خطر الروبوتات على الصناعة المسرحية! هايل علي المذابي

خطر الروبوتات على الصناعة المسرحية!
هايل علي المذابي

نشرت مواقع إخبارية مسرحية مؤخرا خبرا عن احتفاء بروبوتات صنعت نصا مسرحيا، ولعل الأمر مستساغ لدى الكثيرين لما يبدو عليه في ظاهره من الطرافة أكثر مما يحتويه من ضمنيات هي الخطر القادم الذي يهدد الصناعات المسرحية وهو ما يجب الانتباه له والحيطة والحذر منه..
ان الحديث عن الروبوتات والصناعة المسرحية لابد أن يكون في سياق الحديث عن النظام المعرفي العالمي وموجة الأتمتة التي يفرضها على العالم، إذ فرضت الأتمتة تطورا هائلا في قطاع الحوسبة والهندسة الالكترونية عموما وكما يبدو فإن ما يهدد فن المسرح والمشتغلين به هو ذاته ما يهدد كافة القطاعات الأخرى والمشتغلين بها ككل، فالأتمتة ستفرض في المستقبل القريب انقراض آلاف المهن والوظائف أو بالأصح المشتغلين بهذه المهن والوظائف فالروبوت سيحل بديلا لهم ويشغر ما يشغرونه من حيز مهني، ولعل ذلك ما قد بدأ بالفعل ونستطيع أن نلمسه بوضوح في قطاعات كثيرة حيث حلت الآلة فيها محل اليد البشرية ولنتحدث عن أسباب هذا الاستبعاد والاقصاء لليد البشرية من سياقات الابتكارات التكنولوجية التي لن يكون قطاع المسرح شكلا استثنائيا من قطاعاتها.
لقد كانت مهمة القضاء على الفقر هي الغاية الرئيسية والهدف الأول من أهداف النظام المعرفي والاقتصاد القائم على المعرفة، تماما مثلما كانت هذه المهمة هي الهاجس الذي يسكن الأنظمة الاشتراكية في انطلاقتها، ولم تختلف عن سياقها الأنظمة الرأسمالية كثيراً، لولا أن الممارسة الاقتصادية بالنسبة للأنظمة الاشتراكية والرأسمالية اتسمت بالكثير من التعثرات والأخطاء في سياق تحقيق هذه المهمة،  تحديداً، وبدلاً من القضاء على الفقر اتضح بوضوح انها لم تسعى طيلة مسيرتها سوى من أجل القضاء على الفقراء. وكأن هذا الحل السحري نتاج حكم روبوت مجرد من الإنسانية وليس حكم إنسان له روح وعقل. ولعل هذا يتوافق مع طبيعة مظاهر الفساد التي تستبد بنوع الحكم السائد لدى الشعوب وخصوصا النامية منها.
ونظراً لهذا التشوه في الممارسة التي لم تتمكن من حل هذه المشكلة، وتحقيق هذه الغاية، كان من الطبيعي إيجاد حل مناسب يكون الإنسان شريكاً أساسياً فيه بإبداعه وابتكاراته ومن هنا كان منشأ “اقتصاد المعرفة”.
ورغم أن هذا الهدف وهو القضاء على الفقر كان حاضراً وواضحاً إلا أن الحاضنات الابتكارية متمثلة في المراكز البحثية والشركات والمؤسسات المتخصصة، لم تشرك الطبقات الدنيا في قائمتها البحثية والابتكارية، ولم تكن في حسبانها، بمعنى انها استطاعت أن تجد حلا لجميع المشكلات الخاصة بالحقول التي يعمل فيها الإنسان، لكن النهاية كانت مفزعة، إذ أن كل تلك الجهود التي بذلت لم تفعل شيء غير إقصاء الإنسان واستبعاده تماماً من كافة مجالات الحياة وحقول العمل، والسبب أن حضوره كان غائباً تماماً عن سياقات المشاريع البحثية، وبدلا من الارتقاء به من مكانته السابقة التي كان يحتلها أي في الطبقات النامية، أصبح بفضلها في الطبقات الأقل نمواً، بل وإذا استمر الحال في التدهور والإنهيار على هذا النحو فسينتهي به إلى الطبقات التي لا تُرى ولا تُذكر.
لقد فرضت تجربة الأتمتة التي يخوضها العالم اليوم العديد من التبعات التي لن يتمكن الإنسان من تحملها، وإن لم يكن لها وضوح الآن إلا أن كل ملامحها ستتضح مستقبلا وبشكل مرعب يدعو إلى الخوف والفزع، ولن يكون المسرح استثناءا شأنه في ذلك شأن مختلف الفنون والمشتغلين بها.

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش