوس قاصدةً فيها أن ترجع حب هرقل لها دون أن تعرف حقد وكره نيسوس لزوجها والذي خدعها بأن هذه الخلطة تزيد من حب زوجها لها ، وبعد أن عملت لهرقل ثوب دهنت الثوب بهذه الخلطة وأرسلته لهرقل فعندما لبسه هرقل بدأت عظام جسمه تتحطم وبدأ لحمه يتساقط وذراعاه تنخلع من جسمه وهو ملتوياً متألماً ، ولما علمت ديانيرا بذلك أخذها الندم وانتحرت ، ثم قام ابن هرقل (هيللوس) بتوضيح الأمر لأباه وإن أمه قد كفرت عن فعلتها بالانتحار ، وبعد هذا الإخبار زاد أسى هرقل وأسفه  وأمر أبنه بالزواج من (يولي) أسيرته والتي أصبح هرقل أسير هواها . بعدها يذهب هرقل إلى المحرقة حيث يقوده جماعته إلى هناك وأمر أن يقوموا بتجهيز كومة حرق جنائزية ووضع نفسه فيها إلى أن بدأ جسده يتلاشى .

فعلى مستوى الشخصية نجد إن المثالية كانت متجسدة في شخصية البطل هرقل الذي جال في أصقاع الأرض وجلب الانتصارات ، الحوار التالي يوضح ذلك 🙁 ) .

هرقل: يا رب الأرباب ، يا من بيده تنزل الصاعقة فيحس بها كلا منزلي المشرق والمغرب ، احكم (الآن ) في أمان ، لقد وطدت لك أركان السلام في كل أنحاء الأرض وحتى المكان الذي يقف فيه نيريوس حائلاً بينها وبين الامتداد،لست بحاجة إلى أن ترعد ، سقط الملوك الخونة والطغاة القساة . لقد حطمت كل ما كلن عليك أن تصعقه بصاعقتك . ألا يزال حتى الآن يا أبتي يُنْكَر حقي في السماء ؟ لقد برهنت وبكل تأكيد على أني جدير بجوبيتر ، وتشهد زوجة أبي على إنك والدي ، لقد استسلم لي كل شر تمخضت له الأرض والبحر والسماء والعالم السفلي . 

مما ما تقدم يرى الباحثان تجسد المثالية في شخصية هرقل كون هذه الشخصية تمتلك قوة وشجاعة مثالية تقوم على الصور السابقة  بحسب ما جاء به افلاطون ، فنجد إن هرقل بعث السلام في العالم وسحق شرور الأرض والعالم السفلي وهذا بحد ذاته فعل مثالي يتجه نحو الخير والسعادة .

أما على مستوى اللغة أو الحوار فنجد تجسد المثالية في شخص هرقل : ( ).

هرقل : ( واصفا بطولاته وانتصاراته ) ، لقد ذهبت إلى ما وراء الدورات الشمسية وتوقف ضوء النهار في وسط حدودي واستسلمت الطبيعة لي ولم تعد الأرض قادرة على أن تمدني بجولات جديدة فلقد أنهكت قواها .

من خلال ما تقدم يرى الباحثان و في جمل ( ذهبت إلى ما وراء الدورات الشمسية واستسلمت الطبيعة لي ) تجسيد للمثالية الأفلاطونية عبر الصور التي احتذاها البطل وبالتالي هي مثالية موضوعية ، وكذلك نجد إن هذه الأماكن بحسب ما جاء به هيغل لاحقا هي متناهية وإن كل متناهٍ في نظر هيغل هو مثالي . أما على مستوى الفكرة  والتي مغزاها ( القــَدَر)  فنجد تجسد المثالية في شخصية هرقل   التي تمتعت بالسيرة النضالية الفاضلة والشجاعة الأخلاقية والكفاح من اجل السلام والرخاء ورغم ما فعله ذلك البطل الأسطوري لكن القدر وقف حائلاً دون ذلك وبالتالي طلب بنفسه أن يقودوه جماعته إلى المحرقة الموجودة في قمة جبل اويتا ووضع نفسه فيها غير مبالٍ إلى أن أصبح رمادا ، وعندما تأكد جماعته إنهم لم يعثروا على بقاياه سوى الرماد فتأكد لهم أن الآلهة قد رفعت بطلهم هرقل من قيود الأرض السفلية إلى رحاب السماء العلوية ليعيش خالداً بين الآلهة ، ونجد إن مسألة الخلود والحياة الأخرى هي من المفاهيم التي جاءت بها الفلسفة المثالية . وكذلك نجد إن مسألة الخلود هي من المفاهيم الرئيسة التي جاءت بها الفلسفة الرواقية التي اعتنقها سنيكا . وقد تجسد ما تقدم على مستوى الفكرة في الحوار التالي : ( ).

الجوقة : من قبل لم تحمل قط الفضيلة المجيدة إلى أشباح ستكس . الشجعان دوما أحياء يرزقون ، نعم ولم تحملكم الأقدار القاسية أيها الشجعان فوق مياه نهر ليثي ولكن عندما يأتي يومكم الأخير بساعات النهاية في عالم الدنيا فأن مجدكم يشق طريقه نحو الآلهة الأعلين .         

أما في العصور الوسطى ، فتعد تمثيلية ( آدم وحواء )( ) التي كتبها شماس نورمندي أو إنجليزي نورمندي مجهول الاسم في القرن الثاني عشر من التمثيليات المهمة التي أخذت مساحة واسعة في عرضها في ذلك العصر الذي أقتصر المسرح فيه على التمثيليات الدينية بسبب الحكم الكنسي الذي حارب المسرح في بدايته ثم عاد إليه متخذاً منه وسيلة لنشر تعاليم الدين المسيحي.اما على مستوى الشخصية فنجد المثالية متجسدة في شخصية الرمز الإلهي أو الرب:( ) 

الرمز الإلهي:(إلى آدم) لقد صورتك على مثالي،وبرأتك على صورتي ، من تراب … فأنصت إليَّ وأفهم قولي : لقد خلقتك والآن هاهي ذي الهبة التي أهبك إياها ، تستطيع – إذا أطعتني – أن تعيش أبداً ، وألا يعتريك المرض أو الخوف ، ولن تعرف الجوع أو تشرب عن حاجة إلى الري ، ولن يمسك زمهرير ولا حر ، ستحيى في سرور ، فلا يصيبك النصب وتظل في نعيم فلا يمسك الألم ، ستدوم إلى الأبد . 

مما ما تقدم يرى الباحثان إن شخصية الرب هي شخصية مثالية وحسب مثالية (هيغل): إن كل متناهٍ هو مثالي وشخصية الرب هي شخصية مطلقة متناهية ، وكذلك رأي (افلاطون) : إن المثل تقوم في عقل إلهي ، أو رأي (أوغسطين) في: إن الله خالد خارج الزمن ، وهي مدركة عقلياً بحسب رأي كانت ، وبالتالي هي مثالية محضة . أما على مستوى اللغة أو الحوار فنجد المثالية متجسدة في رد آدم على الرب 🙁 ) 

آدم:(إلى الرب) حمداً جزيلاً لك ، أنت يا من خلقتني ووهبتني هذه النعمة الجلي حين وضعت الخير والشر في تصرفي ، سأكرس إرادتي لخدمتك . أنت مولاي ، وأنا مخلوقك . أنت الذي برأتني وأنا صنيعتك . إن إرادتي لن تعصاك بقدر ما تتحمس لخدمتك .

مما ما تقدم ومن مغزى الحوار يرى الباحثان تجسد المثالية في رد آدم لما فيه من حمد وثناء وشكر وطاعة وإخضاع إرادته (إرادة الخير) في خدمة الرب ونجد إن الإرادة هي المصدر الوحيد للخير في فلسفة أوغسطين وحب الله هو الذي يقود آدم إلى الفضيلة والخير وهذا دليل على أخلاق شخصية آدم والتزامها تجاه خالقها . وعلى مستوى الفكرة والتي مغزاها (الخطيئة) فنجد المثالية في تصرف شخصية الله : ( ) 

الرب:( بعد أن يعلم بارتكاب الخطيئة يوقف الملك ذات اللباس الأبيض على باب الفردوس ويقول له : ) أحرس لي فردوسي جيداً ، وأحذر أن تدخلها هذه الذرية الطالحة ، وأحرص على ألا يحصل على القدرة أو الأذنْ بمس فاكهة الحياة بعد سد الطريق عليه بهذا السيف المتوهج .

بعدها ( يخرج آدم وحواء من الجنة ويظلان متعبين مطأطئِ رأسيهما حتى يمسا الأرض ويبدو عليهما الحزن والخجل ) 

آدم:وأسفاه ، ما أضعفني أمام شقوتي التي رأيتها منذ اليوم الذي انقضت فيه خطيئتي ، لأني هجرت مولاي المعبود ، من ذا الذي يستطيع أن يخف لنجدتي ؟ أيها الفردوس ، أيها المقام الجميل ، يا حديقة المجد ، ما أجمل النظر إليك ، الحقيقة أني طردت منها بسبب خطيئتي وقد فقدت كل أمل في العودة إليها .

ممَّا ما تقدم يرى الباحثان تجسد المثالية في تصرف شخصية الله تجاه آدم وطرده من الجنة وهذا دليل كمالها وقوتها وشجاعتها من أجل أقامة العدل ، حيث كان هذا الحكم خاضعاً لنشاط العقل الذي أكد عليه كانط وهذا ما حقق واجب الشخصية المثالي وهذا ما سعت إليه الفلسفات المثالية . 

أما في عصر الكلاسيكية الجديدة ، فتعد مسرحية (السيد) للكاتب الفرنسي بيير كورني من المسرحيات التي لاقت نجاحاً في القرن السابع عشر ، حيث مثلت هذه المسرحية  ثلاث مرات في البلاط الملكي ومرتين في قصر (الكاردينال ريشيليو ) وقد عرضت ألف ومائة وعشر مرات مثلت فيها ما بين عام 1680-1932م ، وقد أخذ كورني مسرحيته هذه عن رواية للشاعر الأسباني دي كاسترو ولكن كما يذكر مترجم المسرحية ( يوسف محمد رضا ) في تقدمة المسرحية إن يد كورني كانت سحرية في إحالة رواية دي كاسترو إلى تمثيلية منطقية الحوادث ، جليلة الفكرة ، خصبة المعاني ، تدين أولاً وآخراً لعبقرية كورني في الشعر( ).

 تدور أحداث هذه المسرحية في مدينة قشتالة حول بطلها (رودريك) وحبه الكبير لحبيبته ( شيمين ) والذي اقترب من الزواج منها لولا الفعل الشنيع الذي إرتكبه والد شيمين الكونت (دون غوميز) بحق أحد أبطال عِيان قشتالة وهو (دون دياغ) والد رودريك بعد أن (صَفَعَهُ) بخده حسداً على المنصب الذي أناطه ملك قشتالة ( دون فردنارد ) لوالد رودريك ، وهذا ما أزم الأحداث وجعل رودريك يُفضل الواجب تجاه أبيه بدلاً من الحب مقرراً الانتقام من والد شيمين وقتله من أجل رد الشرف إلى أبيه ، وتسير الأحداث التي إنمازت بمنولوجات يظهر فيها الصراع النفسي لشخصية شيمين والتي تريد أيضاً أن تنتقم لأبيها الذي قتله رودريك لتقدم واجبها تجاه أبيها لكن حبها لرودريك يقف حائلاً دون ذلك بالرغم من إن شيمين بعثت بمنافس رودريك في حبها (دون سانش) والذي لم يوفق في قتل رودريك كونه فارساً ليس محترفاً مقارنةً بالبطل رودريك ، وكذلك يظهر لنا الصراع النفسي لشخصية الملك ( دون فردنارد ) والذي يقف حائراً بين طلب شيمين بمحاكمة رودريك وبين رودريك الذي انتصر على جيش المغاربة المهددين لقشتالة وأَسَّـرَ منهم اثنان من ملوكهم الذين أطلقوا على رودريك لقب (السيد) على رودريك لشجاعته والذي جعل الملك يَقِرُ بهذا اللقب ومنحه لبطله ، وتنتهي المسرحية بتأجيل الزواج بين شيمين ورودريك الذي كان قد أقره الملك على أثر المنافسة بين رودريك و دون سانش والذي تغلب فيه رودريك .فعلى مستوى الشخصية فنجد المثالية متجسدة في شخصية (رودريك)، والنص الاتي يوضح ذلك 🙁 ).

1- رودريك: لشَّدَ ما أكابد من الصراع في نفسي ، إن حبي لينازعني شرفي ، ولكن أنا مَدينٌ بكل شيء لأبي قبل حبيبتي، فلأمت في القتال ، أو لأمت من الأسى . سأَرِدُ دمي نقياً كما تلقيتهُ .( بعد عودة رودريك منتصراً من الحرب وبعد أن مدحهُ الملك وأخضع الجميع لِلَقب السيد ، أجابه رودريك ).

2- رودريك : إني لا أقوم إلا بما هو واجبٌ على الرعيةِ ( ). 

ومما تقدم يرى الباحثان إن المثالية تجسدت في شخصية رودريك في الحوار الأول وذلك بما ما قام به رودريك من واجب تجاه أبيه في رد الشرف وإعادة الهيبة لوالده وهذا ما كان خاضعاً لتصرف العقل بحسب ( كانط ) وهو واجب أخلاقي تميزت به شخصية البطل وهذا ما دعت إليه الفلسفات المثالية ، والحوار الثاني فقد أوضح لنا واجب رودريك تجاه وطنه والتضحية من اجله وجلب الانتصار له وهذا أقل ما يقدمه رودريك إلى وطنه وهذا دليل على الحب والشجاعة الذي قادت إلى سعادة أبناء وطنه وعدم إلحاق الأذى بهم بسبب الواجب الذي قام به البطل وهو التزام أخلاقي , وهذا ما دعت إليه الفلسفات المثالية .

أما على مستوى اللغة أو الحوار فنجد المثالية متجسدة في حوار شيمين مع خادمتها ( ألفير ) عندما كانت شيمين تتحدث عما تكمنه من حب لرودريك وعن الأيام القريبة التي سيتوج بها هذا الحب بالزواج  بين الحبيبين ، وهذا كان قبل الصفعة 🙁 ) .

شيمين : إن نفسي تغشى من الريب ما تغشى ، فهي تغشى هذا السرور وتنوء بوقره ، قد تطرأ طارئة لِتوها فتغير وجوه الأقدار ، إنني لأوجس خيفةً من نكبةٍ عظيمةٍ ينجلي عنها هذا السعد . 

مما تقدم يرى الباحثان في جمل ( قد تطرأ ، إنني لأوجس ) تجسيد للمثالية الحدسية التي جاء بها برغسون فيما بعد،حيث نجد إن شيمين كانت على علم بضجر والدها من المنصب الذي تسلمه والد رودريك وهذا ما جعلها ترسم لأحداث مستقبلية تحققت بالفعل لاحقاً وأفسدت فرحتها .أما على مستوى الـفـكـرة فنجد المثالية في تمحور فكرة المسرحية بمحورين الأول والأساس:هو (الواجب) الأخلاقي الذي قام به رودريك تجاه أبيه ، والمحور الثاني : هو (الحب) والذي كان مثالياً محضاً من قبل الحبيبين ، وكما يذكر كورني في هوامش المسرحية ( إن الحب والواجب لا يتعارضان بل إنهما متممان بعضهما لبعض ) ، وكما في الحوارين التاليين : 

1- رودريك : ( إلى ألفير خادمة شيمين ) ، كانت حياته عاراً عليَّ ، إن شرفي أراد لي هذا البطش( ).

2- شيمين : ( إلى رودريك عند تواجده في بيتها بعد أن قتل أبيها ) أذهب ، أنا لا أكرهك

رودريك : بل يجب أن تكرهيني .

شيمين : لا أستطيع .

رودريك : أنقذي سمعتك من غير جدال بإنزال الحكم بي ، ولا تؤجلي ما يأمركِ به الشرف الذي يطالب برأسي ، سأموت سعيداً إذ أموت بطعنةٍ من يدك .

شيمين : إن سمعتي ليلتمع نجمها حين أبقي عليك . كيف أستعدي عليكَ وأنا أعبدكَ ( ).

ومما تقدم يرى الباحثان إن تجسد المثالية في الحوار الأول هو من خلال ما قام به رودريك من دفاع واضح عن شرفه وشرف والده وهو واجب أخلاقي .

أما في الحوار الثاني فتجسدت المثالية في الشخصيتين وعلى مستوى عالٍ ، فحب رودريك لحبيبته شيمين جعلهُ يضع رأسه تحت تصرف شيمين لترد شرفها وبالوقتً نفسه ليرضي شيمين بقتله ، أما شيمين فكان حبها لرودريك الذي يصل إلى أنها عبدته هو الذي منعها من أن تقتلهُ ، والحقيقة إن الحب كما جاءت به الفلسفات المثالية هو الدافع للفضيلة والخير وهو جهد الكائن الفني في سبيل الخلود وهذا ما يحقق المثالية . 

 أما في عصر الرومانسية ، فتعد مسرحية ( هرناني ) ( ) للكاتب الفرنسي فكتور هيغو من أشهر المسرحيات التي مثلت أفكار هذا العصر وتطلعاته ، والتي تدور أحداثها حول حب هرناني ( لدونيا سول ) البنت اليتيمة الأبوين والتي رباها عمها ( دون روي غومس ) والذي يحبها ويريد أن يتزوجها ، أما ( دون كارلوس ) فهو المغرم الثالث بحب دونيا سول والذي يريد أيضا الفوز بها كزوجة ، ولكن دونيا سول تعشق هرناني ذلك البطل الشجاع المُضحي من أجل حبيبته والذي يريد الانتقام من دون كارلوس الذي كان أبوه قد قتل أبو هرناني . وبالتالي وفي حفل زواج هرناني من دونيا سول وبحضور دون كارلوس الذي عُيِّنَ إمبراطوراً جديداً لقشتالة بعد موت ملكها ، أثناء الحفل الجميل المغمور بالرومانسية المفعمة ( يَنْفَخُ ) دون روي غوميز بالبوق الذي أعطاه له هرناني في السابق عندما طلب غوميز من هرناني بعد أن أسَّرَ كارلوس دونيا سول أن ينتقم هو لدونيا لكن هرناني رفض ذلك وقرر هو الانتقام بحسب الثأر القديم بينه وبين كارلوس وبالوقت نفسه أعطى غوميز هذا البوق وقال له متى ما تنفخ بالبوق يكون من حقك قتلي ، وبالفعل نفخ غوميز بالبوق وقدم لهرناني قدحا من السم في حفلة زواج وما إن شرب هرناني نصف القدح حتى أخذت منه القدح دونيا سول وشربته ومات الحبيان، وبعد أن يرى غوميز موت دونيا سول يقوم بقتل نفسه معلناً نهاية المأساة. وعلى مستوى الشخصية فنجد إن المثالية متجسدة في شخصية هرناني ، وكما في الحوارين التاليين :

    هرناني : دونيا سول ، يا غرامي ، خبريني وقولي إذا ما هوَّد الليل ورتق الكرى جفنيك ، فنمتِ في هدأةٍ وطهر ونقاء ، واستسلمت لِلَذيذ الكرى فباعد قليلاً بين شفتيك وأطبق برفقٍ عينيك ، أيمرُّ بك طيف من مَلَك فيهتف ما أعذبك وأحلاك …… ما أشهى الغرام ورؤية المحب جاثياً على قدمي حبيبه ، ما أحلى أن نكون اثنين في عزلةٍ وأن نتشاكى الهيام والناس نيام ، دونيا سول . يا بدعة الحسن ، يا صبابتي ، دعيني أضع رأسي على ثديك ، وأغمض جفنيَّ وأحلم . ( )

    هرناني : الملك ! الملك ! . لقد مات أبي شنقاً بحكم من أبيه ، ومهما تراخى العهد ومرت السنون على هذا الحادث القديم فحقدي لا يزال في جدَّته ، على شبح ذلك المتوفى ، وعلى أبنهِ وأيَّمِه* ، وإذا كان الأول قد أسقطه الموت من الحساب ، فقد أقسمت وأنا يومئذٍ طفل ، على الأخذ بثأر أبي من أبنه ( ). 

وممّا تقدم نجد تجسد المثالية في الحوار الأول هو بالكلام المفعم بالحب من قبل (هرناني) الحبيب والنبيل العاشق لحبيبته كون الحب هو من يجعل الإنسان يسمو إلى الأعلى وهذا ما تبغيه الفلسفات المثالية . وفي الحوار الثاني تتجسد المثالية في ذلك الثائر المنفي ذي الكرامة العالية الذي يريد أن ينتقم لشرفه من دون كارلوس ، وهذا كما ذكرنا آنفاً هو واجب أخلاقي سعت إليه الفلسفات المثالية .

أما على مستوى اللغة أو الحوار فنجد تجسد المثالية في حوار دون روي غوميز مع الملك دون كارلوس عندما أراد الأخير أن يأخذ هرناني من بيت غوميز لكن غوميز رفض أن يعطيه له كون هرناني ضيف غوميز وهذا دليل على أخلاق غوميز وأسرته التي كانت مثال للأسرة النبيلة التي يبلغ الشرف والأخلاق عندهم ما يبلغ ، لذا هدد الملك غوميز بأن يهدم بيته ، فأجابه وكما في الحوار التالي : ( ).

دون كارلوس: ( إلى غوميز ) ، إن قصرك يضايقني فلا بد من هدمه ، ولابد من هدم الأبراج جزاءً لك على جرأتك .

غوميز : لأن ينبت القنب مكان أبراجي أحبَّ إليَّ من وصمةٍ تذهب سيلفا القديم . 

وممّا تقدم يرى الباحثان تجسد المثالية في هذا الحوار بما قام به غوميز من رد على الملك ورفض تسليم هرناني إليه حتى ولو نَبِتَ النبات مكان هذه الأبراج بالرغم من تهديد الملك له ، وهذا دليل على أخلاقهِ السامية في صونهِ لحياة الضيف ، وشجاعته التي وقف بها ضد الملك ، وهذا ما تسعى إليه المثالية .

أما على مستوى الفكرة والتي مغزاها ( التضحية ) فتجسدت المثالية هنا بالتضحية من أجل الحب والتي أدت أخراً إلى أن الحبيبين ( هرناني ، دونيا سول ) ماتا بقدح سم واحد ، فبعد أن نفخ دون غوميز بالبوق وقدم لهرناني كأس السم شربه الأخير لا حباً بغوميز بل لأن هرناني أراد قبل أن يموت وتصعد روحه إلى السماء أن يقع بصرهُ على بصر حبيبته دونيا سول وحتى دون أن تتخاطب الأفواه بينهما ، أما دونيا سول الحبيبة التي وصلت بدرجة حبها إلى عبودية هرناني فقد انتزعت كأس السم الذي وصل به هرناني إلى النصف وشربته هي الأخرى وهذا دليل حبها وشجاعتها ، ومات الحبيبان من أجل فناء حبهما  وخلوده ، وهذا ما سعت وأكدت عليه الفلسفات المثالية .       

الفصل الثاني / المبحث الثالث

مرجعيات الكاتب مثال غازي المعرفية : 

يعد الكاتب المسرحي العراقي مثال غازي من الكاتب المسرحيين في العقد الأخير من القرن العشرين وما تلاه والذين كان لهم الإثر  الواضح في رفد حركة التأليف المسرحي وذلك بما جاءت به نصوصه من قيم وأفكار حاول جاهداً فيها أن يقف وبمنزلة المحامي عن الإنسان وما يعانيه ذلك الإنسان من مشكلات تعود إلى البيئة القاسية التي يعيشها ولاسيماً إن غازي قد عايش العقد الأخير من القرن المنصرم وما فيه من تحولات اجتماعية واقتصادية وسياسية، وقد كان للتهميش والإقصاء والجوع والخوف الذي سببه النظام وسلطته الجائرة الأثر في حياة الإنسان العراقي .

لقد تعددت مرجعيات الكاتب غازي بحسب الثقافة والمتابعة الأدبية التي ارتمى في أحضانها ، حيث كانت بداياته الأولى عبارة عن محاولات شعرية بسيطة وكانت للصياغات اللغوية والشعرية التي تتمتع بجمالية عالية ذات أثر في ثقافته لاسيما إن غازي كانت له قراءات متعددة لشعراء كبار أمثال ( نزار قباني ، السياب )  . وهنا يتفق الباحثان مع ما جاء به أرسطو في كتابه فن الشعر حيث يشخص بدقة مثارات كتاب التراجيديا في نزوعهم نحو الصياغات اللغوية العالية والتي يراها أي ( أرسطو ) بأنها اهتمامات مبتدئي الكتابة تحديداً . وهذه كانت البداية الأولى ، ثم انتقل غازي لكتابة القصة حيث عُرف قاصاً في نهاية الثمانينات من القرن المنصرم ونشرت له الكثير من القصص في الصحف والمجلات العراقية . وبعدها أُغْرِمَ غازي بالرواية وهو ينتقل بقراءته بين ماركيز ورواياته العالمية الذائعة الصيت تارةً وبين روايات الروسي الشهير دستوفسكي تارةً أخرى مستفيداً من الصياغات والبنية الحكائية والعقدة وزمكانية الأحداث والحل ومن دون قصد:( ) . وفي عام 1989 حصل التحول في مسيرة غازي وانتقاله من عالم القصة والرواية إلى عالم المسرح عندما حضر عرضاً مسرحياً في قاعة ابن النديم التابعة للمكتبة المركزية في العاصمة بغداد للمخرج غانم حميد وهي مسرحية (هذيان الذاكرة المر)،وحالما غادر غازي باب القاعة بعد نهاية العرض حتى تزلزلت أفكاره بسبب ما رأته عينه من سحر ودهشة بعدها توجه غازي إلى المسرح وكتب أول  مسرحياته وهي مسرحية (مالا يأتي ) والتي حصل بها على الجائزة الأولى مناصفةً مع الكاتب البارز (فلاح شاكر) ومن هذه المسرحية انطلق غازي في المسرح تاركاً القصة والرواية ومتجهاً فقط إلى الكتابة المسرحية والتي أصبحت مشروعه الذي يشاغله دوماً( )، ويرى الباحثان إن هذا التحول جاء بسبب ما أدركه غازي من إن للمسرح تأثيراً عميقاً واستجابة مؤثرة على المتلقي أو المتفرج وإن هذا التأثير يختلف تماما عن الفنون الاخرى بسبب العلاقة الحية المباشرة بين منظومة المسرح كمُرسِل والمتلقي كمُرسَل إليه وما تبثه تلك المنظومة من أفكار وقيم إنسانية . 

ولم تلعب الحياة الأسرية التي عاشها غازي دوراً في نصوصه المسرحية بقدر ما كانت تعمل عنده تأثيرات اللاوعي المتجذر وفي ذاكرة الجميع وكذلك التاريخ ، وما ترتب في مخياله من مواقف حياتية ترتبت في ذهن مجتمع بأكمله كاستلاب الذات والاستعباد التي عاشها المجتمع ولا زال يعيشها( ).   

ولقد تأثر غازي كما تأثر الكثير غيره من الكتاب بكتاب مسرحيين عالميين كان لهم الاثر الكبير والواضح في تغيير مسار حركة التأليف المسرحي.أمثال الانكليزي (شكسبير) الذي انتفض على أصول الدراما الكلاسيكية جميعاً كأنما عن عمد أو عن ثأر دفين فأنتج مسرحيات لا تلتقي ومسرحيات القدامى في نقطة واحدة ، فجاء إنتاجه أعلى وأعلى  من إن يرقى إليه إنتاج ، اختلف معهم في وظيفة الفن وفي طبيعة الفن وفي عناصر الفن وفي موقف الشاعر فكان لنا منه أدب ( )، فقد تأثر الكاتب بمسرحيات شكسبير مثل مسرحيات (ماكبث و لير و هاملت و عطيل ) والتي عدَّها غازي البواعث الحقيقية لطموحهِ نحو الكتابة ، لكن غازي بالوقت نفسه وقف موقفاً مشاكساً وضدياً من شكسبير في مسرحيتي  (فصل من مسرحية ماكبث) ، ووقف بالضد من مسرحية (في انتظار غودو) للكاتب الأيرلندي (بيكت) في مسرحيتي (مكانك أيها السيد) ، لذا وجد مثال غازي في نفسه على نحو مفاجئ كما يقول هو ” ناقداً دراماتورجيا لصياغات جديدة ولمسرح قد عفا عليه الزمن وماتت واستهلكت مضامينه ، وأنا أطلق على نصوصي المسرحية (المسرح الموازي) الذي يعيد إنتاج العالم بمعطيات جديدة وكما فعل قبلي (جان انوي ، جان كوكتو ، سارتر ) ” ( ). ولكن السؤال الذي بقى يعتمل في غازي ولا زال هو : هل يستحق هذا العالم صياغة جديدة كي يحيا من جديد ، أم علينا نتركه يموت ويمضي دون تحديث كما فعل كورني وراسين ؟ . وهنا يرى الباحثان في هذا السؤال نوعاً من الهروب من تفاصيل الحياة والواقع التافه الذي ما زلنا نعيشه . وهذا ما يؤكد قول غازي ”  أنا لا زلت رافضا للواقع حتى هذه اللحظة لأن الواقع هو الموت والموت هو الواقع ، ولا يمكن للمسرح صاحب الصبغة الإلهية أن يتنازل عن هيبته وعظمته ليهبط إلى تفاصيل حياتية ساذجة مندثرة لا تلبث أن تعيش حتى تموت “( ). 

تنطلق فلسفة غازي والتي تبدو واضحة في أغلب نصوصه من منطلق ( الانتصار للإنسان الأعلى ) ذلك الإنسان المنزه عن سفاسف الحياة ومتعها ومباهجها ، ويؤكد في انتصاره هذا على عظمة هذا النوع من الكائنات فهو ينتصر للإرادة الحرة والتحرر من قيود الاستعباد الوهمي الذي نكبل به أنفسنا دائماً ( ). وهذا ما يجده الباحثان واضحاً في مسرحياته (التخمة ، ثمة من يلوح في الأفق) ، ففي مسرحية (التخمة) نجده يبث قيم القوة والعزيمة والإرادة في ذات الإنسان وليس في ذات الوهم الإنساني،أما مسرحية (ثمة من يلوح في الأفق ) فهو يحطم فيها الهروب باحثاً عن الخلاص لذلك الإنسان . وفي مسرحيات (مكانك أيها السيد و إظلام ) فيجد الباحثان فيها ثمة أسئلة كونية ربما استبقه بها (بكيت) وهي الانتظار واللاجدوى،أما مسرحيات (عبد الله ابن الزبير ، دم يوسف)  فكانت تعبيراً صادقاً عن رفض اللحظة الحاضرة والنزوع نحو معطيات التاريخ والدفاع فيهما عن إنسانية الإنسان وتضحيته وشجاعته  . 

ولكن هنالك ثمة سؤال يراه الباحثان  قد يبقى عالقاً في ذهن القارئ عند قراءته لنصوص مثال غازي وهو ما تثيره عناوين بعض مسرحياته ومضمون الأخرى من وجود للتناص فيها مع مسرحيات أخرى ولاسيما العالمية منها (مكبث، جوكاستا ، كودوموس)،وعند سؤال الباحثين للكاتب عن سبب حضور هذا المفهوم في نصوصه فأجاب قائلاً ” التناص كما تراه (جوليا كريستيفا) عملية ليس لها علاقة بوعي الكاتب بل التناص له علاقة باللاوعي ، أما نصوصي فهي ليست تناصا بقدر ماهي إعادة كتابة وإنتاج جديد لثيمة سابقة وبما يتناسب مع المعطيات المستقبلية والاتكاء على ثيمة أو أسماء لمسرحيات سابقة منها فيها نوع من اقتصاد واختصار وتهيئة لعملية الفهم للمتلقي وفيها أيضا كسر للمتوقع”، ويرى الباحثان إن ما يقوم به غازي هو إستراتيجية شخصية يعمل بها في أغلب نصوصه المسرحية ، وإن غازي في نظر الناقد (تودوروف) الذي تناول مفهوم التناص هو ناقد،حيث يقول (المؤلف مثله مثل الناقد في اعتمادهما على نصوص موجودة مسبقاً )( )،وهنا يتفق الباحثان مع ما جاء به تودوروف , ويجد إن غازي في مسرحيته (فصل من مسرحية مكبث) وقف بالضد من شكسبير وأنكر عليه اتهاماته لمكبث بالجريمة والنزوع إلى الشر . 

ويذكر الدكتور عقيل مهدي يوسف في كتابه (المشترك الفني والجمالي) إن مثال غازي كان من الناشطين في النصوص التي عبرت عن العذابات المجتمعية التي تحمل صفة الصدمة ودور الجلادين والغزاة ، حيث حاولت نصوصه أن تتلقف الوعي وبقاياه وشظاياه،أما بعد حرب (2003) وما حدث في الشارع العراقي من احتراب قائم بين الإنسان وأخيه الإنسان،وبينه ونفسه،ودور الآخر في تأجيج دموية الصراع إلتناحري والثانوي بين مكونات المجتمع ، فقد جاءت نصوص غازي لتعبر عن محاولة الاهتداء وتفسير ما لهذا الاحتراب القائم في ذلك الشارع ومنها ( بيادق ، مكانك أيها السيد )( ) .

ما أسفر عنه الإطار النظري والدراسات السابقة من مؤشرات : 

1- المُـثـُل هي تلك النماذج الأزلية الثابتة التي يفسر بها وجود الموجودات .

2- القيم السامية والأخلاق والخلود هي من أهم الثيمات التي اشتغلت عليها المثالية في النصوص المسرحية .

3- اقتربت المثالية في أغلب النصوص المسرحية من الجانب الروحاني والعقلاني والفضاء اللاهوتي مبتعدةً عن الجانب المادي والجسدي .

4- انزاحت الشخصية المثالية في رؤيتها الفكرية نحو مبدأ الخير والابتعاد عن الشر حيث عبرت في أفعالها عن الشجاعة والفضيلة والحب .

5- إنمازت اللغة في المثالية بشعرية عالية وصور مختلفة كي تكون قادرة على التعبير عن النبل والسمو عند الشخصية.

6- حملت الفكرة المثالية في مضمونها القيم التي تسعى بدفع بالشخصية نحو الكمال. 

7- تجاوزت المثالية في بنية النص المسرحي الزمان والمكان للتعبير عن مدلولات الفكرة الحاملة لمدلولات مستقبلية .

8- اختطت فلسفة مثال غازي ذلك النهج الذي يقف إزاء البطل الإنساني الأعلى  والدفاع عنه ، كون إزاء هذا البطل لا بد أن يكون تنزيه للمُثُل .

9- هروب مثال غازي من الواقع كونه يشكل واقعاً ميتاً والذهاب إلى العالم الأسمى منه والذي رسمه الكاتب .

10- الاحتذاء بالنموذج الأقدم في كتابة أغلب النصوص ، حيث رجع غازي إلى الموروثات التي تشكلت في ذهنه لصياغة أفكار مسرحياته وشخوصها منطلقاً من إنه لا جديد ولا مبتكر في المستقبل القادم .

11- لجأ غازي إلى التاريخ في بناء بعض نصوصهِ ومضامينها كون الواقع في نظره ميتاً وهذا لا يمنحه ما يريد .      

الـفصل الـثـالث/ إجـراءات الـبحث

أولاً -مجتمع البحث : يتكون مجتمع البحث الحالي من نصوص مثال غازي المسرحية المنشورة والتي يبلغ عددها (4) نصوص مسرحية  وللمدة من (1998 – 2001 ) م ، وبحسب الجدول الآتي :

جدول رقم (1) ، يبين مجتمع البحث

ت المسرحية المؤلف سنة التأليف

1- ثمة من يلوح في الأفق غازي مثال 1998

2- التخمة  1999

3- الفردوس ـ مـذكـرات رجـل مهـزوم يدعـى انكـيدو  2001

4- إظلام  2001

ثانياً -عـيـنـة البحث:اختار الباحثان عينات بحثه بالطريقة القصدية وعلى وفق المسوغات الآتية :

1- اقترابها هذه العينات من تساؤل المشكلة وهدف البحث . 

2- اعتماد الكاتب في كتابتها على مرجعيات مختلفة .

جدول رقم (2) ، يبين عينة البحث

ت المسرحية المؤلف سنة التأليف

1ــ الفردوس – مذكرات رجل مهزوم يدعى انكيدو مثال غازي 2001

ثالثاً – منهج البحث أعتمد الباحثان المنهج الوصفي (التحليلي) تماشيا مع طبيعة البحث وهدفه .

رابـعـاً – أداة البحث أعتمد الباحثان المؤشرات التي أسفر عنها الإطار النظري بوصفها معايير تحليلية .

خامساً – تحليل العينات :

مسرحية ( الفردوس – مُذَكَراتُ رَجُلٌ مهزوم يُدعى انكيدو )( )

    سنة التألـيف : 2001

     المكان : العراق

تحليل المسرحية : 

الفردوس – مذكرات رجل مهزوم يدعى انكيدو ، ومن هذا العنوان الذي أناطه الكاتب لمسرحيته يتبين لنا وفي البدء إن غازي احتذى بالموروث واتخاذ شخصية انكيدو كمرتكز يعتمد عليه الكاتب لبث أفكاره كون الواقع لا يحقق له ذلك ، وهذا ما يجعل المثالية تتجسد في شخص انكيدو . تدور أحداث هذه المسرحية في عالم وضعه الكاتب لمسرحيته حيث يبين لنا ذلك في بداية  المسرحية وقبل بدء الأحداث (انكيدو بمواجهة اشكار بعد ستة أيام وسبع ليال في عمر العالم الجديد).(ص: 21 ) 

ومن المقدمة الآنفة الذكر والتي وضعها الكاتب لمسرحيته نتعرف إن الزمن الذي تدور فيه أحداث المسرحية هو زمن خارج الزمن الواقعي الحسي وهذا ما يجعله صورة من صور المثالية الأفلاطونية أو زمن متناهٍ هيغلي وهذا ما يحقق مثاليته أيضاً . تنطلق أحداث المسرحية والتي تدور في ليلة واحدة إلى الفجر بلحظة دخول اشكار إلى انكيدو في الغابة وبعد أن تمكنت من دخولها وقبل أن يعرفها انكيدو ، تريد أن تخرجه من هذا العالم الذي يعيشه والخروج هنا لا يتحقق إلا بالغواية عِبرَ الجسد (جسد اشكار) لتقوده إلى عالمها الذي تعده هي أفضل من عالم انكيدو ، ويبدأ الجدل منذ البداية حول المغادرة وبعد أن يرفض انكيدو ذلك تعتزم اشكار عليه المغادرة رغماً عنه وهذا ما يثير غضب انكيدو :

انكيدو:( بغضب) لقد جاوزتِ كل حد .

اشكار: إلا حدود قوتك التي أسعى إليها لتكون سيدا ً على زمنٍ غير هذا الزمن ومكان غير هذا المكان 

انكيدو: ولكني سيد هذه الأرض ولا سواها من طير أو وحش أو شجر ( يصرخ ) أنا انكيدو ملك هذه الأصقاع الذي لا يجارى،أنا من تركع له وحوش الأرض والسماء ، أنا كل شيء هنا ولا شيء هناك ، لا اعرف لغة غير هذه اللغة ولا سماء غير هذه السماء ولا أرض غير هذه الأرض . ( ص :23 )

 ومن حوار انكيدو نستشف وفي البدء مثالية انكيدو المتجسدة في القوة والتي تعد صورة للقوة الموجودة في عالم المثل الذي جاءت به فلسفة افلاطون .

بعدها يسألها انكيدو عن سبب مجيئها إلى مكانه وعن شخصها ومن تكون هل هي من الطير أو الوحوش أو من الشجر فتجيبه اشكار منتفضة بأنها ليس كل هذا ، ويزداد إلحاح انكيدو عن شخصها فتجيبه اشكار 🙁 اشكار ) : ربما أنا قدرك .

انكيدو: سأتحداه بهذا الجسد والساعة لن يجرؤ من يرغمني على قول أو فعل ، لي سلطان هنا ولا سلطان لكِ هنا ، لي قوة هنا ولا قوة لكِ هنا . ( ص : 24 )

ومن حوار انكيدو نجد إن قوته هي قوة متناهية وبالتالي إن كل متناهٍ حسب هيغل هو مثالي ، وهذا ما يجعل المثالية تتجسد في شخص انكيدو . بعد ذلك تجيبه اشكار بأنها لا تملك قوته وسلطانه بل هي جاءت منتخبة ومعترفة بقوته ولكن عليه أن يتبع ضعف اشكار المتمثل في جسدها والذي سيشاء القدر لن يتبعه ، ويحاول انكيدو أن يستجمع قواه ولكن دون جدوى ، فتبدأ اشكار باللعب عليه وتخبره بأن هناك قوة خارج مملكته تحكم الممالك والقلاع ، عندها يرى انكيدو إن قوته لم تعد كما كانت وإن اشكار هي التي منحته الحكمة التي يفتقر إليها وتقول له :

اشكار : إن بعض ما تفقده الآن هو نظير ما منحتك إياه ، لك في هذا الجسد الدفء حياة تركن إليها عندما تحتاج روحك ظلام الغاب .

انكيدو : بل لا ظلام غير ما أشعر به الآن . ( ص : 25 )

ومن الحوار أعلاه نجد إن الظلام الذي يعيشه انكيدو في هذه اللحظة هو بسبب وجود ذلك الجسد الغرائزي المتشبث بالواقع والذي يرفضه انكيدو . تجري الأحداث ويبدأ انكيدو بسؤال اشكار مجدداً عن حقيقة شخصها فتجيبه بأنها أُنثاه ويتفاجئ كونه لا يعرفها بالرغم من إنه جاب الأرض طولاً وعرضاً ولكن لن يراها في أي جزء طاف به وإلا كيف يكون سيداً على هذه الأرض وتستهزئ منه اشكار بسبب إدعاء انكيدو معرفة كل شيء ولكنه لا يعرفها فيغض انكيدو قائلاً لها :

انكيدو:لقد تماديتِ كثيراً ،لم أعهد لنفسي هذا التردد وإلا بضربةٍ من هذا الساعد القوي ستجدين نفسك نثاراً لهذه الأرض. (ص:25) 

ومن هذا الحوار نلحظ مجدداً المثالية الموضوعية الأفلاطونية عبر صورة القوة . ويبدأ الصراع بين الاثنين بالتصاعد حيث تقوم اشكار بإثبات نفسها وقدرتها على إن انكيدو لا يستطيع أن يجد له مكاناً في الأرض سواها وأنهما مخلوقان من ماء وطين حتى استووا جسداً وروحاً واحدة  وبأن لا أحد يسمعه في هذه الليلة وكل سكان الغابة فروا منه وإن رائحته باتت كريهة لهم وهذا ما أثار انكيدو وبدأ بالصراخ : 

انكيدو : لا بد أن ترحلي في الحال هي لم تألف رائحةً كرائحتكِ … اللعنة .

اشكار : ( تضحك ) الماء بالماء والطين بالطين ، لقد انتهى كل شيء .

انكيدو : ستعود ، اعرف أنها ستعود فأنا انكيدو ، أنا من احتضن هذه الكهوف وتوسد دفء أجساد حيواناتها ورضع من حليبها كأحد أولادها ، أنا انكيدو يا طيور يا وحوش يا أرض يا سماء.( ص: 27 )

ومن حوار انكيدو نجد إن حيوانات الغابة أيضا قد هربت من ذلك الجسد البشري النتن ، ولكن نرى أن انكيدو كيف تعامل معها برفق ولين واكل معها ورضع من حليبها كواحد من أولاد تلك الحيوانات ، وهنا يرى الباحثان إن انكيدو قد أصبح متصوفاً في هروبه من المدينة وسلطتها والعيش في الطبيعة وحيداً وهذا ما يحقق مثاليته . تقوم اشكار بالرد على انكيدو بأن الحيوانات لن تعود لأنه لم يعد كما هو وهذا بالطبع بسبب وجودها ويؤكد انكيدو على رحيلها فوراً من المكان لكن اشكار تقول له بأنها لا تأمن من الخروج حية من الغابة ويرد عليها بأن القوة التي قادتها إلى هنا هي التي ستخرجها هذه القوة التي لم ينصاع انكيدو تحت وطأتها لأنه الملك الوحيد هنا ولا يزال سيد الأرض وإن هذه الحيوانات ستعود إليه مجدداً ، وتبدأ اشكار بالتقرب منه لتهدئته لاسيمّا إن انكيدو بدء يشعر بالبرد في هذه الليلة وتغريه اشكار بذلك الجسد اللعين وبالتقرب منه حتى تحتضنه ليكونا بجسد واحد وروح واحدة بعدها ( يتلاحم الجسدان في ألفة تنم عن النشوة لاستدراج انكيدو ) ، وتعود بالسؤال عما إذا كان انكيدو سيتبعها ولكن انكيدو لا يقبل هذا فتبدأ اشكار مجدداً بمظاهر المسكنة لتلين قلبه وإنها سوف تغادر تلك الغابة وبالرغم من خطورة الطريق ستغمض عينيها لتعبر وستترك الحيوانات له ليتمتع برؤيتها لوحده وتبدأ اشكار بالحزن والبكاء الغاويين لانكيدو الذي يتفاجئ من الحالة التي هي عليها كونه لم يعرف معنى البكاء أو يراه يوماً حتى يبدأ بتهدئتها وأن لا تبكي لأن الأرانب بدأت تنظر إليهم وعليها أن تنتظر إلى الصباح فتمسح بعدها تلك الدموع الكاذبة وهذا ما يعيد البسمة إلى شفاه انكيدو وتبدأ اشكار بالبحث عن كهف ليؤويها وانكيدو لكن انكيدو يرفض ذلك ويؤكد على إنها ليلة واحدة لا غير وسترحلين شارطاً عليها أن لا تقرب منه والشيء الذي يجعله يشعر بالطمأنينة هو أن تبتعد اشكار عنه  ، ولكن للعقل الخبيث أفكاراً ماكرةٍ أخرى حيث تستفز اشكار انكيدو بأنها تريد أن تكون قريبةٌ منه لكي تحتمي بقوته وهنا يستثني انكيدو ما أرادهُ من بُعُدٍ عنها فيقول انكيدو :

انكيدو : سأقبل ولكن بشرط .

اشكار : ماذا ؟

انكيدو : أن لا تبتعدي عني أكثر فالليلة باردة وطويلة .

اشكار : هل عليك أن تفكر طويلاً ؟

انكيدو : في أن اترك مملكتي يحتج الأمر إلى أن أفكر حتى الموت ، رغم أن كل شيء قد تغير لا شجرة تنحني كي ارتقيها ولا طير ارتجيه فيأبهُ لي ولا وحش أنشد أمانه فيمنحني إياه . ( ص : 33 ) 

ومن حوار انكيدو ( أن لا تبتعدي ) يرى الباحثان أن الابتعاد الذي يقصده انكيدو لا ليحقق ممارساته بل هو يريدها أن لا تبتعد عنه وتسير في الغابة لوحدها كي لا يصيبها أذىً من قبل الحيوانات ، وهذا دليل على إنسانية انكيدو التي يجنح بها إلى المثالية . أما في حواره ( في أن أترك مملكتي ) فنجد المثالية في تفكيره والرجوع إلى العقل الذي جاءت به مثالية ( كانط ) وهذا ما يحقق مثاليه .

وتستمر اشكار بعدها في محاولات الإقناع انكيدو وبأن هناك ممالك أخرى سيقام فيها عزاء له أيضاً فيحزن انكيدو عندما بدء يشعر إنه أصبح غريباً هنا في الغابة ويضجر بسبب مجيء اشكار إليه لأنها ستعلن انتهاء قوته وعزلته وهو يلعن الساعة التي حضرت بها إليه ورآها فيها وتمنى أن تكون اشكار ثمة شجرة ليحطمها أو وحش ليحابه ويحسم أمره ، ويرجع بعدها ليسألها من هي إن لم تكن من هؤلاء ، فتجيبه اشكار :

اشكار : أنا اشكار، لي من كيانك جزء وأهمها أنت، لقد جئت إليك لأقتسم من مالك وفيك . (ص: 34) 

ومن هذا الحوار نستشف كشف اشكار لشخصها والبحث بالوقت نفسه عن شريك وهو انكيدو ليحقق ما تصبو إليه اشكار من رغبات .

يبدأ انكيدو بالرد عليها في أنه لا يملك سوى الهزيمة والتي تقبل اشكار مقاسمته إياها ولكن انكيدو يريد أن يعرف ماذا سيكون بعد ذلك ، سيكون كما تريد اشكار بشرٌ من لحمٍ ودم يحب ويكره وينجب أبناءً وأحفاداً ويشهد هزائم . وبعد ذلك تصل الأحداث إلى الذروة عندما تكشف اشكار لانكيدو عن شيء يرتفع في بطنها وإنه أول خطوات انكيدو إلى البعد عن جنته و يتفاجأ انكيدو عن الشيء الذي يرتفع في بطنها فتجيبه اشكار ( أنه أنت ) يذهل انكيدو ويقول لها إني هنا فتجيبه:

اشكار: بل لأنك هنا ( تشير إلى بطنها ) رجل يسكن هذه الظلمة حيث لا خروج .

انكيدو: بل حيث لا نور ، ما كنت أعرف حال السباع لحظة سقوطها شراك الصياد وقد عرفته .

اشكار: بدأت تملك المعرفة والحكمة .

انكيدو: (بغضب) لا أريدها ، لا أريد هذا الجزء مني يكتمل في لحظةٍ معينةٍ تعجز الحكمة عن إدراك ما تعنيه تلك اللحظة ضمن حدود انتمي إليها . ما انتمي إليه تعجز الحكمة التي اصطنعتموها على أن تدركها . للجنةِ هنا عقل وقلب وكيان.الجنةُ هنا امرأة لا تعيها منحتني راحتي ، وطمأنينتي ، للجنة هنا حياتي وخلودي التي تفتقرين إليها أيتها الأنثى ، الكلُ هنا يعرف لغة الحب ولكن بشرط الحكمة التي تحرك الحيوان والنبات والطير لا بشرط الهزائم والحروب .

اشكار ولكن لا زمن هنا .

انكيدو:وما يعنيني . هل علينا أن نضع لكل معنى أسم،الحياة في كل كيان هنا يأخذ معنىً خالداً ، شيء هنا يهرم أو يموت،الكل هنا يتوحد في ذات نحسها ولا نعيها نحترمها ولا نتجاوز عليها لمَّا علينا أن نضع لكل شيء حساباً وقوانين. 

اشكار : لاشيء بلا حساب ولا قانون وإلا لكان الأمر فوضى .

انكيدو : ( باستهزاء ) فوضى … أنا لا أعرف لهذا معنى ، هل ترين ثمة فوضى هنا ، الكل هنا يأخذ حقه ولا يظلم ، لكل جنسٍ هنا مملكة توحدها ذات العدالة التي نحسها ، لكل شيء هنا مقدار ، ليس ثمة زيادة أو نقصان ، العدالة هنا ولا عدالة هناك . ( ص : 35-36 ) . 

ومما ما تقدم يرى الباحثان بحوار انكيدو ( لا أريدها لا أريد هذا …  ) ما إنمازت به اللغة التي تحدث بها انكيدو من شعرية عالية وبلاغة رائعة تُظهر لنا سمو الشخصية وسعيها إلى الكمال ، حيث يرفض انكيدو الحكمة التي تريدها اشكار كونها واقعية أما الحكمة التي يريدها انكيدو فهي التي تحقق الخير والسعادة التي تسعى إليها المثالية ، ونستدل في هذا الحوار أيضاً على مثالية المكان باعتباره ( الجنة ) وهي صورة أفلاطونية أو هي مكان متناهٍ وكل متناهٍ مثالي حسب (هيغل) ، هي المكان الذي لا يعرف فيه الجميع غير لغة الحب ، الحب الذي غايته الخير ، وإنها منحت انكيدو الراحة والطمأنينة وليس الواقع المليء بالحروب ، الجنة هنا هي الخلود بالنسبة لانكيدو والخلود هو ما تصبو إليه الشخصية المثالية . والجنة هي ( الغابة ) أي الطبيعة وليس حياة المدينة حياة اشكار المادية . أما في حوار انكيدو (وما يعنيني … ، فوضى … ) نستدل مرةً أخرى على مثالية المكان كونه مكاناً يستقيم فيه ( الحق والعدالة ) وهذه المفاهيم هي من أهم أساسات المكان المثالي .

تسخر اشكار من حديث انكيدو عن الطير والأشجار ولكن انكيدو يعد نفسه جزءاً منها وسيدها ، بعدها تطلب منه أن يترك هذا المكان الذي يملأه الضجيج المكان الذي في نظرها هو غير مناسب لانكيدو وهو ليس جزءاً من هذا الغاب ومكوناته بل وحيداً فيه ، لذا تطلب منه أن يكتمل بها أن يتحد النصفان ( فيك نصف وفيَّ نصف ، في نصفي ما تريد وفي نصفك ما أريد) . ولكن انكيدو لا يريد ترك الجنان بالرغم من أن اشكار تذكره بالنار التي يضرمها عند احتياجه إليها وتقول له إن هذه الجنان ليست لك ما دامت النار هي البداية فيجيبها :

انكيدو : وإن كانت النار هي مصدر اللعنات التي قادتكِ إلى هنا فسأعمل على مفارقتها مادمت حياً . ( ص : 37 )

ومن الحوار أعلاه نجد تجسد المثالية في إرادة انكيدو ، إرادة الخير التي يقول عنها القديس أوغسطين ( هي التي تحرك العقل نحو العمل وتدفع العقيدة إلى الرضا بما يعمل ) ، وتبدأ اشكار بامتصاص غضب انكيدو وتأخذ اللعب مجدداً في إنها تحبه ولم تستطيع أن تحتمل العالم مع غيره من الرجال وأنها وقعت في شراكه ولم تعد قادرة على مفارقته ، ولكن هذا ما يزيد الأمر سوءاً بالنسبة لبقائها مع انكيدو فيرد عليها ( لا قرار فيما تدفعيني إليه في أن أقايض الفردوس بثمرة ) وان انكيدو سيرتضي غربته وسيبذل كل قوته وجهده في توسل كل شيء حتى ولو كلف الأمر أن يمرغ رأسه بالتراب كي تُغفَر خطيئته ، ولن يقايض الفردوس بامرأة يجهلها . 

بعدها تنطلق الأحداث بالهبوط في ضجر اشكار من انكيدو المتكبر القوي وفي أنها ستحرق الغابة لتجعل منه ملكاً عليها، ويزداد الخداع في إن ليس على انكيدو أن يتوسل رعيته ، لقد حسم الأمر وعليه أن يبحث عن غابة أخرى تقبله وتعشقه ، وبالرغم من أن انكيدو حاول أن يبقى في الغابة ولو ليلتان أو ثلاث ليال وأن ينتظر ، وقد أخافها بوجود وحش ما يتربص لهما ولكنها تقنعه بأن نار قلبه التي ستوقدها هي التي تنتصر على الوحش . ودون جدوى محاولات انكيدو حيث تقوم اشكار بحرق عدة أمكنة في الغابة ويسير بجانبها انكيدو دون وعي مهزوم نحو حدود الغابة والحرائق تحيط بهِ من كل جانب وهو يلاحظ هروب الطيور والوحوش ودخان حريق الأشجار. وهكذا تنتهي المسرحية بالحل وخروج انكيدو من فردوسه إثْرَ الخداع الذي قامت به اشكار .

انكيدو : ولكنها الفردوس .

اشكار : الفردوس في مكان آخر أنت فيه .

انكيدو : وهذه النار .

اشكار : مكان لست فيه فليذهب إلى الجحيم .

انكيدو : وما أسمعه الآن .

اشكار : إنه صوت الوداع الأخير .

انكيدو : ( تضيء الحرائق سماء الغابة وكأنه الفجر ) عَلَ هذه النور أول إطلالة الفجر .

اشكار : بل هو نور العالم الجديد الذي اخترتهُ إليكَ ملكاً على مملكتي . بعيداً عن الفردوس . بعيداً عن النار . بعيداً عن انكيدو …

( تحرق حواء العالم فقط لتخرج آدم من الفردوس ) ، ( ص : 43-44 )

ومما ما تقدم يرى الباحثان إن الخطيئة هي من كانت السبب في خروج انكيدو من فردوسه وهنا نجد إن الخطيئة تمثلت في جسد انكيدو المتعارض مع المثالية , أما من خلال حواره ( لكنها الفردوس ) فنستدل على روح انكيدو المثالية التي بقيت تُلَوِح في فردوسه بالرغم من خروجه منها تلك الروح التي بقيت تحمل كل ما قام به انكيدو من خير وتحقيق عدالة وحرص على أمن من معه في تلك الفردوس . لذا نجد في هذه المسرحية إن الكاتب أنتصر لانكيدو أنتصر لفطرة الإنسان البدائي الذي طالما عاش مع الطبيعة بكل حب وتفاعل مع عناصرها بعيداً عن التلوث المدني السلطوي .

الفصل الرابع

أولاً – النتائج :

1- المثالية هي الفلسفة التي تقرُ بوجود عالم آخر مطلق خالد مستقل عن الإنسان وهو من صناعة الله والذي يمكن استيعابه بالعقل .

2- المثالية هي الفلسفة التي تعد إن مظاهر الوجود المادية والفكرية ما هي إلا تجليات للروح المطلق والتي تحمل في ذاتها شيء من الروح الإلهي .

3- تنوع حضور الفلسفات المثالية في نصوص غازي المسرحية وهذا يعود إلى الثقافة الأدبية للكاتب .

4- كان لمثالية هيغل المطلقة ومثالية أوغسطين المؤمنة والمقرة بوجود الله الحضور الواسع في نصوص غازي المسرحية بكون اقترابهما من مرجعيات وطبيعة البيئة التي يعيشها الكاتب .

5- كان لمثالية برغسون الحدسية الحضور في نصوص غازي وعلى مستوى الفكرة ، وهذا يعود إلى مرجعيات الكاتب وبيئته الاجتماعية .

6- تنوع المرجعيات التي أخذ عنها غازي مسرحياته بحسب حياته الشخصية والحصيلة الثقافية للكاتب . 

7- تمتعت شخصيات غازي بقوة وشجاعة وأحكام عقلية اقتربت فيها من الصور الموجودة في عالم المثل الأفلاطوني .  

8- بالرغم من المثالية التي تعيشها شخصيات غازي المسرحية ونزوعها نحو الخير والفضيلة والكمال إلا إنها تخضع في النهاية لحكم القدر . 

9- جاءت لغة غازي المسرحية على مستوى عالٍ من الشعرية وقد عبرت عن حكمة وبلاغة شخصياته التي  تسعى إلى النبل والسمو .

10- الاحتذاء بالتاريخ والموروث في نصوص غازي لأن الواقع بالنسبة إليه ميت ، لذا كان هذا الاحتذاء بمثابة صورة من عالم مثالي .

11- حملت مسرحيات غازي مفاهيم مثالية كالخير والأخلاق والعدالة والشجاعة والحب  والأيمان والتي تبين لنا سعي الكاتب وأمنياته في تحقيقها على أرض الواقع .

12- شكل الزمان والمكان حضوراً مثالياً في نصوص غازي ولاسيما في مسرحيته ( الفردوس ) . 

ثانياً – الاستنتاجات :

1- العدل والخير والأخلاق هي السمات التي نميز بها مثالية الأشياء .

2- المُثل نماذج خالدة خارج الزمان والمكان .

3- المسرح عند غازي هو ذلك العالَم المقدس الذي يحمل في طياته شيء من الصبغة الإلهية لذا يجب ألا يتنازل عن هيبته وعظمته ليهبط إلى تفاصيل حياتية ساذجة . 

4- يدعو غازي في مسرحياته إلى الابتعاد عن العنف والجريمة والرذيلة . والتمسك بالأخلاق والحب لأنها أساس السعادة .

5- وقف غازي في مسرحياته موقف المدافع عن إنسانية الإنسان والانتصار لذلك المخلوق العظيم .

6- استفاد غازي من كتابته للقصة وقراءته للروايات في كتابة نصوصه المسرحية . 

7- إن رجوع غازي للقديم في مسرحياته هو ينطلق من إيمانه من إنه لا جديد ولا مبتكر في المستقبل .  

الهوامِش

( ) جميل صليبا ، المعجم الفلسفي ، ج2 ، ( بيروت ، دار الكتاب اللبناني : 1982 ) ، ص 337

( )عبد الرحمن بدوي ،الموسوعة الفلسفية ، ج2، ط2،( طهران ، منشورات ذوي القربى : 2009 ) ، ص 439

* افلاطون : فيلسوف يوناني بنى فلسفته على الإبداع المنطقي ، محولاً بعض المحققات العامة إلى محققات مثالية لها شرعياتها واستقلالها الذاتي الخاص ومن أعظم مؤلفاته ( الدولة والقوانين ) ، للمزيد ينظر : كمال الدين عيد ، أعلام ومصطلحات المسرح الأوربي ، ط1 ، ( الإسكندرية ، دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر ، 2006 ) ، ص 72

( )ينظر : حربي عباس عطيتو محمود ، الفلسفة القديمة من الفكر الشرقي إلى اليونانية ، ( الإسكندرية ، دار المعرفة الجامعية : 1999 ) ، ص 360 – 361.

( )ينظر : بهاء لعيبي سوادي الطويل ، المفاهيم المثالية في الرسم التكعيبي ، رسالة ماجستير (غير منشورة ) ، جامعة بابل – كلية الفنون الجميلة ، 2001 ، ص13

( ) محمد جلوب فرحان ، دراسات في فلسفة التربية ، ( الموصل ، كلية التربية : 1989 ) ، ص 45

( ) ينظر : بهاء لعيبي سوادي الطويل ، مصدر سابق ، ص 13

( )ينظر : حامد خضر الحسنات ، العوامل العقلية للإبداع وأثرها في التصوير العراقي المعاصر ، رسالة ماجستير (غير منشورة) ، جامعة بابل – كلية الفنون الجميلة ، 2002 ، ص 20- 23

( ) شاكر عبد الحميد ، التفضيل الجمالي ، ( الكويت ، سلسلة عالم المعرفة : 2001 ) ، ص 75- 77

* القديس أوغسطين:رجل دين وفيلسوف مسيحي ولد بقرية في شمال أفريقيا ، رحل إلى روما عام 383 م وأعتنق المسيحية عام 386 م ، يعد من أعظم الآباء الروحيين للكنيسة الغربية  ومن المتأثرين بالمثالية الأفلاطونية ، كتب مقالات فلسفية وبلاغية وشرح الإنجيل ، ومن مؤلفاته ( الاعترافات ، مدينة الله ) ، للمزيد ينظر : ليليان هيرلاندز وآخرون، دليل القارئ إلى الأدب العالم ، تر: محمد الجورا ، ط1 ،( بيروت ،دار الحقائق للطباعة والنشر والتوزيع: 1986 )، ص 54- 55

( )  ينظر : يحيى هويدي ، قصة الفلسفة الغربية ، ( القاهرة ، دار الثقافة للنشر والتوزيع : 1993 ) ، ص 73- 74

( ) إ . م. بوشنكي،الفلسفة المعاصرة في أوربا،تر:عزت قرني ،( الكويت ، سلسلة عالم المعرفة : 1992) ، ص 27

( ) ينظر : بهاء لعيبي ، مصدر سابق ، ص 24- 27

( ) جعفر الشكرجي ، مصدر سابق ، ص 78- 85

( ) ينظر : غادة المقدم عدرة ، فلسفة النظريات الجمالية ، ط1 ، ( لبنان ، جروس برس : ب ت ) ، ص 81

( ) دوغلاس بنهام وآخرون ، علم الجمال عند كانت ، تر : احمد خالص الشعلان ، ط1 ، ( بغداد ، دار الشؤون الثقافية العامة : 2009 ) ، ص71- 72

( ) فاطمة عبد الله عمران المعموري ، جماليات الشكل والمضمون في رسوم علاء بشير ، رسالة ماجستير ( غير منشورة ) ، جامعة بابل – كلية الفنون الجميلة ، 2003 ، ص 22

( ) يحيى هويدي ، مصدر سابق ، ص 97- 98

( ) ينظر : جعفر الشكرجي ، مصدر سابق ، ص 86

( ) محمد جلوب فرحان ، مصدر سابق ، ص 47

( ) محمد جلوب فرحان ، مصدر سابق ، ص 47

( )ينظر:زكريا إبراهيم ، هيغل أو المثالية المطلقة ، ( القاهرة ، دار مصر للطباعة والنشر : 1970 ) ص 419- 420

( )  بهاء لعيبي سوادي الطويل ، مصدر سابق ، ص 27

( )ينظر: فاخر محمد حسن الربيعي ، إشكالية المطلق في الرسم الحديث ، أطروحة دكتوراه ( غير منشورة ) ، جامعة بابل – كلية الفنون الجميلة ، 2002 ، ص 28- 29

( )عقيل مهدي يوسف ، الجمالية بين الذوق والفكر ، ط1 ، ( بغداد، مطبعة سلمى الفنية الحديثة : 1988 )، ص 77

*** الديمومة : الزمان كما هو معطى مباشرة في الوجدان ، على انه حافز غير منقسم ، وهو جوهر التطور المبدع ، على خلاف الزمان الرياضي الجامد . للمزيد ينظر : إبراهيم مدكور ، مصدر سابق ، ص 76

( )  ينظر:جواد عبد الكاظم الزيدي ، مصدر سابق ، ص 28

( )  ينظر:جواد عبد الكاظم الزيدي ، مصدر سابق ، ص 28

( ) ينظر: صادق جلال العظم،دراسات في الفلسفة الغربية الحديثة ،( بيروت ، دار العودة : ب ت ) ص 133- 135

( ) سوفوكليس،مسرحية أوديب ملكاً ، تر: محمد صقر خفاجة، ( القاهرة ، الهيئة المصرية العامة للكتاب : 1974 )

( )  سوفوكليس ، مسرحية أوديب ملكاً ، مصدر سابق  ، ص 53

( )  المصدر السابق نفسه ، ص 49- 50

( )  سوفوكليس ، مسرحية أوديب ملكاً ، مصدر سابق ، ص 89

( )  سنيكا ، هرقل فوق جبل اويتا ، تر : أحمد عتمان ، ( الكويت ، وزارة الأعلام : 1981 ) .

( )  سنيكا ، مسرحية هرقل فوق جبل اويتا ، مصدر سابق ، ص 119

( )  سنيكا ، مسرحية هرقل فوق جبل اويتا ، مصدر سابق ، ص121

( ) المصدر السابق نفسه ، ص 213

( ) جان فرابيه ،المسرح الديني في العصور الوسطى،تر:محمد القصاص،(القاهرة ، مكتبة النهضة العربية : ب ت )

( )  المصدر السابق نفسه ، ص 28- 30

( )  جان فرابيه ، مصدر سابق ، ص 31

( )  جان فرابيه ، مصدر سابق ، ص 56- 57

( ) بيير كورني،مسرحية السيد ، تر : يوسف محمد رضا ، ( بيروت ، دار الكتاب اللبناني : 1971 ) ، ص 35- 36

( )  المصدر السابق نفسه ، ص 86

( )  بيير كورني ، مصدر سابق ، ص 201-202

( )  بيير كورني ، مسرحية السيد ، مصدر سابق ، ص 58

( )  المصدر السابق نفسه ، ص142

( )   بيير كورني ، مسرحية السيد ، مصدر سابق ، ص160- 161

( )  فكتور هيغو ، مسرحية هرناني ، تر : خليل مطران ، ط1 ، ( بيروت ، دار مارون عبود : 1975 ) .

( )  فكتور هيغو ، مسرحية هرناني ، مصدر سابق ، ص 20- 58

* الأيم : من فقد زوجه ، ينظر : هوامش المسرحية ، ص23

( )  المصدر السابق نفسه ، ص 23

( )  فكتور هيغو ، مسرحية هرناني ، مصدر سابق ص89

* القنب : نبات حولي ليفي يُستخرج منه المُخدر الضار المعروف بالحشيشة ، للمزيد ينظر : أحمد حسن الزيات وآخرون ، المعجم الوسيط ، ط1 ، ( إيران ، دار الدعوة للنشر والتوزيع : 2009 ) ، ص761

( )  مقابلة أجراها الباحثان مع الكاتب (مثال غازي)، في مبنى المسرح الوطني – بغداد ، يوم الخميس 16/5/2012 الساعة  1 ظهراً  ، ص 1

( ) مقابلة الباحثان مع الكاتب في مبنى المسرح الوطني – بغداد ، ص 1-2

* المخيال : ( كما عرفه المفكر المغربي محمد أركون ) هو شبكة من الصور التي تستثار في أي لحظة وبشكل لا واعي وكنوع من رد الفعل ، حيث يتشكل تاريخياً في الذاكرة الجمعية أو في الذهن ، ويمكن استغلاله سياسياً وأيدلوجياً في اللحظات العصيبة ، وترسخ هذه الصور أخيراً في الوعي الجمعي وبمرور الزمن ، للمزيد ينظر :http:// chebba_hijaj_nen                                                 

( )  مقابلة أجراها الباحثان مع الكاتب ( مثال غازي ) ، في مبنى كلية الفنون الجميلة – جامعة بغداد الخميس 23/5/2012 الساعة 11 صباحاً ، ص 2

( )فاطمة موسى،وليم شكسبير شاعر المسرح ،(القاهرة ، المؤسسة المصرية العامة للتأليف والنشر: ب ت)،ص 13

( ) مقابلة الباحثان مع الكاتب في مبنى المسرح الوطني – بغداد ، ص 2

( )المصدر السابق نفسه ، ص 3

( ) مقابلة الباحثان مع الكاتب في مبنى كلية الفنون الجميلة – جامعة بغداد ، ص2

* التناص:هو العلاقة بين نصين أو أكثر ، كما يتجلى في الاستشهاد والتلميح والسرقة ،ينظر : زينة كفاح الشبيبي ، جدلية الرحلة وتناصاتها في النص المسرحي ، ط1 ، ( دمشق ، تموز للطباعة والنشر والتوزيع : 2012 ) ، ص 24

( )المصدر السابق نفسه ، ص25

( ) ينظر : عقيل مهدي يوسف  ، المشترك الفني والجمالي ، ط1 ، ( بغداد ، بلا مط : 2009 ) ، ص68-69

( )  مثال غازي ، إظلام ( مجموعة مسرحيات ) ، ط1 ، ( بغداد ، منشورات دار الشؤون الثقافية : 2011 ).

——————————————————————————————————–
المصدر : مجلة الفنون المسرحية – جامعة بابل – العلوم الأنسانية المجلد 24العدد (1) 2016

شاهد أيضاً

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء

صدور العدد (36) من مجلة (المسرح العربي) للهيئة العربية للمسرح  كتب – عبد العليم البناء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *