“جي بي إس” الأصل والصورة – محمد شرشال #الجزائر

“جي بي إس” الأصل والصورة – محمد شرشال #الجزائر

وماذا لو تحدثنا بجدية ؟

فضاء العرض، فضاء ملغز و مشع، مُرسِل، مشفَر مشتبك… وأية دلالة أو علامة بصرية سينوغرافية فيه  تشتغل بمجرد رؤيه الجمهور لها، ولهذا فهي تتصل بفلسفه العرض العميقه وشفراته، ولا تنفصل عن التدفق الأولي للفعل الاصلي، المولد للحدث. وهنا تتأتى جماليات العرض المسرحي التي تحفر عميقا في وعي المشاهد المتحفز للتماهي مع دراما العرض، كأسئلة شائكة صادمة صارخة.

عرض مسرحيه (جي بي اس) كله اشتغال في هذا المعنى، إذ تلعب الصورة البصرية دور البطل في العرض، وعليه فكل علامة بصرية هي دال يحيل المشاهد الى مدلول وتاريخ ومرجعيات، بتراتبية قصدية وضعها المخرج ، ولا تشذ علامة عن هذا النظام مطلقا. وعندما ينتهي العرض يكون المشاهد قد واجه أسئلة كثيرة صعبة التفكيك ، أطلقتها المسرحية، عبر ادواتها الدرامية الكثيرة المتشظية، بقصدية إخراجيه لا بد منها، ليصبح العرض بكل علاماته مرجعا لفكرة ما، لحدث ما أو حياة متخيله..

وحينما يكون المشاهد في “مكان عرض أخر” غريب عن الفضاء الطبيعي للعرض، و يرى أنه قد جرى استخدام بعض العلامات او الأيقونات او الأكسسوارات التي شاهدها على الخشبة، يراها في فضاء هجين غير ملائم !!! هنا و بالضروره يحيله هذا الفضاء الى مرجعية واحدة وهي مرجعية العرض الأصل، وأسئلته العميقة.

ولو رحلت أيضا تلك العلامات أو الأيقونات إلى عرض تلفازي برامجي فلا بد بالضروره أن تحيل المشاهد إلى العرض الاصلي، وهنا يكون الفضاء الثاني ساندا لمرجعيات العرض الاول أو العكس، يهدمها ويصادر أسئلتها الكبرى، إن كان الهدف فلكلوريا بحتا يهدف إلى خدمة كل شيء، إلا دلالات اللباس أو الأكسسوار أو الأقنعة في العرض .

تفاصيل العرض الأصل وإن كانت قطعا او اكسسوارات أو أقنعة او علامات منقوله من فضاء لفضاء اخر، وهذا ما يقوى الفضائيين الاول والثاني، لابد لها من سبب وجود وهدف واضح لعرضها في الفضاء الثاني، ولابد ان يعتني بكيفيه اظهار شكلها، و أن لا تخرج عن صياغة ابتكارها الاصل، وعن معناها في سياق الفضاء الذي اطلقت فيه، فلا يجب ان يضاف إليها شيء؛ أو ينقص منها شيء، لأنها تمثل فكرة مجسمة لمخيال المخرج، فهي لم تصنع بلا معنى ولم توضع في العرض بلا هدف، حيث يجب ان تكون في “الفضاء الثاني” موضوعة وفق هدف ولسبب معين، و محتفظه بذات القيمة البلاغية لاشتغالها .. لا تحيد عنها أبدا. فإن شوهت أو حورت او أخذ منها او اضيف اليها، أو عرضت جافة كما تعرض الملابس في واجهات المحلات قصد شراءها، هنا ستخرج عن مرجعيتها الاصلية، ولا تطلق ذات السؤال الذي اطلقته في العرض الأصلي، فيضيع المعنى وتضيع طاقتها الخلاقة لأسئلة وجودها في هذا “الفضاء الأخر”.

مع الأسف فإن عرض أزياء، وديكور، واكسيسوارات مسرحية “جي بي إس” في قصر الثقافة بمناسبة افتتاح السنة الثقافية، قد أساء إساءة مباشرة للعرض و للمسرح الوطني و لوزارة الثقافة، لأننا ببساطة صناع الجمال لا “القبح”، و مع الأسف ما عُرض كان “قبحا”، شكلا و مضمونا. و الدليل ما ورد من ردود أفعال مستهزئة و مستنكرة في شبكات التواصل الاجتماعي.. ردود أرى أنها موضوعية، منطقية و صائبة.

إحترامي للمجهودات المبذولة في هذا المعرض، و للنوايا الحسنة للقائمين على هذه المبادرة..  ولكن…

ملاحظة: أنا لا أتحدث عن الدمية التي ألبست سترة رجالية بقصد أو غير قصد، حديثي عن وجوب التعامل الاحترافي مع أدوات و عناصر الخطاب المسرحي و احترام أخلاقيات و طقوس المسرح..

محمد شرشال – الجزائر

شاهد أيضاً

نهضة المسرح العربي الجديدة والمتجددة مع الهيئة العربية للمسرح ومسؤولية المؤرخ المسرحي إعداد: أحمد طنيش