حميد سمبيج: أعشق الضوء الخافت/محمد عبدالمقصود

بطل في الظل، مخلص حقيقي لفن المسرح، يعشق الضوء الخافت – على حد تعبيره – والأدوار غير الرئيسة.. إنه الفنان حميد سمبيج الذي يندر أن تُعقد ندوة تطبيقية لعمل مسرحي يشارك فيه الفنان الإماراتي، إلا ونجد استدراكاً يرتبط بجماليات أدائه، وإتقانه الدور، حتى وإن كان مجمل الرأي النقدي لا يصب في صالح العمل، وهذا تماماً ما رصدته «الإمارات اليوم» في أكثر من عمل في السنوات الأخيرة، منها «حرب النعل»، و«لا تقصص رؤياك»، وكلاهما حاز جائزة أفضل عمل متكامل في «أيام الشارقة المسرحية»، قبل أن يمثلا الدولة في دورتين مختلفتين في مهرجان المسرح العربي.

المرور المشرّف

قال حميد سمبيج إنه لايزال يتذكر تلك الأيام التي كان الدخول إلى مسرح الشارقة الوطني بالنسبة له، ولبعض رفقاء جيله، مجرد أحلام، يرونها عصية عن التحقيق، قبل أن يصبحوا أعضاء فاعلين في فرقته المسرحية.

وأضاف: «هناك موقف، في عام 1979، أتذكره ولايزال يراودني، حينما كنت أقف أنا والفنان إبراهيم سالم وشقيقه الراحل سعيد سالم، على مقربة من باب المسرح، ونتخيل أدواراً نرتجلها ونقوم بتوزيعها، وكأننا نؤديها على خشبته. كنا نعد مجرد مرورنا أمام بابه مروراً مشرفاً، لذا فعراقة هذا المسرح الرائد يجب أن يعيها أبناء الجيل الجديد».

أشاكس المخرج

على عكس شخصيته الهادئة التي يعرفها المحيطون به، يقول سمبيج: «في أدواري المسرحية، أشاكس المخرج، دوماً في ذهني خطوط تجريب في الأداء، وربما يرى بعض المخرجين ذلك خروجاً عن المرسوم. ولا أرى أني أعاني تهميشاً، فليس لدي أي عُقد تتعلق بمساحات الأدوار، ولو فتشنا في الأسباب بالإضافة إلى خط المشاكسة، أكون أنا المقصّر».

1981

العام الذي وقف فيه سمبيج على المسرح للمرة الأولى مؤدياً دوراً في «الله يكون في العون».

الكثير من أعمال حميد سمبيج، مرتبطة بإسناد أدوار ثانية له، ما كرّسه بطلاً في ظل الخشبة، يُقدر أهمية أدواره المخرجون والنقاد، دون أن يكون ذلك مبهراً بشكل دائم للإعلام والجمهور، خلافاً للعديد من أبناء جيله الذين انتقلوا سريعاً، في مساحة الأدوار، لذلك فإن أيام الشارقة المسرحية في دورتها المقبلة، انتصرت لخيارات فنية دقيقة، وكذلك لقيمة الإخلاص والعطاء لفن الخشبة، في المقام الأول، حينما اختارت سمبيج شخصيتها المكرّمة بعد مسيرة امتدت لـ35 عاماً.

سمبيج الذي يعتبره العديد من المخرجين والنقاد بمثابة كلمة سر للأدوار الصعبة، التي تبقى بحاجة لقدرات تمثيلية شديدة الخصوصية، يرى أنه هو من يفضل الابتعاد عن الأضواء وبؤرة الاهتمام، مضيفاً: «لست مريحاً للمخرجين؛ فأنا آخذ الدور لمساحات أراها، ولا تغويني الأضواء، بل على العكس أفضل الضوء الخافت، عن نظيره المبهر».

وما بين خشبة يعتليها في أدواره المختلفة، وميكروفون إذاعي وكاميرا تلفزيونية يبقى في كواليس عملهما مخرجاً قدم العديد من البرامج المهمة في تلفزيون وإذاعة الشارقة، يعيش سمبيج ثنائية يستمتع بها، ويرتضيها، رغم خفوت إعلامي أبى أن ينقله لمرحلة أضواء النجوم، مكرساً موقعه ممثلاً مُجيداً لما يسند إليه من أدوار، حتى وإن كانت «أدواراً ثانية».

«كنت أتشرف بمجرد المرور أمام مسرح الشارقة الوطني.. وكل أحلامنا ونحن طلبة في مرحلة الدراسة الثانوية، أن نلتحق ذات يوم بهذه الخشبة العريقة، وهذا ما تحقق بالفعل، وأراه في حد ذاته انجازاً ونعمة»، هكذا يعبّر سمبيج في تصريحه لـ«الإمارات اليوم» عن عشقه الأصيل لفن الخشبة. «الله يكون في العون» عام 1981، هو أول عمل مسرحي يشارك فيه سمبيج، وعنه يقول: «كان ذلك اثناء دراستي في مدرسة حلوان، وكان بمثابة أول عمل ضمن المسرح المدرسي بالدولة على الإطلاق، وهو العمل الذي أخرجه عبيد أبوسمحة، وأشرف عليه الناقد المسرحي السوداني يحيى الحاج، الذي كانت علاقتنا به كمواهب شابة في ذلك الوقت بمثابة مرحلة أخرى في مسيرتنا الغضة».

وتابع سمبيج: «هذا العمل تحديداً كان بمثابة العمل الأول لصديقي ورفيق دربي الفني الفنان إبراهيم سالم، وتم تحت مظلة مسرح خالد، الذي عُرف في ما بعد بمسرح الشارقة الحديث».

«لكن المسرحية التي شكلت منعطفاً بالنسبة لي آنذاك»، يضيف سمبيج، كانت «لا آخذ للمعروف ثمناً»، و«هي التالية (بعد الله يكون في العون)، بالنسبة لي، ولا أزال أتذكر تفاصيل دوري فيها، فأنا المطارد من البطل الذي يؤدي دور (أبوجعفر المنصور)، لدرجة أنه رصد 100 ألف دينار لمن يأتي برأس ذلك المطارد حياً أو ميتاً». المرور على أعمال سمبيج المسرحية يحتاج لمساحة أكبر، لذلك يبقى هو الأقدر على التنقل بين محطاتها المختلفة، ويقول: «فخور بأدائي في (ما كان لأحمد بنت سليمان)، ويبقى لـ(رأس المملوك جابر) مذاق خاص، لأنها كانت نتاج تعاون مع جميع الفرق المسرحية الأهلية في إمارة الشارقة، بإخراج القدير عبدالإله عبدالقادر». وفرّق سمبيج في مسيرته بين مرحلتين فاصلهما الزمني عام 1994، الذي شهد تخرجه في معهد الكويت للفنون المسرحية، وهو العام الذي شهد مشاركته في مسرحية «غاب القطو» لجمال مطر، ثم «قبر الولي»، وهي مرحلة نضج فني شهدت مشاركات كيفية له حظيت بإشادات نقدية متعددة. ويتابع سمبيج: «من الأعلام المسرحيين الذين استفدت من خبراتهم كثيراً المخرج العراقي القدير قاسم محمد، الذي جمعتني به (حكايات من أزقة العالم الآخر)، في حين أنني مدين كثيراً للفنان المسرحي الرائد عبدالله المناعي، وكان قليلاً عليه أن أهديه أحدث أعمالي (سكارليت) الذي شاركت به أخيراً في مهرجان المسرح الثنائي». سمبيج، الذي شارك في جميع الأعمال المسرحية الأخيرة التي جاءت من إبداع صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، كان حضوره الفني مميزاً في عملين حديثين مثلا الإمارات في محافل خارجية، هما: «صهيل الطين» و«لا تقصص رؤياك»، دون أن يخلّ بالتزاماته مخرجاً في تلفزيون الشارقة، موضحاً: «نحن كفنانين يعملون في دوائر ومؤسسات رسمية في إمارة الشارقة نتمتع بميزة التفرغ، حينما نكون بصدد الاشتراك في أعمال أو مشروعات فنية، وهو ما أثر بشكل إيجابي ملحوظ في عطاء الفنان عموماً».

المصدر/ دبي

محمد سامي / موقع الخشبة

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش

   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *