حديث عن تجربة خمسين عاماً من الفن والمسرح..عزيز خيون: ما يهمني أن أعيش في هذا الفضاء الجمالي ممثلاً ومخرجاً- الجزء الأول#العراق

 

حاوره: علاء المفرجي

القسم الأول

ولد الفنان عزيز خيون عام 1947، في إحدى قرى قضاء الرفاعي بمدينة الناصرية في محافظة ذي قار جنوبي العراق.

كانت بداياته على خشبة مسرح أكاديمية الفنون الجميلة، في عدد من الأعمال منها: (فلوس الدوه ) للراحل يوسف العاني ومن إخراجه و(طبيب بالكوه ) معدّة عن (طبيب رغماً عنه ) لموليير ، وهي مايسميه البداية صفر، لكنها مسرحية “مركب بلا صياد” لبدري حسون فريد توجته في عام 1972م، حيث فاز عنها بجائزة أفضل ممثل. بدأت علاقته بالمسرح منذ عام 1969 في مدينة النجف عن طريق صديقيه مهدي سميسم وحسين القيسي. واستمرت مسيرته المسرحية إلى الآن. رُشّح في اختتام الدورة الحادية والعشرين من مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي في دار الأوبرا المصرية عام 2009 كواحد من عشرة من المسرحيين العرب والأجانب الذين أثروا الحركة المسرحية في بلدانهم وتركوا بصماتهم الواضحة عليها طيلة عقود من الزمن، اشتهر عربياً بدور «أبو الدرداء» في المسلسل السعودي المشترك “غرابيب سود”.

أنجز أكثر من سبعين مسرحية على مستوى التمثيل، وأكثر من ثلاثين مسرحية

على مستوى الإخراج وعشرين فيلماً وثائقياً، وعلى مستوى السينما أكثر من خمسة أفلام سينمائية منها (القادسية) و(اللعبة) و(الملك غازي) وغيرها، إضافة للكثير من المسلسلات على مستوى الإذاعة والتلفزيون. كما شارك في عدد من المسلسلات العربية.

الفنان عزيز خيون يأخذنا في حوار طويل مع (المدى) عن تجربته الفنية، وعن المسرح العراقي الذي أصبح بعد خمسين عاماً احد علاماته البارزة مخرجاً وممثلاً.

* بداياتك تزامنت مع مرحلة شهد فيها المسرح العراقي أوج ازدهاره، وقدمت واحدة من الأعمال التي نفذت في تلك الفترة أعني (مركب بلا صياد) مع بدري حسون فريد..السبب في هذه الانطلاقة لشاب تخرج تواً من دراسة المسرح

– البدايات تحكمها الصدفة ، هكذا قالت لي الحياة والصدفة هي من وضعت في طريقي الفنان خريج أكاديمية الفنون الجميلة مهدي سميسم ليمنحني وردة البداية صفر في مسرحية (فلوس الدوه ) للراحل يوسف العاني من إخراجه ومسرحية (طبيب بالكوه ) معدة عن (طبيب رغما عنه ) لموليير ، هي البداية صفر مع الفنان حسين القيسي من إخراجه ومسرحية (صوت الأحرار ) و (عنتر وعبلة في القرن العشرين ) والأعمال سالفة الذكر هي البداية صفر وقُدمت في مدينة النجف الاشرف عام 69 19 و ( المسيح يصلب من جديد ) في العاصمة بغداد كانت هي أيضاً البداية صفر من إخراج عوني كرومي ومسرحية الأطفال (علاء الدين والمصباح السحري ) من إخراج جاسم العبودي كانت البداية صفر وفي انتظار اليسار مع فيصل المقدادي مخرجاً أيضاً هي البداية صفر ، أذن هناك بدايات وليست بداية واحدة مستقلة عن التجربة الأخرى . ما قدمه لي مهدي سميسم الذي غيّر مجرى حياتي وأدار دفتها جهة منصة الجمال المسرحي وكذلك حسين القيسي وعوني كرومي الذي منحني تأسيساً صلباً عندما أهداني شخصية يهوذا الاسخريوطي في رائعته المسيح يصلب من جديد تلك الشخصية المركبة الصعبة وأنا بعد لم أزل طري العود قليل التجربة وراحِلتي تخلو من أي معلومة عن المسرح وكذلك الأستاذ جاسم العبودي في علاء الدين والمصباح السحري ، والعملان من إنتاج وتقديم معهد بغداد التجريبي ومقره مسرح بغداد خلف سينما النصر وهو أول معهد خاص لدراسة المسرح في بغداد والشرق الأوسط ، أسسه الراحل الأستاذ الكبير إبراهيم جلال ولا أنسى تجربتي مع فيصل المقدادي في أطروحة تخرجه من أكاديمية الفنون الجميلة عندما أسند لي دور البطولة في مسرحية ( في أنتظار اليسار ) تأليف الكاتب الأميركي كليفورد أودتس والتي قدمت من على قاعة الخُلد ، أقول بعد هذه البدايات الصفر جاء تتويجي طبيعياً في مركب بلا صياد كأفضل ممثل في العراق للموسم المسرحي العراقي 1972 من المركز العراقي للمسرح وهي المرّة الأولى التي تمنح فيها مثل هذه الجائزة لشاب ما يزال بعد على مقاعد الدراسة في موسم مسرحي عراقي صعب وغني بالطروحات الجمالية وفي فترة تعتبر من الفترات الهامة لازدهار المسرح في العراق والمسرحية من تأليف الكاتب الاسباني أليخاندرا كاسونا وإخراج بدري حسون فريد ومن إنتاج وتقديم أكاديمية الفنون الجميلة. أما السبب في أنطلاقتي كشاب تخرج تواً في دراسة المسرح كوني تعلقت في هذا الوسيط الجمالي المسرح الذي رأيت فيه ليس تخصصاً وظيفياً مجرداً ، إنما وجدت فيه خياراً ومشروعاً لحياتي ووضعت على منصته شغفي وتمردي وطاقتي الصوتية والجسدية وانغماري الكلي لساعات طويلة في التدريب والتجربة اليومية لإنضاج مهاراتي وملاحقتي في تثقيف ذاتي وسِقاية طاقتي بالمعارف الشاملة ، طموحاً أن أكون فناناً شاملاً ولا أسكن للقناعة يوماً لذلك أنا لم أعطِ لأعمالي توصيفاً رقمياً ، إنما أشرت إليها بالصفر وهذا ما أكتشفته لاحقاً من خلال تجربتي المسرحية ، أنني لا أنتمي للمتوالية العددية فيما أنجز كأن أقول البداية الأولى والبداية الثانية أنما البداية صفر باستمرار ولا تعترف بالتراكم الفني والخبرة ، المسرح بتقديري لا يعترف بالتراكم العددي ولا الخبرة ولا المرجعية الثقافية ولا رصيد الهواية أنما يعترف فقط بالتجربة اليومية وما تمنحني إياه من أريج الاكتشاف ورحيق الإبداع ، أنا أسير في طريق مجهول وعندما أفرغ من تجربة ما وأتصدى للجديدة أخلع عني القديمة وتكون التجربة الجديدة هي التجربة صفر ، طبعي باستمرار أصفّر ما أفرغ منه لأنساه وأبدأ من جديد ، أن لا يغريني سحر القناعة فيما أفكر وأنجز .

* جيلكم حمل لواء التجديد في المسرح العراقي.. مع عقيل مهدي وجواد الأسدي وآخرين.. ما تعليقك؟

– جيل هائج مائج يتمرد على كل المواضيع المتعارف عليها في الظاهرة المسرحية في العراق جيل قلّب الطاولة بكل ما تعنيه الكلمة من أبعاد ، جيل أدمن مكاتب سوق السراي وشارع المتنبي ومكتبات شارع السعدون بحثاً عن الكتاب القادم والمعلومة الجديدة المؤلف منها والمترجم ، أشعل مرجل النشاط في أكاديمية الفنون الجميلة ومعهد الفنون الجميلة مختبراً لتجاربه المسرحية اللافتة ، هّز قناعات الفرق المسرحية الخاصة فكان عوني كرومي في مسرحية كاليجولا مخرجاً وكان عوني كرومي في المسيح يصلب من جديد في العام 1969 لوناً قادماً بقوة في الكتابة المسرحية على المنصة قراءة حداثوية وتكويناً جديداً وفكراً ورسالة جمالية ، أربعون شاباً عزيز خيون واحد منهم يعتلون خشبة مسرح بغداد للمرة الأولى ويعلنون عن مسرح يتحدث بلغة الجديد والمغاير اللافت ، صوت آخر هو صالح البدري في (أمام الباب)، فيصل المقدادي (في انتظار اليسار) ، فاضل السوداني في ( موت دانتون ) ، فاضل خليل في مسرحية (عطيل ) لشكسبير ، فاروق فياض في مسرحية ( إضبطوا الساعات ) لمحمود ذياب ، علي ماجد في مسرحية ( شاكا ) ليوبولد سنكور، مطلب السنيد في ( الكراسي ) ليونسكو ، حميد الجمالي في مسرحية ( أنشودة أنجولا) ، فلاح هاشم في (مهنة جذابة ) من تأليفه وإخراجه ، إسماعيل خليل وكاظم الخالدي وصلاح القصب وروميو يوسف أما جواد الأسدي فلم يقدم سوى عملاً واحداً هو (العالم على راحة اليد ) وكل تجاربه صنعها خارج العراق من خلال بعثة دراسية قدمها له الحزب الشيوعي العراقي لدراسة المسرح في بلغاريا، وعقيل مهدي في مسرحية (الضوءان) ، (القرصان والصياد) من تأليفه وإخراجه ومسرحية السندباد تمزقه الغربة لشوقي خميس ومسرحية السحب لارسطوفانيس وقدمت هذه الأعمال داخل كلية الفنون الجميلة وبعد عودته من دراسة المسرح من بلغاريا من خلال بعثة دراسية قدمتها له جامعة بغداد على حساب الدولة العراقية ، وبعد عودته نشط مخرجاً ومؤلفاً للعديد من العروض المسرحية ، إن جيلنا جيل الشباب الذي أتشرف بالانتماء إليه هو جيل فاعل ومغاير، وإذا كان ثمة من عصف إيجابي طال خشبة المسرح في العراق وخلّصها مما يثقلها من رتابة وركود وقناعة في الفرضية الفنية والمعالجة الدرامية والقراءة الجمالية للنص المسرحي فأني أعتقد جازماً أن هذا الجيل المتعلم والدارس ، القارئ والمثقف من مخرجين وممثلين وتقنيين الذي غادر منصة الهواية له الدور المؤثر كتفاً لكتف مع جيل الأساتذة الرواد طموحاً في ابتكار نظّم عملاً وتقاليد تجارب وآليات اشتغال جديدة تشحذ الصورة المسرحية بطاقة تعبيرية وتزينها بكل ماهو مشوّق وجاذب ، استمر هذا الجيل ومن منصات مسرحية عدة ينجز تجربته الجديدة ، جيل مثقف يصر ، يعاند غير هياب ، يتنفس الحرية وحلم التجديد على الرغم من هيمنة هراوة الرقابة وصعود ذراع المحذور وسلطة الممنوع وبنفس الوقت يؤسس لجمهور جديد مثقف يتابع بلهفة ومسؤولية تجاربنا المسرحية .

* نبقى في مرحلة السبعينيات.. فقد قُدمت أهم أعمال المسرح العراقي وكان لتنافس الفرق المسرحية أثره الإيجابي في تطور هذا المسرح.. هل تعتقد أن هذه السنوات كانت السبب في السمعة الكبيرة للمسرح العراقي عربياً على الأقل؟

– حقل السبعينيات الثقافي بعامة والمسرح بخاصة كان حقلاً حيوياً نشِطاً ومثمراً وفي كافة ألوانه بسبب الاستقرار النسبي للوطن أقول النسبي وبروز الطبقة المتوسطة في العمل والإنتاج الثقافي وزيادة نسبة المتعلمين من المواطنين وقيام الجبهة الوطنية على الرغم من قساوة قبضة النظام واستبداده ، ومن ثم فشل الجبهة الوطنية وتأزّم الواقع السياسي القلق في تلك “العشرية” وهبوبها العاصف والمتميز في إنتاجها المسرحي والصعبة في ظروفها وقهرها السياسي بحيث قدّم المسرح في العراق إنتاجات مهمة وكانت هذه السنوات فرصة لنشاط مميز ساهمت به جميع المنصات المسرحية ، الفرق الأهلية في العراق والفرقة القومية للتمثيل في دائرة السينما والمسرح وأكاديمية الفنون الجميلة ومعهد الفنون الجميلة أنجزت أشكالاً هامة ومضامين مشاكسة بطروحاتها الفكرية والجمالية ، وقد شارك في هذا النهوض المسرحي الهام جيل الرواد والأجيال الشابة إخراجاً وتمثيلاً وتقنيات فنية ، تلك التي أنهت دراستها في الحاضنتين الفنيتين المذكورتين سلفاً، والتي ما تزال على مقاعد الدراسة ، حركة ناشطة لونّها الأساتذة بمهاراتهم وخبرتهم في تجاربهم المتنوعة إبراهيم جلال وسامي عبد الحميد وقاسم محمد ، كاظم حيدر مصمماً ومنفذاً للديكور والكبير يوسف العاني كاتباً مجدداً وقريباً من ضمير الناس في فرقة المسرح الفني الحديث ، هذه الفرقة العتيدة التي كانت بمثابة أكاديمة للفنون والثقافة لتزويد الفنان الدارس والهاوي على السواء بالعلوم والتجربة المسرحية ولم تكتفِ هذه الفرقة بنشاطها المحلي بل مدّت بسواعد مخططيها ومصممي برامجها جهة بعض أقطار الوطن العربي منها الكويت والجزائر وأيضاً استعانت الفرقة القومية للتمثيل في دائرة السينما والمسرح بالاسماء المذكورة لتنشيط مواسمها المسرحية تمثيلاً وإخراجاً .

ومن جيل الأساتذة أيضاً ، أذكر تجربة المخرج السينمائي والمسرحي الملحن وعازف البيانو والمترجم وأستاذ مادة الإذاعة والتلفزيون في أكاديمية الفنون الجميلة الأستاذ جعفر علي في فرقة مسرح اليوم وأكاديمية الفنون الجميلة وتجربة الأستاذ جعفر السعدي في فرقة المسرح الشعبي و إبراهيم جلال وخالد سعيد في فرقة أتحاد الفنانين وأسعد عبد الرزاق في تقديم أعمال مسرحية من نمط ولون آخر في فرقة 14 تموز للتمثيل ، فرق وفنانون الكل كان يتنافس ، يتنافس ليس من أجل تسقيط أحدهم الآخر ، إنما يتنافس لتحريك منصات الجمال في العراق وصناعة مشهد مسرحي يعج بالحيوية والتجديد من خلال ما أسلفت أستطيع أن أقول إن عقد السبعينيات عقد يتميز بغناه المسرحي نوعاً وكماً والتأسيس الذي أنجزته هذه السبعينيات الضاجة بكل منصاتها الجمالية وعلى كافة الصُعد وتخصيصاً المسرح منها هي مَن مهدت الطريق سالكاً للمسرح في العراق أن ينفتح خارج حدوده ، جهة رفقائه في المسرح العربي لأنني على يقين ثابت أننا لا نعمل من أجل مسارح قطرية مقطوعة عن بعضها ، إنما نتحرك ونجتهد من أجل مسرح عربي ، لذلك تحرك المسرح العراقي الى ذاك المهرجان وتلك الأسابيع الثقافية وذاك الملتقى في الكويت وقطر وتونس ومصر ودمشق الى عمان والبحرين والمغرب وعّمان وليبيا وحصد جوائز مهمة في مسرح الكبار والأطفال في التمثيل وكتابة النص والإخراج ولاحقاً كسر جدار الحصار وأنطلق جهة أيطاليا والمانيا وفرنسا وهولندا جهة العالم مؤكدا أن المسرح فن لا وطن له ، المسرح فن منطقته العالم .

* مارست التمثيل وتحوّلت الى الإخراج.. أين يجد عزيز خيون نفسه في التمثيل حيث أبدع، أم في الإخراج حيث أجاد؟

– تشبثت بفن المسرح لأنني وجدت فيه وسيلتي وضالتي في تحقيق رسالتي وخدمة مجتمعي والحقيقة ، وتعويضاً عن حريتي المصادرة في الحياة ، لذلك كنت وما أزال وفياً لهذه العلاقة التي مضى عليها نصف قرن من الزمان حتى الأن ، علاقة واضحة ترفض التردّد والتراجع ليس اشتغالاً إنما انشغالاً بالمسرح فناً وبحثاً وكتابة ، وكان فن الممثل هو الوسيط الجمالي الأول لهذه العلاقة المتوازنة ، فأنا من جيل محظوظ عاش زمن الأساتذة الكبار والأجيال الشابة المبدعة التي ظهرت معهم وبعدهم لذلك أغتنت تجربتي كممثل من معين وغنى هؤلاء في صياغة وتقديم الشخصية الدرامية معافاة فوق منصة المسرح ، فرصة غاية في الأهمية لي كممثل أن أسعد بالعمل مع كوكبة مضيئة من المخرجين ، محظوظ أنا حين تهديني الصدفة وتكرمني اللحظة قبل دخولي أكاديمية الفنون الجميلة لتضعني أمام عوني كرومي وجاسم العبودي في معهد بغداد التجريبي الذي أسسه إبراهيم جلال ومع الأستاذ المخرج بدري حسون فريد والأستاذ جعفر علي أثناء دراستي في أكاديمية الفنون الجميلة ولاحقاً مع قاسم محمد ، إبراهيم جلال ، سامي عبد الحميد ، محسن العزاوي ، جاسم العبودي وهاني هاني في الفرقة القومية للتمثيل في دائرة السينما والمسرح ، وتستمر تجربتي مع هذا الفن الساحر فن الممثل وحتى الوقت الحاضر ، مشاريع ، شخصيات ، ورسائل جمالية ، عروض متنوعة الألوان والفرضيات وشخصيات درامية جسدتّها في محاولات مختلفة وصولاً للغاية والطموح الذي أبغي أن يكون هذا الفن غنياً ومتطوراً في كافة عطاءاته الإبداعية ، لكن وهذه (اللاكن) تسحبني الى متغير في حياتي الخاصة والفنية كمواطن ومسرحي أملت عليّ متطلبات وأفكاراً لا يستطيع فن الممثل أن ينهض بها وإنْ استجاب ففي حدود مشروطة بتوجهات ما ، كوني كممثل أنشط من خلال أفكار وخيارات وتجربة الآخر وهو كاتب النص والمخرج والحصيلة الإبداعية التي أحققها كممثل مرتبطة بهذا الحيز الجمالي لهذين المبدعين ، من جانب آخر وجدت أن الظاهرة المسرحية في وطني بحاجة ماسة الى مخرجين جدد يفعلّون حِراكها المسرحي إخراجاً ورؤى ومضامين ، إضافة الى أن هناك أفكاراً ورسائل مهمة تلح عليّ وتدعوني للإجابة عليها أنا شخصياً وليس غيري ، هذه الأسباب وغيرها الخاصة والعامة جعلتني أطرح نفسي مخرجاً ، أن يكون لي خياري في انتقاء المشروع على المستوى الفكري والفني ، أن يكون لي صوتي ، منهجي في صياغة وفلسفة التجربة المسرحية التي أبغي ، قدمت في هذا الفضاء الجمالي أكثر من تجربة ، قدمت ما يزيد على الثلاثين مسرحية على المستوى المحلي والعربي والتي كتب لبعضها أن تحل ضيفة على منصات عالمية في ألمانيا وإيطاليا وهولندا ، المهم في الأمر أن ما حصل من إعاقات لمشروعي كممثل ومخرج لم تُحل بيني وبين طموحي في التواصل والنضال لاثبات الحضور وإحداث أثر وترك بصمة ، كمخرج لم أشغل هذا الكرسي رغبة لهوى ما أو مكسباً نرجسياً أو إشهاريا أو طمعاً مادياً أنما شغلت هذا الكرسي لإيماني بأهمية هذا المشروع على المستوى المسرحي والوطني وثقتي الكبيرة بقدرتي على صياغة مشهد مسرحي عراقي ملتزم ومتحضر ويتجدد ، يصمم على أرضية البحث والثقافة والتعويل فقط على ما تمنحه عطاءات التجربة اليومية مع فريق مسرحي مفكر يجد في المسرح أهمية ثقافية وضرورة اجتماعية لبناء الإنسان ورفقة نبيلة ، وما يهمني شخصياً أن أعيش حياتي في هذا الفضاء الجمالي المسرح تارة ممثلاً ومخرجاً تارة أخرى ، بحسب ما يمليه علي قانون الظرف ومنطق الصدفة في أثبات هذا المشروع التمثيلي أو ذاك الإخراجي ، لذلك تراني متواجداً أُرضي رغبتي في محاورة الاثنين معاً ، منصة التمثيل وكرسي المخرج ، فلكل تخصص له ما يناسبه من استعداد وعدة هي لزوميات لإنجاز شروطه الجمالية حين أكون ممثلاً ( كنت وما أزال ) هناك مهمة وهناك تجربة عليّ النهوض بها ولا يمكنني أبداً أن أفرط بها من خلال تجنيد كامل وقتي صوتي وجسدي وبكارزمات روحي ومراجعة ما أنجز وإثبات ما أقرر وإرواء معارفي بكل ما هو جديد عن طريق تجربتي اليومية ومتابعة التجربة العربية والعالمية فيما هو مؤلف ومترجم ، وأيضاً من خلال تصفير ما أتوصل إليه ومغادرته لجوءاً جمالياً لطرق ومحاولات جديدة في تطوير وتحديث تجربتي كممثل ومخرج لا يعترف بما يتوصل ولا تغريه نشوة النجاح والفوز بما يحقق وينجز ، أن يركن الى زاوية القناعة ، وأقول باستمرار عزيز خيون الممثل يقود عزيز خيون المخرج والعكس جائز ، لكن الذي يؤلمني ويحز في نفسي كثيراً ، أن في هذين الفضائين الجماليين لم تكن رحلتي ميسورة بل كانت هناك دائماً أسباب وظروف وأصوات تضرب أجنحتي كي تهوي لكني أعاند وأعاود التحليق يملؤني الأمل أن الغد أجمل .

https://www.almadapaper.net

 

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش